العصائر والقطايف لا تفارقان موائد الإفطار في فلسطين

TT

العصائر والقطايف لا تفارقان موائد الإفطار في فلسطين

بألوانها الشهية ومذاقها المميز، وسعرها المعقول، تنتشر العصائر الطبيعية في محال بيع المرطبات وعلى عربات الباعة والأرصفة في المدن الفلسطينية، ويعد مشروبا «التمر الهندي» و«الخروب» أكثرها رواجا.
في وسط مدينة نابلس وسوقها القديم «خان التجار» يُقدم صانعو العصائر بضاعتهم من المشروبات المختلفة (السوس، التمر، الخروب، اللوز، الليمون، قصب السكر، الحصرم) وسط تهافت الناس على شرائها وبخاصة قبيل الإفطار، وهي ساعة الذروة.
ومن أبرز باعة العصائر في المدينة، والذين يعملون في هذه المهنة منذ عشرات السنوات، الشامي وأبو شقدم والبغدادي.
والحال لا يختلف كثيراً عن وسط رام الله وشوارعها الرئيسية، فعلى دواري المنارة والساعة، وشوارع، ركب والنهضة والقدس والإرسال، ينتشر باعة العصائر في مشهد من تراث وعادات المدينة الرمضانية. وتعد عصائر السلوادي وخروب فراس، الأشهر في المدينة.
يعتبر مروان سميرة «أبو فريد» (76 عاما) من أشهر باعة العرقسوس في القدس، من خلال بسطته على درجات باب العامود، وتجولاته في أحياء وأزقة البلدة القديمة وبخاصة شارع الملك سليمان وحي المصرارة.
ويقول أبو فريد لـ«الشرق الأوسط»: «في ستينات وسبعينات القرن الماضي، كنت أبيع العصائر للزائرين من مصر وسوريا ولبنان والأردن وغيرها من الأقطار العربية والسائحين من مختلف أرجاء العالم». مضيفاً: «كانت تلك الأيام مشهودا لها بالحركة والحيوية. في السنوات الأخيرة وبسبب إجراءات الاحتلال، قلت أعداد السائحين وتراجعت المبيعات.
وبيّن أبو فريد أن عصائره توجد يوميا على سفرة البيت المقدسي، ممازحا: «السفرة لا تكون حلوة إلا بمشروبات أبو فريد».
أما في طولكرم شمالي الضفة الغربية، فلا أكثر شهرة من أبو أسامة الساعي (70 عاما) والذي يبيع الخروب ومشتقاته من العصائر منذ 25 عاما، ففي رمضان تعتبر بسطة خروب أبو أسامة ملاذ أهالي طولكرم الباحثين عن لذة العصائر وخبرة السنين في صنعها. وفي باقي أشهر السنة، وخصوصا فصل الصيف، يحمل أبو أسامة جرته النحاسية ليجول شوارع المدينة، يُبرد طقس المتجولين الحار والملتهب، ويسقيهم مما نادى عليه: «خروب يا عسل».
وفي مدينة جنين، شمال الضفة الغربية، يُعرف يوسف عزوقة «أبو حسان» كأقدم بائع مشروبات رمضانية وبالأخص الخروب. المهنة التي ورثها عن أبيه قبل أربعين عاماً.
على الدوار الرئيسي وسط جنين، يضع عزوقة بسطته، بما تحويه من أصناف العصائر: الخروب والتمر الطبيعي والتمر العادي، والليمون والنعنع والعليق والكركديه واللوز.

القطايف... حلوى كل البيوت

في مشهد مألوف منذ عشرات السنوات، يصطف عشرات المواطنين يوميا في شهر رمضان، أمام محال بيع «القطايف» في مختلف المدن الفلسطينية، حيث تعتبر القطايف الحلوى الأكثر شعبية على موائد الإفطار لدى الفلسطينيين.
وتعتبر مراكز المدن، الأكثر حضورا للقطايف، حيث تتحول المحال التجارية المختلفة إلى بسطات لبيع القطايف، بينما تخصص بعضها عددا من الرفوف لعرض الحلوى التي يُقبل عليها الفلسطينيون بكثافة، ويجد بعض الباعة المتجولين في القطايف فرصتهم لتحسين وضعهم المادي في رمضان، عبر التجول بها بعرباتهم المخصصة للخضراوات والفواكه.
المار من أمام «قطايف عدنان»، أمام حسبة بلدية مدينة البيرة، يلاحظ حجم الإقبال الكبير عليها، طوابير عفوية وغير منظمة، وأيادي متزاحمة تمتد لتلقط طلبها، الأمر الذي دفع صاحبها هاني الزين، إلى طباعة دفاتر تذاكر الدفع المسبق، كل تذكرة تحمل رقما منظما، الأمر الذي سهل على العاملين والمشترين.
الزين قال لـ«الشرق الأوسط»: «أبيع القطايف منذ عام 1986، وهي عادة لا بد منها تقريبا في كل بيت فلسطيني وبشكل شبه يومي، البيع أصبح أقل من الماضي، بسبب دخول الإنترنت بيوت السيدات، مما سهل تعلم صنع القطايف وغيرها من الحلويات، والفترة الذهبية للقطايف كانت سنوات التسعينات».
وأضاف: «قبل عشرين عاما، كان يأتينا الآلاف يوميا، اليوم بضع مئات، مع ذلك لا تتوقف حركة الزبائن القادمين والمغادرين، حتى الدقائق القليلة قبل الإفطار».
ومن محال بيع القطايف المشهورة جدا في رام الله، قطايف إيفل، والذي افتتح أبوابه سنة 1996 في بداية شارع ركب وسط مدينة رام الله، الزبائن الذين يأتونه بالمئات يوميا، يصنعون أزمة عفوية على الرصيف، وتتزاحم الأيادي للوصول لقطايف إيفل.
و«القطايف» حلوى تنتشر في كثير من الدول العربية، وهي عبارة عن طحين وحليب، وماء، وسميد، وخميرة، وقليل من الملح أو عصير الليمون، وبيكربونات الصوديوم، يُسكب المزيج على شكل أقراص دائرية على صفيحة ساخنة بأحجام صغيرة وكبيرة.
وهناك عدة أنواع من القطايف: فالقطايف البلدي هي أكبرها حجما ثم تليها الحمام وهي متوسطة الحجم، وأخيرا العصافيري وهي الأصغر حجما والأغلى سعرا. ويباع الكيلوغرام من «القطايف»، بعشرة شواقل (الدولار يعادل 3.80 شيقل).
تحشى فطيرة القطايف بالجبنة المحلاة، أو بالمكسرات، أو بالقشطة. وتختلف الحشوات حسب الطلب والإمكانيات المادية، فتتراوح بين السكر وجوز الهند وبعض الفول السوداني لأصحاب الدخول المتوسطة، وبين المكسرات الغالية مثل الفستق والكاجو والبندق واللوز للمقتدرين، ولكن يتفق الجميع على قليها بالزيت أو شَيِها، ثم إغراقها بالَقطِر (ماء وسكر مغليان).
ومن أمثلة صانعي وبائعي القطايف المشهورين في فلسطين: زاهرة عبدو (53 عاما) من رام الله، والتي تعمل في صنع وبيع القطايف منذ ثلاثين عاما، بعد تخصيص جزء من بيتها للعمل، وتعيل أبناءها من هذه الحرفة، بعد وفاة زوجها، الذي كان يعمل معها في نفس المهنة.
ويعتبر عبد أبو الخير، صاحب محل الأمراء للحلويات، الواقع في شارع المعرض وسط مدينة رام الله منذ عام 1962 من أقدم صانعي وباعة القطايف.
ما إن يطل اليوم الأول لرمضان في فلسطين حتى تتحول غالبية المطاعم والمقاهي وبخاصة تلك الواقعة على شوارع رئيسية أو قريبة من أسواق الخضراوات وعلى مداخل المدن والبلدات، إلى أفران لتصنيع القطايف، والتي يُعول عليها الكثيرون للاسترزاق وخلق فرص للعمل في ظل وضع اقتصادي متردي في فلسطين.
* من مبادرة «المراسل العربي». لإرسال القصص الصحافية راسلونا على [email protected]


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» على مدار سبعة عقود

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
TT

عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» على مدار سبعة عقود

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

في حالة استثنائية تجسد عمق الالتزام والإرث الدبلوماسي، حملت أسرة بن زقر التجارية العريقة في مدينة جدة (غرب السعودية) شرف التمثيل القنصلي الفخري لجمهورية فنلندا عبر 3 أجيال متعاقبة، في مسيرة دبلوماسية وتجارية متواصلة امتدت لأكثر من 7 عقود.

بدأت القصة كما يرويها الحفيد سعيد بن زقر، في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، عندما علم الجد سعيد بن زقر، بوجود جالية مسلمة في فنلندا تعاني من غياب مسجد يجمعهم، وهو ما دفعه إلى اتخاذ قرار بالسفر إلى هناك لبناء مسجد يخدم احتياجاتهم الدينية.

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

لكن الشيخ سعيد واجه بعض التحديات كما يقول الحفيد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، تتمثل في منع القانون الفنلندي تنفيذ المشروع في ذلك الوقت، وأضاف: «بعد تعثر بناء المسجد، تقدمت الجالية المسلمة هناك بطلب رسمي إلى الحكومة الفنلندية لتعيين الجد سعيد قنصلاً فخرياً يمثلهم، وهو ما تحقق لاحقاً بعد موافقة الحكومة السعودية على ذلك».

