فيلم «العناصر» هو آخر فرضية مطروحة من شركة «بيكسار» للشعور كأن شخصاً ما قد عبّأ فنجان الشاي الخاص به بمشروب مثير للهلاوس. بدأت القصة منذ 8 أعوام بفيلم «إنسايد أوت» لعام 2015، إذ حوّلت الشركة الرسوم المتحركة إلى شكل من أشكال العلاج الجماعي الذي يشجع الجماهير على اجترار السلام الداخلي، مع الموت تمثله شخصية «كوكو»، والانبعاث تمثله شخصية «سول». لكن قصة الفيلم الأخير أبسط طرحاً (العناصر، المتسقة). إنها كوميديا رومانسية عاطفية لالتقاء الفتيات بالصبيان عبر الثقافات — وهي كوميديا جيدة تدفعنا إلى التوق والتطلع للنهاية السعيدة. لكن الازدهار النفسي الذي تشهده شركة «بيكسار» يأتي من مختلف الثقافات. هنا، هي الماء، والأرض، والهواء، والنار — العناصر الكلاسيكية الأربعة التي استخدمها الفيلسوف القديم إمبيدوكلس لتفسير عالمنا — تتعايش جميعها بصورة وثيقة في «مدينة العناصر»، في تناظر لمانهاتن تأسس بأول قطيرة تخرج من البحر البدائي. والفتاة «أمبر لومن» (بصوت الممثلة ليا لويس)، هي لمحة من اللهب طويلة الساقين؛ ويقابلها الفتى «وايد ريبل» (بصوت الممثل مامودو آثي)، هو قطرة الماء. وعندما تحوم بالقرب منه، يتلوى جسده ويتعرق مشبعاً بالبخار.
يبدو هذا التكوين غريباً ويستمر غريباً. ومع ذلك، فإن العناصر الكلاسيكية الأربعة هي من أعظم المجسمات (الموحدات) الحضارية الموجودة، وهي نظرية كونية مشتركة ما بين الفيدا الهندوسية، والماهابوتا البوذية، والكوزموغرام الكونغولية، وموروثات الطب الأصلية، ودائرة الأبراج الفلكية. لطالما فسرنا الحياة من خلال الماء والأرض والهواء والنار. والحيلة الآن أن نرى الحياة من داخل تلك العناصر، بمجرد أن نتجاوز الفوضى البصرية العارمة في «مدينة العناصر»، تنصهر مخيلاتنا في بوتقة من التلاعب اللفظي والتلميحات الضمنية.
ينبغي لك إيقاف كل مشهد تتابعه حتى تستوعب كل الحيل المرئية: أمهات النار تدفع بأطفال النار إلى شوايات الباربكيو، والأزواج الشجرية يحصدون ثمار التفاح لبعضهم البعض برفق وحنان، وأحواض الأسماك بالأبراج الفاخرة مع المسابح المجوفة لغرفة المعيشة، وألعاب كرة السلة العاصفة التي تتصيد السراويل التذكارية بأشكالها السحابية. ورغم ذلك، يتسرب الاستهجان إلى التتر الختامي الذي تتكدس هوامشه بصور مضحكة من البقايا المصورة مثل قوالب الشوكولاتة المحشوة بزبد الفول السوداني وعلكة النعناع.
يتعين على المشاهد تجنب تحليل الأحداث ومقارنتها مع الواقع حتى لا تنهار القصة بكاملها.
يوازن الطموح التصميمي المذهل ما بين التأثير الذي تحدثه الحبكة الدرامية، العمومية ذات الارتباط النسبي، التي تبدأ بعد عقدين من الزمن من استقرار عائلة «لومن» وافتتاحهم متجراً يشعل مجتمع آل النار المزدهر.
تتوقع «أمبر» أن ترث متجر العائلة، ولكن «وايد» يقتحم حياتها. وبذكاء واضح، فإن الاختلافات ما بين الزوجين ليست فقط حسية ملموسة — وإنما هي ثقافية أيضاً؛ فهي طفلة لأسرة مهاجرة وصاحبة تضحيات، ومُجهدة بالعمل المضني، ومثقلة عاطفياً، وهي معرضة للانفجار. أما هو: فإنه عَريق النَّسَب مرتاح العيش، ورشيق ذو قوام رقيق، وصريح المشاعر بلا تردد (أو بالأحرى، منغمس في عواطفه حتى النخاع).
إن أروع مشاهد الفيلم تجدها عندما يكتشف الزوجان مواطن بعضهما البعض بصورة مبدئية حذرة. إنها مفتونة (ومستاءة في صمت) من ثقته بأنه مُرحب به في أي مكان.
إنهما لا يتعجلان الإيقاع الرومانتيكي في علاقتهما. والغريب في الأمر، أنه أول فيلم يتناول الكوميديا الرومانسية البشرية منذ سنوات. لا يوجد هناك شرير، ولا اختِلاقات زائفة، كما أن الانفصال الإلزامي مُدعم بالسيناريو جيداً. وقت العرض مرتبط جيداً بعشرات اللحظات الإدراكية والمقاطع المذهلة المتقنة لإحداث أقصى قدر من التأثير. الانغماس شبه الهادئ في التفاصيل يقوم مقام الفاصل البوليوودي المفعم بالحيوية جنباً إلى جنب مع نبرة توماس نيومان اللطيفة شبه الصوتية، التي يمكن التعويل عليها كمحددة للنغمة العاطفية في السياق الدرامي المفعم بالتأمل. هذا ما ينبغي للرسوم المتحركة فعله: إبهارنا بعجائب تعبيرية مستحيلة عوضاً عن إعادة تخيل شخصية «فلاوندر» من فيلم «عروس البحر الصغيرة: ليتل ميرمايد» كسمكة ذات سمة واقعية تصويرية.
يبدو فيلم «العناصر» كأنه حيلة من شركة تجف لديها الأفكار. ربما يكون ذلك صحيحاً بصفة جزئية. وبرغمه، فمن تقاليد تاريخ البشرية العريق التطلع إلى الماء والأرض والهواء والنار لإدراك مكنون وماهية الذات. أرجوكم، ألا يخبر أحد شركة «بيكسار» أن الفيلسوف أرسطو قد أضاف عنصراً خامساً (الأثير)، الذي يفسره الفيزيائيون بأنه المادة المظلمة أو الفراغ!
* خدمة نيويورك تايمز