ربط محللون ليبيون، الاستمرار في تصدير النفط، بالاستقرار الأمني في البلاد، فيما قال مصطفى صنع الله رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية، أمس، إنه يعتزم «فتح مكتب مشتريات في الولايات المتحدة، بهدف توسيع دائرة الموردين وإقناع إدارة الرئيس دونالد ترمب بدعم قطاع النفط في بلاده، في وقت تسقط فيه حقول النفط (رهينة) في قبضة المواطنين لتنفيذ بعض المطالب... لكن تحرك صنع الله أثار تساؤلات عدة في ليبيا، حول الآليات التي يستند إليها رئيس المؤسسة في تحركاته، خصوصاً في ظل غياب السيطرة على كامل الأراضي الليبية، وكذلك طبيعة متخذي قرار التوجه إلى أميركا من أجل الحصول على دعمها».
وبالأمس أوضح صنع الله لـ«رويترز» من واشنطن أن «مكتب هيوستون سيُفتتح للبدء في تكوين قائمة من موردي المعدات والخدمات الأميركيين»، متابعاً: «هذا مهم جداً لنا».
ولفت إلى أن مكتب المشتريات «سيعمل بكامل طاقته في يناير (كانون الثاني) المقبل».
وبينما تحظى ليبيا بإعفاء من «سقف الإنتاج»، مع نيجيريا، من قبل الدول المصدرة للنفط من منظمة «أوبك» وخارجها الذين توافقوا في مطلع العام على خفض الإنتاج من أجل ضبط الأسواق، فإنه من المرتَقَب أن يتم مناقشة هذه النقطة في اجتماع المنظمة المقبل في فيينا نهاية الشهر الحالي.
وقال فوزي الطاهر النويري عضو مجلس النواب الليبي، عضو بلجنة متابعة الأجهزة الرقابية، لـ«الشرق الأوسط» إن «الانفلات الأمني في البلاد هو العائق الأول أمام الاستمرار في استخراج النفط»، مشيراً إلى أن «هذه المعضلة لا بد أن تحل أولاً قبل عقد أي اتفاقات».
وأضاف أن «حالة الانفلات هذه تسببت في تهريب وقود بملايين الدولارات شهرياً عبر السواحل الليبية، ولم نسمع عن أي تحرك ملموس»، وتساءل النويري: «هل ناقش صنع الله هذه الخطوة مع حكومة السراج؟»، متابعاً أن «عجز الحكومات المتعاقبة دفع المواطنين للاتجاه إلى إغلاق حقول النفط... هذه الخطوة تكررت مرات عدة الشهور الماضية، ونحن لا نقرها... النفط ثروة الجميع».
وفشل صنع الله، في إقناع أهالي بلدة أجخرة (300 كيلومتر جنوب غربي بنغازي) بالسماح لشركة «فنترشال» الألمانية لاستئناف الإنتاج من أحد حقولها النفطية في المنطقة التي اضطرت لتوقيف الإنتاج به مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي استجابة لضغوط الأهالي.
وأوقفت «فنترشال» إنتاجها المقدر بـ40 ألف برميل من النفط الخام يومياً من حقلها في أجخرة، حتى تتم الاستجابة لمطالب مواطني المنطقة، المتمثلة في توفير فرص عمل للعاطلين عن العمل، وتنفيذ بعض المشروعات التي تم إقرارها السنوات الماضية، بالإضافة إلى مطالب المزارعين وملاك الأراضي التي تقع فيها آبار النفط في البلدية بدفع التعويضات التي وعدت بها الشركة بسبب «التلوث البيئي».
وتمتلك «فنترشال» الألمانية 60 بئراً نفطية داخل المناطق السكنية والزراعية في بلدية أجخرة بالمشاركة مع المؤسسة الوطنية للنفط.
وتحدث صنع الله مع «رويترز» عن حجم الإنفاق على القطاع الفترة المقبلة، وقال إن «المؤسسة وشركاءها سينفقون نحو 20 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة لاستعادة الإنتاج الذي تضرر نتيجة للانقسامات السياسية في البلاد».
وما زالت المؤسسة الوطنية للنفط تواجه عقبات في استبدال وإصلاح البنية التحتية المتهالكة والمدمرة.
ومضي صنع الله يقول إن «الشركاء في الإنتاج، بما في ذلك (إيني) الإيطالية و(ريبسول) الإسبانية و(توتال) الفرنسية، يمولون التوسع عبر عقود تقاسم الإنتاج، وبإمكان المؤسسة الوطنية للنفط أيضاً الاقتراض لتمويل إعادة البناء»، مؤكداً خلال زيارة لواشنطن، حيث يعقد اجتماعات مع مسؤولين أميركيين: «نأمل في تأمين استثمارات جديدة، ونتطلع إلى التوصل لحل سياسي».
ورأى المحلل السياسي الليبي، محمد عقيلة العمامي أن فتح مكتب مشتريات في أميركا «قرار مصيري ولم نسمع عنه من قبل حكومة الوفاق الوطني التي يخضع صنع الله لسلطاتها»، متابعاً: «ربما يكون رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية أخبر حكومة السرّاج بذلك، وفي هذه الحالة يكون الشعب مغيباً، لأن النفط هو رزق الشعب وثروته».
وأضاف العمامي لـ«الشرق الأوسط»: «وقد يكون هذا القرار اجتهاداً شخصياً من صنع الله، وفي هذه الحالة ستقابله عثرات كثيرة، نظراً لوجود حكومتين في البلاد تتجاذبان، ولكل منهما وجهة نظرها».
وأشار إلى أن الولايات المتحدة «تبحث عن مصالحها، لكن خطوة مثل هذه لا بد أن تصدر عن جهة تمتلك القرار، وتعلنها للناس بشفافية ووضوح».
على الرغم من ذلك، لا تزال هناك عقبات أمام جهود قطاع الطاقة في ليبيا، وتفتقر حكومة «الوفاق الوطني» المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس إلى السيطرة على مناطق في شرق البلاد، ولم تقر بعد قانوناً لتنظيم إنتاج البترول على الرغم من أن العمل جارٍ على وضع مسودة للقانون.
وعادت «شلمبرغر» الأميركية لتقديم خدمات النفط إلى البلاد هذا العام بعد غياب ثلاث سنوات.
وفي منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، قال صنع الله: «إن الوصول إلى مستوى 1.25 مليون برميل يومياً، الذي نسعى له هذا العام، أصبح (هدفاً غير مؤكد) في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية الراهنة»، مضيفاً أنه «لن يتفاوض مع أي قوة تحاصر الحقول والموانئ».
وانتهي صنع الله قائلاً إن «المكتب الجديد يضع الشركات الأميركية ذات المستوى العالمي المصنعة للمعدات والتكنولوجيا والمزودة لخدمات حقول النفط في مركز استراتيجية المشتريات لدينا... هذا قرار استراتيجي مهم بالنسبة لنا ولا ينبغي لأي أحد التقليل من أهميته».
ولم تكون حقول أجخرة الوحيدة التي تتعرض للإغلاق على أيد مواطنين ليبيين، فمن وقت لآخر يتم إغلاق حقل الشرارة، الذي ينتج 280 ألف برميل يومياً، الأمر الذي دفع صنع الله إلى وصف القائمين بذلك بـ«الإرهابيين»، وقال في حينها: «أرفض أن يتجه كل من له مشكلة إلى إغلاق الأنابيب».
وأضاف أن «إغلاق الشرارة، الذي يعد الأكبر في البلاد، ليوم واحد تسبب في خسائر بقيمة 14 مليون يورو».
وفي السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أغلق عدد من مواطني الجنوب الليبي، الطرق المؤدية إلى حقلي الشرارة والفيل، مهددين بالاعتصام داخل الحقول «إذا لم تتم تلبية جميع مطالبهم».
وكان صنع الله، أكد بداية يونيو (حزيران) الماضي وصول إنتاج النفط، في البلد العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إلى 808 آلاف برميل يومياً، في حين كانت البلاد تنتج 1.6 مليون برميل يومياً قبل الانتفاضة التي أطاحت بحكم معمر القذافي قبل ست سنوات.
وفي منتصف مارس (آذار) الماضي أعلنت القوات المسلحة الليبية بسط سيطرتها الكاملة على الهلال النفطي بعد هجمات واسعة النطاق بدأت بتعليمات قائد الجيش المشير خلفية حفتر.
النفط الليبي «رهين» المساومات... و«المؤسسة الوطنية» تسعى لدعم أميركي
شركات توقف أعمالها بضغوط من الأهالي... وتساؤلات حول «آليات» المؤسسة
النفط الليبي «رهين» المساومات... و«المؤسسة الوطنية» تسعى لدعم أميركي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة