هولاند يربط مؤتمر العراق بتشكيل الحكومة الجديدة.. ويرى ليبيا الهم الأكبر

دعا إلى فك حصار غزة مقابل نزع سلاح حماس.. وأكد أن الأسد لا يمكن أن يكون شريكا في مكافحة الإرهاب

فرنسوا هولاند
فرنسوا هولاند
TT

هولاند يربط مؤتمر العراق بتشكيل الحكومة الجديدة.. ويرى ليبيا الهم الأكبر

فرنسوا هولاند
فرنسوا هولاند

كشف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن بلاده لن تقدم على الدعوة لمؤتمر إقليمي - دولي حول الوضع في العراق إلا بعد تشكيل حكومة عراقية جديدة. وقالت مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط» إن السبب يعود إلى أن باريس «لا تريد أن يكون رئيس الوزراء (الحالي) نوري المالكي الجهة الرسمية المدعوة» خصوصا أنها طالبت منذ اندلاع الأحداث الأخيرة بتخليه عن السلطة لإفساح المجال أمام قيام حكومة اتحاد وطني شاملة جامعة تتمثل فيها كل الأطراف تمثيلا عادلا.
وجاء كلام هولاند في إطار المؤتمر السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم الذي افتتحه صباح أمس في قصر الإليزيه والذي استغله للقيام بعرض شامل لسياسة بلاده الخارجية خصوصا إزاء البؤر المشتعلة؛ ومنها خمس في الشرق الأوسط، وهي: العراق، وسوريا، ولبنان، وغزة، وليبيا.
وتريد باريس الدعوة لمؤتمر إقليمي - دولي من أجل «تنسيق العمل الدولي ضد (الدولة الإسلامية) على الصعد الإنسانية والأمنية وأيضا العسكرية». وتريد باريس أن يضم الأعضاء الخمسة الكبار في مجلس الأمن وبلدان الإقليم، ومن بينهم إيران، مع التركيز على حضور البلدان الخليجية العربية التي يراد منها التأثير على المكون السني العراقي ودفعه للمشاركة في الحكومة الجديدة والعملية السياسية التي انطلقت مع تعيين حيدر العبادي رئيسا جديدا للحكومة. والأهم من ذلك، تريد باريس من دول الخليج حمل العشائر العراقية على الابتعاد عن تنظيم «داعش»، وأن تكون الضامنة لهم ولحقوقهم. فضلا عن ذلك، تسعى باريس، كما قال هولاند، إلى المساهمة في «قيام عمل دولي منظم ومتسق» للتغلب على ميليشيات «داعش»، ولكن دون ذلك أربعة شروط؛ أولها: توصل العراقيين إلى التفاهم السياسي والتعاون معا. وثانيها انخراط الأسرة الدولية في تسليح القوى التي تواجه «داعش» ميدانيا. وثالثها التزامها بمحاربة وملاحقة الخلايا الإرهابية الدولية ومنع وصول المقاتلين الأجانب إلى صفوفها. ولذا، فإن مجلس الأمن الدولي سيناقش مشروع قرار بهذا الصدد في 25 سبتمبر (أيلول) المقبل. بيد أن الشرط الأهم، بحسب باريس، هو قيام تحالف دولي واسع لمحاربة «داعش» في العراق وسوريا، الذي وصفه هولاند بأنه «الخطر الأكبر» وبأنه «منظمة همجية».
ويعد الرئيس الفرنسي أن ما يجري في العراق سببه الحرب في سوريا وعجز المجتمع الدولي عن تعبئة طاقاته لوضع حد لها، غامزا من قناة الولايات المتحدة الأميركية التي تراجعت في آخر لحظة العام الماضي عن توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري عقب استخدامه الغازات الكيماوية على نطاق واسع في 21 أغسطس (آب) الماضي. وفي حين تدور تساؤلات حول قدرة النظام السوري على الاستفادة من تمدد «داعش» والمخاوف التي يثيرها في الغرب، من أجل إعادة تأهيل نفسه باعتبار أن «داعش» هو «عدو مشترك»، حرص هولاند على قطع الطريق أمام أي محاولة لضم الأسد إلى التحالف الموعود، لأنه «لا يمكن أن يكون شريكا في الحرب على الإرهاب» ولأنه «الحليف الموضوعي للجهاديين»، ولذا «لا مجال للاختيار بين همجيتين» تدعم الواحدة منهما الأخرى. ولذا، فإن باريس «حازمة» في رفض «عرض الخدمات» الذي قدمته دمشق لأن قبوله، كما قالت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»، «غير مقبول لا أخلاقيا ولا سياسيا».
وحتى الآن، اكتفت باريس في الملف العراقي بالمساهمة في تسليح المعارضة الكردية وتقديم المعونات الإنسانية للنازحين خصوصا من الأقليات المسيحية والإيزيدية، لكن المشاركة في التحالف العسكري، خصوصا العمليات العسكرية الميدانية، دونها شروط؛ منها ثلاثة معروفة، وهي: وجود طلب عراقي رسمي، وصدور قرار دولي من مجلس الأمن، وأخيرا مساهمة أطراف أخرى في عمليات كهذه. أما سوريا، فإن فرنسا ما زالت مصرة على موقفها لجهة تسليح المعارضة المعتدلة وتمكينها من الوقوف بوجه النظام و«داعش» على السواء رغم الوهن والانقسامات التي ألمت بها.
ويحتل لبنان حيزا خاصا في الاهتمامات الفرنسية الشرق أوسطية، ومخاوف باريس إزاء امتداد الأزمة السورية إليه كبيرة. وأشار هولاند أمس إلى أن ثلث المقيمين في لبنان حاليا هم سوريون. لذا، جاءت دعوته إلى مساندة البلدان التي تؤوي النازحين السوريين، ومنها الأردن وتركيا، وأشار إلى أن باريس ستقدم السلاح «الضروري للبنان بالتواصل مع المملكة السعودية من أجل تمكينه من ضمان أمنه».
وردا على التساؤلات والإيحاءات التي تحفل بها الوسائل الإعلامية اللبنانية عن أسباب تأخر وصول السلاح الفرنسي من الهبة السعودية البالغة 3 مليارات دولار، قالت مصادر رسمية فرنسية إن الأمور «سائرة في طريقها» وإنه «ليست هناك ضغوط من أي جهة»، بل إن الأطراف الثلاثة حريصة على أن تجري العملية بشفافية وبعيدا عن أي صفقات. وأضافت هذه المصادر أن لوائح السلاح قد وقعت وأن هناك تفاهما قانونيا ثلاثيا قيد التحضير بين الأطراف الثلاثة بعدها سيبدأ تسليم السلاح.
ولم يعط هولاند موضوع غزة حيزا واسعا؛ إذ خصص له أربع فقرات قصيرة. وأبرز ما جاء فيها أنه يتبنى معادلة فك الحصار عن غزة مقابل نزع سلاح القطاع. ووفق ما قاله، «لا يمكن، لأي جهة قبول أن تبقى غزة قاعدة مسلحة لحماس، و(من جهة أخرى) سجنا مفتوحا بالنسبة لسكانها». كما كان لافتا للنظر أنه لم يستعد ما أعلنه وزير خارجيته لوران فابيوس حول الحاجة إلى «فرض» السلام على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، مكتفيا بالتذكير بالعرض الفرنسي - الأوروبي للرقابة على المعابر بين القطاع من جهة، ومصر وإسرائيل من جهة أخرى، مع التأكيد على أهمية تمكين السلطة الفلسطينية من الوسائل التي تؤهلها للاستجابة للحاجات الإنسانية ومباشرة إعادة الإعمار. ورأى هولاند أن لأوروبا دورا يتعين عليها أن تلعبه؛ إذ «لا يمكن أن تبقى فقط الجهة التي يجري التوجه إليها لإصلاح ما خرب» وتوفير الأموال، بل يتعين أن تلعب دورا سياسيا، وأن «تستفيد من مبادرة السلام العربية في عام 2002 التي لم تؤخذ كفاية بعين الاعتبار».
أما في الموضوع الليبي الذي وصفه بـ«الهم الأكبر»، فإن هولاند وجه نداء للأمم المتحدة من أجل توفير «دعم استثنائي» لمساعدة الدولة الليبية على إعادة فرض سلطتها. بيد أنه لم يفصّل طبيعة الدعم المطلوب وما إذا كان عسكريا أو سياسيا مدنيا.
وتربط باريس بين اهتراء الوضع الليبي، وانتشار الإرهاب على الشاطئ الجنوبي للمتوسط. وبحسب الرئيس الفرنسي، فإن غياب الدعم الدولي يهدد بانتشار الإرهاب في كل أرجاء الإقليم. وليس سرا أن باريس جعلت من محاربة الإرهاب الهدف الرئيس لانتشار قواتها في أفريقيا وتحديدا في ما يسمى بلدان الساحل الممتدة من موريتانيا وحتى دارفور.
وفي توصيفه للحال الليبية، أبدى أسفه للفوضى القائمة، حيث يتناحر برلمانان، وتتقاتل الميليشيات. والمخرج السياسي، في رأيه، يقوم على دعم شرعية البرلمان المنتخب، وتشكيل حكومة جامعة، وإطلاق مسار المصالحة السياسية، ونزع سلاح الميليشيات. لكن المشكلة تكمن في تحديد الجهة القادرة على تحقيق هذه الأهداف، وفي انقسام الأحزاب والمجتمع الليبي إزاء التدخل الخارجي. وإذا كان البرلمان يطالب بقوة حفظ سلام، فإن المعضلة تكمن، وفق دبلوماسي فرنسي يتابع هذا الملف، في أن السلام غير موجود للمحافظة عليه، كما أن الوضع «غامض ومتحرك»، مما يذكر إلى حد ما بوضع الصومال. ولذا، فإن الدعوة الليبية للتدخل الخارجي لن تلقى سريعا الصدى المطلوب بسبب المخاوف من الغرق في الرمال الليبية.



