تلامذة يعودون إلى مدارسهم في دمشق القديمة بعد أيام من التصعيد

تلميذتان في الطريق إلى مدرستهما بدمشق القديمة بعد توقف القصف على المنطقة (أ.ف.ب)
تلميذتان في الطريق إلى مدرستهما بدمشق القديمة بعد توقف القصف على المنطقة (أ.ف.ب)
TT

تلامذة يعودون إلى مدارسهم في دمشق القديمة بعد أيام من التصعيد

تلميذتان في الطريق إلى مدرستهما بدمشق القديمة بعد توقف القصف على المنطقة (أ.ف.ب)
تلميذتان في الطريق إلى مدرستهما بدمشق القديمة بعد توقف القصف على المنطقة (أ.ف.ب)

بعد انقطاع لأيام عدة، أوصلت حنان، الأحد، ابنتها البالغة من العمر 11 عاماً إلى باب المدرسة وقلبها يخفق من شدة الخوف خشية تساقط قذائف الفصائل المعارضة مجدداً على دمشق بعد تصعيد شهدته العاصمة ومحيطها.
وتقول حنان (44 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا يمكنني وصف قلقي منذ لحظة ذهابها إلى المدرسة وحتى لحظة عودتها، وكأنّها عائدة من مغامرة أو من معركة، وليس من المدرسة».
وشهدت دمشق والغوطة الشرقية، معقل الفصائل المعارضة إلى الشرق منها، تصعيداً عسكرياً في الأسبوع الثاني من الشهر الحالي، أجبر كثيرا من المدارس في دمشق على إغلاق أبوابها.
وتعيش حنان مع زوجها وبناتها الثلاث في حي الأمين وسط دمشق القديمة حيث تساقطت عشرات القذائف التي أطلقتها الفصائل المعارضة من الغوطة الشرقية بعدما تعرضت بدورها لقصف جوي ومدفعي عنيف.
وعن انقطاع لينا عن مدرستها «اليوسيفية» لأكثر من 8 أيام، تقول حنان: «أفضّل أن تخسر ابنتي سنتها الدراسية، على أن تخسر حياتها». وتضيف: «اليوم الوضع أفضل، استيقظنا بشكل طبيعي على صوت المنبه بعدما اعتدنا الاستيقاظ على أصوات الانفجارات». ورغم ذلك، فإن أول ما قامت به حنان هو تفقد صفحة «يوميات قذيفة هاون» على موقع «فيسبوك»، المعنية بتوثيق القذائف التي تتساقط على دمشق. وتقول: «شعرت ببعض الأمان، فأيقظتُ ابنتي وجهّزتها للمدرسة بثياب ثقيلة».
ورغم أن المدرسة لا تبعد سوى بضع دقائق عن المنزل، فإن حنان أصرت على إيصال ابنتها بنفسها، على أن تعود لاصطحابها. وتوضح: «ابنتي ليست صغيرة، تدرك تماماً ما معنى الحرب، لكنها تصاب بحالة هلع حين ترى آخرين يبكون أو يركضون، لذلك أفضل البقاء بقربها».
وعاد المشهد في دمشق القديمة إلى ما كان عليه قبل نحو أسبوعين؛ طلاب يحملون على أكتافهم حقائب مليئة بالكتب، يسيرون في شوارع ضيقة ويتفادون الحفر التي خلفتها القذائف وملأتها مياه المطر.
وعلى غرار حنان، يرافق كثيرون من الأهل أولادهم... تمسك إحدى الأمهات ابنتها بيد وبالأخرى تحمل مظلة تقيها المطر.
ورغم أن دمشق بقيت بمنأى عن الدمار الكبير الذي حل بكثير من المدن السورية الكبرى، فإنها تشكل منذ سنوات هدفاً لقذائف الفصائل المعارضة، خصوصاً الأحياء الشرقية الأقرب إلى الغوطة مثل المدينة القديمة.
وتعرضت الغوطة الشرقية على مدى 5 أيام الشهر الحالي لغارات شنتها قوات النظام، ما تسبب بمقتل عشرات المدنيين والأطفال. واستهدفت الفصائل المعارضة بدورها أحياء عدة في دمشق، ما أسفر عن مقتل نحو 20 شخصاً، بينهم 3 أطفال، وفق حصيلة لـ«المرصد السوري لحقوق الإنسان». ولا تزال القذائف تستهدف العاصمة وإن تراجعت وتيرتها.
وعلى غرار آخرين، توقفت فاديا (36 عاماً)، مدرسة اللغة الإنجليزية، عن الذهاب إلى عملها في مدرسة الرعاية في «باب شرقي» في المدينة القديمة لأيام عدة. وتقول: «كنا نسمع أصوات القذائف ونخاف بعض الشيء، إلى أن استشهدت إحدى طالباتنا؛ ريتا العيد، البالغة من العمر 15 عاماً بقذيفة (هاون)»، مضيفة: «في اليوم التالي كانت معظم قاعات الدراسة خالية من الطلاب».
وبعد أيام من الهدوء، سيداوم المدرسون جميعاً ابتداء من اليوم في المدرسة المسيحية التي تغلق أبوابها أسبوعياً يومي السبت والأحد. وتقول فاديا: «أعتقد أن الأهالي سيشعرون بالأمان حين يرون المدارس فتحت مجدداً»، متوقعة عودة الطلاب «إذا استمرّ الهدوء».
تخشى فاديا تجدد القصف، وتقول: «القذائف ليست لعبة. إنها مسألة حياة أو موت (...) الحياة في دمشق القديمة باتت مرتبطة تماماً بوضع الجبهات في الغوطة الشرقية».
في ساحة باب توما المجاورة، تنتظر بضع حافلات الركّاب للانطلاق باتجاه ضاحية جرمانا القريبة.
ينظّف السائق أبو محمد زجاج حافلته البيضاء لتمضية الوقت، يتوقف قليلاً مشيراً إلى حفرة صغيرة بجانبه، ويقول: «هنا انفجرت قذيفة بجانب سيارة سرفيس، واستشهد 3 أشخاص وأصيب أكثر من 10» بجروح. ويتذكر: «يومها (قبل أكثر من أسبوع) ذهبنا جميعاً إلى المنزل. عُدنا في اليوم التالي. نريد أن نعيش. ليس لدينا خيار آخر».
لقد فضّل سكان دمشق، خصوصاً الأحياء الشرقية، البقاء في منازلهم.
ويوضح أبو محمد: «عادة في مثل هذه الأيام تبقى الحركة حتى وقت متأخر، لكنها باتت خفيفة»، فخلال الأيام الماضية لم يخرج أحد من منزله إلا للضرورة؛ «فالموت قد يركب حافلة السرفيس أيضاً».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.