الرئيس التنفيذي لـ«بلومبيرغ»: شراكتنا مع «الأبحاث والتسويق» ستنتج كياناً رائداً

إطلاق قناة «بلومبيرغ العربية» وإذاعة وبوابة رقمية وسلسلة مؤتمرات بموجب الاتفاق بين المجموعتين

سميث خلال الحوار مع («الشرق الأوسط»)
سميث خلال الحوار مع («الشرق الأوسط»)
TT

الرئيس التنفيذي لـ«بلومبيرغ»: شراكتنا مع «الأبحاث والتسويق» ستنتج كياناً رائداً

سميث خلال الحوار مع («الشرق الأوسط»)
سميث خلال الحوار مع («الشرق الأوسط»)

عندما تتشارك أكبر شركة للنشر والأبحاث والتسويق في منطقة الشرق الأوسط مع أكبر شركة في مجال المعلومات وأخبار المال والأعمال في العالم، فإن النتائج لن تكون أقل من نقلة نوعية تفتح آفاقاً غير مسبوقة على مستويات الصحافة والإعلام والتكنولوجيا والأعمال والاستثمار وتطبيقات المستقبل والذكاء الصناعي.
قبل أيام، شهدت مدينة نيويورك مراسم توقيع اتفاقية شراكة طويلة الأجل بين «المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق»، إحدى أكبر مجموعات النشر الإعلامية في المنطقة، وشركة «بلومبيرغ إل بي» العالمية الرائدة للخدمات الإخبارية والإعلامية والمعلومات المالية. لتعلن الشركتان عن إطلاق تلفزيون «بلومبيرغ العربية» كمنصة جديدة لتقديم أخبار الأعمال التجارية والمالية باللغة العربية للأسواق الخليجية والعربية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبموجب هذه الاتفاقية، ستطلق «المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق»، وهي الشركة الناشرة لمطبوعات «الشرق الأوسط» و«عرب نيوز» و«الاقتصادية» وغيرها، شبكة تلفزيون وإذاعة على مدار الساعة، إضافة إلى بوابة رقمية متكاملة خاصة، ونشر مجلة «Bloomberg Businessweek» باللغة العربية، وإطلاق سلسلة جديدة من المؤتمرات والفعاليات المتخصصة.
ويهدف إطلاق تلفزيون «بلومبيرغ العربية» إلى توفير الأخبار والتحليلات الاقتصادية والمالية المتعلقة بعالم المال والأعمال والشركات والأسواق في منطقة الشرق الأوسط والأسواق العالمية كافة للجمهور الناطق باللغة العربية في جميع أنحاء العالم ليتمكن صناع القرار الاقتصادي والمعنيون بأسواق المال والأعمال من متابعة الأنشطة المالية والاستثمارية كافة وهم يتخذون القرارات المهمة المتعلقة بأعمالهم.
وشهد مقر شركة «بلومبيرغ» في وسط مانهاتن بنيويورك مراسم توقيع الاتفاقية بين الرئيس التنفيذي لمجموعة «بلومبيرغ» الإعلامية جاستن ب. سميث والعضو المنتدب الرئيس التنفيذي لـ«المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق» الدكتور غسان الشبل. والتقت «الشرق الأوسط» سميث في أعقاب توقيع الاتفاقية، وكان هذا الحوار الذي شرح من خلاله المنتجات الجديدة التي ستخرج عن هذه الشراكة وتأثيرها على صناعة الإعلام والنشر في المنطقة العربية.
> في البداية، كيف ترى هذه الشراكة بين «بلومبيرغ» و«المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق» وما هي المنتجات التي سيتم إطلاقها من خلالها؟
- شركة «بلومبيرغ» تعد أكبر شركة في مجال المعلومات وأخبار المال والأعمال في العالم، ولدينا منصات إخبارية ووسائط إعلامية عالمية تركز على توفير البيانات والأخبار والتحليلات لصانعي القرارات الاقتصادية من خلال تقنيات مبتكرة تشمل خمس منصات إعلامية هي شبكة تلفزيون وإذاعة عالمية وخدمات رقمية ومطبوعات وخدمات المؤتمرات والمناسبات، إضافة إلى منصة سادسة سنقوم بإطلاقها خلال ثلاثة أشهر لبث الأخبار الاقتصادية على مدار الساعة بالمشاركة مع موقع «تويتر».
ولشركة «بلومبيرغ» تواجد عالمي قوي وتبث بعض الأخبار باللغات المحلية لبعض الأسواق، لكن حتى اليوم لم تكن لدينا شراكة عميقة ومميزة أو استثمار باللغة العربية في منطقة الشرق الأوسط وأدركنا أنه إذا قمنا بإدارة بعض الوسائط والمنصات الإعلامية باللغة الإنجليزية في منطقة الشرق الأوسط، فإن المردود سيكون محدوداً، لذا كان التفكير في التوجه إلى أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي أسواق ديناميكية تنمو بشكل هائل، باللغة العربية ومن خلال التعاقد مع شركة كبيرة تتمتع بتواجد قوي محلياً وإقليمياً ولها إصداراتها ومنصاتها الرقمية المنتشرة في العالم العربي.
هذه الشراكة تعد اتحاداً وتضافراً بين قوتين، أي بين ما لدى «بلومبيرغ» من خبرة ومهارات وقدرات تتعلق بالصحافة الاقتصادية والمالية و«المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق» بما تملكه من خبرة في إقليم الشرق الأوسط واللغة العربية. وهدفنا هو خلق شركة رائدة للصحافة الاقتصادية باللغة العربية عبر وسائط إعلامية عدة لخدمة صانعي القرار الاقتصادي والمالي ورجال الأعمال.
والمنتجات التي ستنطلق من خلال هذه الشراكة ستكون منصات إعلامية متعددة، منها قناة تلفزيون هي «بلومبيرغ العربية» التي تبث على مدار الساعة وخدمة الإذاعة، وبوابة رقمية متكاملة تبث فيديوهات باللغة العربية، وسيتم نشر مجلة «بلومبيرغ بيزينس ويك» باللغة العربية، إضافة إلى إطلاق سلسلة جديدة من المؤتمرات والفعاليات.
> مع هذه الخطط الطموحة لـ«بلومبيرغ» للتوسع بمنتجاتها باللغة العربية في منطقة الشرق الأوسط. كيف ترى تأثير هذه الشراكة على المنطقة؟
- الشراكة بين «بلومبيرغ» و«المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق» تعني اتحاد وتضافر قوتنا معاً، أي ما تملكه «بلومبيرغ» من قدرات عميقة في صناعة الوسائل الإعلامية الاقتصادية وما تملكه «المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق» من قوة تواجد محلي وإقليمي وعالمي وخبرة في العمل في السوق السعودية والخليجية والعربية بصفة عامة ومنصاتها الإعلامية المتعددة. وهذا التضافر والاتحاد في القوتين سيؤدي إلى خلق مشهد إعلامي جديد وتدفق في المعلومات والأخبار الصحافية والمحتوى الإعلامي الهائل الذي يمكن أن يكون قوة فاعلة في التنمية ودفع النمو الاقتصادي لأن أي نموذج لنجاح اقتصادي يكون دائماً وراءه محتوى جيد.
وهناك جانب كبير من المحتوى الإعلامي الاقتصادي لما تنشره «بلومبيرغ» ستتم ترجمته من الإنجليزية إلى العربية والبعض الآخر سيكون من داخل السوق السعودية والخليجية والعربية، ولدينا في «بلومبيرغ» طاقم محررين يتكون من 2700 صحافي ومحلل مالي واقتصادي موزعين عبر كل دول العالم ويقودون أكبر عمليات تحرير صحافي في العالم، وينتجون آلاف القصص الصحافية عن الاقتصاد العالمي بما يقدر بخمسة آلاف قصة خبرية اقتصادية في اليوم الواحد. وسيكون التعامل مع «المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق» عبر مستويين هما ترجمة المحتوى الخاص بـ«بلومبيرغ» وإضافة محتوى محلي وخليجي وعربي، وسيعمل المحررون على تحديد أفضل محتوى اقتصادي إعلامي للأسواق.
والمستثمر سواء في منطقة الشرق الأوسط أو في السوق الأوروبية أو الأميركية يرغب في معرفة الكثير من التفاصيل والأخبار الاقتصادية بشكل فوري، ويريد التفاصيل، وليس فقط الرؤية العامة. لذلك أتوقع لهذه الشراكة والمنتجات الإعلامية تأثير ضخم.
> «بلومبيرغ» رائدة في المحتوى المتخصص المالي والتجاري. ماذا يمكن أن تقدمه هذه الشراكة في وقت تسعى فيه المملكة العربية السعودية إلى تنويع اقتصادها، وجذب استثمارات أجنبية؟
