هدنة هشّة في غوطة دمشق... والفصائل مستعدة لإبعاد «النصرة»

تبادل اتهامات بين النظام والمعارضة بقصف «الممر الإنساني»

يحضرون الخبز في بلدة حمورية في غوطة دمشق أمس (أ.ف. ب)
يحضرون الخبز في بلدة حمورية في غوطة دمشق أمس (أ.ف. ب)
TT

هدنة هشّة في غوطة دمشق... والفصائل مستعدة لإبعاد «النصرة»

يحضرون الخبز في بلدة حمورية في غوطة دمشق أمس (أ.ف. ب)
يحضرون الخبز في بلدة حمورية في غوطة دمشق أمس (أ.ف. ب)

أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» وشهود بأن الهدوء ساد منطقة الغوطة الشرقية لدمشق بشكل عام مع بدء سريان وقف لإطلاق النار لمدة 5 ساعات أمس، ليهدأ بذلك هجوم عنيف يشنه النظام على المنطقة أودى بحياة المئات، في وقت أعلنت فيه فصائل معارضة استعدادها لإخراج عناصر «هيئة تحرير الشام»، (النصرة سابقا)، من المنطقة.
ودعت روسيا التي تدعم النظام السوري إلى وقف إطلاق النار يوميا من الساعة التاسعة صباحا إلى الثانية ظهرا (من 07:00 إلى 12:00 بتوقيت غرينيتش) وإتاحة «ممر إنساني» للسماح للمدنيين بمغادرة الغوطة الشرقية، آخر معقل كبير للمعارضة المسلحة قرب العاصمة دمشق.
وبث التلفزيون الرسمي للنظام لقطات من المنطقة الخاضعة لسيطرة الحكومة والمتاخمة لبلدة دوما، إحدى بلدات الغوطة الشرقية، قائلا إن الممر مفتوح في هذه المنطقة. وظهر عدد قليل من الأشخاص على الطريق، لكن التلفزيون قال إنه ما من أحد يغادر الغوطة.
وذكر التلفزيون أن المسلحين يحاولون قصف الممر لمنع الناس من العبور. لكن متحدثا باسم جماعة «فيلق الرحمن»، إحدى جماعات مقاتلي المعارضة الرئيسية في الغوطة الشرقية، نفى منع أحد من المغادرة.
وأضاف المتحدث لـ«رويترز» أنه «ليس هناك من يجرؤ على الاقتراب من المنطقة القريبة من الممر لأنها منطقة عسكرية، والجميع يخشى الاعتقال أو التجنيد إذا انتقل إلى الجانب الخاضع لسيطرة الحكومة».
وقال «المرصد السوري» إن الهدوء ساد الغوطة الشرقية بشكل عام منذ منتصف الليل رغم سقوط 4 صواريخ على بلدة دوما في الصباح قبل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. وقال أحد سكان الغوطة في رسالة صوتية من بلدة حمورية: «اليوم (أمس) هادئ جدا. يبدو الأمر وكأنهم ملتزمون بالهدنة التي تحدثوا عنها. لا شيء يحدث في منطقتنا ولم نسمع شيئا حولنا». وقال شاهد قبل سريان وقف إطلاق النار إن الناس في دوما يخرجون لشراء إمدادات.
وقال مؤيد الحافي، وهو عامل إغاثة بالدفاع المدني في بلدة سقبا بالغوطة الشرقية، إن الناس خائفون من القصف، لافتا إلى وجود طائرات استطلاع. وذكرت وزارة الدفاع الروسية أول من أمس أن الإجراءات التي اتخذت بالاتفاق مع قوات النظام السوري تهدف إلى مساعدة المدنيين على المغادرة وإجلاء الجرحى والمرضى. واتهمت روسيا مقاتلي المعارضة بمنع المدنيين من مغادرة المنطقة التي يحاصرها النظام منذ عام 2013.
ونقلت وكالات أنباء روسية عن الجيش الروسي اتهامه مقاتلي المعارضة السورية في الغوطة الشرقية أمس بإمطار الممر الإنساني بقذائف «مورتر». كما نقلت وكالة الإعلام الروسية عن الجيش قوله إنه ما من مدني واحد تمكن من مغادرة المنطقة عبر الممر في مخيم الوافدين نتيجة للقصف.
ونسبت وكالات أنباء روسية إلى جنرال روسي يدعى فيكتور بانكوف قوله: «فُتح ممر إنساني في التاسعة صباحا حتى يتسنى للمدنيين مغادرة منطقة عدم التصعيد. وهناك نيران مكثفة الآن من جانب المعارضة، ولم يغادر مدني واحد».
وذكرت وكالات أنباء روسية أن قوات النظام السوري وفرت، بمساعدة من الجيش الروسي، الظروف اللازمة لاستقبال المدنيين في مخيم الوافدين، وأن الرعاية الطبية متوفرة في الجوار للضرورة. وأضافت الوكالات أن هناك حافلات مستعدة لنقل المدنيين إلى مراكز إقامة مؤقتة. لكن وائل علوان، المتحدث باسم «فيلق الرحمن» قال في تغريدة على موقع «تويتر»: «إجبار المدنيين على التهجير القسري أو الموت بالقصف والحصار جريمة روسية لا يمكن السكوت عنها».
كما نفت جماعة «جيش الإسلام» السورية المعارضة في الغوطة الشرقية أمس منع المدنيين من مغادرة المنطقة، ونفت كذلك قصف الممر الإنساني. وقال ياسر دلوان رئيس المكتب السياسي لـ«جيش الإسلام»: «لم نمنع أحدا، والمدنيون يتخذون قرارهم».
وتقول الأمم المتحدة إن نحو 400 ألف شخص يعيشون في الغوطة الشرقية. وتعد المنطقة هدفا كبيرا لرئيس النظام السوري بشار الأسد الذي انتزع السيطرة على كثير من المناطق بدعم عسكري من روسيا وإيران.
والقلق العالمي بشأن الأوضاع الإنسانية في المنطقة يزداد حتى قبل بدء القصف الأخير، وذلك بسبب نقص الغذاء والدواء وغيرهما من الضروريات. وأصدر مجلس الأمن الدولي قرارا السبت الماضي طالب بوقف إطلاق النار في عموم سوريا لمدة 30 يوما. وتصاعد القتال على عدد من الجبهات في سوريا هذا العام؛ حيث أتاحت هزائم تنظيم داعش المجال أمام صراعات أخرى كثيرة تشمل أطرافا سورية وخارجية في الصراع متعدد الأطراف.
ولم يرد ذكر مباشر في تقارير روسية عن تفاصيل وقف إطلاق النار للسماح بدخول إمدادات الإغاثة للغوطة الشرقية. وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف أول من أمس إنها ترحب بأي إجراء يسمح «للراغبين في المغادرة بأن يرحلوا بمحض إرادتهم» وكذلك بالإجلاء الطبي. لكن يولاندا جاكميه، المتحدثة باسم الصليب الأحمر، قالت إن هناك حاجة إلى المزيد. وقالت: «لا تزال هناك ضرورة لدخول قوافل إنسانية بإمدادات حيوية: أدوية وإمدادات طبية وغذاء ومواد لتنقية المياه. هذه منطقة يقطنها ما يصل إلى 400 ألف شخص، والاحتياجات الإنسانية فيها هائلة».
ووصف «ائتلاف المعارضة السورية»، الهدنة الإنسانية التي أعلنتها موسكو لخمس ساعات يوميا في الغوطة الشرقية بأنها «انقلاب» على قرار مجلس الأمن الدولي الأخير. وقال أحمد رمضان، المتحدث باسم الائتلاف لوكالة الصحافة الألمانية: «ما أسموه وقفا إنسانيا لإطلاق النار هو انقلاب على القرار الأممي الأصلي الذي جرى إقراره السبت. روسيا لم ترغب يوما في وقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية، وقد كان هذا واضحا».
من جهتها، أكدت فصائل سورية معارضة في الغوطة الشرقية استعدادها لإخلاء مقاتلي «هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا)» وعائلاتهم من المنطقة بعد 15 يوماً من دخول وقف إطلاق النار الذي أعلنه مجلس الأمن الدولي حيز التنفيذ الفعلي.
وفي بيان مشترك وجهته إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أعلنت فصائل «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» و«حركة أحرار الشام الإسلامية»... «التزامنا التام بإخراج مسلحي تنظيم (هيئة تحرير الشام) و(جبهة النصرة) و(القاعدة) وكل من ينتمي لهم وذويهم من الغوطة الشرقية لمدينة دمشق خلال 15 يوما من بدء دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ الفعلي».
ويعدّ «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» الفصيلين الأكثر نفوذاً في المنطقة، وشاركا في جولات التفاوض السابقة في الأمم المتحدة.
واقترحت الفصائل أن يتم ذلك «وفق آلية يتم الاتفاق عليها خلال الفترة نفسها وبالتعاون مع مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا».
ويطلب قرار مجلس الأمن الدولي الذي صدر ليل السبت من «كل الأطراف وقف الأعمال الحربية من دون تأخير لمدة 30 يوماً متتالية على الأقل في سوريا من أجل هدنة إنسانية دائمة» لإفساح المجال أمام «إيصال المساعدات الإنسانية بشكل منتظم وإجلاء طبي للمرضى والمصابين بجروح بالغة».
ومع صدور البيان أعلنت روسيا بدء هدنة «إنسانية» لخمس ساعات في الغوطة، سرعان ما تم خرقها مع إعلان «المرصد السوري لحقوق الإنسان» مقتل طفل وإصابة 7 مدنيين على الأقل بجروح في قصف لقوات النظام على بلدة جسرين، بالتزامن مع غارات عدة على مناطق أخرى. ويأتي إعلان موسكو مع تأكيد أبرز الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية؛ وبينها «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن»، رفضها أي «تهجير للمدنيين أو ترحيلهم».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.