مريم مشتاوي وكريستين صالح... اجتماع القلم والريشة

غلاف أدى إلى ولادة صداقة بين كاتبة ورسامة

الفنانة التشكيلية كريستين صالح جميل
الفنانة التشكيلية كريستين صالح جميل
TT

مريم مشتاوي وكريستين صالح... اجتماع القلم والريشة

الفنانة التشكيلية كريستين صالح جميل
الفنانة التشكيلية كريستين صالح جميل

مريم مشتاوي، شاعرة لبنانية تقيم في لندن، لها عدد من المجاميع الشعرية منها: «حبيب لم يكن يوماً حبيبي»، و«ممر وردي بين الحب والموت» و«هالوين الفراق الأبدي».
دخلت عالم الرواية بـ«عشق» و«حين تبكي مريم» و«ياقوت».
كريستين صالح جميل رسامة بريطانية لبنانية شاركت في معارض محلية وعالمية، لها لوحات كثيرة عن الخيل العربي التي زينها مراد بطرس بالحرف العربي الجميل.
بمناسبة إطلاق الكاتبة مريم مشتاوي رواياتها الجديدة «تيريزا أكاديا»، ضربت «الشرق الأوسط» عصفورين بحجر، لأنهما بالفعل أشبه بعصفورين يزقزقان بلغة فنية تختلف طرقها، لكنها متناغمة.
«تيريزا أكاديا»، رواية تجمع ما بين الخيال وجنون الحب. تبدأ من شاطئ بورتوفينو في إيطاليا وتنتقل أحداثها إلى مرفأ طرابلس في لبنان، لتنتهي بين جدران دير في قرية عتابا، وهذه القرية من اختراع الكاتبة في جرود لبنان الشمالية.
«تيريزا أكاديا» أو «امرأة الفراق»، تولد في بيت يفقد أحد أركانه الرئيسية. والدها شيخ البحر رجل غريب الأطوار ينتمي إلى عالم البحار. توفيت والدتها وهي لا تزال طفلة، وربّتها امرأة لا تقل غرابة عن والدها.
أحبت تيريزا أغسطينو، لكنه ترك بورتوفينو واختفى... فقررت السفر إلى... حيث تبدأ الحكاية...
واللافت في الكتاب بعيداً عن قصته، الغلاف فهو لوحة فنية رائعة تشبه إلى حد كبير الكاتبة في ملامحها الهادئة. تروي لنا مشتاوي لغز الغلاف وتقول إنها التقت عن طريق الصدفة بالفنانة الرسامة كريستين صالح جميل من خلال صديقة مشتركة. بهرتها لوحاتها، خصوصاً لوحة بعنوان «أمل»، وهي عبارة عن صورة فتاة استطاعت الرسامة أن تعطي كل ما لديها لكي تظهر الأمل في عينيها. وعندما رأت مشتاوي هذه اللوحة تمنت ضمناً أن ترسم كريستين لها لوحة غلاف «تيريزا أكاديا»؛ فعرضت الأمر عليها ورحبت بالفكرة، ثم طلبت منها أن تعطيها فرصة لتقرأ الرواية... وبعد أسبوع اتصلت بها قائلة: «تيريزا أكاديا تشبهك جداً، أو قد تكون أنت. لذلك سيكون الغلاف عبارة عن بورتريه يشبهك».
تقول مشتاوي: «أخافتني الفكرة في البداية لأني كنت أعلم ضمناً أنني سأواجه انتقادات حادة، مثل (كاتبة مغرورة وممتلئة بذاتها ونرجسية)، ولكني حين رأيت اللوحة اقتنعت بفكرة كريستين، وشعرت أنها فعلاً تجسد الشخصية الرئيسة في الرواية».
وقالت كريستين صالح جميل لـ«الشرق الأوسط» إنها جسدت صورة تيريزا، وساهمت بأن تجعل الشخصية أقرب إلى الحقيقة، وهي سعيدة جدا كونها قامت بعمل جديد من نوعه. فهذه هي المرة الأولى التي تقوم بها برسم غلاف كتاب وهي راضية جدا بالنتيجة. وأضافت أن إحساس الكاتبة كان في مكانه؛ لأنها خافت في البداية من الانتقادات التي أطالتها مباشرة بعد إطلاق الكتاب، وشدّدت على أن الانتقاد مهم في الكثير من الأحيان، وكررت بأن فكرة الغلاف كانت فكرتها، والسبب هو أن كريستين رأت في شخصية المرأة التي تدور أحداث الكتاب حولها، تشبه في مضمونها الكاتبة. وهنا تفسر صالح الأمر من منطلق عملها رسامةً، وتقول: الفن هو عبارة عن مشاعر وله وجوه عدة. الكتابة فن. والرسم فن. والغناء فن. وأنا أرى بأن صاحب العمل هو قطعة من عمله؛ لأنه يتأثر به، وفي وضع مريم، فهي قطعة منه، ولو أنها لا ترى هذا التناغم وأوجه التشابه.
وتضيف صالح أنها لم تنقل صورة مريم كما هي؛ لأنها وضعت لمستها الخاصة لدرجة أن هناك الكثير من التساؤلات عما إذا كان غلاف الكتاب هو صورة مريم أم امرأة أخرى؟ وهذا ما أرادته صالح؛ لأنها وضعت لمستها ونقلت الصورة التي تلمستها في شخصية بطلة الكتاب ورسمتها بالطريقة التي شعرت بها. وتتابع: نجاح أي عمل يعتمد على علاقة جيدة تربط بين الطرفين الزبون والرسام، وفي هذه الحالة نجح الغلاف؛ لأن علاقتي بمريم تطورت لتصبح صداقة متينة، وهذا الأمر هو وليد اجتماعات عدة بيننا، قبل وخلال وبعد إنجاز اللوحة التي استغرق رسمها الشهر ونصف الشهر تقريباً، واستمتعت كثيراً بهذا العمل الذي استطعت أن اقنع الكاتبة به، بعدما عرضت عليّ الكثير من الصور الأخرى، إلا أنني انتصرت برأيي، وأعتقد بأن النّقاد سوف يقتنعون بهذا الخيار أيضاً؛ لأن الصورة هي مرآة معبرة عن مريم».
ورداً على سؤالنا عن نسبة رضاها عن اللوحة والعمل، تقول كريستين إنّها راضية بنسبة 90 في المائة، لكنّها تتقبل النقد بصدر رحب لأنها تسعى دائماً إلى التحسن.
بالعودة إلى مريم وروايتها الجديدة، ولدى سؤالها عن الرواية الأقرب إلى روحها والتي تشبهها كإنسانة، ردت: «كل الأعمال الأدبية هي امتداد لروح كاتبها... وكل رواية هي مرآة مريم. أعكس فيها تراكمات في داخلي عشتها في الماضي أو صادفتني حديثاً أو قرأتها في مكان وتخمرت في ذاكرتي». وتوضح: «مريم هي عشق وياقوت وتيريزا أكاديا. ربما كنتُ (عشق) بفقدانها طفلها في مرض السرطان... وكنتُ (ياقوت) بالحرب التي عاشت داخلي في الطفولة... وكنتُ تيريزا بجنوبها وانفعالاتها. كل شخصية تولد من أحشائي... أكتبها بحب... أتقمصها وتتقمصني... نعيش معاً طيلة الرحلة الروائية، وحين تنتهي الرواية أشعر بإحباط شديد وبفراغ أكبر».
وعن سبب انتقالها من عالم الشعر إلى الرواية، تقول مشتاوي: «لا أعتقد أني انتقلت إلى عالم الرواية، بل الأصح أنني نقلت معي الشعر إلى أحضانها. لا يمكنني أن أتخلى عن جنسيتي الشعرية فهي الأصل... حاولت أن أوظّف الشعر في خدمة الرواية، وكنت حريصة أن يكون ظله خفيفاً على البناء الروائي. أسعى لأكتب بأسلوب شاعري، محافظة على العناصر الرئيسة للرواية».
وبرأيها، فإن الصراعات المتتالية التي يعيشها عالمنا العربي وصعوبة الحياة والماسي المتلاحقة التي نسمع بها، تدفع المبدع إلى الكتابة. والشعر بطبيعته مكثف، ومساحته ضيقة ليس فيه مساحات شاسعة للتعبير، ولا يحتمل تدفق المشاعر؛ لذلك لجأت إلى الرواية التي جاءت كحاجة ملحة وليدة الأحداث الأليمة التي نعيشها يومياً». وتتابع: «كما أن الشعر نخبوي بامتياز، وأنا أردت أن أصل إلى كل فئات القرّاء».
ترى مشتاوي أن اللجوء إلى الرواية كان لغسل روحها من كل الشوائب التي سببها الزمن، وثانياً لأنها تطمح للتغيير وتؤمن بدور الكاتب في تطوير المجتمع. وحسب رأيها، فكونها عربية مقيمة في لندن، ترى أن هذه المدينة هي مرتع للإنسان المبدع رجلاً كان أم امرأة، عربياً أم أجنبياً.
وتضيف: «لست في حاجة إلى أن آتي من خلفية سياسية معيّنة لأنجح في عملي ومجتمعي، ولا حتى أن أتبع تياراً أو حزباً أو زعيماً سياسياً، كما قد يحصل في وطني الأم أو في أي بلد عربي آخر. هنا، يكفي أن يجتهد الإنسان ليجني ثمار تعبه». وتضيف: «بالنسبة للمرأة تحديداً، فإن العالم العربي يقلّل من شأنها ومن قدراتها. حتى مناصبها السياسة هي شكلية فقط، ولا يستطيعون مزج المرأة الحسنة المظهر مع الموهبة، وكأن على كل امرأة ناجحة أو موهوبة أن تكون رثة المظهر. في لندن المرأة المجتهدة قبيحة كانت أم جميلة تصل إلى أحلامها. مدينة تقدّر الكفاءات تشجعها وتعتني بها».
هنا في هذه المدينة تعلّمت أن الإنسان له حقوق فعلية مثل تلك التي قرأت عنها مشتاوي في الكتب حين كانت في بيروت.
يشار إلى أن مريم مشتاوي تشارك في صالون ثقافي شهري، ولها نشاطات ثقافية خيرية. فالصالون الثقافي هو تجمع شهري لمثقفين وكتاب وشعراء عرب وأجانب من محبي الثقافة العربية، ينظم فعاليات ثقافية متنوعة تهدف إلى مد الجسور بين الثقافتين العربية والبريطانية، وتقديم صورة مشرقة عن الثقافة العربية في زمن شاعت مفاهيم خاطئة عن العرب في بلدان الغرب. لحد الآن احتفى الصالون بقامات عربية كبيرة مثل جبران خليل جبران ونزار قباني وغيرهما، كما أحيا ذكرى تفجير شارع المتنبي.
أسست مريم الصالون الثقافي بعد موت ابنها الصغير لدعم الجمعيات التي تعنى بمرض سرطان الأطفال.
بدأت في لندن ثم توسعت النشاطات إلى بلدان عربية أخرى، فنظّمت أمسيتين ثقافيتين لصالح مركز سرطان الأطفال في بيروت أما في تونس فكان لها أمسية شعرية لصالح مستشفى عزيزة عثمانة.
ختمت مريم حديثها بعبارات رائعة تنبع من القلب: «كما يقال، الحياة قصيرة، وهي أخذ وعطاء، ومتى أصبحت أخذاً بلا عطاء خرجت عن كونها حياة. نحن نأخذ يومياً أشياء جميلة نتمتّع بها، فلا ضرر بأن نعطي القليل. والمحبة ترفعنا إلى أعلى مراتب الفرح... مساعدة طفل مريض هي أعظم آية في الحياة».



الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

«صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة
«صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة
TT

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

«صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة
«صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

تعود أحداث فيلم «صيفي»، الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات، حيث يأخذ المشاهد في رحلة درامية مشوقة تسلط الضوء على طموح الثراء السريع والتحديات التي تواجهها المجتمعات في تلك الحقبة.

الفيلم، المرشح لجائزة مسابقة الأفلام الطويلة، يحكي قصة رجل أربعيني يُدعى صيفي محمد، الذي يعيش وهم تحقيق ثراء سريع باستخدام مهاراته المحدودة، إلا أنه يجد نفسه محصوراً بين فرقته الشعبية التي تُحيي الأفراح الجماعية، وإدارة متجره الخاص «شريط الكون» الذي يبيع فيه أشرطة كاسيت متنوعة، لا سيما تلك التي تتعلق بالخطب الإسلامية الممنوعة، التي يحصل عليها من المهدي حسام الحارثي، المستشار الديني لرجل الأعمال الشيخ أسعد أمان.

وفي خضم حياة مليئة بالتجارب الفاشلة، يعثر صيفي على شريط يحتوي على تسجيل سري بين الشيخ أسعد والمهدي، يكشف عن فضيحة تضع مكانة الشيخ الاجتماعية على المحك، بعدها يقرر صيفي خوض مغامرة خطيرة لابتزاز المهدي مالياً، مستغلاً سراً يمكن أن يُدمّر حياة الجميع. ومع تسارع الأحداث يضطر صيفي للاختباء في منزل طليقته رابعة، التي تشارك في جلسات تطوير الذات واستشفاء الطاقة، إلى جانب أختها رابية، حينها يجد في علاقتهما المضطربة فرصة للبقاء عندها أطول فترة ممكنة.

مخرج الفيلم وكاتب السيناريو، وائل أبو منصور، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن فكرة الفيلم جاءت من شخصية صيفي التي كانت مثيرة بالنسبة لي، فهو شخص يعيش وهم النجاح ولكنه لا يمتلك الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك، وهذا التناقض جذبني لشخصيته، وحاولت أن أقدم شخصية معقدة ترسخ في ذاكرة المشاهد.

وأوضح أبو منصور أن الفيلم يناقش قضايا حساسة مثل الابتزاز والفساد الديني، وهي مواضيع قد تثير الكثير من الجدل، وأضاف: «كان التحدي الأكبر بالنسبة لنا هو الحفاظ على التوازن في طرح هذه القضايا دون الإساءة للمعتقدات أو المجتمع أو الأجيال المختلفة، في المقام الأول، لقد كان من الضروري أن نكون حذرين في تقديم هذه المواضيع، بحيث لا نوجه اتهامات مباشرة أو نظهرها بطريقة يمكن أن تضر بالمجتمع أو تؤذي مشاعر الناس».

وتابع مخرج العمل: «حاولنا أن نعرض هذه القضايا من خلال السياق الدرامي الذي يثير التساؤلات ولا يقدم إجابات قاطعة، بل يحفز المشاهد على التفكير والنقد بشكل مفتوح، كانت هناك حاجة لإيجاد طريقة لتقديم هذه المواضيع بشكل واقعي، مع الحفاظ على احترام الأبعاد الاجتماعية والدينية. لكن الأهم من ذلك هو إيجاد الأسلوب الذي يعكس التعقيد البشري لهذه المواضيع، بدلاً من أن نقدمها بشكل سطحّي أو مسيء».

وفي ختام حديثه يقول أبو منصور إنه حرص على أن يكون «صيفي» متوازناً بين إظهار الحقيقة التي قد تحيط بهذه القضايا، والتأكيد على أن هذا لا يعكس المجتمع ككل، بل يعكس جزءاً من واقعه المعقد، وكان الهدف فتح حوار بنّاء بين الأفراد والمجتمع حول هذه القضايا، بدلاً من استغلالها لأغراض إثارة الجدل أو الهجوم.

تجدر الإشارة إلى أن الفيلم الذي تم تصويره في مدينة جدة الساحلية مطلع عام 2023، واستغرق العمل عليه 28 يوماً، روعي فيه اختيار مواقع تصوير تعكس تلك الحقبة الزمنية لتجنب إرباك المشاهد؛ حيث تم اختيار أحياء ومواقع قديمة من المدينة، ومنها حي الرويس وحي البغدادية العتيقة لتكون ساحات لتصوير مشاهد الفيلم».