«الحمام الكذاب» يغازل «الحمام المحشي»... بتكلفة أقل

وصفات «تقليد» على خلفية الوضع الاقتصادي في مصر

استخدام لحم مختلف في وصفات تقليدية بتكلفة منخفضة (إنستغرام)
استخدام لحم مختلف في وصفات تقليدية بتكلفة منخفضة (إنستغرام)
TT

«الحمام الكذاب» يغازل «الحمام المحشي»... بتكلفة أقل

استخدام لحم مختلف في وصفات تقليدية بتكلفة منخفضة (إنستغرام)
استخدام لحم مختلف في وصفات تقليدية بتكلفة منخفضة (إنستغرام)

أثناء رحلة منى، المواطنة المصرية، على «الإنترنت» بحثاً عن وصفة مبتكرة تجذب أسرتها، صادفتها وصفة «الحمام الكذاب». كما يبدو من اسمها هي حيلة مصرية لتقديم طبق يشبه «الحمام المحشي» لكن بتكلفة أقل.

ليس الحمام فحسب، وإنما وصفات الاسكالوب والكفتة حتى الجمبري يمكن إعادة تقديمها بمكونات بديلة قد لا تحتوي على البروتين من الأساس. اتجاه ذاع صيته يستهدف تقديم وصفات «مُقلدة» تحاكي الوصفات الأصيلة، على خلفية الأزمة الاقتصادية في مصر والعالم.

تقول السيدة الأربعينية، وهي أُم لخمسة أطفال، تعيش في محافظة بني سويف (جنوب القاهرة)، إن الحمام «الكاذب» كان ملاذها لإرضاء أفراد أسرتها بعدما بات طبق اللحوم معضلة بسبب ضيق ذات اليد، وتروي لـ«الشرق الأوسط»: «السر في الوصفة وليس في لحم الطائر نفسه، سواء كان حماماً أو دجاجاً، فمن خلال تجربتي، أوراك الدجاج تفي بالغرض وتمتعنا بمذاق طيب يشبه الحمام، وإن كان لا يطابقه».

تحويل أوراك الدجاج إلى حمام «محشي» يستغرق وقتاً ومجهوداً، تقول منى: «المهمة تبدأ بالتنظيف الجيد للأوراك من خلال إضافة الملح والليمون، ثم تأتي مهمة التوابل بتوليفتها المصرية، وتتضمن رشة جوزة الطيب وتوابل مشكّلة مع الفلفل الأسود والملح وبعض الأسرار التي تختلف من طاهٍ إلى آخر، ثم تُضاف إلى الأوراك وتُترك بعض الوقت ليتوغل المذاق داخل ألياف الدجاج لعله يعطي مذاق الحمام». كذلك يُجهَّز الأرز بالبصل مع التوابل والسمن البلدي المصري ليتجهز لمهمة حشوة الأوراك التي تتحول إلى حمام بمجرد لفها بطريقة محكمة حول الأرز باستخدام «الخلّة الخشبية» وورق الألمنيوم.

استخدام لحم مختلف في وصفات تقليدية بتكلفة منخفضة (إنستغرام)

بيد أن محاكاة الوصفات الأصيلة حقق ولو جزءاً من غرضه، والدليل رواج الفكرة لتشمل وصفات أخرى. تقول نعمة، ربة منزل خمسينية تعيش في حي عين شمس بالقاهرة، إن الوصفات «الكاذبة» هي كاذبة بالفعل لا تمنح المذاق العميق للوصفة، لكنها تلجأ إليها بغرض التجديد والتوفير، وعن تجربتها تقول لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة وصفات متعددة ظهرت لتحاكي الأطباق الأصلية، مثل الاسكالوب الذي يتراوح سعره بين 350 و400 جنيه مصري (الدولار يعادل 30.9 جنيه) للكيلوغرام، لذلك اتجهت إلى طريقة بديلة تتمثل في استبدال قطع اللحم المتماسكة ذات السُّمك الرفيع باللحم المفري، مع إضافة نفس التوابل وماء البصل للوصول إلى المذاق».

وتردف: «المجهود أكثر وأصعب والنتيجة غير مضمونة لأنها تتطلب طاهية ماهرة تتمكن من تحويل اللحم المفري المتناثر إلى قطعة متماسكة بإضافة البيض وفتات البقسماط».

وصفات متداولة على حسابات الطهي (إنستغرام)

حتى الجمبري لم يسلم من الوصفات «الكاذبة»، تقول نعمة: «الجمبري أكلة ترغب فيها عائلتي، غير أن الأكلات البحرية بشكل عام شهدت طفرة في الأسعار، لذلك بحثت عن طريقة (بديل الجمبري) والمفاجأة كانت أن هناك طريقتين، كلتاهما تعتمد على (الميزانية)».

حسب السيدة الخمسينية، إذا كان الحال ميسوراً تستبدل شرائح الدجاج المقلي بالجمبري، أما إذا كانت بحاجة لوصفة أقل في التكلفة فإنها البطاطس التي تتلون بأشكال وألوان ومذاقات وتفي بالغرض.

«في كلتا الحالتين تعتمد الوصفة على الليمون والكمون والكزبرة الجافة مع الثوم المفري وقليل من المستردة، تضاف إما إلى شرائح الدجاج المخلي المقطع بحجم الجمبري أوإلى بطاطس مسلوقة ومهروسة ثم يتم تشكيلها بحجم الجمبري، والطبقة الخارجية تتكون من الدقيق وقليل من نشاء الذرة وتُقلى في الزيت الساخن وتُقدم مع طبق الطحينة».

حمام محشي بالطريقة الأصلية (من حساب دينا حمدي)

«ترند» الوصفات «الكاذبة» تصدر محركات البحث، حتى وصل الأمر إلى تقديم «بديل اللحم» من الطحين والماء وقليل من الزيت، وصفة ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بعدما نشرتها طاهية مصرية تُدعى رشا عبر صفحاتها على مواقع التواصل، وتدّعي أن وصفتها تحاكي اللحم الأحمر في المذاق لا القيمة، غير أن الوصفة أثارت كثيراً من الجدل لا سيما أن المكونات بعيدة عن مذاق اللحم.

تقول الطاهية المصرية دينا حمدي، صاحبة مبادرة «الحد من إهدار الطعام» إن الوصفات الكاذبة ليست اتجاهاً مستحدثاً نتاج أزمة، بينما هي سبيل لازم للمطبخ المصري على مر العصور، وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «رواج محتوى الأكل على مواقع التواصل الاجتماعي أسهم في انتشارها بالتزامن مع ارتفاع الأسعار، غير أنها في بعض الوصفات ربما لا تحقق التوفير كما هو متوقع، لأنها تعتمد على مكونات أكثر ووقت أطول».

وصفات مبتكرة بمنتجات مغايرة (إنستغرام)

بدلاً من الوصفات «الكاذبة» تنصح الشيف دينا، بالعودة إلى أصول المطبخ المصري، الزاخر بالوصفات الصحية بتكاليف محدودة: «لدينا الوصفات النباتية مثل الفول، والعدس، والفلافل، والباذنجان، وغيرها من الوصفات التي طالها الغلاء لكن تبقى خياراً مناسباً لا يقارَن باللحوم». «المطبخ المصري اشتهر بأكلات (قرديحي) وهو مصطلح يشير إلى تقديم سفرة من دون لحوم، ولا مانع الآن من الاستعانة بهذه القائمة».

الوصفات المُقلدة تعتمد على توليفة من التوابل لا ترى الطاهية المصرية أنها تضاهي الأكلة الأصلية، وتقول مثلاً: «الدجاج لحم أبيض لا يمكن أن يحاكي مذاق الحمام المعروف بلحمه الداكن المميز، قد تكون محاولة لتقديم بديل من حيث الشكل وليس المذاق».

وعن تجربتها مع الوصفات «الكاذبة» تقول الشيف المصرية: «المرة الوحيدة التي أقدمت فيها على تقديم وصفة مُقلدة لاجتذاب مذاق معين لم تكن في أكلة مصرية ولا بغرض التوفير، حينها قدمت شكلاً من الكيك شبيه في كرات الشوكولاته الذهبية الشهيرة (فيريرو روشيه)، وكانت بغرض الابتكار فحسب.

ابتكار وصفات تقليدية بتكلفة أقل (إنستغرام)

«الحلول الاقتصادية تكمن في العودة إلى الجذور»، هكذا ترى الشيف المصرية، وتدعو إلى «ترشيد الاستهلاك» بدلاً من تغيير أصل الوصفات بدعوى التوفير، وتضيف دينا: «باتت الحاجة ملحّة للحد من إهدار الطعام، وتغيير أنماط الاستهلاك التي تقوم على الرغبة وليس الاحتياج، علينا أن نتسوق بطريقة أكثر رصانة».


مقالات ذات صلة

البطاطا الحلوة... وصفات جديدة لمواجهة برودة الطقس

مذاقات غلاش محشو بالبطاطا الحلوة من الشيف أميرة حسن (الشرق الأوسط)

البطاطا الحلوة... وصفات جديدة لمواجهة برودة الطقس

البطاطا الحلوة بلونها البرتقالي، تُمثِّل إضافةً حقيقيةً لأي وصفة، لا سيما في المناسبات المختلفة. إذ يمكنك الاستمتاع بهذا الطبق في جميع الأوقات

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات برغر دجاج لشيف أحمد إسماعيل (الشرق الأوسط)

كيف تحصل على برغر صحي ولذيذ في المنزل؟

عندما نفكر في الوجبات السريعة، تكون تلك الشريحة اللذيذة من اللحم التي تضمّها قطعتان من الخبز، والممتزجة بالقليل من الخضراوات والصلصات، أول ما يتبادر إلى أذهاننا

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات فطور مصري (إنستغرام)

«ألذ»... أكل بيت مصري في مطعم

ألذ الأطباق هي تلك التي تذكرك بمذاق الأكل المنزلي، فهناك إجماع على أن النَفَس في الطهي بالمنزل يزيد من نكهة الطبق

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات 
شوكولاته مع الفراولة (الشرق الأوسط)

ودّع العام بوصفات مبتكرة للشوكولاته البيضاء

تُعرف الشوكولاته البيضاء بقوامها الحريري الكريمي، ونكهتها الحلوة، وعلى الرغم من أن البعض يُطلِق عليها اسم الشوكولاته «المزيفة»

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات طاولة العيد مزينة بالشموع (إنستغرام)

5 أفكار لأطباق جديدة وسريعة لرأس السنة

تحتار ربّات المنزل ماذا يحضّرن من أطباق بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة؛ فهي مائدة يجب أن تتفوّق بأفكارها وكيفية تقديمها عن بقية أيام السنة.

فيفيان حداد (بيروت)

البطاطا الحلوة... وصفات جديدة لمواجهة برودة الطقس

غلاش محشو بالبطاطا الحلوة من الشيف أميرة حسن (الشرق الأوسط)
غلاش محشو بالبطاطا الحلوة من الشيف أميرة حسن (الشرق الأوسط)
TT

البطاطا الحلوة... وصفات جديدة لمواجهة برودة الطقس

غلاش محشو بالبطاطا الحلوة من الشيف أميرة حسن (الشرق الأوسط)
غلاش محشو بالبطاطا الحلوة من الشيف أميرة حسن (الشرق الأوسط)

البطاطا الحلوة بلونها البرتقالي، تُمثِّل إضافةً حقيقيةً لأي وصفة، لا سيما في الأمسيات الباردة. إذ يمكنك الاستمتاع بهذا الطبق في جميع الأوقات، أو مع الشاي أيضاً من خلال وصفات جديدة مبتكرة.

وسواء كنت تحبها مالحة أم حلوة، فيمكنك طهيها في الفرن، أو على الموقد أو باستخدام جهاز الطهي البطيء، فضلاً عن المقلاة الهوائية.

الشيف المصري سيد إمام، يضع بين يديك طرقاً مبتكرة كي تستمتع بطبق مميز. من بين ذلك ما هو مكون من اللحم المفروم بالكاري والبطاطا الحلوة، ويُقدَّم مع الخبز الدافئ. وتضيف البطاطا لمسةً كلاسيكيةً للفطائر مع الجبن الريكوتا وشراب القيقب.

الشيف المصري علي عبد الحميد (الشرق الأوسط)

ويلفت إمام الانتباه إلى حساء البطاطا الحلوة، وهو «خيار ممتع لفصل الشتاء. ويتكون من شوربة كريمية مصنوعة من البطاطا الحلوة، والجزر، والزنجبيل، وحليب جوز الهند، والتوابل العطرية».

