عندما تشاهد باريس سان جيرمان الفرنسي وهو يكتسح سيلتك الأسكوتلندي بسبعة أهداف مقابل هدف وحيد على ملعب «حديقة الأمراء» في دوري أبطال أوروبا الأربعاء الماضي، فإن أكثر شيء يلفت نظرك لا يكمن في المستوى القوي الذي يقدمه الفريق أو المتعة التي تشاهدها في الخط الهجومي أو حتى في تناقل الكرات بكل مهارة بين الساحر البرازيلي نيمار والجوهرة الفرنسية الصاعدة بسرعة الصاروخ كيليان مبابي، لكن أبرز شيء يلفت الانتباه هو أنك تكتشف فجأة مدى صعوبة أن تكره هذا الفريق. وهنا يحضرني المثل القائل «الشيطان يعزف دائماً أفضل الألحان».
من الصعب أن تكره هذا الفريق، لكن ليس من المستحيل. ومن المهم للغاية التأكيد على هذا المعنى، لأن الأداء الرائع الذي يقدمه باريس سان جيرمان داخل المستطيل الأخضر قد يمثل مصدر قلق بالغ لعشاق كرة القدم الذين يشعرون بالخوف والاستياء من المفهوم الذي يقوم عليه نادي «باريس سان جيرمان» ككل، ذلك النادي «الدمية»، إن جاز التعبير، والمملوك لدولة هي الأكثر ثراء في العالم من حيث نصيب الفرد الواحد من الناتج القومي الإجمالي، والكيان الذي اعتمد على فكرة شراء النجاح عن طريق الأموال إلى أقصى حد ممكن.
لكن لا داعي للذعر بعد، فلا تزال هناك بعض العقبات أمام قدرة هذا النادي على إغراء الجميع بما يقدمه، لأن هناك نادياً آخر قد تفوق على النادي الفرنسي وحقق نجاحا كبيرا من خلال العمل الدؤوب والمهارة الكبيرة - وشراء النجوم أيضاً، لكن ليس تجميعهم وحسب - وهو نادي مانشستر سيتي الإنجليزي، الذي يتم تمويله أيضاً من قبل صندوق ثروة سيادية، وإن كان بدرجة أقل. ويجب أن نشير إلى أن مانشستر سيتي قد حقق أرباحاً العام الماضي. وهذه هي الأعمال التجارية المزدهرة بشكل مستمر هذه الأيام، ويعود السبب في ذلك بصورة أساسية إلى المبالغ المالية الكبيرة التي تحصل عليها الأندية من عائدات البث التلفزيوني.
ومع ذلك، هناك حدود للإنفاق بكل تأكيد، فعندما تعاقد مانشستر سيتي مع المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا ومنحه ميزانية تصل إلى 300 مليون جنيه إسترليني من أجل إبرام تعاقدات جديدة لتدعيم صفوف الفريق، كان من الصعب، كمحايد، أن تتخلص من الشعور بأن هذا النادي سوف يشتري بأمواله الطائلة نجاحات الفرق الأخرى عن طريق التعاقد مع أبرز نجومها. لا توجد ضمانات في عالم الرياضة، لكن شراء أفضل مدير فني وأفضل اللاعبين في العالم يعني أنك ستهيمن على عالم كرة القدم.
ولفترة من الوقت كان يبدو أن الشيء الوحيد المثير للاهتمام حقاً هو التساؤل عما سيحدث لو فشل غوارديولا بعد كل ذلك في الفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز، أو ما إذا كان غوارديولا يدمر نفسه من خلال ما قام به في مانشستر سيتي، الذي يلعب اليوم في الدوري الإنجليزي الممتاز أمام هوديرسفيلد، الذي لا تتجاوز القيمة الكاملة لجميع لاعبيه قيمة لاعب مانشستر سيتي رحيم ستيرلينغ!
لكن الأمور لم تكن على هذا النحو تماما، بعدما قدم مانشستر سيتي أداء ممتعا خلال الثلث الأول من الموسم الحالي للدوري الإنجليزي الممتاز بطريقة تجعلك تعشق مشاهدة مباريات الفريق. في الحقيقة، يمكن لمانشستر سيتي أن يسحق هوديرسفيلد برباعية نظيفة وأن يستحوذ على الكرة بنسبة 93 في المائة من عمر اللقاء، لكن بعد مشاهدة المباراة تكون متشوقا أيضاً لمشاهدة ملخص المباراة من أجل الاستمتاع مرة أخرى بما قدمه الفريق.
ويعود السبب في ذلك إلى الأسلوب الذي يتبعه الفريق في اللعب. ولو فاز مانشستر سيتي بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز خلال الموسم الحالي فإنه بذلك يعيدنا مرة أخرى إلى الفوز بهذه البطولة الكبيرة ممزوجا بالأداء الممتع، وهو ما لم يحققه سوى عدد قليل من الأندية خلال الثلاثين عاما الأخيرة، مثل فريق ليفربول عام 1987 / 1988، الذي كان يعتمد على التمريرات القصيرة ومهارة جون بارنز وعبقرية بيتر بيردسلي، مرورا بحقبة مانشستر يونايتد تحت قيادة المدير الفني الأسطوري للفريق السير أليكس فيرغسون، وصولا إلى فريق تشيلسي تحت قيادة كارلو أنشيلوتي.
ولعل الشيء غير المعتاد الذي نراه في أداء مانشستر سيتي هو أنه يعتمد على نقل الكرات من لمسة واحدة بطريقة ممتعة، لكنها في كثير من الأحيان لا تؤدي إلى الفوز بالبطولات والألقاب. ومن حيث المتعة، يذكرنا أداء مانشستر سيتي بما كان يقدمه وستهام يونايتد بقيادة الآن ديفونشاير أو بفريق آرسنال في بطولة رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة بعد انتقاله للعب على ملعب الإمارات، حيث كان الفريق يقدم أداء ممتعا مساء يوم الثلاثاء ويخرج سعيدا للغاية وكأنه حصل على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز.
في الحقيقة، يتعامل مانشستر سيتي مع كرة القدم خلال الموسم الحالي وكأنه لا يبحث عن الحصول على نقاط المباراة الثلاث، وإنما يبحث عن المتعة وطريقة اللعب التي تجعل الفريق يقدم كرة قدم مثالية. أما بالنسبة للأموال التي أنفقها الفريق، فيجب أن نشير إلى أن مانشستر سيتي لم يسعَ لتكوين الفريق حول جوهرة مثل ليونيل ميسي ويخصص ميزانية كبيرة للتعاقد معه، لكن غوارديولا بنى فريقا قويا يلعب بطريقة جماعية رائعة، خاصة وأن المدير الفني الإسباني قد بنى سمعته التدريبية الكبيرة من خلال قدرته على تحقيق أقصى استفادة ممكنة من ثلاثة لاعبين في الخط الأمامي تصل أعمارهم إلى 20 و21 و22 عاما.
وعلى مدى أشهر، كان رحيم ستيرلينغ على وجه التحديد مصدر إحباط كبير، لدرجة أن غوارديولا قد رسم خطوطا بالطباشير على أرض ملعب التدريب لكي يعلمه أين يقف داخل الملعب. ولكن بعد عام ونصف العام، تطور أداء كل لاعب من الـ11 لاعبا الذين يشاركون في التشكيلة الأساسية بطريقة أو بأخرى، بدءا من النجم البلجيكي كيفن دي بروين وصولا إلى فابيان ديلف، الذي أصبح ظهيرا أيسر مثيرا للإعجاب. وهناك تصميم من جانب مانشستر سيتي على تكوين فريق متكامل. وخلال الأسبوع الماضي، عندما أصيب جون ستونز تم تداول أنباء في إسبانيا بأن مانشستر سيتي قد يسعى لتدعم مركز خط الوسط المدافع عن طريق التعاقد مع نجم ليستر سيتي رياض محرز.
وحتى لو تراجع أداء الفريق في منتصف الموسم، فهناك شعور بالفعل بأن الفريق قد انتصر، بغض النظر عن حصوله على البطولات أم لا، وذلك بفضل الأداء الراقي الذي يقدمه داخل الملعب. ولأول مرة منذ فترة يكون هناك فريق قوي من الصعب تعرضه للخسارة في دوري أبطال أوروبا، رغم أننا لا نزال نتذكر كيف تلقى الفريق خسارة ثقيلة أمام موناكو الفرنسي في دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي. ومن زاوية معينة، يبدو الأمر حتميا أن مانشستر سيتي قد يواجه باريس سان جيرمان في مرحلة متأخرة من دوري أبطال أوروبا في صراع للقوة الناعمة بين بلدين من الخليج (مالكَي الناديين) من جهة، وبين لاعبين برازيليين، هما نيمار وغابريل خيسوس، داخل الملعب من جهة أخرى.
أداء مانشستر سيتي... المتعة قبل الألقاب أحياناً
الفريق يقدم كرة قدم تدعو للإعجاب لم تصنعها الأموال التي أنفقها
أداء مانشستر سيتي... المتعة قبل الألقاب أحياناً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة