توقيف ساركوزي احترازياً لاستجوابه في ملف التمويل الليبي

المكتب المركزي لمكافحة الفساد قد يحقق معه لـ48 ساعة

ساركوزي يستقبل القدافي في قصر الإليزيه في 12 ديسمبر 2007 (إ.ب.أ)  -  شرطي مسلح خارج مقر المكتب المركزي لمكافحة الفساد والمخالفات المالية والضريبية في نانتير أمس (أ.ف.ب)
ساركوزي يستقبل القدافي في قصر الإليزيه في 12 ديسمبر 2007 (إ.ب.أ) - شرطي مسلح خارج مقر المكتب المركزي لمكافحة الفساد والمخالفات المالية والضريبية في نانتير أمس (أ.ف.ب)
TT

توقيف ساركوزي احترازياً لاستجوابه في ملف التمويل الليبي

ساركوزي يستقبل القدافي في قصر الإليزيه في 12 ديسمبر 2007 (إ.ب.أ)  -  شرطي مسلح خارج مقر المكتب المركزي لمكافحة الفساد والمخالفات المالية والضريبية في نانتير أمس (أ.ف.ب)
ساركوزي يستقبل القدافي في قصر الإليزيه في 12 ديسمبر 2007 (إ.ب.أ) - شرطي مسلح خارج مقر المكتب المركزي لمكافحة الفساد والمخالفات المالية والضريبية في نانتير أمس (أ.ف.ب)

لأول مرة في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة يتم توقيف رئيس سابق للجمهورية احترازياً من أجل إجراء تحقيق معمق معه بتهمة بالغة الخطورة، تتناول حصوله على تمويل خارجي بلغ عشرات الملايين لحملة رئاسية قادته إلى قصر الإليزيه. هذه باختصار شديد قصة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الذي شغل منصب رئاسة الجمهورية لـ5 سنوات بين عام 2007 و2012. ولكي يكتمل المشهد وتزداد إثارته، يتعين أن نشير إلى أن الطرف المفترض الممول ليس سوى الرئيس الليبي السابق العقيد معمر القذافي، الذي كان ساركوزي رأس الحربة في الحملة السياسية والعسكرية التي انتهت بإطاحة نظامه ومقتله خريف عام 2011.
وقبل ذلك بسنوات قليلة، كان القذافي، الذي أخضعت بلاده لعقوبات اقتصادية بسبب تورطه في عمليات إرهابية، منها تفجير طائرة فرنسية فوق صحراء النيجر، قد تحول إلى صديق «حميم» لساركوزي، الذي فرش السجاد الأحمر تحت قدميه في قصر الإليزيه، وسلمه مفاتيح قصر الضيافة المسمى «قصر ماتينيون»، حيث نصب العقيد خيمته البدوية الشهيرة، ليستقبل كبار السياسيين ورجال الدولة الفرنسيين ورؤساء الشركات الحالمين بدولارات البترول والعقود الليبية.
ثم لا بد من ذكر الوسطاء: تجار سلاح، وحاملو حقائب مملوءة بملايين اليوروات من فئة الـ500 أو الـ200 يورو، ورجال مخابرات من الطرفين، والدائرة الضيقة المحيطة بساركوزي منذ أن كان وزيراً للداخلية في حكومة جاك شيراك في ولايته الثانية من جهة، ومخابرات القذافي من جهة أخرى، مع موسى كوسى رئيسها، ومدير مكتبه صالح بشير الذي هرب من باريس بخفة بعد أن سعى القضاء الفرنسي لاستجوابه. ولا ننسى رئيس الحكومة وزير النفط الليبي شكري غانم، الذي «غرق» في نهر الدانوب في فيينا، ولم تتكلف الأجهزة النمساوية عناء البحث الجدي عن أسباب وفاته التي لا تبدو بأي شكل طبيعية.
كل هذه الأمور، التي أمل كثيرون في أن يكون الزمن قد محاها، عادت إلى الواجهة بشكل عنيف مع استدعاء ساركوزي إلى «المكتب المركزي لمكافحة الفساد والتجاوزات المالية والضريبية»، الكائن في مدينة نانتير، الواقعة غرب العاصمة.
وكان في مقدور الشرطة المتخصصة أن تستجوبه من غير فرض حالة التوقيف الاحترازي عليه، علماً بأنها المرة الأولى التي يستجوب فيها بخصوص هذا الملف، وأن كثيراً من الفضائح تلاحقه، وأنه سبق له أن مثل أمام القضاء، ووجهت إليه اتهامات رسمية.
ويتساءل كثيرون عن الأسباب التي دفعت الشرطة، التي تعمل بناء على تحقيق قضائي فتح في عام 2013، إلى فرض التوقيف الاحترازي على الرئيس الأسبق. والمعروف أن هذا يتيح لها أن تستنطقه لمدة 48 ساعة متواصلة. وبعدها، إما أن يخلى سبيله ليستدعى لاحقاً، أو أن يمثل أمام قاضي التحقيق الذي لديه سلطة توجيه اتهامات رسمية له، مع إرساله إلى السجن أو تركه حراً بانتظار محاكمته. أما الاحتمال الآخر، فهو أن يترك من غير اتهامات رسمية، ما لا يعني أبداً أن الملف قد أقفل.
ومنذ صباح أمس الباكر، احتل خبر توقيف ساركوزي صدارة الأخبار، وعبأت القنوات الإخبارية والوسائل الإعلامية كل إمكانياتها لمتابعة التحقيق لحظة بلحظة. وكما في كل مرة، انقسمت الطبقة السياسية ولكن مع تهيب، وكثر أعداد المحللين والخبراء، وسردت وقائع رئاسة ساركوزي، وما لحق باسمه من تجاوزات وظنون واتهامات، مع تشريح لـ«وقائع» هذه المسألة منذ أن بدأت تتسرب بعض تفاصيلها.
وتشاء الصدفة أن يتزامن توقيف ساركوزي في قضية التمويل الليبي لحملته الانتخابية لعام 2007 مع إعلان سيف الإسلام القذافي، قبل يومين، عن عزمه الترشح للرئاسة في ليبيا. والحال أن سيف الإسلام كان، في 16 مارس (آذار) 2011، أول من تحدث عن تمويل بلاده لساركوزي، الذي لعب دور «المحرك» للتدخل العسكري الدولي في ليبيا حماية لمدينة بنغازي من دبابات العقيد.
ومن المفيد الإشارة إلى أن طائرات «الرافال» الفرنسية كانت قد أقلعت من قواعدها قبل أن ينتهي اجتماع وزاري في قصر الإليزيه، بحضور وزراء خارجية «الحلفاء»، للقيام بأولى الضربات. وبالطبع، كان النفي المطلق سيد الرد الرئاسي. ومن بين كل الوسائل الإعلامية الفرنسية، برزت «ميديا بارت»، المجلة الإلكترونية التي تمارس الصحافة الاستقصائية، للدور الذي لعبته في إثارة «الفضيحة»، إذ نشرت، في مارس 2012، أول «وثيقة» تحمل توقيع موسى، وتعود لعام 2006، وهي ملخص اجتماع قرر خلاله تمويل حملة ساركوزي الرئاسية.
وجاء «غرق» شكري غانم ليزيد من الشكوك، خصوصاً أن القضاء الفرنسي حصل على «الملاحظات» التي درج على تدوينها، وفيها إشارات إلى ساركوزي. وجاءت الضربة ربما القاتلة من رجل الأعمال اللبناني - الفرنسي زياد تقي الدين، المعروف بعلاقاته الليبية، حيث تم إيقافه خلال عودته من رحلة بطائرة خاصة من طرابلس وبحوزته حقيبة تحتوي على 1.5 مليون يورو. ولما شعر الأخير أن «أصدقاءه» السياسيين قد تخلوا عنه، عمد إلى كشف المستور، وأعلن في أكثر من مناسبة أنه نقل على 3 دفعات مبلغ 5 ملايين يورو، سلمها بين نهاية 2006 وبداية 2007 إلى كلود غيان مدير مكتب ساركوزي خلال وجوده على رأس وزارة الداخلية، ولساركوزي نفسه في الشقة الخاصة به في مقر الوزارة.
وفي 2015، وبعد أن حامت كثير من الشبهات حول دوره في هذه العملية، وجه القضاء اتهامات رسمية لغيان الذي لعب دوراً رئيسياً خلال رئاسة ساركوزي، منها تهمة الفساد واستغلال النفوذ، وتبييض الأموال، والتهرب الضريبي. ولم «يبلع» المحققون تفسيرات غيان لشرائه شقة في باريس دفع ثمنها نقداً، متحججاً بلوحتين باعهما بسعر مرتفع. كذلك لم يقتنع المحققون بالأسباب التي دفعت غيان لاستئجار خزينة كبرى محصنة في بنك «بي إن بي»، قريباً من دار الأوبرا لـ«يحتفظ فيها بخطب ساركوزي».
وتمثل آخر الفصول بالقبض على ألكسندر الجوهري، وهو رجل أعمال ووسيط قريب من ساركوزي في العاصمة البريطانية، يوم 18 يناير (كانون الثاني) الماضي. وطلبت فرنسا من القضاء البريطاني استرداده لأنها تظن أنه لعب دوراً، عبر عمليات مالية معقدة، في توفير كثير من الملايين لساركوزي. ولاكتمال الصورة، تجدر الإشارة إلى أن المحققين الماليين وفروا للقضاء صورة عن التحويلات المالية المعقدة التي مرت بمصارف في بيروت لترسو على حسابات مشبوهة.
هكذا، انغلقت الكماشة على ساركوزي، الذي نفى نفياً مطلقاً ومنذ البداية وجود تمويل ليبي لحملته. وبحسب القوانين الفرنسية، يتعين على الادعاء (أي الدولة) توفير الأدلة التي تثبت الجرم، وما دام أنه لم تتم المحاكمة ويثبت الجرم، فإن المدعى عليه يعد بريئاً. وكان من الطبيعي أن ينبري محامي ساركوزي وأصدقاؤه ليدافعوا عنه، وليتساءلوا عن «الأسباب» التي جعلت القضاء ينبش ملفاً عمره 11 عاماً، ولينددوا ببطئه. وذهب رئيس حزب «الجمهوريين»، لوران فوكييه، الذي خلف ساركوزي في هذا المنصب، ليندد بعدالة «تزن بميزانين وتكيل بمكيالين».
والواضح أن المحققين ما كانوا ليتصرفوا بهذه الطريقة لو لم تتوافر لهم العناصر التي تمكنهم من التعاطي مع رئيس جمهورية سابق بهذه الطريقة. وفي أي حال، فإن ساركوزي الذي «نجا» من كثير من التجارب والمحن القضائية، يمكن أيضاً أن ينجو هذه المرة من مخلب القضاء. كذلك يمكن أن تطول الأمور شهوراً وسنوات، ما بين توجيه الاتهامات والمحاكمة واستئناف الحكم. كما أن العهود السياسية يمكن أن تتغير أيضاً.
وفي أي حال، لم يكن أحد يتوقع أن يعود ساركوزي مجدداً إلى الحلبة السياسية، بعد أن هزم في معركة الرئاسة عام 2012 على يدي فرنسوا هولاند، وفي معركة 2016 على يدي فرنسوا فيون، الذي حرمه من الحصول على تزكية حزب «الجمهوريون»، ليخوض المعركة الرئاسية للمرة الثالثة.



أميركا وأوكرانيا تستعدان من جديد لتوقيع صفقة المعادن

صورة ملتقطة في 28 فبراير 2025 في العاصمة الأميركية واشنطن تظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرحب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل اجتماعهما في البيت الأبيض (د.ب.أ)
صورة ملتقطة في 28 فبراير 2025 في العاصمة الأميركية واشنطن تظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرحب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل اجتماعهما في البيت الأبيض (د.ب.أ)
TT

أميركا وأوكرانيا تستعدان من جديد لتوقيع صفقة المعادن

صورة ملتقطة في 28 فبراير 2025 في العاصمة الأميركية واشنطن تظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرحب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل اجتماعهما في البيت الأبيض (د.ب.أ)
صورة ملتقطة في 28 فبراير 2025 في العاصمة الأميركية واشنطن تظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرحب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل اجتماعهما في البيت الأبيض (د.ب.أ)

قال 4 أشخاص مطلعين، الثلاثاء، إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وأوكرانيا تخططان لتوقيع صفقة المعادن التي نوقشت كثيراً بعد اجتماع كارثي في ​​المكتب البيضاوي، يوم الجمعة، الذي تم فيه طرد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من المبنى.

وقال 3 من المصادر إن ترمب أبلغ مستشاريه بأنه يريد الإعلان عن الاتفاق في خطابه أمام الكونغرس، مساء الثلاثاء، محذرين من أن الصفقة لم يتم توقيعها بعد، وأن الوضع قد يتغير.

تم تعليق الصفقة يوم الجمعة، بعد اجتماع مثير للجدل في المكتب البيضاوي بين ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أسفر عن رحيل الزعيم الأوكراني السريع من البيت الأبيض. وكان زيلينسكي قد سافر إلى واشنطن لتوقيع الصفقة.

في ذلك الاجتماع، وبّخ ترمب ونائب الرئيس جي دي فانس زيلينسكي، وقالا له إن عليه أن يشكر الولايات المتحدة على دعمها بدلاً من طلب مساعدات إضافية أمام وسائل الإعلام الأميركية.

وقال ترمب: «أنت تغامر بنشوب حرب عالمية ثالثة».

وتحدث مسؤولون أميركيون في الأيام الأخيرة إلى مسؤولين في كييف بشأن توقيع صفقة المعادن على الرغم من الخلاف الذي حدث يوم الجمعة، وحثوا مستشاري زيلينسكي على إقناع الرئيس الأوكراني بالاعتذار علناً لترمب، وفقاً لأحد الأشخاص المطلعين على الأمر.

يوم الثلاثاء، نشر زيلينسكي، على موقع «إكس»، أن أوكرانيا مستعدة لتوقيع الصفقة، ووصف اجتماع المكتب البيضاوي بأنه «مؤسف».

وقال زيلينسكي، في منشوره: «اجتماعنا في واشنطن، في البيت الأبيض، يوم الجمعة، لم يسر بالطريقة التي كان من المفترض أن يكون عليها. أوكرانيا مستعدة للجلوس إلى طاولة المفاوضات في أقرب وقت ممكن لإحلال السلام الدائم».

ولم يتضح ما إذا كانت الصفقة قد تغيرت. ولم يتضمن الاتفاق، الذي كان من المقرر توقيعه الأسبوع الماضي، أي ضمانات أمنية صريحة لأوكرانيا، لكنه أعطى الولايات المتحدة حقّ الوصول إلى عائدات الموارد الطبيعية في أوكرانيا. كما نصّ الاتفاق على مساهمة الحكومة الأوكرانية بنسبة 50 في المائة من تحويل أي موارد طبيعية مملوكة للدولة إلى صندوق استثماري لإعادة الإعمار تديره الولايات المتحدة وأوكرانيا.

يوم الاثنين، أشار ترمب إلى أن إدارته لا تزال منفتحة على توقيع الاتفاق، وقال للصحافيين إن أوكرانيا «يجب أن تكون أكثر امتناناً».

وأضاف: «وقف هذا البلد (الولايات المتحدة) إلى جانبهم في السراء والضراء... قدمنا لهم أكثر بكثير مما قدمته أوروبا لهم، وكان يجب على أوروبا أن تقدم لهم أكثر مما قدمنا».