كان وسام كمال يقدم عرضه المسرحي الأسبوعي في مركز «رواق» في الجميزة عندما بلغه أنّ صبية تعاني من الصمم والبَكم ضحكت من كل جوارحها في العرض وهنأته فيما بعد. «كان ذلك منذ نحو 8 سنوات، عندها فكرت جدياً في إمكانية تقديم عرض مسرحي كوميدي أتوجه به إلى الأشخاص الصم والبكم، وها أنا اليوم أستعد لتقديمه في بيروت»، يروي وسام كمال خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط». فعملية تقديم عمل مسرحي وتلفزيوني أو سينمائي كوميدي للأشخاص العاديين هو في حد ذاته مهمة صعبة، كما يردد أرباب مهنة التمثيل بشكل عام. فكيف سيكون الوضع وما التقنية التي ستُتبع في هذا العرض الخاص بالصم والبكم؟ يرد وسام كمال: «هي بالتأكيد عملية أصعب تنطوي على الكثير من البحث والاطّلاع على أجواء هؤلاء الأشخاص، وبالتالي على أهوائهم وبالأخص على لغتهم. ومن هنا انطلقتُ وتسجّلت في مدرسة خاصة لتعلم لغة الإشارة (مركز التعليم للصم والبكم). واليوم وبعد حصولي على أول شهادة مدرسية منها، قرّرت البدء في كتابة نص المسرحية التي أنوي تقديمها خصوصاً أنني مزّقت ما دونته قبلها كوني لم أكن ملماً بلغتهم». وحسب وسام كمال فإنّ ما يُضحك الناس العاديين لا يشبه في مضمونه ما يُضحك هؤلاء الأشخاص (الصم والبكم)، ولذلك كان عليه التعرف إليهم بشكل أكبر، وقد ساعده في ذلك أستاذه في صف لغة الإشارة حبيب فواز، فقرّب المسافات بينهما ووضعه على السكة المطلوبة في هذا الخصوص.
«لعل رغبتي الكبيرة في تنفيذ هذا العمل الفني هي التي شكلت الدافع الرئيسي لي للغوص في أجواء هؤلاء الناس والتعرف إليهم عن كثب»، يوضح وسام الذي يتلقّى اليوم دروساً إضافية في عالم لغة الإشارة ستمكّنه من التعبير بشكل أفضل في مسرحيته المقبلة. ويضيف: «هم أشخاص براغماتيون أكثر منّا، لديهم لغتهم وعالمهم الخاصان ولا يختلفون عنا إلا بحاسة السمع. فاستخدام كلمة أو تعبيرٍ ما يضحكنا لن يتفاعلوا معه بنفس الطريقة التي تضحكنا، ولذلك علّ النكتة أن تكون أكثر واقعية تحمل التفاصيل مما يوضح صورتها في خيالهم».
وعن الصعوبة في تنفيذ هذا العمل الذي يجري لأول مرة في لبنان والعالم العربي يوضح كمال: «أعرف تماماً أنّ هناك صعوبة في تنفيذه ولمجرد تفكيري به أخاف، ولكن في المقابل، لديّ الشّغف والإرادة الصلبتين لتحقيقه على أكمل وجه، وليتحول فيما بعد إلى موعد سنوي ينتظره جمهور من الأشخاص الصم والبكم من كل عام». ويشير وسام إلى أنّه لم يطلب أي مساعدة من تلامذة صفه (من الصم والبكم)، في موضوع كتابة نص المسرحية، وأنّ الدكتور حسين إسماعيل (رئيس اتحاد الصم والبكم في لبنان)، هو من عرّفه بصورة واضحة على عالمهم وأظهر له نقاط الفرق التي تجعل عملية الضحك مختلفة لديهم.
وفي عمله المسرحي المقبل المتوقع أن يقدمه نهاية العام الحالي، سيقف وسام كمال وحيداً على المسرح لمدة 40 دقيقة يخاطب حضوره من الصم والبكم بلغة الإشارة التي تعلّمها والتي يصفها بالجميلة والمنطقية. «هناك حركات وإشارات كثيرة نستخدمها في هذه اللغة كأن نقرب برأسنا ونرفع حاجبينا عندما نرغب في طرح سؤال ما. وهي ترتكز على استخدام اليدين بشكل خاص ولذلك إذا أردت مثلاً أن تخبرهم عن مدينة بيروت، فعليك أن تقرب بيدك من قلبك وتحرك أناملها على شكل نبض لأنّها تعني العاصمة أي نبض بيروت. بينما مدينة طرابلس مثلاً، يعرّفون عنها من خلال فرك أياديهم إشارة إلى خانات الصابون المعروفة بها. وفي موضوع التعبير عن الحب أو تفضيل أمر ما على آخر، فإنّهم يمسكون بيدهم ويقربونها من قلبهم وهم يرسمون دوائر صغيرة ويرسمون إشارة (ok) رويداً بإصبعهم للتعبير عن فعل التفضيل».
الإنسان العادي لن يستطيع متابعة هذه المسرحية أو الاستمتاع بها كما يقول وسام كمال، ولذلك فهو يفضّل أن يتوجّه بعروضها المباشرة إلى جمهور الصم والبكم، وقد يلجأ إلى عرضها عبر وسائل التواصل الاجتماعي مرفقة مع تفسير مكتوب ليتفهم الناس العاديون اسكتشاتها.
ويرى وسام كمال أنّ من شأن هذا العمل الكوميدي أن يكون بمثابة رسالة واضحة للعالم عن لبنان الثقافة والنور، بعيداً عن الصورة المشوهة التي يرغب البعض في لصقها به، ويعلق: «أتمنّى أن أحمله وأجول به في العالمين الغربي والعربي لأهميته في عالم لغة الإشارة المعتمدة من قبل الصم والبكم في العالم أجمع». وعمّا إذا كان يفكر في دعوة أرباب فن مسرح الـ«ستاند آب كوميدي» في لبنان ليشاركوا في هذه التجربة يوماً ما أجاب: «عليهم أولاً أن يدرسوا لغة الإشارة، ومن ثم يمكننا تقديم الأفضل في هذا المضمار».
«ستاند آب كوميدي» خاص بالصّم والبُكم تشهده بيروت قريباً
يعد أول عرض مسرحي من نوعه في لبنان والعالم العربي
«ستاند آب كوميدي» خاص بالصّم والبُكم تشهده بيروت قريباً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة