مرة أخرى، يتجدد الجدل في مصر حول المباني التراثية، أو تلك المصنفة كمبانٍ ذات طراز معماري نادر أو مهم، وذلك في أعقاب البدء في هدم فندق «كونتيننتال» التاريخي، في ميدان الأوبرا بوسط القاهرة. فمع كل عملية هدم أو تجديد لمبنى تاريخي أو تراثي في محافظات مصر المختلفة، يبدأ المهتمون بالحفاظ على التراث المعماري في الهجوم على الدولة لعدم حمايتها للتراث، وفي الغالب تنتهي المعركة بهدم المبنى، لأسباب في معظمها قانونية. فكثير من مباني محافظة الإسكندرية التاريخية راح ضحية الإهمال في الحفاظ على المباني التاريخية، وتم هدمه لصالح إنشاء أبراج سكنية حديثة.
وللقاهرة نصيب من محاولات الهدم والتشويه، خصوصاً منطقة القاهرة الخديوية، وهي تلك المنطقة التي أنشأت في عهد الخديوي إسماعيل، وتبدأ من منطقة كوبري قصر النيل حتى ميدان العتبة، وتحوي مجموعة من المباني التاريخية التي صممت على الطراز الأوروبي، ولعل من أشهر مبانيها «دار الأوبرا» التي تعرضت لحريق مدمر عام 1971.
ويعود تاريخ إنشاء القاهرة الخديوية إلى عام 1867، في أعقاب زيارة للخديوي إسماعيل إلى باريس، حيث طلب من الإمبراطور نابليون الثالث أن يكلف المعماري الفرنسي هاوسمان، الذي خطط مدينة باريس، بتخطيط مدينة القاهرة، فكان إسماعيل يريد أن يجعل القاهرة نسخة من باريس، وهذا ما حدث، حيث كان يطلق على العاصمة المصرية في عهده «باريس الشرق».
ويعد فندق «كونتيننتال»، الذي يتم هدمه حالياً، أحد مباني القاهرة الخديوية، ويقع على مساحة 10 آلاف متر، ويطل على ميدان الأوبرا القديم، وكان مقراً لإقامة كثير من الملوك والأمراء وزوار مصر في العهد الملكي. وفي عام 1903، تحول الكازينو الخاص به، المطل على ميدان الأوبرا، إلى محلات لبيع الملابس. ومع مرور الوقت، تعرض الفندق للإهمال، حتى صدر قرار بتحويله إلى مقر لشركة الفنادق المصرية «إيجوث» عام 1990، وكان هناك خطة لبيعه لأحد المستثمرين في عهد رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف.
وصدر في نهاية العام الماضي قرار بهدم الفندق من محافظة القاهرة، وعندها ثار الجدل، وبدأت حملة للدفاع عنه باعتباره تراثاً معمارياً نادراً، وشاهداً على تاريخ القاهرة. وبعد فترة، هدأ الجدل، ليعود من جديد قبل أيام مع بدء أعمال الهدم الفعلية للفندق.
يقول المهندس محمد أبو سعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضاري، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الفندق مسجل ضمن الفئة (ج) في المباني ذات الطراز المعماري المتميز»، موضحاً أن تصنيف المباني في هذه القائمة يشمل الفئة (أ)، وهي المباني التي يحظر هدمها أو التعامل معها بأي شكل غير عمليات الترميم، فهي مبان ذات طراز معماري فريد، والفئة (ب)، وهي المباني التي يسمح بعمل تعديلات داخلية بسيطة عليها وترميمها، أما الفئة (ج)، فهي التي يسمح بعمل تعديلات داخلية جوهرية فيها، مع الحفاظ على الواجهة التاريخية.
ووفقاً لهذا التصنيف، يحق للجهة المالكة لفندق «كونتيننتال» أن تجري تعديلات بالمبنى، شريطة أن تحافظ على الواجهة الأثرية، وهو ما يرفضه أثريون، مثل عالمة الآثار المصرية الدكتورة مونيكا حنا، التي تصف عملية هدم الفندق بأنها «غير سليمة»، وتؤكد عدم التزام الشركة المالكة للفندق بالحفاظ على الواجهة الأثرية.
لكن أبو سعدة يؤكد أن الشركة المالكة للفندق ملتزمة بالشروط، قائلاً: «خضع الفندق لمعاينة من قبل لجنة شكلها جهاز التنسيق الحضاري، وأوصت اللجنة بالحفاظ على إحدى الواجهات الأثرية، وعلى القاعة الموجودة في الطابق الأرضي، التي شهدت اجتماعات لشخصيات تاريخية مهمة»، مشدداً على أن الحالة الإنشائية للفندق «متردية جداً، وهو ما يستلزم التدخل وإعادة بنائه من الداخل».
وفندق «كونتيننتال» ليس المبنى الوحيد في القاهرة الخديوية الذي تعرض للإهمال والتشويه، فمعظم مباني هذه المرحلة التاريخية من عمر مصر يحتاج إلى ترميم وتطوير، لتعود المدينة إلى سابق عهدها.
ويقول أبو سعدة: «نحن نعمل على تطوير مباني القاهرة الخديوية، وانتهينا بالفعل من تطوير منطقة شارع عماد الدين، وممر بهلر، وعدد من المباني في وسط البلد، ومستمرون في العمل في هذا المشروع».
وتعمل الدولة حالياً على وضع تصور وخطة لتطوير منطقة القاهرة التراثية، وتشمل القاهرة الخديوية والفاطمية، تمهيداً لإعادة أحياء العاصمة التاريخية لمصر، وتتضمن هذه الخطة وضع تصور لكيفية استغلال المباني الحكومية الموجودة، بعد انتقال الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة.
ويوضح أبو سعدة أن هناك قراراً من رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة، برئاسة المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء الأسبق، لوضع خطة لتطوير القاهرة التراثية، ويقول إن «هناك فرصة لإعادة إحياء القاهرة، بعد انتقال الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة، حيث ستكون هناك مبان خالية يمكن إعادة استخدامها بشكل أفضل»، مشيراً إلى أن التصور المقترح يتضمن إنشاء مزارات سياحية، وشوارع للمشاة فقط، ومنع الورش والصناعات الملوثة للبيئة».
وتشكو منطقة القاهرة الخديوية من الإهمال، وانتشار الباعة الجائلين، والمحلات التي تشوه واجهاتها واجهات المباني التاريخية. وعلى مدار سنوات طويلة، كان المعماريون والمهتمون بالتراث يطالبون الدولة بإعادة إحياء المنطقة المعروفة بـ«وسط البلد»، وما زال الجميع ينتظر مخططات وتصورات الدولة لتطوير المنطقة، التي بدأت تؤتي ثمارها في بعض الشوارع الآن، لكن ما زال هناك كثير من المباني يتطلب التدخل السريع.
هدم فندق «كونتيننتال» التاريخي يثير الجدل مجدداً حول المباني التراثية في مصر
القاهرة الخديوية تتعرض للهدم والتشويه
هدم فندق «كونتيننتال» التاريخي يثير الجدل مجدداً حول المباني التراثية في مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة