أعلنت ليلة أمس (السبت)، نتائج مسابقة الدورة 68 التي كانت قد انطلقت في 15 فبراير (شباط) الحالي، وقدمت 19 فيلماً في المسابقة.
حتى كتابة هذا التقرير قبل ساعات من بدء الحفل الذي يستمر لنحو ساعة، لم يكن هناك فيلم واحد يقود الاحتمالات جميعاً، ولا حتى حفنة من أفلام المسابقة، فيها من التمايز ما يجعلها مؤكدة الفوز في مسابقة أو في أخرى.
هناك كثير من الأفلام التي تنافست هنا على الجائزة الكبرى، لكنّ القليل منها استطاع تلبية شاملة لشروط الفيلم الفني. ولو عدنا إلى الأيام العشرة السابقة من هذه الدورة سيتبين أنّ الحيرة يجب أن تكون طرفاً في تقرير الأفلام الأكثر استحقاقاً للمعاينة والنقاش.
هناك فيلم معين لا يزال الحديث بشأنه، يتردّد إيجابياً، هو «جزيرة الكلاب» للأميركي وس أندرسن. لكنّ الحدس هنا يفيد بأنّ حالة حذر من منح لجنة التحكيم الجائزة الأولى لفيلم أنيميشن في الوقت الذي طُرحت فيه أفلام حية كثيرة، مما سيؤخذ عليها (والمهرجان بدوره) إغفالها أو استبعادها من الجائزة الكبرى أو الثانية إذا ما تم اختيار «جزيرة الكلاب» للفوز. هذه مشكلة نتجت قبل عامين عندما فاز الفيلم التسجيلي «بحر من نار» بالدب الذهبي عنوة عن أفلام درامية. بصرف النظر عن أنّ ذلك الفيلم كان مهماً أكثر منه جيداً (دار حول اللاجئين غير الشرعيين القادمين إلى سواحل إيطاليا الجنوبية). لكنّ تكرار التوجه إلى فيلم رسوم سيحتاج إلى تبرير أقوى. هل يمكن للفيلم التحريكي أن يكون أفضل إخراجاً وتنفيذاً من الفيلم الحي؟
يعتمد ذلك على مستوى الفيلم الحي، لكنّ السؤال يشبه سؤال، هل البرتقال أفضل من اللوز؟ مثلاً، فكلاهما مفيد بخصال مختلفة ولا يمكن الجمع بينهما بطلاقة وحرية في قرار واحد. إن لم يفز «جزيرة الكلاب» بإحدى الجائزتين الرئيسيتين، فإنّ السباق سيخلص، غالباً، إلى تفضيل واحد من هذه الأفلام الخمسة التالية. إنّها ليست تحبيذات الناقد أو توقعاته، بل مجرد انعكاس لما يدور الحديث حوله أكثر من سواه.
- «في الممرات» In the Isles
هناك نسبة أعلى من الأفلام الألمانية في المسابقة وخارجها هذا العام، وهذا الفيلم من أرهفها وأكثرها انفراداً، كون أحداثه (على مدى ساعتين)، تدور داخل «سوبر ماركت» شاسعة. ما يعرضه هو دراما ممتزجة بالكوميديا وشيء من الرومانسية. يدور حول العاملين وحب أحدهم لزميلته في العمل على الرغم من معرفته بأنّها متزوّجة. الممثلة التي تلعب هذا الدور هي ساندرا هولر التي قادت بطولة الفيلم الألماني المعروف «توني إردمان» وهي كانت فازت بجائزة أفضل ممثلة في دورة مهرجان برلين سنة 2006 عن فيلم «قدّاس».
- «وجه» Mug
فيلم بولندي يشفع له أنّ قصّته تحاكي التراجيديا مع قدر من الكوميديا في معالجة فنية للمخرجة البولندية مالاغورزاتا سموفسكا. سيناريو جيد قد يتيح للمخرجة التي كتبته أن تخرج على الأقل بجائزة الكتابة إذا ما وجدت لجنة التحكيم أنّها أمام عمل لا يبعث على الدفء وينتقد الكنسية في أوضاع شبعت منها نقداً. إنّها حكاية شاب معتد بنفسه، طليق ومولع بدراجته النارية وبكلبه. هذا قبل أن يصاب بحادث أثّر على محياه، الأمر الذي دفع الأطباء إلى إخضاعه لعملية جراحية لزرع وجه جديد له.
- «متحف» Museum
هذه الدراما التي تتمحور حول سرقة كنز من عهد مملكة أزتك (المواطنون الأصليون فيما بات يُعرف لاحقاً المكسيك)، يؤدي غايل غارسيا برنال دوري المخرج والممثل الأول. وفي حين أنّه من المستبعد أن ينال الفيلم بحد ذاته جائزة رئيسية كأفضل فيلم (مثل جائزة لجنة التحكيم الخاصة)، فإنّ هناك احتمالاً بأن ينجح الممثل المكسيكي في استحواذ جائزة أفضل ممثل. لا يدور الفيلم داخل متحف لكنّه يعتبر أنّ كل المكسيك متحف من كنوز الماضي ويختار لأحداثه معالجة تشويقية جيدة لا أكثر.
- دوفلاتوف Dovlatov
هذا الفيلم الذي تناولناه قبل أيام، يبدو العمل الأكثر استحقاقاً لجائزة الدب الذهبي أو لجائزة لجنة التحكيم الخاصة أو - على الأقل - لجائزة أفضل مخرج (أليكسي جرمان جونيور). بل ربما وجد البعض أنّ بطله (الممثل الصربي ميلان ماريتش) يستحق جائزة أفضل ممثل. كل هذه الاحتمالات تؤكّد أنّه آيل لإحدى هذه الجوائز كونه منجزاً بكثير من الروح الفنية والإنسانية لمأساة الكاتب سيرغي دوفلاتوف الذي لم يُقدّر في بلاده الروسية (السبعينات)، فهاجر إلى الولايات المتحدة حيث أصاب نجاحاً، لكنّه مات وهو لا يزال في العقد الرابع من عمره.
- ثلاثة أيام في كيبيرون Three Days in Quiberon
كيبيرون هو اسم منتجع أوت إليه الممثلة رومي شنايدر قبل وفاتها المفاجئة (1982)، حيث تعرّفت على مصوّر ألماني أجرى معها حواراً طويلاً امتد إلى صداقة حميمة. المخرجة هي إميلي عاطف وهي تبني الدراما التي توفرها على وقائع حقيقية، طبعاً مع إضافة ما رأته مناسباً من مشاهد. المخرجة ذات أصل ألماني - إيراني، ولدت في برلين سنة 1973. قدمت أول أعمالها الطويلة (أي بعد عدد من الأفلام القصيرة) سنة 2005. لديها أفكار جيدة وتنفيذ مرتبك.
تحكيم وتقييم: هل كانت دورة ناجحة؟
يعتمد ذلك على تعريف المرء بالنجاح. هي طبعاً ناجحة في عرف تاريخ هذا المهرجان الكبير كونها أكدت على كل ثوابته الثقافية والفنية والإعلامية، لكنّه أقل نجاحاً حين يأتي الأمر إلى غالبية الأفلام التي تم اختيارها إذ لم يكن هناك المتميّز والمنفرد والرائع أو البديع بلا حدود. الأجواء فيه كانت، بالتالي، فاترة. صحيح أنّه لا يزال يحصد الحشد الكبير من المشاهدين، هواة ومحترفين، إلا أن النقاشات لم تكن ساخنة كما العادة. ربما حان الوقت لتجديد فعلي في نهاية الأمر.
وللمناسبة أصدر 79 مخرجاً سينمائياً ألمانياً، مثل كرستيان بلتزولد الذي لديه فيلم متسابق في المسابقة هو «ترانزيت»، وفاتح أكين وفيم فندرز ودوريس دوري وفولكر شلندروف من بين آخرين، بياناً قالوا فيه إن انتهاء ولاية رئيس المهرجان دييتر كوزليك في العام التالي «يوفّر فرصة لتجديد المهرجان وتخطيط البرنامج».
خلال ذلك، امتنع المخرج الألماني توم تكفور عن التوقيع على هذا البيان لأنه رئيس لجنة التحكيم التي انكبّت على عروض الأفلام وأمضت اليومين الأخيرين في مناقشاتها حول من يستحق ومن لا يستحق الفوز.
لجنة التحكيم جاءت متساوية الجنسين: ثلاثة رجال وثلاث نساء. النساء هنّ الممثلة البلجيكية سيسيل فو فرانس كذلك، الناقدة السينمائية الأميركية ستيفاني زكارك التي تكتب لمجلة «تايم» حالياً، ولها جولات طويلة في سواها أيضاً، وأديل رومانسكي المنتجة الأميركية التي تردّد أسمها حين أنتجت في العام الماضي الفيلم الأميركي «مونلايت».
الرجال هم تكفور، مهرج برز في أواخر التسعينات بفيلم «اركضي لولا اركضي» واعداً بأكثر ممّا أنجز لاحقا. والمدير السابق لمركز «فيلموتيكا إسبانولا» شيما برادو وهو مركز حكومي التمويل للحفاظ على تراث السينما الإسبانية. كما الموسيقار الياباني ريوشي ساكاموتو الذي زينت موسيقاه أفلام دي بالما وأناريتو ودوفار وبرتولوتشي ولا يزال مُكبّاً على العمل.
لن تجد مهرجانات عربية تستطيع جمع هذه الرؤوس لبضعة أسباب، من بينها ارتفاع تكاليف دعوتها بالنسبة لمعظم هذه المهرجانات. كذلك يقف سبب غريب وراء اختفاء نقاد السينما من لجان التحكيم العربية الأساسية، كما لو أنّها تريد تكريس وضع خاص لنقاد السينما العرب مفاده أنّهم متطفلون تستضيفهم المهرجانات ليكتبوا انطباعاتهم لا أكثر.