بينما قد تتسبب العقوبات الأميركية على إيران في انخفاض الواردات النفطية إلى الهند، تلقت الهند المتعطشة للموارد النفطية عرضا بتخفيض قدره 30 في المائة على النفط الخام من قبل فنزويلا، الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية وتملك أكبر احتياطي نفطي في العالم. وكان هناك شرط وحيد ألا وهو أن تسدد الهند ثمن الصفقة بالعملة الرقمية الفنزويلية «بترو» المدعومة بالنفط. والهند، التي تعتمد بالكامل على الواردات الخارجية لتغطية المتطلبات المحلية من النفط الخام، قد تعتبر العرض المقدم لها جذابا للغاية.. فلقد استوردت الهند نحو 8 في المائة من إجمالي احتياجاتها النفطية من فنزويلا في السنة المالية 2017، بقيمة تبلغ نحو 5.5 مليار دولار. والتخفيض بنسبة 30 في المائة يمكن أن يترجم إلى مدخرات سنوية بقيمة 1.6 مليار دولار بالنسبة إلى الهند.
وفي واقع الأمر، في السنة المالية 2017 / 2018، أنفقت الهند قرابة 87.72 مليار دولار على شراء الاحتياجات النفطية من السوق العالمية، مما يجعل من النفط أكثر البنود ضخامة على فاتورة الواردات في البلاد والتي بلغت نحو 417.57 مليار دولار. ومن الجدير بالذكر أن خورخي أريزا وزير خارجية فنزويلا، والذي كان في زيارة إلى نيودلهي قبل بضعة شهور، قد أعرب عن رغبة بلاده في أن تبتاع الهند النفط الخام منها مقابل السداد بالعملة الهندية المحلية (الروبية)، والتي يمكن لفنزويلا استخدامها من جانبها في تداول المنتجات الغذائية والأدوية الهندية. والترتيبات التجارية الراهنة للتعامل بالروبية الهندية قائمة بين كل من إيران وبوتان، وترغب فنزويلا كذلك في عقد ترتيبات مماثلة مع نيودلهي.. وقال أريزا مصرحا: «لا رغبة لدينا في استخدام الدولار الأميركي على الإطلاق». وفي الآونة الراهنة، تجري المعاملات التجارية ما بين الهند وفنزويلا بالدولار الأميركي. وتمر فنزويلا حاليا بواحدة من أقسى وأصعب الأزمات الاقتصادية في تاريخها المعاصر بسبب انخفاض أسعار النفط عالميا، تلك الأزمات التي تفاقمت كثيرا إثر العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على نظام الرئيس نيكولاس مادورو الاشتراكي الحاكم. ووفقا للتقارير الإخبارية التي نشرتها الصحافية الهندية نوبور اناند، طرح المسؤولون عن ملفات الطاقة وقواعد البيانات المتسلسلة في الحكومة الفنزويلية هذا الخيار على الهند أثناء زيارتهم الرسمية إلى البلاد في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين، وذلك نقلا عن دبلوماسيين في سفارة فنزويلا في الهند الذين فضلوا عدم ذكر هويتهم.
وقال أحد مسؤولي سفارة فنزويلا في نيودلهي: «لقد سافرنا حول العالم وطرحنا عرضنا ذلك على مختلف البلدان. ولقد رأينا اهتماما كبيرا من القطاع الخاص الهندي في الأمر؛ ولكن نظرا لأن الهند لم تسن بعد اللوائح المنظمة للتعامل بالعملات الرقمية، ولا تزال تنظر في الأمر على الصعيد المحلي، فلم يصدر عرض رسمي من نيودلهي في هذا الشأن حتى الآن». ونيودلهي، التي تساورها بعض الشكوك بشأن العملات الرقمية، لم تستجب بعد على العرض المقدم من طرف فنزويلا، كما قال الدبلوماسي الفنزويلي في الهند.
- ماهية الصفقة المعروضة
تقدمت فنزويلا بعرض تخفيض مقداره 30 في المائة على مشتريات النفط الخام شريطة أن تستخدم الهند عملة (بترو) الرقمية القائمة على تكنولوجيا قواعد البيانات المتسلسلة في البلاد. ولقد طُرحت عملة (بترو) الرقمية للمرة الأولى للبيع في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتلك العملة هي أول عملة رقمية مشفرة تدعمها الحكومة وترتبط بالاحتياطي النفطي الفنزويلي. ويعد الاحتياطي النفطي في فنزويلا هو الأكبر على مستوى العالم بمقدار يبلغ 300 مليار برميل.
وانتقل فريق من خبراء إدارة قواعد البيانات المتسلسلة في فنزويلا في زيارة إلى الهند الشهر الماضي. كما ذكرت التقارير الإخبارية كذلك أنهم قد وقعوا على معاهدة مع شركة (كوين - سيكيور) الهندية للتداول في عملة البيتكوين بغرض الترويج لبيع عملة (بترو) في الهند.
وقال موهيت كالرا المدير التنفيذي في شركة (كوين - سيكيور) الهندية: «ترغب فنزويلا في إضافة عملة (بترو) كعملة رقمية مشفرة على شبكة شركته حتى يمكن تداول البيتكوين والعملة المحلية الهندية. وبمجرد إضافة العملة الرقمية الجديدة، يمكن تداولها مقابل الروبية الهندية وغيرها من العملات الرقمية الأخرى عبر التداولات الإلكترونية على شبكة الإنترنت».
وشهد العام الماضي الإطلاق الرسمي لعملة (بترو) من جانب الحكومة الفنزويلية، ومن المقرر الاعتراف الرسمي بها عقب الانتخابات الرئاسية في البلاد المزمع عقدها في 20 مايو (أيار) الحالي. ولقد طرحت عملة (بترو) للمبيعات المسبقة اعتبارا من 20 فبراير (شباط) الماضي، وفي أعقاب ذلك ارتفعت القيمة الإجمالية لإصدار العملة الرقمية الجديدة مقتربا من مستوى 4 مليارات دولار، مع 127 دولة حول العالم تقدمت بطلبات الشراء المسبقة. ويتم تحديد المبيعات الرسمية في أعقاب الانتخابات الرئاسية المقبلة في فنزويلا. وتزعم فنزويلا أن عملة (بترو) الرقمية سوف تحل محل عملة بوليفار المحلية، التي تعاني من التضخم المفرط، باعتبارها العملة الرسمية في البلاد وذلك بحلول عام 2020، ولسوف يكون هناك إطلاق قريب لعملة رقمية مشفرة شقيقة أخرى تحت اسم عملة «بترو غولد» الرقمية. هذا ولقد حظر الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالفعل التعامل أو التداول بعملة «بترو» الفنزويلية الرقمية.
وفي الأثناء ذاتها، أعربت الهند بشكل لا لبس فيه خلال الشهور الماضية عن عدم ارتياحها المسبق إزاء العملات الرقمية الافتراضية. ولقد أصدر البنك المركزي الهندي قرارا بحظر دخول المقرضين المحليين في أية علاقات تجارية من أي نوع باستخدام العملات الافتراضية الرقمية المشفرة. ومع ذلك، فإن تلك العملات غير محظورة في البلاد. وفي واقع الأمر، ينظر بنك الاحتياطي الهندي (المركزي الهندي) في إطلاق عملة رقمية تحظى بدعمه وتأييده.
ولكن الأمر هنا يتعلق بالنفط الخام؛ وبوسعنا أن نقول، كما في الماضي، أن الدول قد فعلت ما هو أسوأ بكثير من مجرد التغاضي عن اعتراضاتها الرسمية على العملات الرقمية المشفرة لقاء فرصة الحصول على بضعة ملايين من البراميل النفطية بأسعار منخفضة.
يقول أكاش أغاروال، المدير التنفيذي لشركة (ألوما) المعنية بتقييم تداولات العملات الرقمية لدى المؤسسات: «ينبغي علينا النظر في العرض المقدم، ولا سيما أن بوسعهم استخدامه كرافعة مالية مع الدول الأخرى المورد للنفط الخام».
ووفقا للصحافية الهندية هوما كوريشي: «رغم أن الصفقة الهندية قد تكون الوحيدة التي وصلت إلى المجال العام، فإنها وبكل تأكيد ليست العرض الوحيد من نوعه. فهناك شركاء آخرون في استهلاك النفط الخام لدى فنزويلا، وخصوصا الصين، والتي قد تقتنع بالتغاضي عن أوجه القصور المعروفة في البرنامج مقابل جاذبية العرض النفطي الرخيص».
- العلاقات النفطية بين الهند وفنزويلا
كانت الهند قد استثمرت عبر القطاع العام النفطي الذي تتعهده شركة (أو في إل)، وهي الذراع الخارجية لشركة (أو إن جي سي) الوطنية، الكثير من الأموال في القطاع النفطي المحلي. وتأسست شراكة بين شركة (أو في إل) الهندية وشركة (بتروليوس) الحكومية الفنزويلية تحت اسم «بتروليرا إندو فنزويلانا» بغرض التنقيب عن وإنتاج النفط في حقل سان كريستوبال، والذي ينتج قرابة 22 إلى 23 ألف برميلا نفطيا في اليوم. وتبلغ حصة شركة «أو في إل» الهندية 40 في المائة من الشركة الجديدة والنسبة الباقية 60 في المائة تملكها الشركة الفنزويلية وتلتزم الاستثمار بقيمة 200 مليون دولار.
وتأتي فنزويلا في المرتبة الثانية كأكبر مورد للنفط الخام إلى الهند بعد المملكة العربية السعودية.
وفي عام 2017، ونظرا للعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة، فقد تخلفت فنزويلا عن سداد ديونها إلى شركة (أو في إل) الهندية. وتدخلت شركة «ريلاينس إنداستريز ليميتد»، وهي شركة هندية خاصة تملك أكبر مجمع لتكرير النفط في العالم وأحد أكبر شركات شراء النفط في الهند، في الأمر وسددت مبلغ 68.66 مليون دولار إلى مؤسسة النفط والغاز الطبيعي بالنيابة عن الشركة النفطية الحكومية الفنزويلية.
والهند من بين البلدان القليلة التي تملك القدرة على تكرير النفط الخام الفنزويلي، والذي يتطلب معالجة خاصة نظرا لجودته المنخفضة مقارنة بالنفط الشرق أوسطي الخام، إذ إن نفط فنزويلا أثقل ويحمل كميات كبيرة من الكبريت. وحصلت شركة (ريلاينس إنداستريز ليميتد) الهندية على تعاقد لتوريد النفط الخام لمدة 15 عاما مع الشركة النفطية الحكومية الفنزويلية بهدف استيراد 400 ألف برميل من النفط الخام في اليوم، وذلك لتكريره عبر مصافيها المزدوجة في جامناجار بولاية غوجارات. وتعتبر شركة (إيسار) من الشركات الهندية الأخرى التي تستورد النفط الخام من فنزويلا.
وفي فبراير من عام 2010، فاز تكتل دولي يضم شركات النفط الهندية المملوكة للدولة بمناقصة عالمية للحصول على حصة 40 في المائة بقيمة 1.05 مليار دولار في حقل كارابوبو النفطي، مما يمنح الهند المقدرة على إنتاج 400 ألف برميل يوميا من النفط الخام. وتعتبر ثلاث شركات هندية - هي «أو في إل»، و«آي أو سي»، و«أو آي إل» - جزءا من التكتل الدولي المذكور، إلى جانب شركة ريبسول الإسبانية، وشركة بتروناس الماليزية. وتملك الشركات الهندية الثلاث ما مجموعه 18 في المائة من الحصص في حقل كارابوبو النفطي.
وأفادت المصادر المطلعة أن فنزويلا تعرض على شركة «أو في إل» الهندية حصة بنسبة 9 في المائة في حقل سان كريستوبال النفطي في مقابل الديون المتبقية المستحقة عليها للشركة الهندية. وفي حين أن مبلغ البيع قد يبدو متواضعا بعض الشيء، وفقا للمحللين، فإن أي دخل إضافي محقق سيكون موضع ترحيب من الشركة النفطية الحكومية الفنزويلية. وقالت المصادر، التي طلبت عدم ذكر هويتها بسبب عدم التصريح بالحديث عن المفاوضات، أن الشركة النفطية الحكومية الفنزويلية لا تزال تتفاوض مع الجانب الهندي ولم يتوصل الجانبان حتى الآن إلى أية صفقات مؤكدة.
وبموجب قانون الانبعاث الكربوني في فنزويلا، يتعين على الدولة الاحتفاظ بنسبة تتجاوز 50 في المائة من كل الشركات النفطية، ومن ثم فإنه لا يجوز على الشركة النفطية الحكومية الفنزويلية عرض نسبة تتجاوز 9 في المائة إلى الشركة الهندية. ولقد رفض إن كيه فيرما المدير الإداري في شركة (أو إن جي سي فيديش) الوطنية الهندية التعليق على الأمر.
واعتادت فنزويلا في كثير من الأحيان استخدام النفط في سداد ديون الدولة، فهي مدينة بمليارات الدولارات لكل من روسيا والصين وتسدد تلك الديون عن طريق النفط.
وكانت الشركة النفطية الحكومية الفنزويلية قد عرضت بالفعل على شركة روسنفت الروسية العملاقة حصة في شراكة في مشروع النفط الخام الثقيل في حزام أورينوكو في مارس الماضي، وذلك وفقا لوكالة «رويترز».
وصرح أوغوستو مونتيل، سفير فنزويلا لدى الهند، مؤخرا يقول: «هناك تقدم مطرد على مستوى رفيع في التعاون النفطي بين الشركة النفطية الحكومية الفنزويلية والشركات الهندية».
الهند المتعطشة للنفط في حيرة أمام عرض فنزويلي مغرٍ
الهند المتعطشة للنفط في حيرة أمام عرض فنزويلي مغرٍ
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة