من الطبيعي جدا أن يقبل البعض على حلقات مسلسل ما من حلقة متقدمة.. لقد فاتته الحلقات الأولى لأنه كان يترصد مسلسلا آخر. بعد حين ذلك المسلسل الآخر بات مضجرا، فبحث ونقب ليجد هذا المسلسل البديل في حلقته الخامسة أو العاشرة أو أي حلقة أخرى.. أو ربما يكون قد التقط هذا المسلسل خلال السباحة بين المحطات أو لعل أحد الأصدقاء نصحه به.
مهما يكن السبب، فها هو ذلك البعض يجلس أمام الشاشة ليغمس من أحداث حلقة سبقتها حلقات لكي تصل بالحكاية إلى نقطة هذا اللقاء. المشكلة هي أنه في كثير من الأحيان لن يستطع المشاهد التلاحم وديا مع ما يراه مفتقدا خيط البداية.. إذا ما صبر، ربما نال ما تمنى، أما إذا لم يصبر، سارع بالعودة إلى المسلسل الذي اعتاد عليه ولو عملا بالمثل الشعبي: «اللي بتعرفو أفضل من اللي بتتعرف عليه».
لكن قلة قليلة من المسلسلات تكترث بتقديم «موجز ما سبق». معظمها لا يبدو أنه يعي كثيرا مسألة حدوث التحولات الاستراتيجية لدى النظارة وحالات انقلاب الأمزجة بحيث قد يقرر عدد كبير جدا منهم التوقف عن مسلسل والدخول في مسلسل آخر ليجد أنه مثل من وصل إلى المكان بعد ورود أهم ما فيه.
أحد هذه المسلسلات التي لا ينفع معها الدخول إليها متأخرا «بواب الريح» (LBC)، عمل هذا العام للممثل دريد لحام، وهو من إخراج المثنى صبح، وبطولة عدد كبير من الممثلين، منهم غسان مسعود وفادي صبيح وجيني أسير وسليم صبري وضحى الدبس وأندريه سكاف ورامز الأسود ومصطفى الخاني.
إنه مسلسل سوري يدور حول الظروف والأحداث التي أدت إلى سلسلة الفتن الطائفية في سوريا ولبنان في ثمانينات القرن التاسع عشر. وهو حريص على تقديم المسلمين والمسيحيين واليهود ضحايا متساوين لأطماع بعض السلاطين وأوامر الولاة القائمين على خدمة تلك الأطماع في الزمن العثماني.
في جوهره مسلسل يقصد الخير طبعا، ويسرد أحداثه وعينه على الفتن الموازية الواقعة اليوم ولو باختلاف ظروفها وأسبابها. لكن المسلسل من كثرة الشخصيات وكثرة المفارقات بحيث يمكن للمرء أن يضيع وسطها حتى ولو تابع المسلسل من مطلعه.
بعض هذا الإشكال كان يمكن حله عن طريق الإقلال من حوار «التلكسات» المتسارع وتهدئة السرعة الجنونية لمركب الأحداث بحيث يتمتع كل من المخرج والمشاهد ببعض الأبعاد التي يمكن للصور، كما للأداء والحوار، تعميقها، بدلا من أن يمر كل شيء في غضون لحظات متوالية.
طبعا قد ينبري أحد فيقول إننا عادة ما ننتقد المسلسلات العربية لأن إيقاعها بطيء، والآن مع وجود مسلسل لا يتباطأ، فإن النقد تحول إلى النيل من سرعة إيقاعه. لكن الحقيقة أن توسط المسافات هو الحل المثالي.. ففي حين أن بطء الحدث يسبب الملل (في أحد المسلسلات الأخرى كان علينا أن نتابع سير إحدى الشخصيات من مكان إلى آخر بالـ«اسلوموشن» وبكامل المسافة) فإن تسريعه للقضاء على البطء، يسبب نوعا آخر من الملل. وفي حالة «بواب الريح» فإنه يمنع وصول الرسالات على نحو صحيح.
فقط تلك المشاهد التي يؤديها كل من دريد لحام وغسان مسعود لها تلك المعالجة المتمهلة (إلا إذا فاتتني بعض الحلقات الأخرى). كلاهما يلعب دور مسؤول حكومي، وهناك ذلك المشهد الذي يتابعان فيه تنفيذ حكم الإعدام بشاب شق عصى الطاعة قبل أن يتزوج المرأة التي أحب. هناك حضور لكل التفاصيل، لكن المرء لا يخرج إلا بالقليل من التأثر سلبا أو إيجابا على أي حال.
هذا ليس للقول إن المسلسل ركيك أو رديء.. على العكس من ذلك هو عمل تاريخي آخر مشغول بجهد ملحوظ في شتى جوانبه الأخرى. وفوق ذلك، يعالج مسألة تشبه برميل البارود الذي انفجر أكثر من مرة منذ ذلك الحين وإلى اليوم.
بالنسبة لدريد لحام، من المبكر معرفة ما إذا كان حجم دوره آيل إلى الكبر.. حتى الآن هو محدود، وبالمقارنة مع مسلسله في رمضان السابق «سنعود بعد قليل»، يبدو أنه بات يفضل أن يكون جزءا من العناصر وليس محورها، وإن كان حجم دوره وتأثيره في المسلسل السابق أكبر مما هو عليه حاليا.. وحتى الآن.
شاشات: ضائع وسط المسلسلات
شاشات: ضائع وسط المسلسلات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة