سوق حي، لا يزدحم بالمسافرين فقط ولا بلقاءات الأصدقاء، بل ينتصب يوميا ما بين الخامسة صباحا وحتى الواحدة من صباح اليوم التالي، (مدة عمل قطارات مترو أنفاق القاهرة)، حيث يتحرك الباعة الجائلون داخل قطارات الخطوط الثلاثة، لعرض بضاعتهم المتنوعة من كل صنف ولون، بأسعار يشيعون أنّها أرخص من مثيلاتها، ويسعون لترويجها، والعودة إلى بيوتهم بأرباح يذكرون أنها أقل بكثير مما يحصده غيرهم ممن يبيعون السلع نفسها داخل متاجرهم، لأنّهم كما يقول سعيد «بائع متجول»: «يحصلون عليها بسعر الجملة، ويقدمونها لزبائنهم من دون طمع في زيادات كبيرة في ثمنها».
بين عربات مترو أنفاق حلوان، بالخط الأول الذي يسير بسرعة مائة كيلومتر في الساعة، يتجول سعيد، حاملا في يده كيساً كبيراً بداخله قطع من فرش الأحذية الطبية، يعرض الواحد منها بثلاثة جنيهات ونصف، زاعماً أنّها تباع داخل المحلات المتخصصة بسعر يصل إلى 20 جنيهاً، مبرراً عرضه لها بهذا الثمن، لأنّه يعرف ظروف الناس ويقدر حاجاتهم، ويكره المستغلين، ولا يجد أي فائدة في النصب على زبائنه، كما أنّه لا يريد أكثر من الربح الحلال.
بضاعة سعيد يأتي بها من بائع جملة بالقرب من شارع رمسيس، يحصل عليها بالأجل، حال عدم وجود نقود كافية لديه، وبديلا عن ذلك يكتب على نفسه كمبيالات ضماناً لحق صاحب المتجر، وحين ينتهي من بيعها يردّ له ماله، لتستمر دورة البيع والشراء دون انقطاع.
ينظر سعيد لرواد المترو الذين يقترب عددهم يوميا من 4 ملايين راكب حسب ما أعلنت الهيئة المشغلة له، في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، على أنّهم زبائن مثاليون لترويج بضاعته، فهو يتحرك بينهم في العربات من دون أي عناء، كما أنّهم في رأيه متجددون، مع كل محطة، فمع كل ثلاث دقائق تمرّ يتوقف القطار ليودع ركاباً ويستقبل غيرهم، يراهم البائع المتجول باعتبارهم زبائن محتملين لشراء ما يحمل من سلع، وبضائع.
يخالف أحمد هذا الرأي، فرغم أنّه يعتقد أن المترو سوق مناسبة لمن هم في مثل حالته، يقصد الذين لا يملكون منافذ لبيع بضاعتهم، إلا أنه يشير إلى أنّ البيع في القطارات يعرضه وغيره، للمطاردات المستمرة من رجال الشرطة المسؤولين عن أمن المحطات، حتى أنّه يفقد في بعض الأحيان بضاعته حال القبض عليه، ويتعرض أيضا لغرامة فورية، قد تأتي على ما حصل عليه من أرباح في عدة أيام، لكنّه مع ذلك لا يأبه، ويعود ليروج بضاعته من سماعات الهواتف المحمولة المستوردة من الصين، يبيع الواحدة منها مقابل عشرة جنيهات، يقول إنّها تحقّق له ما يكفيه لاستكمال تعليمه في جامعة الأزهر التي قدم إليها من مدينة «أبو تشت» بمحافظة قنا جنوب مصر.
لا يهم أحمد ماذا يبيع، وما إذا كانت سماعاته أصلية أم لا، فهو لا يملك حرية الاختيار، فقط يسعى ليوفر لنفسه ما يجعله يأكل ويشرب ويدفع مصروفات سكنه، ويشتري ملابس تجعله يتحرك بين زملائه دون أي شعور بالدونية أو النقص.
يبيع «أحمد» لرواد المترو أيضاً محافظ بلاستيكية للهواتف، وأغطية لشاشاتها يعرف أنها مستوردة من الصين، لكنّه لا يعرف أنّ حجم مبيعاتها من السلع المختلفة للمصريين تقترب من 7 ونصف مليار دولار، حسب ما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ضمن نشرته السنوية عن حجم التبادل التجاري بين مصر وبعض دول شرق آسيا، ومن بينها النمر الصيني خلال العام الماضي.
يفضل أحمد ترويج بضاعته في عربات المترو المخصصة للسيدات أكثر من غيرها لأنّهن حسب وجهة نظره، يقبلن على الشراء من دون أي حسابات، لأنّ معظمهن من الفتيات ولا توجد لديهن التزامات تمنعهن من الحصول على ما يردن من متطلبات.
من جانبه قال بائع آخر يقدم نفسه للناس باسم أبو سماح، وأنّه كان يعمل موظفاً في وزارة الصحة، وقد أحيل للتقاعد مبكراً، وقرّر العمل كبائع متجول في تجارة غير رسمية قدرتها الحكومة المصرية بداية العام الحالي بتريليوني جنيه مصري، نحو 80 في المائة من حجم السوق. ويرجع تفضيل الرجل هذا النوع من النشاط، إلى أنّه بلا مواعيد حضور ولا انصراف، يعمل فيه حراً بلا أي ضغوط، وقد بدأ البيع في أتوبيسات النقل العام، لكنّه رآها غير مجدية، فتحول إلى المترو، حيث يُروّج إكسسوارات النساء كالمرايات والأمشاط فضلاً عن أنواع من المعجون وفرش الأسنان والولاعات. يفضلها لأنّ أسعارها زهيدة جداً، ولا يطالها الكساد أبداً.
يستقل أبو سماح المترو من حلوان حيث يسكن حالياً بعد انتقاله للسكن هناك مجبراً من منزله بحي السيدة زينب الذي تقرر هدمه، يجلب بضاعته من منطقة الموسكي كل أسبوع، ولا يلجأ مثل بعض زملائه، للشراء بالأجل، لأنّه يرى أنّه يمكن أن يتعرّض، لأي أزمة تأخذ ما معه من سلع، ولا يعرف حينها رد ما عليه من ديون... حين سألته: ألا تخشى على صحتك من هذا المجهود... رد بابتسامة قنوع: خليها على الله.
مترو أنفاق القاهرة... سوق رائجة للباعة الجائلين
ينقل نحو 4 ملايين راكب يومياً

باعة جائلون داخل مترو أنفاق القاهرة
مترو أنفاق القاهرة... سوق رائجة للباعة الجائلين

باعة جائلون داخل مترو أنفاق القاهرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة