الصراع على ود الجيل الجديد يزيد بكل الصور

لندن كسبت بحضور الملكة إليزابيث... وميلانو لجأت إلى طائرات {درون}

TT

الصراع على ود الجيل الجديد يزيد بكل الصور

ما لا يختلف عليه اثنان أن أسابيع الموضة العالمية لم تعد تعتمد على الأزياء فحسب. أصبح من الضروري إضافة عنصر الإبهار والإثارة، بمعنى أن تتضمن عنصراً يشد الانتباه ويجعل العالم يتكلم عنها، سواء من ناحية الديكورات أو الإخراج أو الإضاءة بالليزر وغيرها. أمر فهمته دار «شانيل» منذ سنوات واستغلته أحسن استغلال. الآن العديد من بيوت أزياء، خصوصاً التي لها القدرات، باتت تعتمده لشد انتباه جيل جديد من عشاق الموضة يهتمون بالصورة أولاً وأخيراً. فكلما كانت الصورة جديدة ومُدهشة كانت التغطيات أكبر وأكثر تأثيراً.
أسبوع لندن لموضة الخريف والشتاء المقبلين مثلاً حقق هدفاً نادراً، وسدد ضربة قوية لباقي أسابيع الموضة العالمية عندما فاجأت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، الجميع بحضورها عرض الشاب ريتشارد كوين في بادرة غير مسبوقة منذ اعتلائها العرش. كان على مصممي ميلانو أن يرتقوا بعروضهم إلى مستوى يمحي هذه الصورة ويحافظ على مكانتهم، وفي الوقت ذاته يشعل شبكات التواصل الاجتماعي. وهذا ما كان، من دار «دولتشي آند غابانا» التي وظفت كل مهارتها في هذا المجال، وافتتحت العرض بطائرات من دون طيارين تحمل حقائب يد بكل الألوان والأشكال، إلى دار «غوتشي» التي صدمت الحضور بإرسال عارضتين تحملان رؤوساً تُمثلهن.
بالنسبة لـ«دولتشي آند غابانا»، فحتى إذا لم تشعل الحقائب مواقع التواصل الاجتماعي، فإن طريقة عرضها لا بد أن تحقق المطلوب. الثنائي دومينيكو دولتشي وستيفانو غابانا يُقدران أن ملكة بريطانيا لها تأثير قوي لا يمكن مضاهاته من حيث القيمة، لكن يمكن مضاهاته من ناحية الصورة. لحسن حظهما أن الجيل الجديد يفهم هذه الصورة ويعشقها بكل مبالغاتها. قد تكون بالنسبة للعارفين صورة تتوسل نشرها عبر حساباتهم على «آنستغرام» أو «تويتر» أو «سناب شات»، لكنها بالنسبة للمصممين تقوم بالواجب وأكثر. في العام الماضي مثلاً استعانا بنجوم «آنستغرام»، من مدونات ومدونين ومن أصبحوا يعرفون بـ«الإنفلونسرز»، في عروضهما، جنباً إلى جنب عارضات سوبر وعارضين يُقدر عدد متابعيهم بالملايين أيضاً. نجحت الخطة وحققت المراد منها.
كان منظر طائرات {درون} تتوالى على المنصة محملة بحقائب يد مثيراً يضمن ضجة إعلامية عالمية. بعد دقائق ظهرت عارضات في أزياء قد تكون مزخرفة بشكل مبالغ فيه، لكنها، ومرة أخرى، تخاطب الصورة أولاً وأخيراً وقد لا تروق لزبونات ناضجات. لكن ما يحسب لها أنها عندما ستصل إلى المحلات يمكن تفكيكها وتنسيقها بشكل مختلف يُبرز جماليات تطريزاتها وألوانها وأقمشة البروكار وغيرها.
أما بالنسبة لمصمم دار «غوتشي» أليساندرو ميكييل، فكان عرضه مسرحية صاخبة بالصور والأفكار التي جسدها من خلال سيناريوهات مختلفة. مرة أرسل العارضات وهن يتأبطن رؤوساً تشبه رؤوسهن تماماً في منظر صادم، ومرة أخرى مجموعة غطى فيها رؤوس العارضات بإيشاربات، كما غطى أجسادهن في أزياء طويلة لا يظهر شيء منها على أساس أنه يريدها أن تخفيهن تماماً لإبراز الشخصية التي يريدهن تقمصها. فصل آخر من المسرحية قدم فيه مجموعة من الأزياء جمع فيها أزياء رجالية بأخرى نسائية. لكنه في كل الحالات طبق وصفته الناجحة لأنها تصاميم ستجد طريقها إلى زبون عالمي يريد التميز.
فما أكده أليساندرو أنه ميداس الموضة؛ ما إن يقدم شيئاً حتى يتلقفه الشباب بلهفة، لتترجم هذه اللهفة إلى أرباح خيالية. كانت هناك العديد من الجاكيتات مزينة بالفرو، والفساتين المصنوعة من المخمل مستوحاة من عصر النهضة، وأخرى من العصر الفيكتوري غلبت عليها البليسيهات، وأخرى تجسد امرأة من الشرق الأوسط مغطاة من الرأس إلى أخمص القدمين، بينما ظهر رجل بعمامة بالأزرق. تنوع يعطي الانطباع بأن المصمم أراد السفر بنا إلى عوالم بعيدة وثقافات مختلفة للتعرف على الآخر، لكنه وبحسب شرحه كان استكشافاً لكل ما يقيدنا بغض النظر عن الطبقة التي ننتمي إليها أو المناسبة التي نتزين لها.
ديكور العرض أيضاً كانت له رمزيته، فقد صممه على شكل غرفة عمليات جراحية بكل ما تتطلبه من أدوات طبية، لكي ترمز للدقة التي تعامل فيها مع تفصيل وتطريز كل قطعة. صحيح أن الموضة شاعرية، وليست مسألة حياة وموت، إلا أن هذا لا يمنع أن يتم تنفيذها بدقة جراحية، بحسب رأيه.
لقطات من بعض العروض:
«روبرتو كافالي»
التحضير لأي عرض أزياء لا تستغرق مدته الـ15 دقيقة، يستنزف الكثير من الجهد والمال والوقت، فما البال إذا كانت المدة التي فرضت على المصمم لكي يحضر تشكيلة بأكملها لا تتعدى بضعة أسابيع؟
هذا ما حصل في الموسم الماضي عندما وجد المصمم البريطاني بول ساريدج نفسه تحت الأمر الواقع، إثر اختياره مصمماً فنياً لدار «روبرتو كافالي». لم يكن بإمكانه رفض العرض. فقد كان مُغرياً من كل الجوانب، لهذا قبل التحدي. وسرعان ما أكد أنه من النوع الذي يُبدع أكثر عندما يكون تحت الضغط، وحسب تعليقه: «لم يكن لدي الوقت للتفكير والتحليل أو الخوف. كان علي أن أنغمس كلياً في العمل وإعطاء أفضل ما عندي». غني عن القول: إن سارديج لم يكن وحده، بل كان معه فريق متمرس ورثه عن سلفه بيتر دانداس، الذي لم يعمر أكثر من 19 شهراً في دار كانت تمر بعدة مشاكل وتغييرات جُذرية. كانت مهمته الرئيسية في الموسم الأول أن يقود هذا الفريق ويقدم لهم رؤية واضحة وجديدة تتماشى مع متطلبات العصر. كانت رؤيته هي توسيع وتكبير الصورة التي ترسخت في الأذهان عن أزياء «روبرتو كافالي»، بأنها أنثوية مثيرة وبألوان صارخة ونقشات الفهد الصاخبة وتصاميم تخاطب امرأة لا يبدو أنها تعمل كثيراً بقدر ما تسهر كثيراً. أدخل ألوانا ونقشات جديدة تُخرجها من النمطية، لكن الأهم أنه قدم مجموعة كبيرة من أزياء النهار للمرأة العالمية. لا ينكر أن اسم كافالي وحده كاف لبث الرغبة فيها لما يوحيه من أناقة، إلا أن المشكلة بالنسبة له أنها كانت لحد الآن أناقة تخاطب شريحة محددة، بينما أصبح من المطلوب حالياً أن تُتقن أي دار أزياء لغة عالمية تشمل شرائح أكبر.
لهذا كانت الأولوية بالنسبة له تتوسع إلى أزياء النهار بعد أن ركزت طويلاً على أزياء السهرة والمساء. فزبونة الجيل الجديد تريد أزياء تُغطي احتياجاتها من الصباح إلى المساء، وهو ما فهمه في تشكيلته الأولى بتقديمه مجموعة سخية من القطع المنفصلة. نجاحه كان مفاجأة، لأنه لم يكن في دائرة الأضواء، رغم أنه عمل في مجال الأزياء الرجالية في بيوت أزياء عالمية مثل «بيربري» و«برادا» و«كالفن كلاين»، لكنها تبقى أول تجربة له في تصميم الأزياء النسائية.
فتصميم الأزياء الرجالية يقوم على العملية الوظيفية إلى حد ما، لأنها محددة التفاصيل، بينما تتغير الأزياء النسائية حسب المزاج وحسب الذوق وحتى حسب طريقة تنسيقها مع الأحذية. في ثاني تشكيلة له، كانت شخصية كاثرين تراميل التي تقمصتها النجمة شارون ستون في فيلم «Basic Instinct» ملهمته. فهو لم يتنصل تماماً من عنصر الإثارة الحسية التي زرعها المؤسس روبرتو كافالي في الدار، ولا من نقشات الفهد التي أصبحت لصيقة بها. الفرق أنه وجهها لامرأة مثيرة لكن أيضا قوية، لأنها تلعب على الأنثوي والذكوري في آن واحد.

«تودز»
في المقابل قدمت دار «تودز»، التي ربما يعرفها الكل كدار إكسسوارات جلدية تتكلم لغة الترف بالإيطالية، تشكيلة أزياء خصت بها المرأة كانت عملية بامتياز. لا زخرفات مبالغ فيها ولا فذلكة في الأفكار، فقط تصاميم ديناميكية بتفاصيل دقيقة تمنح الجسم الكثير من الرشاقة والراحة. حتى العارضة جيجي حديد لم تستطع أن تغطي على جمالها. فبعد ثوانٍ على خروجها إلى المنصة تحولت العيون عنها إلى ما تلبسه من قطع تجمع الأناقة الراقية بـ«السبور»، وما تحمله من حقائب تُلهب الرغبة فيها. رغم تنوع أقمشة الأزياء وخاماتها، كانت الجلود المعالجة بعناية ودقة هي الغالبة إلى جانب الأقمشة المبطّنة، فيما يمكن تلخيصه في أنه نظرة جديدة للدار.
دييجو ديلا فال، رئيسها ومالكها، قال إنها تحاول مواكبة إيقاعي الحياة والموضة على حد سواء، وبالتالي ستلجأ إلى طرح عدة مجموعات على مدار العام للتواصل بشكل أفضل مع الزبائن، وللاستجابة لمتطلبات جيل صاعد يعتمد على الإنترنت ولا يتميز بالإخلاص لماركة واحدة. فهو يتبع كل من يستطيع إغراءه وجذبه. وأضاف ديلا فال لوكالة «رويترز» إن مشروع «تودز» الجديد، واسمه «فاكتوري»، يستهدف طرح مجموعات إضافية خلال العام، بالإضافة إلى مجموعات خاصة محدودة الكمية يشارك في تصميمها عدة مصممين.

«فندي»
في «فندي» لم تختلف القصة كثيراً عن «تودز». كانت القصات والإكسسوارات كالعادة متعة للعين. ما بين عبقرية كارل لاغرفيلد في تنسيق الألوان واللعب بالخامات، ونظرة سليلة العائلة المؤسسة سيلفيا فانتوري فندي فيما يمكن أن يشد أنفاس المرأة من حقائب يد، اكتملت الصورة. كانت تشكيلة راقية بكل المقاييس تهادت فيها العارضات في أزياء منسدلة وجد عملية باستثناء قطعة هجينة تأخذ شكل جاكيت من دون أكمام تغطي الأكتاف ونصف الأذرع. قد تمنح الجسم الدفء في يوم بارد لكنها تعطي الانطباع أنها تُكتف الحركة إلى حد ما. ما عداها، فإن كل قطعة كانت تقطر بسحر بصمات كارل لاغرفيلد وفخامة خامات دار «فندي» من جلود وفرو، إضافة إلى التفاصيل الكثيرة. كل هذا علقت عليه سيلفيا بقولها إنها تشكيلة «بمثابة زي رسمي رومانسي لامرأة قوية وواثقة من نفسها». أما فيما يتعلق بالجانب الخاص بها، أي الإكسسوارات، فهي لم تُقصر رغم أنها استقت الكثير منها من الأرشيف. ظهرت مثلاً حقيقة «الباغيت» بنسخة عصرية وخامات أكثر ترفاً، كذلك حقيبة «بيكابو» وغيرها من أيقونات الدار التي ستجد فيها كل من زبونتها الشابة المتطلعة للترف أو المرأة التي تعرف قيمة هذا الترف بُغيتهما فيها.

«ألبرتا فيريتي»
في عرض «ألبرتا فيريتي»، كانت هناك أجواء غير مألوفة. بالإضافة إلى التمثال الضخم المصنوع من الألمنيوم للفنان لورانزو كوين، اكتسبت الأزياء أيضاً طابعاً عصرياً وشبابياً ظهر من أول قطعة ظهرت بها كايا غيربر. كانت على شكل «جامبسوت» من الدينم باللون الأسود مرصع بالفضة. الجديد أن اسم فيريتي كان مرادفاً للتصاميم الرومانسية التي تنسدل على الموسلين، لكنها مثل باقي مصممي العالم، باتت تعرف أن زبونة اليوم لها متطلبات مختلفة إن لم تواكبها وتلبيها فاتها القطار، وهو ما يفسر الأكتاف القوية والخصور العالية، وتلك النغمة المستقاة من حقبة الثمانينات من القرن الماضي. كانت هناك مجموعة من الكنزات من صوف الموهير نسقتها مع بنطلونات براقة والقطع المصنوعة من الدينم شملت بنطلونات بعدة درجات منه وجاكيتات رصعتها بالأحجار.
جانبها الإبداعي المائل إلى الرومانسية أطلقت له العنان في المجموعة الموجهة للسهرة والمساء، والتي زينتها بالريش والخرز والترتر والأهم من هذا أطلقت لها هي الأخرى العنان من ناحية.
وطبعاً اختيارها لعارضات من حجم جيجي حديد، التي تتمتع بعدد متابعين على «آنستغرام» يصل إلى 38.5 مليون، وكايا غيربر، 2.9 مليون متابع، ليس من باب الصدفة. فهما تمثلان الجيل الذي تُعول عليه الموضة، وتريد كسب رضاه، و«ألبرتا فيريتي» قد تختلف في أسلوبها عن غيرها لكن لا تختلف عنهم في هذه النقطة.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.