- كلما زادت التغطية الإخبارية للأحداث الاقتصادية وأخبار السوق والأعمال، زاد اهتمام المستثمرين. وهناك بالفعل مستثمرون في الولايات المتحدة مهتمون بشكل خاص بالسوق السعودية ونتوقع أن يتزايد الاهتمام بتزايد نشر المعلومات والأخبار، فأكثر ما يرغب المستثمرون في معرفته والحصول عليه هو المعلومة. و«بلومبيرغ» لديها معلومات مالية واقتصادية أكثر من أي شركة على وجه الأرض وتوفرها عبر منصات متعددة وهذه هي القوة التي تحققها الشراكة الجديدة مع «المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق».
> هل لدى «بلومبيرغ» شراكات مثيلة مع شركات أخرى بلغات أخرى؟
- لدينا شراكات لكنها تركز على منصة إعلامية واحدة، أو سوق واحدة فقط، وليس أسواق إقليمية وهذا ما يجعل شراكتنا مع «المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق» شراكة مميزة لأنها تركز على إقليم الشرق الأوسط بأكمله. والطموحات الكبيرة لدى الشركتين في استغلال إمكاناتهما بأقصى فاعلية أيضاً تجعل هذه الشراكة مميزة، وقد أقمنا شراكة لتكون طويلة المدى وقوية للغاية وسنعمل معاً لتقديم منتجات سيكون لها تأثير كبير وفاعلية كبيرة.
> مع هيمنة وسائط الإعلام الاجتماعي وتزايد انتشار الخبر عبر وسائط جديدة متنوعة، كيف تقود «بلومبيرغ» وشراكتها الجديدة مع «المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق» صناعة الإعلام، وبصفة خاصة الإعلام الاقتصادي؟
- بالفعل الأمور تتغير، والمنتجات ووسائط الإعلام والأفكار الجديدة تتزايد، لكن الأمر الوحيد الثابت هو الرغبة في المعرفة لدى المتلقي، فإذا كنا نقدم منتجاً يريده الناس فستكون هناك دائماً وسيلة لإيصاله. صناعة الإعلام تتطور وتتقدم وتشهد تغييرات كثيرة لكنها المنتج في النهاية ثابت ووسائل تقديمه تتنوع.
و«بلومبيرغ» لديها ثقافة وتراث وتعد رائدة في تكنولوجيا الهندسة والميديا الرقمية ويعمل بها أربعة آلاف مهندس وتقدم نماذج إعلامية قوية تعتمد على مزج قطاع الأعمال والصناعة المالية والميديا وتركز على زيادة الاشتراكات. ونحن محظوظون أن لدينا التاريخ والتراث والنهج الفكري والنموذج الابتكاري لتقديم أفكار ونماذج متنوعة، ومنها ما سنطلقه بعد ثلاثة أشهر من بث فيديوهات اقتصادية عبر منصة «تويتر». ويوجد 150 مليون مشترك في «تويتر»، ما يجعل المشروع أكبر شركة إعلامية من حيث عدد المشتركين، أكبر من شبكة «سي إن إن»، وصحيفة مثل «نيويورك تايمز».
وعدد المستخدمين لـ«تويتر» في المملكة العربية السعودية ضخم للغاية وهناك أسواق عربية وخليجية عدة، ومنها السوق السعودية، تعتمد على «تويتر» في النقاشات. والمشكلة أن «تويتر» رغم سرعته العالية في نشر الأخبار العاجلة، إلا أن هناك أموراً تتعلق بدقة الخبر وصحته لأن المحتوى لم يتم تحريره من قبل صحافيين متخصصين. والفكرة التي تقوم «بلومبيرغ» بتطويرها هي أخذ مزايا «تويتر» في السرعة مع استغلال ما تملكه من مهارات صحافية بحيث يكون الخبر عاجلاً وأيضاً دقيقاً. وإذا نجحنا في هذا الإصدار الجديد مع «تويتر»، فإننا سندرجه في شراكتنا مع «المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق».
> ومع هذا التسارع في وسائل الإعلام والمنصات الإعلامية المتنوعة كيف ترى المستقبل خلال السنوات العشر المقبلة؟
- أي شخص يدعي أنه يمكن أن يعرف المستقبل القريب، لا يقول الحقيقة لكن بإمكاننا التكهن والتخمين بناء على بعض الأمور الأساسية فالهواتف الذكية أصبحت تسيطر وتهيمن على عالم الاستهلاك الإعلامي وهناك تزايد وتوسع في استخدامها، وهذا الاتجاه سيتزايد لذا يمكننا أن نتوقع تزايد التعامل عبر وسائط الإعلام الاجتماعي التي ستطور نفسها لتكون أكثر ذكاء وأكثر فاعلية وتفاعلاً مع تطبيقات تستخدم الواقع الافتراضي وتتمتع بمستويات عالية من الذكاء الصناعي.


