إلكترونيات مزروعة لمعالجة الأمراض والالتهابات

تطلق نبضات عصبية قد تغني عن الأدوية العادية

إلكترونيات مزروعة لمعالجة الأمراض والالتهابات
TT

إلكترونيات مزروعة لمعالجة الأمراض والالتهابات

إلكترونيات مزروعة لمعالجة الأمراض والالتهابات

في صباح أحد أيام شهر مايو (أيار) من عام 1998 قام كيفن تريسي بتحويل غرفته في مختبر {معهد فينشتاين} للأبحاث الطبية في مانهاسيت في ولاية نيويورك إلى غرفة مؤقتة للعمليات الجراحية، ومن ثم هيأ مريضه الذي كان جرذا لإجراء العملية. وكان تريسي جراح الأعصاب ورئيس المعهد المذكور قد قضى أكثر من عقد من الزمن يجري أبحاثا في حول الصلة التي تربط بين الأعصاب ونظام المناعة. وقد قاده عمله إلى افتراض، هو أن تحفيز العصب المبهم بالتيار الكهربائي من شأنه تخفيف الالتهابات المؤذية. {والعصب المبهم يوجد وراء الشريان الذي تشعر من خلاله بالنبض} كما أبلغني أخيرا وهو يضغط بإبهامه اليمنى على رقبته.
ويقوم العصب المبهم vagus nerve وفروعه بتوصيل النبضات العصبية التي تدعى {إمكانات العمل} لكل عضو رئيس في الجسم.
وعلى الرغم من أن الاتصالات فيما بين الأعصاب وبين جهاز المناعة عدت غير ممكنة منذ الإجماع العلمي الذي جرى التوصل إليه في عام 1998، فإن تريسي كان متأكدا من وجود مثل هذا الاتصال، ومن أن جرذه سيثبت ذلك. وبعد تخدير الجرذ قام تريسي بفتح شق في رقبته مستخدما مجهرا جراحيا للعثور على طريقه داخل جسم الحيوان. وعن طريق محفز للأعصاب يحمل باليد قام بإطلاق عدة نبضات كهربائية دامت كل منها ثانية واحدة على العصب المبهم المكشوف لذلك الجرذ. ثم قام بإغلاق الشق ليعطي الجرذ بعد ذلك سما من البكتيريا معروفا بمساعدته على إنتاج النخر الورمي tumor necrosis factor، أو {تي إن إف} TNF، الذي يحفز حدوث الالتهابات في الحيوانات، بما فيهم البشر.
يقول تريسي {تركنا الجرذ ينام ساعة قبل أخذ عينات من الدم لفحصها}. إذ كان من المفترض أن يحفز السم البكتيري انطلاق التهاب على نطاق واسع، لكنه بدلا من ذلك توقف إنتاج النخر الورمي بمقدار بنسبة 75 في المائة. {وبالنسبة إلي كانت تلك لحظة من لحظات تغيير الحياة}. والنتيجة التي أظهرها هذا الجراح هي أن النظام العصبي كان أشبه بمحطة كومبيوتر يمكن من خلالها إلقاء الأوامر لإيقاف المشكلة مثل الالتهابات الحادة قبل شروعها، أو ترميم الجسم بعد إصابته بالمرض.

* إلكترونيات بيولوجية
وعند الابتلاء بالالتهابات مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، أو مرض كرون يجري حاليا العلاج بالعقاقير، والمسكنات، والستيرويدات، أو ما يعرف بالمستحضرات البيولوجية، أو البروتينات المهندسة وراثيا. لكن مثل هذه الأدوية، كما يشير تريسي، غالبا ما تكون مكلفة، وصعبة الإدارة، وتختلف في فعاليتها، وأحيانا تصاحبها تأثيرات جانبية خطيرة. ويبدو أن عمله يشير إلى أن تعريض العصب المبهم إلى تيار كهربائي بالشدة المناسبة وبمراحل دقيقة من شأنه إعادة إنتاج رد فعل دوائي علاجي. وأظهرت أبحاثه اللاحقة أيضا أن الكهرباء قد تكون أكثر فعالية من الأدوية والعقاقير مع مخاطر صحية ضئيلة.
وساعدت أبحاث تريسي على تأسيس ما يدعى الإلكترونيات البيولوجية bioelectronics، وهو المجال أو الحقل النامي حاليا الذي يأمل منه كثيرا. {وأعتقد أن هذه الصناعة هي التي ستحل محل صناعة العقاقير}، كما يقول، فالباحثون اليوم يقومون بعمليات زرع يمكنها أن تتواصل مباشرة مع النظام العصبي بغية مكافحة كل الأمراض من السرطان إلى البرد العادي.
يقول تريسي إن لائحة أمراض {تي إن إف} طويلة، لذلك عندما أنشأنا شركة {سيت بوينت} عام 2007 مع الباحثين والأطباء في مستشفى مساشوسيتس العام في بوسطن عام 2007، توجب علينا معرفة ما الذي نريد أن نعالجه.
فقد رغبوا الشروع في معالجة أمراض يمكن التخفيف من شدتها عن طريق إغلاق العامل المسبب لـ{تي إن إف} ما تطلب علاجات جديدة ماسة. أما التهاب المفاصل الروماتويدي فقد كان يلبي في هذا المجال كلا المعيارين، فهو يؤثر على نحو واحد في المائة من سكان العالم ويسبب في الوقت ذاته التهابات مزمنة من شأنها أن تقوض المفاصل حتى تتأكل كليا.
وفي سبتمبر (أيلول) من عام 2011 شرعت {سيت بوينت ميديكال} في أول تجربة سريرية في العالم لمعالجة مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي عن طريق محفزات عصبية مزروعة ترتكز في مبدئها على مكتشفات تريسي. واستنادا إلى رالف زتنك مدير الشؤون الطبية في {سيت بوينت} فإنه من أصل 18 مريضا هم الآن قيد التجارب، أظهر ثلثاهم تحسنا كبيرا، حتى إن بعضهم يشعرون بقليل من الألم، أو حتى لا ألم على الإطلاق بعد أسابيع فقط من تلقي الشريحة المزروعة. كما اختفى الورم من مفاصلهم.

* تواصل عصبي
والإلكترونيات البيولوجية على الصعيد النظري هي علاج مباشر، أي جعل النظام العصبي يبلغ الجسم لكي يشفي ذاته بذاته. لكن الأمر ليس بهذه البساطة أيضا. فالتحدي الكبير هنا هو ترجمة {الحديث الدائر} بين أعضاء الجسم ونظامه العصبي، استنادا إلى كريس فام الذي يشغل وحدة جديدة للأبحاث في مضمار الإلكترونيات العلاجية باسم {بايوإلكترونكس آر آند دي} في {غلاكسو سميث كلاين}، الشركة السابعة على صعيد الضخامة في العالم.
يقول فام {لم يقم أحد فعلا بمحاولة التحدث باللغة الكهربائية الخاصة بالجسم}. وقال العقبة الأخرى هي تصنيع شرائح زرع صغيرة بعضها من الصغر بحجم المليمتر المكعب، ويكون من المتانة ما يكفي لتشغيل معالجات دقيقة قوية. وإذا ما جرى اعتماد الإلكترونيات البيولوجية على نطاق واسع، فقد يمكن للملايين من الناس في يوم ما أن يجوبوا الشوارع بكومبيوترات موصولة إلى أنظمتهم العصبية وبالشبكات. لكن مثل هذا الاحتمال قد يسلط الضوء على مسألة قد يتوجب على الصناعة مواجهتها، وهي إمكانية الاختراق أو القرصنة الخبيثة.
وعلى الرغم من عدم اليقين في هذا المضمار، قامت {غلاكسو سميث كلاين} باستثمار 5 ملايين دولار في {سيت بوينت}، كما أن {بايوإلكترونكس آر آند دي} هي مشاركة حاليا مع 26 مجموعة أبحاث مستقلة موزعة على ستة أقطار. كما أسست أيضا صندوقا بقيمة 50 مليون دولار لدعم علوم الإلكترونيات البيولوجية، مع تقديم جائزة بقيمة مليون دولار لأول فريق يمكنه تطوير جهاز للزرع، يمكنه بدوره عن طريق تسجيل الإشارات الكهربائية للعضو والاستجابة لها، ممارسة تأثير على مهمته. وعلاوة على التهاب المفاصل الروماتويدي، يعتقد فام بأن طب الإلكترونيات البيولوجية ستعالج في يوم من الأيام ضغط الدم العالي، والربو، والسكري، والصرع، والعقم، والسمنة، والسرطان. فهذا النوع من العلاج صالح لأمراض كثيرة.
وبعيد الجراحة الأولى على الجرذ في عام 1998، قضى تريسي 11 سنة يضع خريطة للممرات العصبية لالتهابات {تي إن إف}، وأخرى للممر الواصل بين العصب المبهم والطحال، ومن ثم إلى مجرى الدم، وأخيرا إلى الحبيبات الخيطية (الميتوكوندريا) داخل الخلايا. وفي عام 2009 شعرت {سيت بوينت} أنها جاهزة لاختبار عمل تريسي على أشخاص يعانون من التهاب المفاصل الروماتويدي.
ومن بين التجارب التي أجريت في هولندا على مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي، اعتمادا على أبحاث تريسي، تعريضهم لعملية مدتها 45 دقيقة يزرع خلالها جهازا أشبة بسدادة القنينة الزجاجية المصنوعة من الفلين على العصب المبهم، في الجانب الأيسر من العنق، وبالتالي زرع مولد للنبضات بحجم قطعة الدولار الفضية تحت عظم الترقوة، التي تضم البطارية، والمعالج الدقيق المبرمج لبث صدمات خفيفة من قطبين. وحال تشغيل هذا الجهاز المزروع، تطلق شحنة بتيار شدته ملي أمبير واحد على العصب المبهم كل دقيقة واحدة، أربع مرات يوميا. وبعد أسبوع أو أسبوعين، شرع الألم يخفت تدريجيا، وكذلك الورم، وعلامات التهاب الدم.

* خدمة {نيويورك تايمز}



لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني
TT

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

صمم نظام ذكاء اصطناعي جديد توربين رياح لأول مرة في التاريخ، وفقاً لمطوره.

نظام ذكاء هندسي ثوري

وأعلنت شركة «EvoPhase» البريطانية أن الذكاء الاصطناعي الخاص بها تخلى عن جميع القواعد الراسخة في هندسة مثل هذه الأجهزة. وبناءً على اختباراتها، فإن اختراعها أكثر كفاءة بسبع مرات من التصميمات الحالية.

تتكون «شفرة برمنغهام» The Birmingham Blade -كما تسمي الشركة التوربين- من ست أذرع موازية للأرض متصلة بمحور عمودي مركزي. وتحتوي كل ذراع على شفرة رأسية، وسطح به موجتان تغيران زاوية هجومهما عبر ارتفاعها وطولها.

لعمل مع سرعات رياح منخفضة

يتم تحسين توربينات الرياح التقليدية لسرعات رياح تبلغ نحو 33 قدماً في الثانية. في المقابل، تم تصميم «الشفرة» لسرعات الرياح المتوسطة المنخفضة النموذجية للمناطق الحضرية مثل برمنغهام، والتي تبلغ نحو 12 قدماً في الثانية. هذا يزيد قليلاً عن ثمانية أميال (13كلم تقريباً) في الساعة.

وتم تحسين التصميم للعمل بين المباني الشاهقة التي تنتج أنماط اضطراب تؤثر على فاعلية تصميمات التوربينات الحضرية الأخرى. وإذا ثبت أن هذا صحيح، فقد يفتح التصميم الباب أمام إنتاج كهرباء غير محدود في المباني المكتبية والسكنية بتكلفة تكاد تكون معدومة.

يقول ليونارد نيكوسان، كبير مسؤولي التكنولوجيا في الشركة، في بيان صحافي: «كان استخدام الذكاء الاصطناعي ضرورياً للتحرر من التحيزات طويلة الأمد التي أثرت على تصميمات التوربينات خلال القرن الماضي. سمح لنا الذكاء الاصطناعي باستكشاف إمكانيات التصميم خارج نطاق التجارب البشرية التقليدية».

وفقاً لنيكوسان، تمكن المصممون من «توليد واختبار وتحسين أكثر من 2000 تصميم لتوربينات الرياح في غضون أسابيع قليلة، ما أدى إلى تسريع عملية التطوير لدينا بشكل كبير وتحقيق ما كان يستغرق سنوات وملايين الجنيهات من خلال الطرق التقليدية».

سحر «التصميم التطوري»

«التصميم التطوري الموجه بالذكاء الاصطناعي» هو منهجية تقوم على نفس فكرة الانتقاء الطبيعي. تبدأ العملية بتوليد آلاف المتغيرات التصميمية التي يتم تقييمها وفقاً لوظيفة «البقاء للأفضل»، والتي تحدد مدى نجاح كل متغير في تلبية أهداف المشروع. ويختار الذكاء الاصطناعي أفضل البدائل لاستخدامها أساساً لتكرارات جديدة، وإعادة الجمع بين الميزات وتنويعها لتطوير إصدارات محسنة.

تتكرر هذه الخطوات حتى يصل الذكاء الاصطناعي إلى حل يحقق تحسين جميع العلامات المهمة مثل الكفاءة الديناميكية الهوائية، والاستقرار الهيكلي، والوزن، أو الاكتناز.

تقول الشركة إن عمليتها تتجنب التحيزات البشرية الموجودة في الهندسة التقليدية. بطبيعتها، تكون الهندسة التقليدية محدودة بالأفكار والمعرفة السابقة.

من ناحية أخرى، يستكشف الذكاء الاصطناعي مجموعة واسعة من الاحتمالات دون القيود في العقل البشري. عندما تجمع بين جيل الذكاء الاصطناعي والتكرار التطوري، يمكن أن يؤدي هذا إلى نتائج مبتكرة تتحدى غالباً الفطرة السليمة ولكنها لا تزال تعمل.

إن نهج التصميم التطوري هذا ليس جديداً تماماً، إذ استخدمت صناعة الطيران والفضاء برامج بهذه القدرات لسنوات. ومثلاً استخدمت شركة «إيرباص»، بالتعاون مع شركة «أوتوديسك»، عملية مماثلة لتصميم حاجز مقصورة خفيف الوزن للغاية لطائراتها من طراز A320وظهرت النتيجة مستوحاة من هياكل العظام الطبيعية، ما أدى إلى انخفاض الوزن بنسبة 45 في المائة مقارنة بالهياكل المماثلة المصممة بالطرق التقليدية.

كما طبقت شركة «جنرال إلكتريك» الخوارزميات التطورية في إعادة تصميم حامل محرك نفاث جديد، مما أدى إلى انخفاض وزن القطعة بنسبة 80 في المائة. وتستخدم وكالة «ناسا» أيضاً هذه التقنية منذ سنوات، ففي عام 2006 استخدمت الوكالة خوارزمية تطورية لتصميم «هوائي متطور».

نجاح توربين «برمنغهام بليد»

لقد طبق فريق المصممين بقيادة الدكتور كيت ويندوز - يول من جامعة برمنغهام هذه العملية التطورية لحل مشكلة تكافح العديد من تصميمات التوربينات لمعالجتها: كيفية العمل بكفاءة في البيئات الحضرية، حيث تكون الرياح أبطأ وأكثر اضطراباً بسبب المباني.

ويقول نيكوسان: «كنا بحاجة إلى توربين يمكنه التقاط سرعات الرياح المنخفضة نسبياً في برمنغهام مع إدارة الاضطرابات الناجمة عن المباني المحيطة. وكان لا بد أن يكون التصميم أيضاً مضغوطاً وخفيف الوزن ليناسب التركيبات على الأسطح».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»