ويقول إمام لـ«الشرق الأوسط»: «تأخذك البطاطا في جولة إلى مطابخ العالم؛ فتستطيع على سبيل المثال تقديمها مع العدس المسلوق على الطريقة الهندية، ومع التوابل الآسيوية في وجبة عائلية مثالية، تدخل عليك الدفء في الطقس البارد».

كما أن «تشات البطاطا الحلوة» هو طعام شعبي في الشوارع الهندية، يجمع ما بين حلاوة البطاطا المشوية ونكهة تشات ماسالا الحامضة، و«النودلز المقرمشة». ويقول: «من خلالها سوف تستكشف طعماً غنياً مليئاً بالمذاقات والقوام المختلف؛ فهي مقبلات نباتية مثالية، أو وجبة خفيفة في المساء».

ويقترح إمام كذلك من المطبخ الآسيوي «كاري البطاطا الحلوة بالحمص». ويوضح: «هو طبق نباتي شهي ولذيذ يجمع بين كريمة البطاطا الحلوة، والحمص والتوابل العطرية، وهو مثالي لعشاء سريع وسهل ونباتي وخالٍ من الغلوتين. يُقدَّم هذا الطبق مع الأرز أو الخبز أو الكينوا؛ للحصول على وجبة كاملة».

البطاطا الحلوة بروليه من شيف آلاء الغنيمي (الشرق الأوسط)

أما البطاطا الحلوة المشوية مع زبدة الفلفل الحار، فهي تضفي لمسةً من مطبخ أميركا الجنوبية على المشويات في أي وليمة أو حفل خاص، كما أن هناك «روستي البطاطا الحلوة»، وهو طبق سويسري عبارة عن فطيرة محلاة بالقرفة.

هناك كثير من النصائح، ولكن تبرز بعض الأشياء الرئيسية التي يجب وضعها في الاعتبار، من بينها «تجنب شراء البطاطا التي تتدلى منها خيوط طويلة؛ فهذه علامة على أنها ليست طازجة، واختر البطاطا الصلبة التي يتراوح حجمها بين الصغير والمتوسط»، بحسب إمام.

خضار مشوي رادتويه من الشيف علي عبد الحميد

والقرفة، بحسب الشيف المصري، تضفي على البطاطا الحلوة نكهةً ورائحةً جميلتين. أما عن العشب المثالي للاستخدام مع البطاطا الحلوة، فهو الزعتر؛ فهو يتمتع بنكهة خفيفة تشبه الليمون.

كما ينصح إمام، في حالة طهي البطاطا، بتقطيعها إلى قطع متساوية؛ فنظراً لأنها تحتوي على سكر أكثر من البطاطا العادية، فإنها تميل إلى الاحتراق بسهولة، أما إذا كنت ترغب في تناولها مقرمشة للغاية فعليك تقطيعها إلى قطع أصغر.

في الشتاء يهتم الطهاة المصريون بتقديم وصفات متنوعة للبطاطا، ومنهم آلاء الغنيمي، التي تُقدِّم بروليه البطاطا الحلوة باللبن والبيض والنشا والفانيليا، بينما تُقدِّم الشيف مروة سامي البطاطا بالبشاميل، والشيف مي أمين تقدِّمها بصوص الشوكولاته أو الكراميل، بينما تقترح الشيف أميرة حسن وصفة الجلاش بحشوة البطاطا الحلوة.

ويُقدِّم الشيف علي عبد الحميد، وصفة الخضراوات رادتويه بالبطاطا الحلوة، ويتم تحضيرها بالفاصوليا الخضراء والكوسا، والإسبراغوس، والروزماري. كما يُقدَّم خبز البطاطا الحلوة بالدقيق والسكر، والسكر والزبدة، إضافة إلى البطاطا الحلوة المحشوة بالعنب وجبن الماعز.

وبالنسبة لعشاق البسكويت، فإنَّ إضافة البطاطا الحلوة إلى العجين ينتج عنها بسكويت لذيذ مع قليل من الحلاوة وكثير من العمق، بحسب عبد الحميد. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «أما عشاق الخبز، فأرشح لهم خبز الذرة والبطاطا الحلوة؛ فهو يجمع ما بين قرمشة الذرة المطحونة، وحلاوة البطاطا، مع وجود طبقة رقيقة في المنتصف، لا يمكن مقاومة مذاقها».