موسم الهجرة إلى فرنسا

متاحف ومقابر وإسطبلات... هذه عروض الكروز لعام 2019

الفارسات المكسيكيات على صهوات جيادهن ألهبن العرض حماساً
الفارسات المكسيكيات على صهوات جيادهن ألهبن العرض حماساً
TT

موسم الهجرة إلى فرنسا

الفارسات المكسيكيات على صهوات جيادهن ألهبن العرض حماساً
الفارسات المكسيكيات على صهوات جيادهن ألهبن العرض حماساً

جرت العادة أن يأخذنا صناع الموضة في عروضهم الخاصة بـ«الكروز» إلى أماكن بعيدة. فالهدف منها أن تدغدغ الخيال وترسّخ في أذهاننا أن هذا الخط «الكروز» يرتبط ببحار لازوردية ويخوت فخمة وما شابه من أمور. هذا العام، يبدو أن معظمهم اكتفوا بفرنسا. من «شانيل» التي عرضت تشكيلتها المستوحاة من فيلا «لابوزا» التي عاشت فيها المؤسِّسة كوكو شانيل بجنوب فرنسا، إلى «ديور» التي أخذت ضيوفها إلى منطقة «شانتيلي» على بُعد ساعتين تقريباً من باريس و«لويس فويتون» إلى سانت بول دي فانس بالريفييرا الفرنسية، وأخيراً وليس آخراً «غوتشي» الإيطالية التي اختارت بدورها منطقة «لي زارل» بجنوب فرنسا.
لكل من هذه الأسماء أسبابها ومبرراتها، وقد يكون الأمر بالنسبة إلى البعض مجرد صدفة، لكن تجمعها كلها في نفس البلد لا بد أن يثير بعض التساؤلات، لا سيما أن الإمكانات لا تنقص أياً منهم للسفر بعيداً. فـ«شانيل» تحقق مبيعات عالية وأرباحاً لا تُحصى، كذلك «لويس فويتون» و«ديور» اللتان تنضويان تحت جناحي مجموعة «إل في إم إتش»، و«غوتشي» التي تملكها مجموعة «كيرينغ». ثم إنهم أخذوا في السابق ضيوفهم إلى وجهات خيالية مثل هافانا بكوبا، وسيول بكوريا بالنسبة لـ«شانيل». كذلك الأمر بالنسبة إلى «ديور» التي سافرت بهم إلى شانغهاي والولايات المتحدة الأميركية، و«لويس فويتون» التي كانت وجهتها في العام الماضي كيوتو باليابان وقبلها بالم سبرينغز بالولايات المتحدة وهكذا.
كل هذا يجعل إجماعهم على فرنسا هذا العام أكثر من مجرد صدفة. بحسبة بسيطة يمكن ربطه بتولي مانويل ماكرون رئاسة البلد، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن علاقته بصناع المال والترف على أحسن ما يرام على عكس ما كانت عليه في عهد الرئيس السابق فرنسوا هولاند. فلا يخفى على أحد أنها كانت متشنجة. ففي عهده عانى الاقتصاد الفرنسي من وعكة لازمته طويلاً واشتكى أصحاب الأموال من سياسات لم يروا أنها في صالحهم. كل هذا تغير حسب رأي مايكل بيرك، الرئيس التنفيذي لدار «لويس فويتون» الذي أكد أن عروض كل من دور «شانيل» و«ديور» و«لويس فويتون» و«غوتشي» في فرنسا «أكثر من مجرد صدفة... إنه نوع من الثقة بفرنسا. فهناك ديناميكية جديدة، ورغبة في التحدي وإعادة التواصل مع روح المقاولات التي تطبع فرنسا منذ قرون. والفضل يعود إلى الرئيس إيمانويل ماكرون الذي فتح لنا الطريق». ولا بد من الإشارة هنا إلى أن برنار أرنو، أغنى رجل في فرنسا وصاحب مجموعة «إل في إم إتش» كان من بين رجال الأعمال الذين دعموا حملة ماكرون الانتخابية في العام الماضي.
كل هذا يعني أن صناع الموضة يقومون بدورهم الوطني لإنعاش اقتصادهم، بما فيها دار «غوتشي» الإيطالية بحكم أن مالكها فرنسوا بينو، فرنسيٌّ.
في عرض «شانيل» استلهم المصمم كارل لاغرفيلد تشكيلته من أحد الخيوط التي نسجت منها المؤسسة كوكو شانيل حياتها. فقد بنى سفينة بحرية ضخمة وسط «لوغران باليه» تحمل اسم «لابوزا»، إشارةً إلى بيتها في جنوب فرنسا. كان عرضاً قوياً كصورة وكاقتراحات فنية من خلال قطع منفصلة وفساتين سهرة تستحضر روح غابرييل شانيل والدور الذي قامت به لتحرير المرأة من قيود الموضة كما كانت عليه قبلها. كانت السفينة ضخمة تتوفر على كل ما يمكن أن يخطر على بال مسافر من ترف، بدءاً من بيانو إلى مسبح، إلى حد أنك تشعر فيها أنك لست بحاجة إلى الإبحار إلى أي مكان.
«ديور» في المقابل، رحلت بنا إلى المكسيك من دون أن تغادر فرنسا. اختيارها قصر «شانتيلي» الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الـ18 بإسطبله الذي يُعدّ الأكبر في أوروبا، لم يكن اعتباطاً بل كان تلميحاً إلى ما ستقدمه من عرض يلعب على مفهوم الفروسية. لكن لأن «شانتيلي» أيضاً عاصمة الدانتيل، فإن السخاء في استعماله كان واضحاً في العديد من القطع. ولا ننسى الإشارة إلى أن علاقة الدار بالمنطقة تعود إلى عهد كريستيان ديور الذي أطلق على فستان من مجموعته الشهيرة «ذي نيو لوك» اسم «شانتيلي».
افتتحت العرض فرقةٌ مكسيكية مكونة من 8 فارسات على صهوة جياد، وهن يرتدين فساتين بتنورات واسعة وطويلة تشدها من الخصر أحزمة عريضة. كان دخولهن المنصة المستديرة وهن يستعرضن مهاراتهن الفروسية كأنهن يؤدين رقصة باليه، مفاجأة للجميع. تبيّن في ما بعد أن مشاركتهن لم تكن بداعي الإبهار فحسب، بل كانت نوعاً من الاستمرارية للحركة النسوية التي رفعت مصممة الدار ماريا غراتزيا كيوري شعارها منذ أن دخلت «ديور» كأول مصممة في تاريخها. فالفارسات الثماني مشهورات في المكسيك، حيث حاربن بشراسة للحصول على حق المشاركة في «كاراييدا»، وهو نوع من الروديو في المكسيك كان مقتصراً على الرجال من قبل. عندما قابلتهن المصممة أول مرة خلال زيارة لها للمكسيك، انبهرت بصلابتهن وأنوثتهن في الوقت ذاته، حسب قولها. وأكثر ما شد انتباهها تمسكهن بارتداء ملابسهن الأنثوية التقليدية الملونة.
قبلهن لم يكن وارداً أن تشارك المرأة في أيٍّ من هذه الأنشطة، وكان حضورها فيها لتشجيع زوجها أو أحد أفراد عائلتها لا أقل ولا أكثر. ثم قلبت هؤلاء النسوة كل المتعارف عليه حين قررن دخول حلبة المنافسة والتفوق على أعتى الرجال. وكأن هذا لا يكفي، فقد قررن عدم التمويه على أنوثتهن، بارتداء ملابسهن التقليدية المتوهجة الألوان والغنية بالتطريزات، كنوع من التحدي ولسان حالهن يقول إنهن غير مُلزمات بتغيير أنفسهن حتى يتقبلهن الآخر. من كل هذا استلهمت المصممة كيوري تشكيلتها لعام 2019. على الأقل من خلال الألوان والأحزمة العريضة والجلود والتطريزات الإثنية وما شابه من تفاصيل. الفرق طبعاً كان في الأقمشة المترفة والخطوط الأنثوية التي ترتبط بـ«ديور» منذ تأسيسها إلى الآن. فقد ترجمت المصممة توهج ألوان الملابس المكسيكية التقليدية بدرجات باريسية هادئة لوّنت تنورات طويلة وجاكيتات مفصلة ومحددة عند الخصر، وأمتار سخية من الدانتيل والتول والقطن. كان كل شيء مُبهراً ومحسوباً، حتى تكاد تشعر بأن الدار تواطأت مع الطقس لكي تُمطر السماء مع بداية العرض. فالأمطار التي هطلت فجأة لم تؤثر عليه بقدر ما أضفت عليه جواً رومانسياً.
أما بالنسبة إلى «لويس فويتون» فإن الريفيير الفرنسية كانت خياراً فنياً، عدا أن علاقتها بالمنطقة تعود إلى عام 1908 حين افتتحت أول محل لها في مدينة نيس. فهذه المدينة والمناطق المجاورة لها كانت مرتعاً للأدباء من أمثال الكاتب فرانسيس سكوت فيزتجرالد وفرنسواز ساغان وويليم سومرست موغام، ممن كانوا من زبائن الدار الأوفياء في بداية القرن الماضي.
ورغم أن المنطقة ليست غريبة على العديد من الضيوف، بحكم أن بعضهم يمتلك فيها إما بيوتاً وإما يخوتاً، فإن الأغلبية منهم لم تزر متحف مايغت، وهذا ما تعنيه عروض «الكروز» عموماً: السفر والترحال بمفهوم الاكتشاف.
بالنسبة إلى «لويس فويتون»، التي أقامت عرضها في كيوتو اليابانية العام الماضي، وريو دي جانيرو وبالم سبرينغز قبلها، فإن اختيارها للريفييرا الفرنسية، وتحديداً متحف «مايغت Maeght» للفنون المعاصرة، له مبرراته. والصورة التي واجهت الحضور منذ أول لحظة أن نجوم من أمثال إيما ستون، وجينفر كونولي، وليا سايدو، وجاستين ثيرو وغيرهم، وجدوا منافسة كبيرة على الأضواء مع الفنانين مارك شاغال وألبرتو جياكوميتي اللذين تناثرت أعمالهما حول الحديقة. لا شك أن هذا ما كان يطمح إليه المصمم الشاب نيكولا غيسكيير الذي أكد حبه للفن المعاصر في عدة مناسبات. فأغلب عروض الدار، إن لم نقل كلها، تجري في أهم المتاحف العالمية. من متحف «اللوفر» ومنظمة «لويس فويتون»، إلى متحف «ميهو» في كيوتو، ومتحف «ريو» للفنون المعاصرة قبله، وأخيراً وليس آخراً متحف «مايغت». هذا الأخير يقع فوق تلة عالية تطل على مدينة «سان بول دي فانس» القديمة محاطاً بغابة وارفة من الأشجار. لم تكن هناك علاقة بين المكان والأزياء، فهو مجرد خلفية تعزز مكانة الدار الفنية، فالصبغة التي طبعت الأزياء كانت نوعاً من الشقاوة، التي تجسدت في التنسيق الذي يخاطب شابة صغيرة، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار بعض التنورات القصيرة جداً. وحسب شرح المصمم فإنه يوجهها إلى «شخص يتمتع بأسلوب خاص وعصري». هذا تماماً ما جسده من خلال تنسيقه قطعاً متعددة، قد لا يمتّ بعضها إلى بعض بِصلة، لكن المفاجأة أنها لا تبدو نشازاً، بل العكس تماماً. ربما أكثر جرأة مما قدمه سابقاً، وهو ما يمكن رده إلى ثقته المتزايدة بنفسه وبمكانته في الدار. ففي مرحلة تمر بها صناعة الموضة بعدة تغييرات تأتي على رؤوس مصممين بعد موسم أو موسمين فقط، نجح نيكولا غيسكيير في الاستمرار. فبعد 5 سنوات، جدد عقده مع «لويس فويتون» مؤخراً لمدة 5 سنوات أخرى، وهو ما قل حدوثه في عالم الموضة مؤخراً.
أما دار «غوتشي» الإيطالية، فقد أنهت هذه الجولة الفرنسية في منطقة «لي زارل» جنوب فرنسا أيضاً، وتحديداً في «Alyscamps» وهي مقبرة رومانية قديمة مدرجة ضمن قائمة مواقع التراث العالمي.
وهي نفس المقبرة التي أشار إليها دانتي في كتابه «الجحيم» ورسم فيها كلٌّ من فان جوغ وبول غوغان بعض لوحاتهما.
غنيّ عن القول: إن المكان خلق أجواء غريبة، أضفت عليها الشموع المتناثرة والدخان المتصاعد في ظلمة الليل، رهبة. الأزياء في المقابل كانت قوية بالألوان المتضاربة وطبعات الورود والتطريزات التي عوّدنا عليها المصمم وأصبحت ماركته المسجلة إلى حد ما، لتأتي الصورة قوية بإيحاءاتها التي لعب فيها على القديم والحديث. أما إذا كانت فكرة أليساندرو ميكيلي هي الغوص في معنى الموت، باختياره مقبرةٍ كمسرح لعرضه، فإن النتيجة كانت أنه نجح في إضفاء الكثير من الرومانسية عليه. فالمبالغة في الألوان والجمع بين التناقضات خلقت نوعاً من التناغم الذي أكد حتى الآن أنْ لا أحد يمكن يُتقنه مثله. الدليل أن أرقام المبيعات ارتفعت بمجرد دخوله الدار، ولا تزال في نمو مستمر رغم الأزمة الاقتصادية.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.