هدم فندق «كونتيننتال» التاريخي يثير الجدل مجدداً حول المباني التراثية في مصر

القاهرة الخديوية تتعرض للهدم والتشويه

صورة للفندق في ثلاثينات القرن الماضي («الشرق الأوسط»)
صورة للفندق في ثلاثينات القرن الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

هدم فندق «كونتيننتال» التاريخي يثير الجدل مجدداً حول المباني التراثية في مصر

صورة للفندق في ثلاثينات القرن الماضي («الشرق الأوسط»)
صورة للفندق في ثلاثينات القرن الماضي («الشرق الأوسط»)

مرة أخرى، يتجدد الجدل في مصر حول المباني التراثية، أو تلك المصنفة كمبانٍ ذات طراز معماري نادر أو مهم، وذلك في أعقاب البدء في هدم فندق «كونتيننتال» التاريخي، في ميدان الأوبرا بوسط القاهرة. فمع كل عملية هدم أو تجديد لمبنى تاريخي أو تراثي في محافظات مصر المختلفة، يبدأ المهتمون بالحفاظ على التراث المعماري في الهجوم على الدولة لعدم حمايتها للتراث، وفي الغالب تنتهي المعركة بهدم المبنى، لأسباب في معظمها قانونية. فكثير من مباني محافظة الإسكندرية التاريخية راح ضحية الإهمال في الحفاظ على المباني التاريخية، وتم هدمه لصالح إنشاء أبراج سكنية حديثة.
وللقاهرة نصيب من محاولات الهدم والتشويه، خصوصاً منطقة القاهرة الخديوية، وهي تلك المنطقة التي أنشأت في عهد الخديوي إسماعيل، وتبدأ من منطقة كوبري قصر النيل حتى ميدان العتبة، وتحوي مجموعة من المباني التاريخية التي صممت على الطراز الأوروبي، ولعل من أشهر مبانيها «دار الأوبرا» التي تعرضت لحريق مدمر عام 1971.
ويعود تاريخ إنشاء القاهرة الخديوية إلى عام 1867، في أعقاب زيارة للخديوي إسماعيل إلى باريس، حيث طلب من الإمبراطور نابليون الثالث أن يكلف المعماري الفرنسي هاوسمان، الذي خطط مدينة باريس، بتخطيط مدينة القاهرة، فكان إسماعيل يريد أن يجعل القاهرة نسخة من باريس، وهذا ما حدث، حيث كان يطلق على العاصمة المصرية في عهده «باريس الشرق».
ويعد فندق «كونتيننتال»، الذي يتم هدمه حالياً، أحد مباني القاهرة الخديوية، ويقع على مساحة 10 آلاف متر، ويطل على ميدان الأوبرا القديم، وكان مقراً لإقامة كثير من الملوك والأمراء وزوار مصر في العهد الملكي. وفي عام 1903، تحول الكازينو الخاص به، المطل على ميدان الأوبرا، إلى محلات لبيع الملابس. ومع مرور الوقت، تعرض الفندق للإهمال، حتى صدر قرار بتحويله إلى مقر لشركة الفنادق المصرية «إيجوث» عام 1990، وكان هناك خطة لبيعه لأحد المستثمرين في عهد رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف.
وصدر في نهاية العام الماضي قرار بهدم الفندق من محافظة القاهرة، وعندها ثار الجدل، وبدأت حملة للدفاع عنه باعتباره تراثاً معمارياً نادراً، وشاهداً على تاريخ القاهرة. وبعد فترة، هدأ الجدل، ليعود من جديد قبل أيام مع بدء أعمال الهدم الفعلية للفندق.
يقول المهندس محمد أبو سعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضاري، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الفندق مسجل ضمن الفئة (ج) في المباني ذات الطراز المعماري المتميز»، موضحاً أن تصنيف المباني في هذه القائمة يشمل الفئة (أ)، وهي المباني التي يحظر هدمها أو التعامل معها بأي شكل غير عمليات الترميم، فهي مبان ذات طراز معماري فريد، والفئة (ب)، وهي المباني التي يسمح بعمل تعديلات داخلية بسيطة عليها وترميمها، أما الفئة (ج)، فهي التي يسمح بعمل تعديلات داخلية جوهرية فيها، مع الحفاظ على الواجهة التاريخية.
ووفقاً لهذا التصنيف، يحق للجهة المالكة لفندق «كونتيننتال» أن تجري تعديلات بالمبنى، شريطة أن تحافظ على الواجهة الأثرية، وهو ما يرفضه أثريون، مثل عالمة الآثار المصرية الدكتورة مونيكا حنا، التي تصف عملية هدم الفندق بأنها «غير سليمة»، وتؤكد عدم التزام الشركة المالكة للفندق بالحفاظ على الواجهة الأثرية.
لكن أبو سعدة يؤكد أن الشركة المالكة للفندق ملتزمة بالشروط، قائلاً: «خضع الفندق لمعاينة من قبل لجنة شكلها جهاز التنسيق الحضاري، وأوصت اللجنة بالحفاظ على إحدى الواجهات الأثرية، وعلى القاعة الموجودة في الطابق الأرضي، التي شهدت اجتماعات لشخصيات تاريخية مهمة»، مشدداً على أن الحالة الإنشائية للفندق «متردية جداً، وهو ما يستلزم التدخل وإعادة بنائه من الداخل».
وفندق «كونتيننتال» ليس المبنى الوحيد في القاهرة الخديوية الذي تعرض للإهمال والتشويه، فمعظم مباني هذه المرحلة التاريخية من عمر مصر يحتاج إلى ترميم وتطوير، لتعود المدينة إلى سابق عهدها.
ويقول أبو سعدة: «نحن نعمل على تطوير مباني القاهرة الخديوية، وانتهينا بالفعل من تطوير منطقة شارع عماد الدين، وممر بهلر، وعدد من المباني في وسط البلد، ومستمرون في العمل في هذا المشروع».
وتعمل الدولة حالياً على وضع تصور وخطة لتطوير منطقة القاهرة التراثية، وتشمل القاهرة الخديوية والفاطمية، تمهيداً لإعادة أحياء العاصمة التاريخية لمصر، وتتضمن هذه الخطة وضع تصور لكيفية استغلال المباني الحكومية الموجودة، بعد انتقال الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة.
ويوضح أبو سعدة أن هناك قراراً من رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة، برئاسة المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء الأسبق، لوضع خطة لتطوير القاهرة التراثية، ويقول إن «هناك فرصة لإعادة إحياء القاهرة، بعد انتقال الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة، حيث ستكون هناك مبان خالية يمكن إعادة استخدامها بشكل أفضل»، مشيراً إلى أن التصور المقترح يتضمن إنشاء مزارات سياحية، وشوارع للمشاة فقط، ومنع الورش والصناعات الملوثة للبيئة».
وتشكو منطقة القاهرة الخديوية من الإهمال، وانتشار الباعة الجائلين، والمحلات التي تشوه واجهاتها واجهات المباني التاريخية. وعلى مدار سنوات طويلة، كان المعماريون والمهتمون بالتراث يطالبون الدولة بإعادة إحياء المنطقة المعروفة بـ«وسط البلد»، وما زال الجميع ينتظر مخططات وتصورات الدولة لتطوير المنطقة، التي بدأت تؤتي ثمارها في بعض الشوارع الآن، لكن ما زال هناك كثير من المباني يتطلب التدخل السريع.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.