في الأشهر التي تسبق أسبوع «هوت كوتير» تتحول باريس إلى خلية نحل لا تخضع فيها صناعة الموضة إلى القوانين الفرنسية التي تحمي الموظفين من العمل لساعات طويلة تتعدى الـ35 ساعة في الأسبوع. في هذه الفترة، لا الحكومة الفرنسية ولا الأنامل الناعمة التي تسهر حتى ساعات متأخرة من الليل لإنهاء قطعة، تتذمر أو تفكر في الأمر. تتحول العملية هنا كما لو كانت مهمة وطنية تحافظ على صورة فرنسا الأنيقة ومكانتها. في دار «لوساج» المتخصصة بالتطريز مثلاً، تعكف عشرات النساء على ماكيناتهن وهن يطرزن قطعاً لـ«شانيل» أو «ديور» أو «جيامباتيستا فالي» وغيرها، تارة بالأحجار أو الترتر وتارة باللؤلؤ أو الريش. كل غرزة يقمن بها محسوبة بدقة وهي تدخل من جهة لتخرج من الجهة الثانية بخفة. ومع كل غُزرة تتضح رؤية المصمم والصورة التي رسمها على الورق أكثر وأكثر. وكلما وضحت معالمها زاد حماسهن ورغبتهن في إنهائها. يجب أن تكون، كما قال الراحل فرنسوا لوساج في إحدى مقابلاته السابقة مع «الشرق الأوسط»: «قابلة للارتداء من الوجهين... أي أن تبطينها يجب أن يوازي جمالها الخارجي، بحيث تجسد معنى الرقي من دون أن تكلف أو بهرجة حتى عندما تقطر بالتطريزات وتكون مغرقة بالبريق».
هذا العمل والتفاني والرغبة في التميز، هو ما يُبرر الأسعار التي تتكلفها كل قطعة، سواء كانت مجرد قميص أو كانت فستان سهرة. فالقميص قد يفوق سعره العشرة ألف دولار، بينما فستان سهرة قد يتعدى الـ200 ألف دولار حسب نوعية التطريز والقماش.
- معناها الحرفي بالفرنسية «الخياطة الرفيعة» التي تأخذ بعين الاعتبار وبدقة متناهية كل غُرزة وكل جزئية من أي قطعة تنضوي تحت هذا المسمى.
- أسس لهذا المفهوم خياط إنجليزي اسمه تشارلز فريدريك وورث أصبح يُعتَبَر الأب الروحي له. أسس مشغله في باريس في 1858، ووصل به عشقه لهذا المجال والخوف عليه أنه أسس ما أصبح يعرف حالياً بـ«لاشومبر سانديكال للهوت كوتير» حتى يحميها من الدخلاء. كان يريدها منذ البداية أن تكون عبارة عن قطع مصنوعة باليد ومفصلة على المقاس من أجمل الأقمشة وأكثرها فخامة. الآن فقط من توافق عليهم «لاشومبر سانديكال»، لهم الحق في أن يشاركوا في البرنامج الرسمي، كما أن لهم الحق القانوني في استعمال هذه الكلمة.
- يبدأ سعر القطعة البسيطة بنحو 10 آلاف يورو لتصل إلى المئات عندما يتعلق الأمر بفساتين السهرة أو الزفاف. ما يحدد السعر هو نوعية القماش، وكمّ التطريزات والساعات التي يستغرقها تنفيذها.
- زبونات هذا الجانب كن من الطبقات الأرستقراطية الأوروبية في بداية القرن الماضي. في منتصفه شمل الأميركيات وحديثات الثروة. وبقي الحال كذلك حتى دخول زبونات منطقة الشرق الأوسط في الستينات، اللواتي كان لهن الفضل ولا يزال في إنعاش هذا الجانب. لكنه ظل طوال القرن الماضي يقتصر على امرأة ناضجة ومقتدرة ماديّاً. الآن تغيرت الخريطة الشرائية وتوسعت لتشمل زبونات من بلدان وقارات جديدة، وأيضاً جيلاً جديداً من الشابات الصغيرات الأمر الذي انعكس على التصاميم.
- رغم دخول زبونات من البرازيل وروسيا وأذربيجان والصين وكوريا وغيرها هذا النادي، فإن الكل يعترف بأن زبونة الشرق الأوسط تبقى الأهم.
- لأن هذه القطع مفصلة على المقاس، فإنها تستدعي إجراء بروفات لا تقل عن ثلاث جلسات تقريباً. وبينما كانت الزبونة في الماضي تضطر لأن تحضر إلى باريس لإجرائها، فإن بيوت الأزياء حاليا تذهب إليها أينما كانت لنيل رضاها وترغيبها فيها أكثر.
- رغم انتعاش هذا القطاع ودخول كثير من المصممين وبيوت الأزياء إليه، فإن فرنسا تعتبر أن كلاً من «شانيل» و«ديور» مؤسسة قائمة بذاتها في هذا المجال. فهما مفخرتها ولا يمكن المساس بهما. «شانيل» مثلاً لا ترى أن دورها للحفاظ على هذا القطاع يقتصر على إبداع أزياء فريدة من نوعها، بل حمايته والحفاظ عليه ليبقى لأجيال قادمة. فالدار التي تأسست في عام 1915 في بياتريز وشهدت ازدهاراً على يد مصممها الفني كارل لاغرفيلد منذ أن دخلها في عام 1983، انتبهت إلى أن كثيراً من الورشات المتخصصة في مجالات متعددة، ولا يمكن أن تكتمل أية قطعة «هوت كوتير» من دونها، سواء كانت تطريزاً أو أزراراً أو ريشاً، بدأت إما تُفلس أو تتقلص أو تُغلق أبوابها، فما كان منها إلا أن اشترتها لتنضوي تحت أجنحتها. بيد أنها تحرص على بقائها مستقلة من ناحية أن لها مطلق الحرية في أن تتعامل مع باقي بيوت الأزياء الأخرى. من هذه الورشات نذكر مثلاً «لوساج» و«لومارييه» و«ميشيل» و«باريه» وغيرها.
«الهوت كوتير»... أزياء من الأحلام بأسعار أقرب إلى الخيال
القطاع الذي لا يخضع لقوانين العمل الفرنسية
«الهوت كوتير»... أزياء من الأحلام بأسعار أقرب إلى الخيال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة