سنوات السينما: La Nuit Américaine (1973)

تروفو في «ليلة أميركية»
تروفو في «ليلة أميركية»
TT

سنوات السينما: La Nuit Américaine (1973)

تروفو في «ليلة أميركية»
تروفو في «ليلة أميركية»

La Nuit Américaine (1973)
تروفو بكاميرا تروفو

يتبع «ليلة أميركية» (أو «النهار كَلَيْل Day for Night» كما يُعرف بالإنجليزية) تلك الأفلام التي تدور حول صنع الأفلام. تحمل حكايات تقع خلالها وتعكس أحداث وأجواء العمل داخل السينما وتفحص أحلام العاملين فيها أو نهاياتهم. هو مثل «السكين الكبيرة» لروبرت ألدريتش (1955) و«السيئ والجميلة» لفنسنت مينيللي (1952) أو -أشهرها- «صنست بوليفارد» لبيلي وايلدر (1950) باختلاف أن هذا الفيلم الكاشف عما يدور ويؤول خلال التصوير هو فرنسي من توقيع مخرج عرف شأناً كبيراً في تاريخ السينما الفرنسية وما زال أحد أهم من أنجبتهم من سينمائيين وهو فرنسوا تروفو.
يؤدي تروفو شخصية مخرج اسمه فيراند يصوّر فيلماً بعنوان «قابل باميلا» في مدينة نيس. إنه تحت ضغط العمل فالمطلوب منه تحقيق فيلمه في سبعة أسابيع وبميزانية محدودة ومع ممثلة أميركية اسمها جولي (جاكلين بيسيت) الخارجة للتوّ من حالة انهيار عصبي (قد تعود) وأخرى اسمها ستايسي (ألكسندرا ستيوارت) تصل للتصوير وهي حامل في شهرها الثالث على عكس الدور المفترض بها تأديته. ثم هناك الممثلة سيفيرين (فالنتينا كورتيز، 93 سنة الآن) التي تنسى حوارها بسبب إدمانها الشرب. المشكلة هي أن المخرج لا يستطيع صرف أي منهن لأنه مرتبط بجدول عمل محكم وأي تأخير ناتج عن استبدال ممثلة سيعني أسبوعين (على أقل تقدير) من التأخير.
مشكلات ممثليه الرجال ليست أقل فداحة: لديه ممثل شاب صبيّ المزاج (جان - بيير ليو)، وممثل أكبر سناً (جان - بيير أومون) تتكشف مثليته التي حاول إخفاءها، فتُعرقل انسياب العلاقات بين كل الممثلين الأساسيين.
قام تروفو بكتابة السيناريو (مع آخرين) وفي باله ليس تحويل ما سبق من شخصيات إلى أدوات كوميدية بل الإبحار في ما يواجهه العمل السينمائي من مشكلات خلال التصوير. بعض هذه المشكلات من نتاج طينة العلاقات وبعضها من مشكلات نفسية وعاطفية، وبعضها الآخر قد ينتج عن قطة جميلة ترفض شرب الحليب المقدّم لها حسبما يتطلب التصوير.
خلال كل ذلك ينصرف تروفو لتقديم ما هو غائب عن مثل هذه الفئة من الأفلام فهو يعرض لكيفية العمل ذاته. كيف يتم التعامل مع مشكلات تقنية، أو كيف يتم تصوير مشاهد صعبة، وكيف يؤثر الوضع العاطفي أو النفسي لممثل واحد على العمل بأسره وعلى علاقاته بالآخرين.
الفيلم، بذلك، حالة خاصة، كونه لا يقدّم مشاهد عابرة لفيلم داخل فيلم بل يتحوّل إلى الفيلم ذاته. منظور المخرج هنا مزدوج من حيث إن هناك مخرجَين واحد هو المخرج الشامل للعمل، فرنسوا تروفو، والآخر المخرج الذي يؤديه تروفو داخل الفيلم. بذلك يعبر تروفو عن نفسه من خلال فيراند وفيراند يعكس بعض تروفو.
«ليلة أميركية» فيلم مدروس جداً وفيه مشاهد رائعة ذات دلالات لا يمكن تفويتها من بينها المشهد الذي يستلم فيه فيراند رزمة من الكتب بينها كتاب مفضل عن ألفريد هيتشكوك وضعه الناقد الراحل روبِن وود. ليس فقط أن الكتاب هو من بين أفضل ما صدر عن «هيتش»، بل إن هيتشكوك هو المخرج المفضل لدى تروفو أيضاً.
فاز «ليلة أميركية» بأوسكار أفضل فيلم أجنبي متجاوزاً فيلماً آخر ممتاز هو «الدعوة» للسويسري ألان تانر وثلاثة أفلام أخرى حملت أعلاماً هولندية وألمانية وإسرائيلية. وأعيد ترشيحه في العام التالي (بسبب قانون داخلي كان يتيح إعادة الترشيح إذا ما عرض الفيلم في عامين متلاحقين) في مسابقات أفضل سيناريو (خسرها لصالح سيناريو روبرت تاون «تشايناتاون») وأفضل ممثلة مساندة (فالنتينا كورتيز لكن إنغريد برغمن فازت عن دورها في «جريمة في قطار الشرق السريع») وفي مسابقة أفضل مخرج (انتزعها الرائع فرنسيس فورد كوبولا عن «العراب 2» بجدارة).


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.