ألوان الإبل تكسو تشكيلة «العنقا» في لندن

أماني بنت بوعلي: العباءة عشقي وجمالها مربوط بخيوط من تاريخي وبيئتي

ألوان الإبل تكسو تشكيلة «العنقا» في لندن
TT

ألوان الإبل تكسو تشكيلة «العنقا» في لندن

ألوان الإبل تكسو تشكيلة «العنقا» في لندن

تبتسم المصممة الكويتية أماني بنت بوعلي، عندما أعبِّر لها عن مدى إعجابي بالطريقة التي لعبت فيها على درجات الألوان، التي استعملتها في تشكيلة مكوَّنة من أكثر 30 عباءة عرضتها، خلال أسبوع لندن الأخير. أسألها عن اختيارها هذه الألوان المتقاربة، وكيف نجحت في تنسيقها بشكل أنيق نالَ إعجاب، حتى من لا تعرف عن العباءة سوى لونها الأسود. تشرح أنها استلهمتها من المنطقة العربية، وتحديداً مِن ألوان إبلها. تتسع ابتسامتها أكثر، عندما ترى الدهشة ترتسم على وجهي، لتشرح لي: «نعم، هذا صحيح... فللإبل سبعة ألوان مختلفة، وليست درجة واحدة وهي (البيج)، كما هو الاعتقاد السائد».

بساطة وأنوثة في أغلب الإطلالات (خاص)

تُسارع بفتح هاتفها الجوال لتستشهد على كلامها بصور إبل تتلوّن بالبني والأسود والأبيض والأحمر، وما هو مائل للأصفر الذهبي. تتابع: «المنطقة العربية غنية بأشياء كثيرة ربما أصبحت من تحصيل حاصل ولا تستوقفنا؛ كونها جزءاً من ثقافتنا وجغرافيتنا الصحراوية. وربما هذا ما يجعل البعض لا يتكلم عن بعض تفاصيلها، ولا يعرف عنها الكثير». يزيد حماسُها وهي تشرح: «ما لا يعرفه البعض أنه كما للإبل عند العرب صفات مختلفة، لها أيضاً ألوان متنوعة، فهناك العفراء؛ وهي بيضاء، والمجاهيم وهي السوداء، والملحاء وتتميز بدرجة أقل قتامة، كما هناك الصفراء، والصهباء وتتميز باللونين الأسود والأصهب، والحمراء نظراً لوبرها الأحمر، والشعلاء وتتميز بتداخل اللونين الأحمر والأشقر فيها، وأخيراً وليس آخراً الشقحاء وتتميز بلون أقل بياضاً من الوضح».

أدخلت هذه القطعة التراثية إلى مناسبات السهرة والمساء (خاص)

بالنسبة لأماني، فإن المنطقة العربية كانت، ولا تزال، منبعاً غنياً للإلهام: «منها أستوحي تفاصيل تظهر في كل قطعة أقدِّمها، مع مراعاة أن تخدم امرأة معاصرة وعصرية».

كونها تخصصت في العباءات، لسنوات طويلة، جعلها مُتمرِّسة فيها، وأيضاً واثقة من قدرتها على اللعب على أساسياتها، من دون أن تسلبها خصوصيتها، جعلها ذلك مثلاً أكثر أنوثة، كما أخرجها من وظيفتها العملية، وأدخلها مناسبات السهرة والمساء بانسيابية تعتمد على الأقمشة التي تنسدل على الجسم.

الأحمر المحروق أيضا كان له مكان مهم في هذه التشكيلة (خاص)

ومثل كثيرات من بنات جيلها، عشقت أماني عالَم التصميم منذ صغرها، لم تَدرسه، لكنها تمرست فيه بالخبرة والممارسة. كانت تشتري القماش من مصروفها لتصمم فساتينها الخاصة. كلما ظهرت بها، كانت تتلقى الإطراء وأسئلة عن مصدرها، الأمر الذي جعلها تُفكر بتأسيس علامة خاصة بها. في عام 2013، استجمعت شجاعتها وبدأت طرح مجموعة من العباءات. «العباءة كانت خياراً مضموناً» وفق قولها: «لأنها كانت، ولا تزال، قطعة أساسية في المجتمعات الشرقية، ليس هذا فحسب، لاحظت أيضاً أن هناك ثغرة في السوق، فيما يخص تصميماتها. كانت تفتقد العصرية والأناقة، فضلاً عن هذا، كان عدد المصمِّمات الكويتيات محدوداً جداً، وكُنّ يتقيدن بأسلوبها الكلاسيكي، ورموزها التراثية في غالب الأحيان، وهو ما لم يكن يمنح المرأة الشابة كثيراً من التنوع». من هذا المنظور «قررت التخصص فيها، عوض تشتيت أفكاري وجهودي في قطع أخرى».

الأسود مستوحاة أيضا استوحي من الإبل وتحديدا من المجاهيم (خاص)

تضيف ضاحكة: «الوضع اختلف الآن، فهناك عدد من المصممات المتميزات، ممن يقدمن أشكالاً رائعة من العباءات. أتابع تطورهن وأفتخر بهن، لكنني أبتعد تماماً عن تقليدهن، فأنا أريد أن تكون لي بصمتي الخاصة في هذا المجال، ونجحت، بالفعل، بعد جهد وكثير من الاجتهاد. فزبوناتي حالياً يتعرفن على هذه البصمة من أول نظرة، كونها تتميز بالخامات المترَفة والناعمة، والقصّات التي تخدمهن وتبرز أنوثتهن، بعيداً عن الابتذال أو إملاءات الموضة العالمية. فرغم أنني مع التطور والانفتاح على ثقافات الغير، لكنني لستُ مع الابتعاد عن جذورنا أو التنصل منها، فكما أنهم يفهمون ثقافتهم جيداً ويعبِّرون عنها بتصميمات تلمس حياتهم بشكل مباشر، كذلك نحن لنا ثقافتنا التي لا يمكن أن يُتقن ترجمتها غيرنا».

لعبت كل درجات البني والبيج لتأتي الصورة في غاية الأنوثة والجمال (خاص)

متابعتها لتطورات الموضة العالمية من باب التعرف على مستجدّاتها، والإلمام بتقنياتها الجديدة، «فجمال ماضينا لا يُستهان به. ما علينا إلا النظر إلى كتب التاريخ العربي، التي تتناول فنون التصميم، والفن عموماً، كم هي رائعة! لو لم تكن كذلك لما كانوا سجلوا أفلاماً وثائقية عن الأزياء قبل أيام الفتوحات وجمال ديكورات القصور وفنون العمارة وغيرها». هذا الماضي والتاريخ، بالنسبة لها، من المصادر التي يمكننا الاستلهام منها، لا تقليدها أو استنساخها؛ ذلك أن لكل زمن مُبدعيه ومتطلباته.

ثقتها في تفصيل العباءة مكنتها من الإبداع فيها (خاص)

 

ثقتها في تفصيل العباءة مكنتها من الإبداع فيها (خاص)cut out

 


مقالات ذات صلة

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

لمسات الموضة جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

في ظل ما تمر به صناعة الترف من تباطؤ وركود مقلق أكدته عدة دراسات وأبحاث، كان لا بد لصناع الموضة من إعادة النظر في استراتيجيات قديمة لم تعد تواكب الأوضاع…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة «موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

الألوان مثل العطور لها تأثيرات نفسية وعاطفية وحسية كثيرة، و«موكا موس» له تأثير حسي دافئ نابع من نعومته وإيحاءاته اللذيذة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)

برنامج هارودز «ذا هايف» يعود إلى الرياض حاضناً المواهب الشابة

جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)
جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)
TT

برنامج هارودز «ذا هايف» يعود إلى الرياض حاضناً المواهب الشابة

جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)
جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)

في ظل ما تمر به صناعة الترف من تباطؤ وركود مقلق أكدته عدة دراسات وأبحاث، كان لا بد لصناع الموضة من إعادة النظر في استراتيجيات قديمة لم تعد تواكب الأوضاع الحالية، وإدخال أخرى تقرأ نبض الشارع وثقافة جيل صاعد يُعوِلون عليه ويريدون كسب ولائه بربط علاقة مستدامة معه.

وهذا تحديداً ما تقوم به بيوت أزياء عالمية حوَلت متاجرها إلى فضاءات ممتعة يمكن للزبون أن يقضي فيها يوماً كاملاً ما بين التسوق وتناول الطعام أو فقط الراحة وتجاذب أطراف الحديث مع الأصدقاء في جو مريح لا يشوبه أي تساؤل.

جانب من الحوارات في النسخة الأولى أظهرت تشبث الشباب السعودي بإرثه وموروثاته (هارودز)

محلات «هارودز» ذهبت إلى أبعد من ذلك. ففي أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2021، أطلقت ما أصبح يُعرف بـ«هارودز هايف». برنامج قائم على حوارات ونقاشات مُلهمة يستهدف احتضان المواهب المحلية الصاعدة ودعمها أينما كانت، وذلك بجمعها مع رواد الترف والمختصين في مجالات إبداعية بشباب صاعد متعطش للمعرفة واختراق العالمية.

كانت التجربة الأولى في شنغهاي، ومنها انتقلت إلى بكين ثم دبي وأخيراً وليس آخراً الرياض.

ففي يناير (كانون الثاني) 2024، وتحت عنوان «الغوص في مفهوم الفخامة»، كانت النسخة الأولى.

الأميرة الجوهرة بنت طلال بن عبد العزيز آل سعود في حوار جانبي مع الحضور (هارودز)

نجحت «هارودز» في إظهار مدى حماس شباب المنطقة لمعرفة المزيد عن مفهوم الفخامة الحصرية وطرق مزجها بثقافتهم وإرثهم. ما كان لافتاً في التجربة السعودية تحديداً تمسك الشباب بالتقاليد والتراث رغم انفتاحهم على العالم.

وهذا ما ترجمته الأميرة الجوهرة بنت طلال بن عبد العزيز آل سعود، سيّدة الأعمال والناشطة في الأعمال الخيرية التي شاركت في النسخة الأولى بقولها: «لم أُرِد يوماً أن أغيّر أي شيء في تقاليدنا، لأنّنا نملك الكثير من الفنون والإبداع. نحن نعتبر تقاليدنا من المسلّمات، لكن العالم توّاق لما هو جديد –وينبذ الرتابة– فقد ملّ من العلامات التجارية نفسها والتصاميم ذاتها».

سارة مايلر مدير تطوير الأعمال الدولية والاتصالات بـ«هارودز» (هارودز)

كان توجه «هارودز هايف» إلى الرياض مسألة بديهية، حسب قول سارة مايلر، مدير تطوير الأعمال الدولية والاتصالات بـ«هارودز» في لقاء خاص، «لقد جاء تماشياً مع رؤية المملكة 2030 والطفرة التي تشهدها حالياً... أردنا من خلال البرنامج التركيز على القدرات الثقافية والإبداعية التي تكتنزها هذه المنطقة لا سيما أن لدينا فيها زبائن مهمين تربطنا بهم علاقة سنين».

محلات «هارودز» مثل غيرها من العلامات الكبيرة، ليست مُغيَبة عن الواقع. هي الأخرى بدأت تلمس التغييرات التي يمر بها العالم وتؤثر على صناعة الترف بشكل مباشر.

من بين الاستراتيجيات التي اتخذها العديد من صناع الموضة والترف، كان التوجه إلى جيل «زي» الذي لم يعد يقبل بأي شيء ويناقش كل شيء. الترف بالنسبة له لم يعد يقتصر على استهلاك أزياء وإكسسوارات موسمية. بل أصبح يميل إلى أسلوب حياة قائم على معايير أخلاقية تراعي مفهوم الاستدامة من بين معايير أخرى. الموضة ترجمت هذه المطالب في منتجات مصنوعة بحرفية عالية، تبقى معه طويلاً، إضافة إلى تجارب ممتعة.

معانقة الاستدامة

متجر «هارودز» مثل غيره من العلامات الكبيرة، أعاد تشكيل تجربة التسوق بأن جعلها أكثر متعة وتنوعاً، كما تعزز الاستدامة والتواصل الثقافي. وهذا تحديداً ما تستهدفه مبادرة «ذا هايف» وفق قول سارة «فهذا النهج ليس منصة للحوارات فحسب، بل يتيح لنا التواصل مع الجمهور بشكل أفضل لكي نتمكن من فهمه ومن ثم تلبية احتياجاته وتوقعاته. كما يسمح لنا ببناء علاقة مستدامة مبنية على الاحترام وفهم احتياجات السوق المحلي. وليس هناك أفضل من الإبداع بكل فنونه قدرة على فتح حوار إنساني وثقافي».

إطلاق النسخة الثانية

قريباً وفي الـ11 من هذا الشهر، ستنطلق في الدرعية بالرياض الدورة الثانية تحت عنوان «إلهام الإبداع من خلال التجربات». عنوان واضح في نيته التركيز على القصص الشخصية والجماعية الملهمة. كل من تابع النقاشات التي شاركت فيها باقة من المؤثرين والمؤثرات في العام الماضي سيُدرك بأن فكرته وُلدت حينها. فالتمسك السعودي بالهوية والإرث لم يضاهه سوى ميل فطري للسرد القصصي.

سمة بوظو أكدت في نسخة 2024 أن فنّ رواية القصص جزء من التركيبة السعودية (هارودز)

أمر أوضحته بسمة بوظو، أحد مؤسّسي الأسبوع السعودي للتصميم والتي شاركت في نسخة 2024 بقولها: «بالنسبة لنا كمبدعين، فإن ولعنا بالفنون والحرف التقليدية ينبع من ولعنا بفنّ رواية القصص، لدرجة أنه يُشكّل محور كل أعمالنا». وتتابع مؤكدة: «حتى توفّر التكنولوجيا الحديثة واكتساحها مجالات كثيرة، يُلهمنا للارتقاء بفنّ رواية القصص».

من هذا المنظور، تعد سارة مايلر أن برنامج هذا العام لن يقل حماسًا وإلهاماً عن سابقه، خصوصاً أن الحلقات النقاشية ستستمد نكهة إنسانية من هذه القصص والتجارب الشخصية، بعناوين متنوعة مثل «إلهام الإبداع» و«الرابط»، و«تنمية المجتمع الإبداعي» و«القصص المهمة» وغيرها.