غيرت «بيربري» مكان عرضها يوم السبت الماضي من «مايكر هاوس» إلى «أولد سيشن هاوس». فالأيام التي كانت تقيم فيها عروضها في قاعة زجاجية ضخمة تنصبها مؤقتا في هايد بارك ولت، وحلت معها رغبة في البحث عن أماكن أثرية قديمة تنسج فيها قصصا موصولة بماضيها العريق. جاءت هذا التغيير أيضا من باب اهتماماتها الفنية. في الموسم الماضي، نظمت في «مايكرز هاوس» معرضا فنيا استمر أسبوعا واحدا واستقطب ما لا يقل عن 30.000 زائر. في مقرها الجديد نظمت أيضا معرضا فوتوغرافيا بعنوان «ها نحن هنا» «Here We Are» سيستمر لأسبوعين.
المعرض الحالي من تنظيم وإشراف مصممها الفني كريستوفر بايلي والمصور ألاسدير ماكليلان والكاتبة لوسي مور. الهدف منه هو الاحتفال بفن التصوير الفوتوغرافي في بريطانيا، مع التركيز على جوانب مهمة من الشخصية البريطانية والثقافة الشعبية في بريطانيا ككل من خلال مائتي عمل لأكثر من 30 مصورا، نذكر منهم ديفيد جونز، بيل برانت، براين غريفين، شيرلي بايكر جاين باون وغيرهم. وصرح المصمم قبل العرض عن سعادته بهذا المعرض «لأن تجميع أعمال مصورين أثروا علي كان متعة لا توصف بالنسبة لي. كل واحد منهم يقدم لنا بأسلوبه الخاص ورؤيته الفنية صورة عن الحياة في بريطانيا، بكل ألوانها وأشكالها، مثل صور «لبورتوبيلا ماركت»في الستينات وأخرى للاعبي كرة القدم. بعضها يتميز بالفكاهة أو السخرية وبعضها بالرومانسية أو الواقعية... وهذا ما حدد تشكيلة الأزياء الحالية».
من هذا المنظور شهد الموسم تعاونا مباشرا مع المصمم والمصور الروسي الشاب غوشا روبشينسكي. ويعود سبب هذا التعاون إلى أن غوشا من أهم المصممين المؤثرين على ثقافة الشارع حاليا. أثار انتباه أدريان جوف، رئيس ماركة «كوم دي غارسون» والرجل وراء تأسيس «دوفر ستريت ماركت» أول مرة في عام 2012. ومنذ ذلك الحين والمصمم الشاب يحظى بمكانة مميزة في عالم الموضة، كونه يخاطب شريحة يرغب الكل في الوصول إليها والحصول على رضاها. تأثيره على ثقافة الشارع لا يظهر فقط في تصاميمه بل أيضا في صوره التي تجسد هذه الثقافة. ويُرجع البعض الفضل في انتعاش موضة التصاميم المستوحاة من الرياضة إليه، خصوصا بعد تعاونه مع شركات مثل «كابا» و«فيلا» و«أديداس».
اختيار دار «بيربري» البريطانية العريقة له لكي يُترجم رموزها وكلاسيكياتها من وجهة نظره الشبابية كان في محله. فالنتيجة التي يمكن معاينتها في المعرض تؤكد أنه وقع في حب النقشات المربعة التي تجاهلتها الدار لنحو 15 عاما لارتباطها بحقبة تريد أن تنساها أو تتناساها. حقبة شهدت ارتباطها بمشاغبي كرة القدم والطبقات العاملة وحقائب اليد والقبعات المقلدة بشكل رخيص. غني عن القول إن كل هذا كان لها تأثير سلبي أفقدها تميزها وخصوصيتها. عندما التحق بها المصمم الفني كريستوفر بايلي حاول بكل ما أوتي من إبداع وخيال أن يُخلصها من هذه السمعة وارتباطها بهذه الطبقات التي رخصتها والارتقاء بها لكسب ود الطبقات الأرستقراطية والمخملية من جديد. ونجح في ذلك إلى حد كبير. لكننا الآن نعيش حركة ثقافية جديدة يتزعمها الشباب، ما يستدعي استراتيجية تتماشى مع روح العصر وإيقاعاته التي ترقص على نغمات البوب والهيب هوب. ثم إن الدار أصبحت مطمئنة على سُمعتها ولم تعد تخاف عليها من أي تأثيرات جانبية، لهذا كل ما كان مرتبطا بمشاغبي كرة القدم وحديثي النعمة أعاده لنا كريستوفر بايلي في عرضه الأخير وكأنه يتحدانا به. ظهرت مثلا النقشات المربعة التي كانت لصيقة بالدار في تلك الفترة في المعطف الواقي من المطر الذي جاء هذه المرة بنقشات مربعة ظهرت في قطع منفصلة أخرى كثيرة رغم أنه جافى هذه النقشات لسنوات طويلة مستعيضا عنها بأقمشة مترفة مثل الدانتيل والبروكار والكشمير والفرو. اللافت للنظر هذه المرة، أنه رغم مظاهرات المناهضين لاستعمال الفرو الذين خلقوا بلبلة خارج مكان العرض، لم يُقدم أي قطعة مصنوعة منه، بل كانت الخامة الغالبة هي البلاستيك المعالج لصد الماء، والذي جاء في معاطف وقمصان وغيرها.
> غوشا روبشينسكي جزء مهم من معرض «ها نحن هنا» الذي تُعرض فيه أعمال 30 من المصورين الفوتوغرافيين الذين التقطوا التغيرات الاجتماعية في بريطانيا على مدى مائة عام. فقد تعاون مع الدار التي خصصت له غرفتين في المعرض، يظهر فيها تلاعبه على كلاسيكياتها ورموزها القديمة، وتحديدا النقشات المربعة، التي صورها بأسلوب يعكس نظرته الفنية والشبابية. استعان فيها بمجموعة من المراهقين تشعر فجأة بأنهم فهموا إرث الدار وجعلوه ملكا لهم. فحتى أكثر القطع إغراقا في الكلاسيكية مثل المعطف الواقي من المطر بلونه البيج وتبطينه المنقوش بالمربعات اكتسب عصرية وحداثة. وهكذا جعل غوشا ما كان لصيقا بطبقة أرستقراطية إلى أسلوب مناسب لكل الأجيال. الطريف في هذه الصور أن غوشا صورها في ملاعب كرة قدم. قد تكون مجرد صدفة لكنها تُذكرنا أن الدار ظلت لـ15 تتحاشى بكل ما يربطها بهذه الملاعب ومشاغبيها. لكن الزمن تغير بالإضافة إلى أن غوشا روبشينسكي حقق الهدف بلقطات قوية من شأنها أن تفتح عيون شباب العالم على أناقتها، سواء تعلق الأمر بقطع الأزياء أو قبعات البايزبول.
وصرح المصمم الشاب أنه لم يكن ممكنا بالنسبة له عدم التطرق لكرة القدم. فعدا أنه يميل إلى كل ما هو رياضي، تُعتبر كرة القدم جزء لا يتجزأ من الثقافة البريطانية. فالبريطانيون كانوا أول من قدم الروس إلى هذه اللعبة في القرن الـ19. كما كانوا أول من لعبوا مباراة في سانت بيتسبورغ