بايرو للسعي إلى «مصالحة» بين الفرنسيين

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)
TT

بايرو للسعي إلى «مصالحة» بين الفرنسيين

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)

بعد أكثر من أسبوع من الترقب، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حليفه فرنسوا بايرو رئيساً للوزراء، على أمل تجاوز الأزمة الكبرى التي تعانيها فرنسا منذ حلّ الجمعية الوطنية في يونيو (حزيران) وإجراء انتخابات لم تسفر عن غالبية واضحة.

ويأتي تعيين بايرو، وهو سياسي مخضرم يبلغ 73 عاماً وحليف تاريخي لماكرون، بعد تسعة أيام من سقوط حكومة ميشال بارنييه إثر تصويت تاريخي على مذكرة لحجب الثقة دعمها نواب اليسار واليمين المتطرف في الرابع من ديسمبر (كانون الأول).

وعبّر رئيس الوزراء الفرنسي الجديد عن أمله في إنجاز «مصالحة» بين الفرنسيين، لكنَّه يواجه تحدياً كبيراً لتجاوز الأزمة القائمة. وقال بايرو في تصريح مقتضب للصحافيين: «هناك طريق يجب أن نجده يوحد الناس بدلاً من أن يفرقهم. أعتقد أن المصالحة ضرورية».

وبذلك يصبح بايرو سادس رئيس للوزراء منذ انتخاب إيمانويل ماكرون لأول مرة عام 2017، وهو الرابع في عام 2024، ما يعكس حالة عدم استقرار في السلطة التنفيذية لم تشهدها فرنسا منذ عقود.

ويتعيّن على رئيس الوزراء الجديد أيضاً التعامل مع الجمعية الوطنية المنقسمة بشدة، التي أفرزتها الانتخابات التشريعية المبكرة. وقد أسفرت الانتخابات عن ثلاث كتل كبيرة، هي تحالف اليسار والمعسكر الرئاسي الوسطي واليمين المتطرف، ولا تحظى أي منها بغالبية مطلقة.

وقالت أوساط الرئيس إن على بايرو «التحاور» مع الأحزاب خارج التجمع الوطني (اليمين المتطرف) وحزب فرنسا الأبية (اليسار الراديكالي) من أجل «إيجاد الظروف اللازمة للاستقرار والعمل».