«أندية القراءة» في الإنترنت... مكتبات مفتوحة على مدار الساعة

بعضها تخطى المليون ونصف مليون متابع وإقبال واسع من الشباب

أحد تجمعات أندية القراءة على الإنترنت
أحد تجمعات أندية القراءة على الإنترنت
TT

«أندية القراءة» في الإنترنت... مكتبات مفتوحة على مدار الساعة

أحد تجمعات أندية القراءة على الإنترنت
أحد تجمعات أندية القراءة على الإنترنت

يبدو أن الصفحات و«الغروبات» و«الهاشتاغات» والمجموعات «الفيسبوكية» الشبابية حلت محل المؤسسات الحكومية والمكتبات العامة ومكتبات المدارس في التشجيع على القراءة والمطالعة، بعدما ابتعد الشباب عن الوسائل التقليدية، مفضلين الانحياز لمبادرات شبابية مبتكرة تقدم لهم فعل القراءة كفعل مغرٍ مفتوح على مدار الساعة وبالمجان، وبإمكانيات سهلة وبسيطة، الأمر الذي يدحض مقولة أن «القراءة أصبحت موضة قديمة».
يظهر هذا من عدد المتابعين أو المشاركين في «أندية القراءة الشبابية» الإلكترونية، أو «منتديات الكتاب» التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتجاوز أعداد أعضاء هذه الصفحات أو «الغروبات» في أحيان كثيرة الآلاف، وربما يكسر إحداها حاجز المليون متابع.
وكثيراً ما تنتقل هذه الصفحات المختصة بالقراء الشباب، من الفضاء السيبراني إلى أرض الواقع، كأن يجتمع الأعضاء في أماكن ثقافية بعينها لمناقشة عمل ما، أو تبادل الرؤى حول الكتب. «ثقافة» استطلعت آراء عدد من هؤلاء الشباب الذين أسسوا أندية للقراءة ومناقشة الكتب.
صفحة «عصير الكتب»، التي ترفع شعار «دوق (تذوق) طعم الكتب»، هي من أشهر الصفحات المختصة بالترويج للكتب بين الشباب، إذ تخطت حاجز المليون ونصف مليون متابع لنشاطاتها التي تتنوع ما بين ترشيح الكتب للقراء، كما تسمح لأعضائها بنشر مقاطع أو مراجعات للكتب التي يقرأونها.
أما عدد أعضاء غروب «نادي القرّاء المحترفين»، فيقارب الـ2400 عضو، ويتميز بكونه ساحة مفتوحة للنقاش حول الأعمال الفكرية والأدبية «الجادة»، كما يسمح باستعراض المشتركين لقراءتهم مع تقديم رؤية نقدية، كأن يطرح الغروب مثلاً استطلاع رأي عن أعمال الشاعر والكتاب الأميركي إدجار ألن بو، أو يوسف إدريس، وتقدم إحدى المشاركات قراءة في رواية «الفسكونت المشطور» لإيتالو كالفينو، ويدير الأعضاء نقاشاً حول رواية «حرب الكلب الثانية» الفائزة مؤخرا بجائزة البوكر لإبراهيم نصر الله.
يقول الكاتب إبراهيم عادل زايد المسؤول عن مجموعة «نادي القراء المحترفين»، إن «فكرة أندية القراءة كانت موجودة طوال الوقت، حيث يجتمع أصدقاء لهم اهتمام مشترك بالقراءة لتبادل الرؤى حول الكتب، ولكن لم يكن لذلك تنظيم أو تجمع محدد أو معروف، ومن هنا جاءت فكرة تأسيس ناد للقراء المحترفين، بالاشتراك مع مؤسسة «بتانة» الثقافية.
ويشير زايد إلى أن فكرتهم حول نادي القراءة تجاوزت فكرة الاجتماع والمشاركات والاقتراحات إلى تفعيل وتقييم كل نشاطات القرّاء وتحفيزهم على المزيد من التفاعل والمشاركة، من خلال الاشتراك في موقع يضيفون فيه الكتب التي يقرأونها، ويحصلون على «نقاط» يتم تجميعها، والحصول على خصومات في شراء الكتب بالتعاون مع مؤسسات ودور نشر.
ولا يتفق زايد مع القائلين بأن الشباب لا يقرأون: «حينما أنشأنا صفحة للنادي على (فيسبوك) لم أتوقع هذا الإقبال على الصفحة، وتأكد لي أن هناك جمهوراً متعطشاً بالفعل لمن يقدم له الجديد المختلف في عالم القراءة، وأن هناك جمهوراً لا يزال يطلب المزيد من النقاشات والمشاركات فيما يتعلق بالقراءة وغير ذلك».
الشابة ياسمين الجندي هي الأخرى قادها شغفها بالقراءة منذ كانت طفلة لتحقيق حلهما في تأسيس مجموعة «ركن الياسمين» لهواة القراءة، التي تضم صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي 2500 عضو. ولا يقتصر وجود المجموعة على «فيسبوك»، وإنما يلتقي أعضاء «الغروب» مرة كل شهر في إحدى المكتبات بضاحية المعادي بالقاهرة لمناقشة كتاب يتفقون عليه مسبقاً.
وتذكر ياسمين أن فكرة تأسيس المجموعة بدأت بتدوينة على صفحتها بـ«فيسبوك» اقترحت فيها تأسيس نادٍ للكتاب، وسرعان ما تمحورت الفكرة مع إقبال وترحيب أصدقائها المقربين، وبدأ أول لقاءاتهم في أكتوبر (تشرين الأول) 2014. ومنذ ذلك التاريخ لا يزالون مستمرين في الاجتماع على مدى السنوات الأربع الماضية، وعقدوا ندوات لمناقشة 36 كتاباً.
وتقول مُؤسِسة «ركن الياسمين» إنهم تغلبوا على عزوف الشباب عن المشاركة في مثل هذه الأنشطة، بابتكار أفكار غير نمطية وجاذبة، كأن يدعون الكتاب والمؤلفين للحضور.
وعن نوعية الكتب التي تتم مناقشتها، قالت ياسمين الجندي إنهم ينوعون قراءاتهم قدر الإمكان ما بين الأدب وعلم النفس والتاريخ وأدب رحلات وأدب مترجم، وإنهم يلجأون للتصويت في اختيار الكتاب الذي يختارونه للمناقشة.
لكن نشاطات «ركن الياسمين» لا تقتصر على مناقشة الكتب، بل يتبنى مبادرات أخرى مثل تجميع الكتب القديمة والمستعملة وتوزيعها على الشباب، وبالفعل نجحوا في توزيع 1000 كتاب، كما تنظم المجموعة تحدياً للقراءة يبدأ بأن يقرأ المشارك فيه 70 صفحة أسبوعياً كحد أدنى.
وكمبادرة لتشجيع القراء من الشباب ومساعدة الشرائح غير القادرة على شراء الكتب الغالية الأسعار، أسس أحمد حسنين مشروعه «نادي الربع للكتاب»، في منطقة القاهرة الفاطمية، كمبادرة شبابية لتوفير الكتب بأسعار رخيصة، بالإضافة لدعم الكتاب الورقي الذي يعاني من مشكلات في التسويق وفي ارتفاع أسعاره، كما أنه يخصص ركناً خاصاً للكتب المجانية، لتشجيع الشباب على القراءة، حيث يمكن لمن يريد كتاباً أن يحصل عليه من دون مقابل. ويلجأ مؤسس الغروب لوسائل مبتكرة لتشجيع القراء على الاقتناء، من بينها، تنظيم مسابقة لأفضل قارئ ومدون حول الكتب التي يطرحها للنقاش.
ويعتمد أحمد حسنين على موقع «فيسبوك» في الترويج لمشروعه، عبر صفحة يصل عدد متابعيها لمائة وعشرين ألف متابع. وهو يصر على أن تكون جميع الكتب التي يروج لها كتباً جادة، واضعاً صوراً لديستوفسكي وكافكا ونجيب محفوظ وجلال الدين الرومي كدلالة على الأسماء التي ينحاز لها.
الطريف أن عدداً من الشباب حققوا حضوراً كبيراً في الوسط الثقافي، كـ«قراء»، يسعى وراءهم الكتَّاب، وليس العكس، من هؤلاء الشاب العشريني حسن عدس الذي يعرف نفسه على «فيسبوك» بلقب «حامل الكتب»، ويفضل تعريفه كـ«قارئ»، وبالفعل أصبح معروفاً لدرجة حرصِ الناشرين والكتاب على إيصال كتبهم له، مع التمني أن يدون ملاحظته على إبداعاتهم، سواء على «جود ريدز» (الموقع المختص بالتدوين حول الكتب) أو صفحته بـ«فيسبوك».
أما حسن عدس والناقد والقاص أحمد حلمي والكاتب محمد علي إبراهيم وغيرهم، فقد أسسوا مجموعة «المناقشة»، التي تجتمع بشكل دوري حول كتاب بعينه يطرحونه للنقاش. ويقول أحمد حلمي إن شبكات التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل كبير في زيادة معدلات القراءة بين الشباب، وتحويل القراءة لفعل حقيقي وملموس يدعو للفخر، وبالأخص خلال السنوات الخمس الماضية، وهذا يظهر من وجود أعضاء من مجموعتهم يفضلون تعريفهم بلقب «القارئ».
وتحدد مجموعة «المناقشة» مجالها في مناقشة الأدب، وبشكل خاص الروايات، وعقدت عدة ندوات استضافت فيها كتاباً معروفين كإبراهيم عبد المجيد، الذي ناقشوا روايته «قطط العام الفائت»، ويوسف زيدان «غربة عرب»، فيما تفضل مجموعة «الحراك الثقافي» التوجه إلى التراث الأدبي والثقافي المهمل، حيث عقدوا جلسات لمناقشة كتاب «تربية سلامة موسى» و«المذاهب الأدبية والنقدية» لشكري محمد عياد. ويذكر الشاب أحمد سمير رجب أحد الأعضاء الرئيسيين في «الحراك الثقافي» أن الأسباب التي دفعتهم لتأسيس المجموعة هي مساعدة أغلب الشباب الموهوبين الذين لا يدركون من أين يبدأون وما أهمية وقيمة ما ينتجونه من كتابات. ومن هذا المنطلق، ركزوا على أن يكون أعضاء المجموعة من الكتاب الجدد الذين يحاولون شق طريقهم لكن ينقصهم الحماس أو التشجيع أو افتقارهم لتقنية الكتابة.


مقالات ذات صلة

«تعفن الدماغ»... ما علاقته باستخدام الإنترنت ومواقع التواصل؟

صحتك قضاء ساعات طويلة في تصفح الإنترنت قد يصيبك بـ«تعفن الدماغ» (رويترز)

«تعفن الدماغ»... ما علاقته باستخدام الإنترنت ومواقع التواصل؟

تُعرف «أكسفورد» تعفن الدماغ بأنه «التدهور المفترض للحالة العقلية أو الفكرية للشخص»

ماري وجدي (القاهرة)
يوميات الشرق التدهور المفترض للحالة العقلية أو الفكرية للشخص في العصر الحديث يحدث نتيجة الإفراط في استهلاك الإنترنت وفقاً لـ«أكسفورد» (أ.ب)

«تعفن الدماغ»... كلمة عام 2024 من جامعة أكسفورد

اختيرت كلمة «تعفن الدماغ» لتكون كلمة عام 2024 في «أكسفورد».

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا كابل الاتصالات البحري «سي ليون 1» أثناء وضعه في قاع بحر البلطيق عام 2015 (أ.ف.ب)

بدء إصلاح كابل بيانات متضرر في بحر البلطيق

 بدأ إصلاح كابل اتصالات بحري متضرر بين هلسنكي وميناء روستوك الألماني في بحر البلطيق، الاثنين.  

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)
المشرق العربي أطفال انفصلوا عن شقيقهم بعد فراره من شمال غزة ينظرون إلى صورته على هاتف جوال (رويترز)

انقطاع كامل للإنترنت في شمال غزة

أعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية (بالتل)، اليوم (السبت)، عن انقطاع كامل لخدمات الإنترنت في محافظة شمال قطاع غزة، بسبب «عدوان الاحتلال المتواصل».

«الشرق الأوسط» (غزة)
يوميات الشرق حبُّ براد بيت سهَّل الوقوع في الفخ (رويترز)

«براد بيت زائف» يحتال بـ325 ألف يورو على امرأتين «مكتئبتين»

أوقفت الشرطة الإسبانية 5 أشخاص لاستحصالهم على 325 ألف يورو من امرأتين «ضعيفتين ومكتئبتين»... إليكم التفاصيل.

«الشرق الأوسط» (مدريد)

العثور على مبلّغ عن مخالفات «أوبن إيه آي» ميتاً في شقته

شعار شركة «أوبن إيه آي»  (رويترز)
شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)
TT

العثور على مبلّغ عن مخالفات «أوبن إيه آي» ميتاً في شقته

شعار شركة «أوبن إيه آي»  (رويترز)
شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)

تم العثور على أحد المبلِّغين عن مخالفات شركة «أوبن إيه آي» ميتاً في شقته بسان فرانسيسكو.

ووفقاً لشبكة «سي إن بي سي»، فقد أمضى الباحث سوشير بالاجي (26 عاماً)، 4 سنوات في العمل لدى شركة الذكاء الاصطناعي حتى وقت سابق من هذا العام، عندما أثار علناً مخاوف من أن الشركة انتهكت قانون حقوق النشر الأميركي.

وتم العثور على بالاجي ميتاً في شقته بشارع بوكانان سان فرانسيسكو بعد ظهر يوم 26 نوفمبر (تشرين الثاني).

وقالت الشرطة إنها لم تكتشف «أي دليل على وجود جريمة» في تحقيقاتها الأولية.

ومن جهته، قال ديفيد سيرانو سويل، المدير التنفيذي لمكتب كبير الأطباء الشرعيين في سان فرانسيسكو، لشبكة «سي إن بي سي»: «لقد تم تحديد طريقة الوفاة على أنها انتحار». وأكدت «أوبن إيه آي» وفاة بالاجي.

وقال متحدث باسم الشركة: «لقد صُدِمنا لمعرفة هذه الأخبار الحزينة للغاية اليوم، وقلوبنا مع أحباء بالاجي خلال هذا الوقت العصيب».

وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد نشرت قصة عن مخاوف بالاجي بشأن «أوبن إيه آي» في أكتوبر (تشرين الأول)؛ حيث قال للصحيفة في ذلك الوقت: «إذا كان أي شخص يؤمن بما أومن به، فسيغادر الشركة بكل تأكيد».

وقال للصحيفة إن «تشات جي بي تي» وروبوتات الدردشة المماثلة الأخرى ستجعل من المستحيل على العديد من الأشخاص والمنظمات البقاء والاستمرار في العمل، إذا تم استخدام محتواها لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي.

وواجهت «أوبن إيه آي» عدة دعاوى قضائية تتعلَّق باستخدامها محتوى من منشورات وكتب مختلفة لتدريب نماذجها اللغوية الكبيرة، دون إذن صريح أو تعويض مالي مناسب، فيما اعتبره البعض انتهاكاً لقانون حقوق النشر الأميركي.