مقالات ذات صلة

الإعلام الأميركي يستعد لـ«الجولة» الثانية من «النزال» مع ترمب

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

الإعلام الأميركي يستعد لـ«الجولة» الثانية من «النزال» مع ترمب

سيتوجّب على الإعلام الأميركي التعامل مجدّداً مع رئيس خارج عن المألوف ومثير للانقسام ساهم في توسيع جمهور الوسائل الإخبارية... وفي تنامي التهديدات لحرّية الإعلام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية عام 2024 (أرشيفية)

360 صحافياً مسجونون في العالم... والصين وإسرائيل في صدارة القائمة السوداء

أعلنت لجنة حماية الصحافيين، الخميس، أنّ عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية 2024، حيث احتلّت إسرائيل المرتبة الثانية في سجن الصحافيين، بعد الصين.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق شعار المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تنال حقوق تسويق برنامج «تحدي المشي للمدارس»

أعلنت «المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام» عن شراكة استراتيجية تحصل من خلالها على حقوق حصرية لتسويق برامج تهدف لتحسين جودة الحياة للطلبة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا من تظاهرة سابقة نظمها إعلاميون احتجاجاً على ما عدوه «تضييقاً على الحريات» (أ.ف.ب)

تونس: نقابة الصحافيين تندد بمحاكمة 3 إعلاميين في يوم واحد

نددت نقابة الصحافيين التونسيين، الجمعة، بمحاكمة 3 صحافيين في يوم واحد، بحادثة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.

«الشرق الأوسط» (تونس)
إعلام الدليل يحدد متطلبات ومسؤوليات ومهام جميع المهن الإعلامية (واس)

السعودية: تطوير حوكمة الإعلام بدليل شامل للمهن

أطلقت «هيئة تنظيم الإعلام» السعودية «دليل المهن الإعلامية» الذي تهدف من خلاله إلى تطوير حوكمة القطاع، والارتقاء به لمستويات جديدة من الجودة والمهنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.