أسبوع نيويورك لخريف وشتاء 2018... يتبنى قضية التحرش بأسلوب راقٍ

موسم بارد... قضايا ساخنة

من عرض «برابال غورونغ»
من عرض «برابال غورونغ»
TT

أسبوع نيويورك لخريف وشتاء 2018... يتبنى قضية التحرش بأسلوب راقٍ

من عرض «برابال غورونغ»
من عرض «برابال غورونغ»

يوم الأحد المقبل، ستكون كل الأعين مصوبة باتجاه دوقة كمبردج، كايت ميدلتون. السبب التساؤلات التي تدور منذ أسابيع عما إذا كانت ستحضر حفل توزيع جوائز البافتا في فستان أسود أم لا، بعد ما تقرر أن تعتمد النجمات الحاضرات هذا اللون تضامناً مع حملة التحرش الجنسي (#Metoo).
لا يختلف اثنان أن المسألة ستحتاج منها إلى بعض الدبلوماسية. في الوقت نفسه لن يكون من حق أحد أن ينتقدها في حال عدم ارتدائها اللون الأسود في هذه المناسبة. فالتعليمات التي تلقتها عند انضمامها للأسرة البريطانية المالكة أن تفصل نفسها عن كل ما هو سياسي. واللون الأسود هنا لا يتعلق بالأناقة في مناسبة مسائية، بل يحمل رسالة سياسية قوية. الطريف أن هذه التساؤلات تتزامن مع أسبوع نيويورك للأزياء الجاهزة، الذي انطلق يوم الخميس الماضي، ويرتبط بالحملة ارتباطاً وثيقاً. الملاحظ فيه أنه يعاني من ركود نوعي في السنوات الأخيرة ويحاول أن يحرك أجواءه الباردة بتبنيه في كل موسم قضية جديدة. منذ بضع سنوات مثلاً لم يخفِ تضامنه مع باراك أوباما ولا معاداته دونالد ترمب وسياساته التفريقية كلاماً وفعلاً، بجمع التبرعات لحملة هيلاري كلينتون الانتخابية وما شابه من أمور. لم يفرق هذا الأسبوع عن سوابقه. فقد لا تكون القضية سياسية مائة في المائة، لكنها تدور في المحور نفسه، لا سيما أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب اتهم به هو الآخر. فقضية التحرش الجنسي التي هزت هوليوود لا تزال نيرانها مشتعلة تنتشر في مجالات كثيرة أخرى بما فيها الموضة. فمنذ مدة تعالت أصوات عارضات تفضح أفعالاً مشينة لبعض المصورين الفوتوغرافيين العالميين، مثل ماريو تيستينو وبروس ويبر وتيري ريتشاردسون، تتهمهم باستغلال صغر سنهم وعدم خبرتهم أو حاجتهم للعمل في بداية مشوارهم.
ثم لا ننسى أن هارفي وينستين، وهو الفتيلة التي أشعلت حملة «#Metoo» في الموسم الماضي، له علاقة مباشرة بعالم الموضة. فبالإضافة إلى أنه كان يدعم زوجته السابقة جورجينا تشابمان مصممة أزياء وصاحبة ماركة «ماركيزا» بشكل مباشر بفرضه على النجمات ارتداء تصاميمها في المناسبات الكبيرة، فإنه أيضاً أنتج أفلاماً تتناول ما يدور خلف كواليسها، وشارك في برنامج «بروجيكت رانواي» وما شابه من أمور وضعته دائماً في دائرة الضوء. عملية التسييس التي تشهدها الموضة عموماً وأسبوع نيويورك هذا الموسم كانت لها تأثيرات واضحة. فـ«ماركيزا» التي كانت مدرجة على لائحة البرنامج الرسمي انسحبت قبل انطلاق أسبوع بفترة قصيرة، مبررة الأمر بأنها ستقدم تشكيلتها «رقمياً» لأنها ترى الوقت غير مناسب لتقديم عرض تقليدي. وهو ما يمكن اعتباره خطوة صحيحة لأن النفوس لم تهدأ بعد، بدليل تبني كثير من المصممين القضية بشكل شخصي. من هؤلاء نذكر المصممة فرنسية المولد ميريام شاليك التي استعانت بنساء تعرضن للعنف الجنسي «لتسليط الضوء على الظاهرة المستشرية في المجتمعات العالمية منذ قرون»، حسب قولها. وعبرت عن رأيها قائلة: «يعاني كثير من الضحايا من الأمر في صمت، لهذا أريد أن أحول ألمهن ومعاناتهن إلى مصدر قوة». معروف عن المصممة أنها تحاول دائماً دمج الموضة بقضايا اجتماعية، وتسليط الضوء على من يعانون من التهميش. فمرة استعانت بأقزام ومرة أخرى بعميان وهكذا. من جهتها، أعلنت المصممة ريبيكا مينكوف عدم مشاركتها في هذا الموسم لأسباب شخصية محضة. فهي تنتظر مولودها الثالث، لكنها في المقابل قدمت تشكيلة كانت عبارة عن بورتريهات تظهر فيها نساء لعبن دوراً مؤثراً وفعالاً في الحركة النسوية، مثل زوسيا ماميت وغيرها. مصممون آخرون لم يغفلوا أن يسجلوا دعمهم للحملة والمرأة عموماً، مثل ميشيل سميث، مؤسسة ماركة «ميلي» التي تأثرت بما يحدث في العالم من تغييرات فيما يتعلق بالتنوع واحتضان الآخر. بدورها اعترفت ستايسي بينديت، مصممة ماركة «أليس + أوليفيا» أنها استلهمت تشكيلتها لخريف 2018 من الحركة النسوية في الماضي والحاضر. لكن يبقى المصمم برابال غورانغ أكثر من جسد هذه القضية في عرضه، مصرحاً لصحيفة «ذي واشنطن بوست» حتى قبل انطلاق الأسبوع بأنه يعتبر الموضة «منبراً مهماً للتعبير عن رأيي والقضايا التي تهمني... وأرى أنه من الضروري أن نأخذ على عاتقنا مسؤولية استغلال هذا المنبر لكي نعكس رؤيتنا للعالم». بالنتيجة كانت منصته مزيجاً من جنسيات متعددة ومقاسات مختلفة، لأن فكرة أن تكون العارضة في عمر الصبا وشقراء بمقاس 0 تُعتبر بالنسبة له «تقليدية وقديمة بل ومملة أيضاً، لأن الجمال يأتي بصور مختلفة». ليس هذا فحسب، بل أرسل في آخر العرض كل عارضاته وهن يحملن وردة بيضاء تعبيراً عن تضامنه مع حملة «#MeToo»، وفي الوقت ذاته خلق صورة مثالية لـ«إنستغرام»، أما الأزياء فجاءت مفعمة بالدفء نظراً لألوانها المستوحاة من مسقط رأسه في الهيمالا وأقمشتها التي غلب عليها المخمل.
- همسات جانبية
> أخفقت تكهنات كل من كان يتصور أن نجم العارضة المحجبة حليمة سيخفت سريعاً. فالشابة صومالية الأصل التي تصدرت صورها الصحف والمجلات كأول عارضة محجبة تشارك في عروض عالمية في 2016، لا تزال موجودة في الساحة. شاركت في عرض المصمم الألماني فيليب بلاين يوم السبت الماضي، كما حضرت عرض شيري هيل ضيفة مكرمة احتلت الصف الأمامي.
> تقدر صناعة الموضة في نيويورك وحدها بـ900 مليون دولار، حيث تشهد تقاطر نحو 230.000 متابع للموضة، الأمر الذي يحرك الفنادق والمطاعم ووسائل المواصلات.
- من أهم العروض فيكتوريا بيكام
بعد إعلانها أنها ستشارك في أسبوع لندن لأول مرة في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، قدمت فيكتوريا بيكام آخر تشكيلة لها في نيويورك في أجواء احتفالية عائلية محضة، فيما اعتبره البعض أهم عرض من ناحية أنه يضع نقطة النهاية على فصل مهم في مشوارها المهني. فلعشر سنوات ظل اسمها مألوفاً في أسبوع نيويورك، الذي احتضنها في بدايتها.
احتفالاً بالمناسبة، قدمت تشكيلة تضج بالأناقة كما تعرفها، أي من وجهة نظرها الخاصة في عرض حميم استحضر بدايتها الخجولة. على الأقل من حيث عدد الحضور والمكان، فيما احتل المقاعد الأمامية زوجها ديفيد بيكام وأبناؤها إلى جانب آنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» الأميركية. أما من حيث الأزياء فلم تختلف القصات أو الأفكار التي تدور حول شخصيتها وتعكس أسلوبها الخاص أولاً وأخيراً. فهذه كانت وصفتها منذ البداية ولا تزال، حيث تلعب فيها على فكرة أنها أم وامرأة عاملة في الوقت ذاته. وهذا يتطلب من وجهة نظرها أزياء عملية لا تفتقد إلى الأناقة. والمتابع لمسيرتها أو على صفحتها الخاصة في «إنستغرام» يعرف أنها كانت ولا تزال أحسن سفيرة لماركتها. فيكتوريا تعرف أن 10 سنوات في عمر أي علامة إنجاز مهم، وقد يكون الأمر أهم في حالتها، بالنظر إلى أن صناع الموضة شككوا في موهبتها في البداية واتهموها باستغلال شهرتها مغنية في فريق «سبايس غيرلز» وزوجة لاعب كرة مشهور لكي تحقق النجاح. وربما هذا ما جعلها تهجر لندن، المعروفة بانتقاداتها التي لا ترحم، إلى نيويورك في بدايتها. لم يمر سوى موسمين حتى بدأت هذه الأصوات تخفت لتسكت تماماً بعد 4 مواسم أكدت فيها أنها يمكن أن تضيف لعالم الموضة شيئاً ترغب فيه المرأة.
فأزياؤها غير متاحة للجميع، وبالتالي لا تزال تتضمن عنصر الحلم، كما أنها قارئة جيدة لنبض الشارع وتغيراته. في تشكيلتها الأخيرة مثلاً، غابت التصاميم المحددة على الجسم لتحل محلها تصاميم عصرية واسعة وطويلة، شكلت فيها البنطلونات الواسعة جزءاً كبيراً إلى جانب معاطف من أقمشة لم تستعملها من قبل، مثل الجاكار المستوحي من قماش قديم استعملته في معطف أنيق. كانت هناك أيضاً مجموعة مصنوعة من الحرير بنقشات مبتكرة تبدو من بعيد كأنها من الفرو. نذكر منها نقشات الفهد التي لم تظهر من قبل في أي من تشكيلاتها وبررتها فيكتوريا بأنها من النقشات التي تضعف أمامها المرأة دائماً.
لكن تبقى المشكلة التي تعاني منها أن نجاحاتها مصممة أزياء لا تترجمها دائماً أرقام المبيعات. فقد سجلت في العام الماضي مثلاً خسارة تقدر بـ8.4 مليون جنيه إسترليني، تأمل أن تتجاوزها قريباً بفضل تعاونها المرتقب مع شركة «ريبورك». فهذا التعاون يمكن أن يغير كثيراً من الأمور. كما أن نقلتها إلى لندن ليست اعتباطية، ويمكن أن تفتح لها أبواباً جديدة وأن تلعب دوراً مهماً في الفصل الجديد من مسيرتها.
- كريستيان سيريانو
المصمم كريستيان سيريانو، مصمم آخر يحتفل بمرور 10 سنوات على إطلاقه علامته الخاصة. استغرقت احتفاليته نحو 22 دقيقة، فيما يمكن اعتباره طويلاً مقارنة بباقي العروض، قدم فيها 72 إطلالة مختلفة كانت الفخامة والإبهار القاسم المشترك بينها. سيريانو الذي ولد من رحم برنامج «بروجيكت رانواي» الأميركي رسخ مكانته في عالم الموضة، كما أصبح له صوت مؤثر. في هذه التشكيلة كان واضحاً أنه وظف هذا الصوت ليقول إن التنوع واحتضان الآخر من بين أهم أولوياته. احتضن المرأة الممتلئة منذ بداية مسيرته، وهو ما اعتبره أمراً طبيعياً لا يستحق التهليل حسب قوله: «بما أن أغلب نساء العالم لا يتمتعن بمقاس 0». استوحى سيريانو هذه التشكيلة الموجهة لخريف وشتاء 2018 من الفن البريطاني في القرن 18، وتحديداً من مجموعة معروضة في «ذي كوين غاليري» بلندن.
الألوان والنقشات ترجمها في فساتين تعتمد على تقنية «الدرابيه» من الموسلين والمخمل، وأخرى محددة على الجسم بكشاكش أو تلمع، إضافة إلى «كابات» ضخمة بذيول. ترجمها أيضاً في الياقات والأكتاف.
- وكان للعرب مكان في نيويورك
علامة «نون باي نور» التي تقف وراءها كل من الشيخة نور والشيخة هيا الخليفة، قدمت تشكيلتها في اليوم الأول من الأسبوع. كان واضحاً أنها تحتفل بالألوان الجريئة والقصات الواسعة التي أخذت بعداً عصرياً وجريئاً في تايورات رسمية تلعب على الانسدال أكثر منها على التفصيل على الجسم، الأمر الذي يجعلها مناسبة للمرأة العاملة خلال النهار، كما في مناسبات السهرة والمساء. وحسبما صرحت به المصممتان، فإنهما استلهمتاها من سماء ساطعة بالنجوم في ليلة مقمرة، الأمر الذي يفسر انسيابيتها ونقشاتها المبتكرة، وكذلك ألوانها التي تتباين بين الأسود والأزرق الغامق والذهبي.
- توم فورد
أسهم توم فورد في إعطاء اليوم الأول من الأسبوع جرعة قوية من البريق بمعناه الحرفي. فقد استعمل أقمشة لماعة مثل اللاميه في فساتين وتايورات مفصلة في تحية واضحة لحقبتي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. ما عزز هذا الانطباع حجم الأكتاف وفتحات الصدر التي ذكرتنا أيضاً بعهده في دار «غوتشي». إلى جانب بريق الأقمشة استعمل أيضاً، وبسخاء مماثل، نقشات الفهد في عدة قطع، من جاكيتات «توكسيدو» إلى جوارب النايلون. وبما أننا نتكلم عن توم فورد الذي يعشق الفخامة ولا يبخل عليها بكل المواد والتفاصيل، فإنه استعاض عن الفرو الحقيقي بالفرو الصناعي، وهو ما كان متوقعاً منه بعد إعلانه منذ فترة بأنه أصبح نباتياً. وبينما لم يكن أي شيء في الأزياء يشير إلى تضامنه مع حملة «#MeToo» بالنظر إلى أن القصات تضج بالأنوثة والإغراء حتى تلك التي استلهمها من خزانة الرجل، فإن الإكسسوارات، وتحديداً حقائب اليد، عبرت عن تضامنه من خلال رسائل واضحة كتبها عليها، مما لا شك أن بعضها لا يناسب منطقة الشرق الأوسط لجرأتها.
لكن على الرغم من أن توم فورد أخذنا إلى حقبة الديسكو وتوري بيرش إلى عوالم إثنية مختلفة، وباقي المصممين إلى نقطة البداية عندما كانت الموضة عن الأزياء والأناقة أولاً وأخيراً، ظلت هناك حلقة مفرغة دار حولها كثير منهم من دون أن ينجحوا في ضخها بقوة تُذكر.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.