وفي وثيقة مؤرخة في السابع من شهر سبتمبر (أيلول) 1950، اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، تظهر موافقة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، على تعيين الشيخ سعيد بن زقر قنصلاً فخرياً لحكومة فنلندا في جدة.

وجاء في الوثيقة: «فلما كان حضرة صاحب الفخامة رئيس جمهورية فنلندا، قد عيّن بتفويض منه السيد سعيد بن زقر قنصلاً فخرياً لحكومة فنلندا في جدة، ولما كنا قد وافقنا على تعيينه بموجب ذلك التفويض، فأننا نبلغكم بإرادتنا هذه أن تتلقوا السيد سعيد بن زقر بالقبول والكرامة وتمكنوه من القيام بأعماله وتخوّلوه الحقوق المعتادة وتمنحوه المميزات المتعلقة بوظيفته».

وثيقة تعيين الجد سعيد بن زقر صادرة في عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه (الشرق الأوسط)

وأضاف الحفيد سعيد، القنصل الفخري الحالي لفنلندا: «أعتقد أن جدي كان من أوائل القناصل الفخريين في جدة، حيث استمر في أداء مهامه حتى عام 1984، لينتقل المنصب بعد ذلك إلى والدي، الذي شغله حتى عام 2014، قبل أن يتم تعييني خلفاً له قنصلاً فخرياً».

وفي إجابته عن سؤال حول آلية تعيين القنصل الفخري، وما إذا كانت العملية تُعد إرثاً عائلياً، أوضح بن زقر قائلاً: «عملية التعيين تخضع لإجراءات دقيقة ومتعددة، وغالباً ما تكون معقدة، يبدأ الأمر بمقابلة سفير الدولة المعنية، يعقبها زيارة للدولة نفسها وإجراء عدد من المقابلات، قبل أن تقرر وزارة الخارجية في ذلك البلد منح الموافقة النهائية».

الأب محمد بن زقر عُين قنصلاً فخرياً على مستوى مناطق المملكة باستثناء الرياض مقر السفارة (الشرق الأوسط)

وتابع قائلاً: «منصب القنصل الفخري هو تكليف قبل أن يكون تشريفاً، حيث تلجأ بعض الدول إلى تعيين قناصل فخريين بدلاً من افتتاح قنصلية رسمية، لتجنب الأعباء المالية، وعادةً ما يتحمل القنصل الفخري كل التكاليف المترتبة على أداء مهامه».

ووفقاً للأعراف الدبلوماسية فإن لقب القنصل الفخري، هو شخص من مواطني الدولة الموفد إليها، بحيث تكلفه الدولة الموفِدة التي لا توجد لديها تمثيل دبلوماسي بوظائف قنصلية إضافة إلى عمله الاعتيادي الذي عادة ما يكون متصلاً بالتجارة والاقتصاد.

يسعى الحفيد سعيد بن زقر إلى مواصلة إرث عائلته العريق في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين السعودية وفنلندا، والارتقاء بها إلى مستويات متقدمة في شتى المجالات. يقول بن زقر: «منذ تعييني في عام 2014، حرصت على تأسيس شركات وإيجاد فرص استثمارية في فنلندا، خصوصاً في مجالات تكنولوجيا الغذاء والوصفات الصناعية، إذ تتميز فنلندا بعقول هندسية من الطراز الأول، وهو ما يفتح آفاقاً واسعة للتعاون والابتكار».

الحفيد سعيد بن زقر القنصل الفخري الحالي لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

ويرى القنصل الفخري لجمهورية فنلندا أن هناك انفتاحاً سعودياً ملحوظاً على دول شمال أوروبا، ومن بينها فنلندا، وأوضح قائلاً: «تتركز الجهود بشكل كبير على شركات التعدين الفنلندية التي تُعد من بين الأكثر تقدماً في العالم، إلى جانب وجود فرص واعدة لم تُستغل بعدُ في مجالات صناعة السيارات، والطائرات، والصناعات الدفاعية».

وفي ختام حديثه، أشار سعيد بن زقر إلى أن القنصل الفخري لا يتمتع بجواز دبلوماسي أو حصانة دبلوماسية، وإنما تُمنح له بطاقة تحمل مسمى «قنصل فخري» صادرة عن وزارة الخارجية، وبيّن أن هذه البطاقة تهدف إلى تسهيل أداء مهامه بما يتوافق مع لوائح وزارة الخارجية والأنظمة المعتمدة للقناصل الفخريين بشكل رسمي.