تحدّيات الداخل والخارج تُربك الاستقرار السياسي في العراق

بعد سنة على تشكيل حكومة السوداني

محمد شيّاع السوداني مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (آ ف ب)
محمد شيّاع السوداني مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (آ ف ب)
TT

تحدّيات الداخل والخارج تُربك الاستقرار السياسي في العراق

محمد شيّاع السوداني مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (آ ف ب)
محمد شيّاع السوداني مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (آ ف ب)

في حين يراهن رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، وفريقه الحكومي، على الزمن القليل المتبقي لإنجاز عدد من المشروعات الاستراتيجية المهمة، طبقاً لما تعهّد به في المنهاج الوزاري، فإن الاستقرار السياسي الذي شهده العراق، خلال العام الأول للحكومة، بات يواجه الآن سلسلة من التحديات في الداخل والخارج. التحدي الأول، الذي واجه السوداني، بدأ فجر السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي باندلاع حرب غزة (طوفان الأقصى)، الذي كان المؤشر الأول على خلخلة الاستقرار السياسي عبر الهدنة غير المكتوبة بين الحكومة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعي المشكلة لها، وبين الفصائل العراقية المسلَّحة القريبة من إيران. ويذكر أن السوداني، وهو مهندس زراعي عمل، في زمن النظام السابق الذي أعدم والده بتهمة الانتماء إلى حزب الدعوة، مديراً لفرع الزراعة في مسقط رأسه محافظة ميسان. وبعد احتلال العراق عام 2003 من قِبل الولايات المتحدة الأميركية، شغل مناصب رفيعة بدأت بتولّيه منصب قائمقام، ثم عُيّن محافظاً لميسان، فوزيراً لنحو 5 وزارات، قبل أن يتولى يوم 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2022 منصب رئيس الوزراء، على أثر تغلُّبه على نحو 14 مرشحاً من جيل «القادة الشباب» الشيعة.

يوصَف رئيس الوزراء العراقي، محمد شيّاع السوداني، بأنه إداري ناجح وحازم، ولم تظهر عليه، طوال فترة تولّيه مناصبه الوزارية، أي مؤشّرات فساد، بل يرى راصدو مسيرته أنه أظهر، بعد تولّيه رئاسة الوزراء، قدرات سياسية لافتة عبر التعامل مع ملفات سياسية واقتصادية طرحها بقوة عبر ما سمّاه «الدبلوماسية المنتجة».

وعلى الرغم من أن التحدي السياسي الأول الذي كانت كل التوقعات تشير إلى أنه سيواجهه، هو انسحاب «التيار الصدري»، بزعامة رجل الدين الشيعي الشاب والراديكالي مقتدى الصدر، فإن المفاجأة التي لم يكن يتوقّعها أحد هو صمت الصدر وتياره عن استهداف السوداني وحكومته، إذ استمر الصمت بينما لم تتوقف الانتقادات الحادّة التي دأب الصدر على توجيهها إلى قيادات «الإطار التنسيقي» الشيعي، الذي يُعدّ الكتلة البرلمانية الأكبر حجماً التي شُكلت منها حكومة السوداني.

أكثر من هذا، مع أن الصدر ذهب بعيداً في إطلاق الأوصاف على «الإطار التنسيقي»، بما في ذلك إطلاق لقب «بني العباس» على قيادات تلك الكتلة، فإنه لم يوجه أي نقد مباشر للسوداني وحكومته. وللعلم، كان الصدر، قبل انسحابه المدوّي من البرلمان في شهر يونيو (حزيران) 2022، قد خاض مع قوى «الإطار التنسيقي» معركة بدت وكأنها «معركة كسر عظم» داخل «المنطقة الخضراء»، وأعلن على الأثر انسحابه الكامل من العملية السياسية.

ازدحام وسط العاصمة العراقية بغداد (آ ف ب)

نار تحت الرماد

في أية حال، انسحاب الصدر وتياره، وما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات، بقي بمثابة «نار تحت الرماد» تهدّد الحكومة التي شكّلها «الإطار التنسيقي» الشيعي بوصفه الكتلة البرلمانية الأكثر نواباً، وبعد ذلك تحالف مع حلفاء الصدر السابقين ضمن تحالف «إنقاذ وطن»، وهما «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، وحزب «تقدّم» بزعامة محمد الحلبوسي. غير أنه طوال سنة كاملة لم يكن هناك أي احتكاك بين جمهور الصدر العريض، وبين الحكومة أو داعميها، وفي مقدمتهم ائتلاف «إدارة الدولة» الذي أصبح أكبر كتلة داعمة لحكومة السوداني في البرلمان بعدد نواب يبلغ 180 نائباً من مجموع أعضاء البرلمان العراقي، البالغ عددهم 329 عضواً.

التحدي الثاني

أما التحدي الثاني، الذي كان متوقعاً، والذي كانت تتحسّب له قوى «الإطار التنسيقي» من خَصمها القوي التيار الصدري وزعيمه، بدا بمثابة تحدٍّ مؤجَّل حتى حان وقت تفعيله قبل أقل من شهر، وعندها تحوَّل إلى البند الثاني في سلسلة التحديات التي تواجه حكومة السوداني وداعميها. فالقوى السياسية التي بدا أنها استفادت من انسحاب الصدر، ومن ثم صمته، وفي مقدمتها خصومه الشيعة (أي قوى الإطار التنسيقي) عملت بقوة على تأخير إجراء الانتخابات البرلمانية، والتركيز على الانتخابات البديلة التي هي مجالس المحافظات.

هذه المجالس، التي توقّف العمل بها منذ نحو 7 سنوات، أعادتها إلى العمل «المحكمة الاتحادية العليا»، مع أن إلغاءها كان أحد مطالب التظاهرات الجماهيرية الكبرى التي اندلعت في العراق، في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019، والتي أدت، في وقت لاحق، إلى إسقاط حكومة عادل عبد المهدي. إلا أن «المحكمة الاتحادية» أفتت فيما بعد بجواز عودتها بوصفها واردة بالنص في الدستور العراقي.

والواقع أن تأجيل الانتخابات البرلمانية بدا خياراً أساسياً لمعظم القوى السياسية، ولا سيما الشيعية منها، التي حصلت على 73 مقعداً إضافياً بعد انسحاب الصدر، وهو ما لا يمكنها الحصول عليه في حال أُجريت انتخابات جديدة. وبناءً عليه، رأت هذه القوى أن مِن مصلحتها إجراء انتخابات المجالس المحلية لكي تهيمن على الحكم المحلي بالكامل، عبر هيمنتها على مجالس المحافظات، بما في ذلك إقصاء عدد من المحافظين الذين لم يدخلوا في معطف أي من هذه القوى.

لذا غَدَت الرهانات المتقابلة والتداعيات المحتملة، مع اقتراب موعد إجراء تلك الانتخابات يوم 18 ديسمبر (كانون الأول) 2023 الحالي، ثم مع إعلان الصدر لجمهوره بمقاطعة تلك الانتخابات، التحدي الثاني أمام حكومة السوداني. أضف إلى ذلك أن الحكومة تُعِد العُدة بعد أقل من شهرين من قطف ثمار عدد من المشروعات المهمة التي أمكنها إنجازها، ومن بينها عدد من مشروعات فك الاختناقات المرورية في العاصمة بغداد، التي تحوّلت الآن إلى ورشة عمل من أجل إكمال تلك المشروعات.

في المقابل، مع أنه لا توجد مؤشرات على إمكانية إقدام «التيار الصدري» بتصعيد قد يؤدي إلى عرقلة إجرء تلك الانتخابات، تظل المخاوف قائمة من إمكانية حصول أمر قد يؤدي إلى خلط الأوراق، وربما يضع الحكومة في مأزق سياسي لا تريد الوقوع فيه، ما دامت تجد نفسها قطعت شوطاً مهماً على صعيد إنجاز ما وعدت به الناس.

أمر آخر مهم هو أنه بينما تُراهن الحكومة على إحجام الصدر عن محاولة عرقلة هذا المسار، وهو الذي يرفع شعار الإصلاح ومحاربة الفاسدين الذي تقول الحكومة الحالية إنها تلتزم به، فإن خصوم الصدر في قوى «الإطار التنسيقي» ليسوا مطمئنين إلى إمكانية سماحه لهم بالهيمنة على مجالس المحافظات، كما هيمنوا على البرلمان بعد انسحابه.

ومن ثم، فبين الرهانات على ألا يحصل عرقلات وتسير الانتخابات بصورة طبيعية... وبين التداعيات المحتملة لأية عرقلة قد تعني اضطرار الحكومة لتطبيق القانون الضعيف أصلاً في العراق، تجد حكومة السوداني نفسها أمام مأزق سياسي على صعيد مواجهة هذا التحدي.

الفصائل أم «أمراء الحرب»؟

وأخيراً نصل إلى التحدي الثالث.

التحدي الثالث الذي بات يواجه حكومة السوداني، بل مجمل الأوضاع العامة في العراق - سياسياً واقتصادياً - هو المتغيّر الذي لم يكن محسوباً حتى يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما اندلعت حرب غزة وبدأت الفصائل العراقية المسلّحة تتحرك، بعد «هدنة» استمرت أكثر من سنة.

هذه «الهدنة» كانت قد جعلت الحكومة تشرع في اتخاذ مزيد من الإجراءات على صعيد تطبيق البرنامج الحكومي. ومع أن موقف الفصائل المسلَّحة حيال الوجود الأميركي في العراق، وطريقة التعامل معه بعد أحداث غزة، ما كان موحّداً... فإنه أضحى الآن موضع قلق، وبالأخص، لجهة الرد الأميركي المحتمل ضد هذه الفصائل، أو الحكومة العراقية بشكل عام، أو كيفية احتواء الأزمة في حال حصلت تداعيات في الشارع.

حقيقة الأمر أن العراق الآن على مشارف انتخابات محلية تبدو مصيرية لغالبية القوى السياسية. والفصائل التي أعلنت أنها «حرّرت العراق عسكرياً»، طبقاً لبيان صَدَر عن قيادة إحدى هذه الفصائل - وهي «النجباء» - بدأت بقصف القواعد الأميركية في العراق، بينما تكرر الحكومة العراقية تحمُّلها مسؤوليتها حيال حماية البعثات الدبلوماسية والمستشارين الأميركيين الموجودين في العراق بطلب من الحكومة العراقية. وما يجدر ذكره، في هذا السياق، أنه بينما بَدَت الفصائل المسلَّحة التي لديها تمثيل سياسي في البرلمان والحكومة مثل «عصائب أهل الحق»، و«بدر»، وغيرها أكثر انسجاماً مع موقف الحكومة، يلاحَظ أن فصائل أخرى تلتزم بموقف الحكومة؛ أبرزها «النجباء»، و«كتائب حزب الله»، و«كتائب سيد الشهداء»... وفصائل أخرى تحت عناوين وذرائع مختلفة.

في ضوء هذا الواقع، لعل الانقسام الحاصل بين الفصائل التي تؤيد موقف الحكومة حيال حرب غزة، فضلاً عن تأكيدها الدائم حماية البعثات الدبلوماسية والتحالف الدولي في العراق، والفصائل التي أعلنت الحرب على الأميركيين داخل العراق، شجع مستشار رئيس الوزراء للشؤون الخارجية على تصنيف بعض قادة هذه الفصائل «أمراء حرب»، وهذه تسمية جديدة ما كانت تُستخدم في السابق.

وفي مقابل ما ذُكر، فإن حكومة السوداني أدانت أخيراً عملية قصف الطيران الحربي الأميركي مواقع عدد من هذه الفصائل في منطقة جرف الصخر، جنوب بغداد، لكن اللافت أن تلك الإدانة لم ترْقَ إلى مستوى تقديم الإحتجاج الرسمي، مثلما علّقت أطراف عراقية مناوئة للوجود الأميركي في العراق. ذلك أن «اللغة الدبلوماسية» التي كُتب بها البيان بدقة وعناية بدت كما لو كانت تسير على حبل مشدود بين واشنطن من جهة، والفصائل المسلّحة من جهة أخرى. وربما يفسَّر هذا الأمر بتأكيد الحكومة العراقية المستمر حاجتها إلى التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، فضلاً عن تمسك الحكومة باتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقَّعة بين بغداد وواشنطن عام 2008.

من جانب آخر، لا تستطيع الحكومة المُضي قدماً باتجاه مزيد من التصعيد مع هذه الفصائل؛ لأسباب عاطفية تتصل مرةً بالحرب في غزة، ومرة ثانية بتداخل المواقف بين ما يتخذه العراق من إجراءات لدعم الشعب الفلسطيني، وموقفه من الوجود الأميركي في العراق، وهذا على الرغم من الانحياز الأميركي الكامل لإسرائيل في أحداث غزة.

وحقاً، اكتفت اللهجة التي تضمّنها البيان الحكومي العراقي بما هو وارد في بيانات ذات لمسة دبلوماسية معتادة بين الدول... حتى وإن بَدَت شديدة أحياناً، ذلك أن البيان يقول: «ندين بشدة الهجوم الذي استهدف منطقة جُرف الصخر، والذي جرى دون علم الجهات الحكومية العراقية؛ ما يُعدّ انتهاكاً واضحاً للسيادة، ومحاولة للإخلال بالوضع الأمني الداخلي المستقر، فالحكومة العراقية هي المَعنية حصراً بتنفيذ القانون، ومحاسبة المخالفين». وهنا، القول بأن الهجوم وقع دون علم الحكومة العراقية بدا رسالة احتجاج لواشنطن، فمن جهة يثير مسألة أنه وقع دون علمها رغم أن اتفاقية الإطار الإستراتيجي تُلزمها بذلك. ومن جانب آخر، بدا أشبه برسالة «طمانة» للفصائل المسلَّحة بأن الحكومة لم تمنح واشنطن «الضوء الأخضر» بأي شكل من الأشكال، وهو ما عدّته انتهاكاً للسيادة.

ليس هذا فحسب، بل إن البيان الحكومي كان قد كرَّر الترحيب بالتحالف الدولي، في سياق القول إن «وجود التحالف الدولي في العراق هو وجود داعم لعمل قواتنا المسلَّحة عبر مسارات التدريب والتأهيل وتقديم الاستشارة، وأن ما جرى يُعدّ تجاوزاً واضحاً للمهمة التي توجد من أجلها عناصر التحالف الدولي لمحاربة (داعش) على الأراضي العراقية؛ لذلك فإنها مدعوّة إلى عدم التصرف بشكل منفرد، وأن تلتزم سيادة العراق التي لا تهاون إزاء خرقها بأي شكل كان».

فؤاد حسين (رويترز)

تعايش حرج ومحيّر بين سلطات بغداد والوجود العسكري الأميركي

> في حالات ومواقف كتلك التي يشهدها العراق، غالباً ما تُصدر القوى السياسية بيانات هي الأقرب لما يمكن تسميته «إسقاط الفرض» أكثر مما يعبر عن حقيقة مواقفها، وذلك ما دامت الحاجة قائمة للتعبير عن مواقف معينة أمام وسائل الإعلام والرأي العام.

وبناء عليه، فإن البيانات التي صدرت أخيراً عن عدد من القيادات العراقية الشيعية تحديداً، تراوحت بين أمرين:

- شدة اللهجة عبر تكرار الدعوة للحكومة بتنفيذ قرار البرلمان الصادر عام 2020 بإخراج القوات الأميركية من البلاد.

- محاولة التوفيق بين التنديد والدبلوماسية.

هادي العامري، زعيم تحالف «الفتح»، وقيس الخزعلي زعيم «عصائب أهل الحق»، كانا في طليعة الداعين إلى إخراج الأميركيين. وهذه الدعوة تكررت عشرات المرات، طوال السنوات الماضية. وفي المقابل، حاول زعيم ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي - ولا يزال - بين التنديد وبين ترك مساحة للعمل الدبلوماسي، وهذا ما ظهر عبر تأكيده، في البيان الذي أصدره، أن «الحكومة العراقية ملتزمة بحماية البعثات الدبلوماسية»، وهو ما يعني أن التعهد قائم لجهة حماية البعثات، ولكن ليس بالضرورة القواعد التي يتمركز فيها الأميركيون.

أما على صعيد البعثات الدبلوماسية، فإن السفارة الأميركية، التي تحتل المساحة الأكبر داخل «المنطقة الخضراء» المحصَّنة والمُطلّة على نهر دجلة، لم تتعرض لأي قصف من أي نوع، طوال فترة التصعيد الأخيرة، ثم إن السفارة نفسها لم تُطلق، ولو من باب التجريب، منظومة «سيرام» التي تحمي مقر السفارة، مثلما كانت تفعل سابقاً حين كانت هدفاً للفصائل التي كانت تنفي مسؤوليتها وعلمها بتلك الضربات، ولا سيما أيام حكومة رئيس الوزراء الأسبق مصطفى الكاظمي.

من جهته، بدا وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين حائراً حين استقبل السفيرة الأميركية في بغداد، إلينا رومانسكي، بل إن رومانسكي بدت هي الأخرى حائرة في كيفية التعامل مع أزمة التصعيد الأخيرة، بعدما وسّعت الفصائل المسلَّحة نطاق هجماتها، وإن كانت لم تطاول السفارة، ولا سيما، بعدما وسّعت واشنطن، في مقابل ذلك، نطاق الضربات لتصل إلى عقر دار تلك الفصائل.

الوزير حسين، وفق البيان الذي صدر عقب لقائه مع السفيرة رومانسكي، لم يُسلّمها رسالة احتجاج دبلوماسية، وهذا جانب أخذه عليه عدد من الأطراف السياسية العراقية المقرَّبة من الفصائل، ما يوحي بأن بغداد، وإن كانت قد أدانت الهجمات، فإن لهجتها الدبلوماسية لم تبلغ حد الاحتجاج الرسمي. والحقيقة أن البيان، الذي صدر، الخميس الماضي، اكتفى بالقول إن وزير الخارجية فؤاد حسين أكد رفض بلاده «التصعيد الأميركي الأخير»، المتمثل بقصف موقعين تابعين للفصائل المسلَّحة ضمن «الحشد الشعبي»، معتبراً ذلك «تجاوزاً لسيادة العراق». وهذا بينما هاجمت الفصائل مجدداً قاعدة حرير، التي تضم جنوداً أميركيين في أربيل بإقليم كردستان. وجاء في نص البيان أن «الوزير أكد للسفيرة رفضه التصعيد الأخير الذي شهدته الساحة العراقية، خلال اليومين الماضيين». وشدد على أنه «تصعيد خطير، وفيه تجاوز على السيادة العراقية، التي نلتزم بصونها وحفظها، وفق الواجبات الدستورية والقانونية للحكومة». وأكد «إدانة حكومة العراق الهجوم الذي استهدف منطقة جُرف الصخر، والذي جرى دون علم الجهات الحكومية العراقية»، عادّاً ذلك انتهاكاً واضحاً للسيادة العراقية، وأنه «مرفوض بالاستناد للسيادة الدستورية العراقية والقانون الدولي».‏



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».