سنوات السينما

نظرة إلى الواقع في «الجمعة الأخيرة»
نظرة إلى الواقع في «الجمعة الأخيرة»
TT

سنوات السينما

نظرة إلى الواقع في «الجمعة الأخيرة»
نظرة إلى الواقع في «الجمعة الأخيرة»

الجمعة الأخيرة (2011)
مشكلات سائق تاكسي من عمّـان

بعض الأفلام الجيدة، حتى تلك الحديثة نسبياً، تمر عند إتمامها من تحت الرادار النقدي، ناهيك عن الجماهيري، كما لو لم تكن. هذا يحدث كثيراً، وبل أكثر مما يجب، وفيلم يحيى العبد الله هو أحدها.
يدور حول رجل في الأربعينات من عمره اسمه يوسف (علي سليمان)، لديه ابن في سن المراهقة، ووظيفة لا يحبها، وماضٍ لا يستطيع التخلص منه. فيلم بهذه الحكاية قد يكون تمهيداً لفيلم ممثل جداً إلا أنه، وتبعاً لموهبة المخرج المقل وسط ظروف الإنتاج الأردني، فإن العمل ثري بنحوه الخاص من الكوميديا السوداء والمدروسة بعناية والمضحكة رغم آلامها.
إنها قصة يوسف، سائق سيارة الأجرة الذي يريد أن يغير حياته، فقط لو كان ذلك في وسعه. يعيش في شقة بلا أثاث، ومدين بمبلغ من المال لصاحب السيارة الذي لا يهتم حقاً بأحزانه. يوسف أيضاً يقوم برعاية ابنه عماد ذي الأربعة عشر عاماً (فادي عريضة) الذي فشل بشكل مروع في المدرسة، والذي لا يكترث، بدوره، ليسمع شكاوى والده منه. عندما يعاني يوسف من ألم في البروستاتا، يذهب إلى الطبيب الذي يخبره بأن إحدى خصيتيه تحتاج إلى إزالتها. يخبر يوسف أحد أصدقائه القليلين بالخبر، يسخر منه: «حسناً، سيكون لديك واحدة أخرى تصلح للاستخدام». لكن المشكلة هي أنه إذا لم يقم يوسف بإجراء العملية في غضون أسبوع واحد سوف يموت. المشكلة الأخرى، هي أنه لا يجد أن أحداً يكترث.
إذ يحاول يوسف العثور على المال لدفع تكاليف العملية، يدرك أن الحياة لم تكن رحيمة به من البداية. فهو لا يمكنه تجاوز حالات فشله السابقة عندما غادر أهله وأمضى خمس سنوات في العمل خارج البلاد، عاد بعدها بما يكفي لشراء سيارة وتأسيس عائلة. الأولى بقيت له والأخرى فرطت من بين يديه.
الآن هو يرغب في العثور على شريكة جديدة لحياته، لكن لا أمل له في ذلك. زوجته السابقة لا تزال على صلة جيدة به، لكنها استقرت مع زوج ثري، أما جارته الجميلة، التي يسرق منها الكهرباء لتوفير المال، فلديها خطيب غيور جدّاً. وبينما يبدو لنا أن كل شيء يسير على عكس مصلحة يوسف، يتجنب المخرج توظيف أي معالجة ميلودرامية، محافظاً على المسافة بين موضوعه والإثارة العاطفية الرخيصة.
وما يساعد في هذا الصدد هو التمثيل الرائع من قبل علي سليمان في الدور الرئيسي. وجهه الحزين، نظراته الطويلة، وابتسامة السخرية الدفينة تجعل الشخصية تتحقق بالفعل. وضع بطل الفيلم يماثل وضع المدينة التي يعيش فيها. عمّـان، بالنسبة للفيلم ولمخرجه، تحتوي على تناقضات الحياة كما في أي مدينة أخرى، لكن فوق ذلك يترك المخرج المَشاهد تترجم الكثير من العواطف المتباعدة للشخصيات التي يوفرها الفيلم بصمت مصحوباً بمشاهد ليلية رامزة وشعور يوسف بالمهانة المتكررة بسبب عاهته، ولكون لا شيء يعمل لصالحه.
«الجمعة الأخيرة» كان أول أفلام يحيى العبد الله، وثاني أفلام المنتجة رولا ناصر (تعيش في كندا الآن) التي سبق لها وأن أنتجت فيلماً أردنياً آخر ذا دلالات مشابهة هو «مدن ترانزيت» لمحمد حشكي.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.