الاتهامات الجنائية لترمب تهزّ السباق الرئاسي الأميركي

الجمهوريون قلقون على كل الانتخابات العامة... والديمقراطيون مُربَكون حيال بايدن

ترمب أمام القضاء (أ.ب)
ترمب أمام القضاء (أ.ب)
TT

الاتهامات الجنائية لترمب تهزّ السباق الرئاسي الأميركي

ترمب أمام القضاء (أ.ب)
ترمب أمام القضاء (أ.ب)

مع توجيه اتهامات جنائية فيدرالية (اتحادية)، للمرة الأولى بحق رئيس أميركي سابق أو حالي - هو في الوقت نفسه المرشح الأول على قائمة حزبه - دخل السباق الرئاسي في الولايات المتحدة لانتخابات 2024، الذي بالكاد انطلق، منعطفاً غير مسبوق. ومع بدء محاكمة دونالد ترمب بقضايا تمسّ «الأمن القومي»، واحتمال فوزه بالسباق، لا يستبعد كثيرون أن يقود البلاد من «داخل سجنه».

ترمب، الذي أدين مرتين كرئيس، ووجهت إليه مرتين، تهماً جنائية منذ مغادرته البيت الأبيض، كان قد مثُل يوم الثلاثاء أمام محكمة فيدرالية في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، بتهمة تعريض «أسرار الأمن القومي» للخطر و«عرقلة» المحققين.

جلسة الاستماع التي استغرقت 50 دقيقة، كانت بداية لعملية ستبدأ بعد نحو شهر لمحاكمة الرئيس السابق دونالد ترمب، حين يكون السباق الرئاسي التمهيدي للجمهوريين، قد دخل مرحلة متقدمة، مع تزايد عدد المرشحين إلى أكثر من 12 شخصاً، الذين انضم إليهم أخيراً رئيس بلدية ميامي نفسها.

كل هؤلاء طامحون لنيل ترشيح الحزب، ومواجهة خصمهم مرشح الحزب الديمقراطي، في الانتخابات العامة. بيد أن انتخاب الرئيس، لن يكون الورقة الوحيدة التي سيلقي بها الناخبون الأميركيون في صناديق الاقتراع، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. إذ، كالعادة، سيُجدد انتخاب كل أعضاء مجلس النواب، وأكثر من ثلث أعضاء مجلس الشيوخ، فضلاً عن عشرات حكام الولايات.

ومع احتدام القضايا التي يتصارع عليها الحزبان الديمقراطي والجمهوري، كشفت بعض المؤشرات «الواعدة» للديمقراطيين، و«المقلقة» للجمهوريين، عن منحى ينبغي مراقبته جيداً. ورجّح البعض أن تكون بداية لاحتمال حصول تغيير عميق أكثر «اعتدالاً»، في نظرة الأميركيين في بعض الولايات الأكثر تأييداً للجمهوريين، من قضية الإجهاض إلى تقسيم الدوائر الانتخابية. والفضل هنا، يعود إلى المحكمة الأميركية العليا، التي تسبّبت قراراتها «المتناقضة» في هاتين القضيتين بمنح الديمقراطيين الأمل في الفوز بولايات كانت حكراً على الجمهوريين لعقود، وقلق الأخيرين من تأثيرات إحكامها على سيطرتهم تلك.

يقول مراقبون وسياسيون أميركيون: إن حملة إعادة انتخاب ترمب، تعرّضت لضربة كبيرة بعد الكشف عن لائحة الاتهام في قضية الوثائق السرّية. لكن، ومن أجل تقدير هذا الضرر، قد يكون من المجدي إلقاء نظرة على تداعياتها وتأثيراتها، على قادة الحزب الجمهوري، وقاعدته.

تحالف جمهوري ضد ترمب

وفق تقارير صحافية، فإن العدد الذي يؤيد ترمب في مجلس الشيوخ، يتساوى مع عدد الذين يقولون إنهم يريدون مرشحاً آخر، من بينهم من صوّت لعزله مرتين. لا، بل يرى البعض أن تحالفاً مناهضاً لترمب، يتشكل بين أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، خصوصاً بعد صدور لائحة الاتهام، التي فاقمت «الانزعاج» منه. وعلى الرغم من تقدمه على باقي منافسيه الجمهوريين، فإن عددهم الكبير، مؤشر على الأقل، إلى خوف الحزب من تداعيات الاتهامات على «مرشحهم الأساسي»، ورغبتهم في الاعتراض على سياساته.

صحيفة «بوليتيكو» ترى أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين يتخذون خطوات «هادئة» في هذا الاتجاه: أربعة أيّدوا مرشحين من غير ترمب، وقال آخران إنهما يريدان مرشحاً مختلفاً. وكثيرون آخرون متشائمون عند سؤالهم عن آفاقه الانتخابية، بمن فيهم بعض المدافعين المخلصين الذين ما زالوا «محايدين» رسمياً حتى الآن.

ونقلت «بوليتيكو» عن السيناتور مايك براون من ولاية إنديانا الجمهورية، وحليف ترمب منذ فترة طويلة، قوله إنه «اعتباراً من الآن سأقول فقط لقد أيّدت سياساته». ثم تابع براون «أنا لم أمنح تأييدي الرسمي بعد. كنت واضحاً تماماً أنني أود أن أرى شخصاً ما يوضح للحزب الجمهوري ما سنفعله في السياسات». وبينما يعد براون للترشح لمنصب حاكم الولاية، أردف إنه لن يؤيد أحد منافسي ترمب، بل ينتظر نهج الرئيس السابق في «التبلور».

وعلى الرغم من أن الفوز في الانتخابات التمهيدية الجمهورية، لا يقرّره التوازن بين مؤيدي هذا المرشح أو معارضيه من أعضاء مجلس الشيوخ. غير أن منتقدي ترمب هناك، يمثلون شريحة كبيرة من قاعدة الحزب، بما في ذلك المانحون، الذين يريدون أن يتغلب «جمهوري مختلف» على الرئيس جو بايدن.

ومع تحييد سيناتور ولاية إنديانا نفسه عن تأييد ترمب «الآن»، خسر الرئيس السابق دعم سيناتورَي ولاية ساوث داكوتا، جون ثون ومايك راوندز، وسيناتورَي ولاية نورث داكوتا، كيفن كرامر وجون هوفن، لمصلحة منافسيه تيم سكوت ودوغ بورغوم، على التوالي. ويترافق هذا التحول أيضاً، مع تصاعد الأصوات التي تعتقد أن أي مرشح جمهوري غير ترمب، يستطيع الفوز في الانتخابات العامة، مع الاعتراف بأنه المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات التمهيدية.

ميتش ماكونيل (رويترز)

هذا الموقف يعكس رفض زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، أن يقول يوم الثلاثاء، بعد مثول ترمب أمام المحكمة، عما إذا كان سيدعمه إذا حصل على ترشيح الحزب الجمهوري، أو ما إذا كان ترمب قد ارتكب أي خطأ. فقد قال ماكونيل، الذي لم يتحدث أو يتواصل مع ترمب، منذ أحداث الهجوم على الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، «ببساطة، لن أبدأ في التعليق على المرشحين المختلفين لدينا للرئاسة». لكن السيناتور الجمهوري السابق والنافذ جون كورنن، المقرب من ماكونيل، قال: إن الحزب الجمهوري في حاجة إلى «أداء أفضل» من ترمب كي يفوز في الانتخابات العامة. وعكست تصريحات العديد من الجمهوريين، اختيارهم بعناية لكلماتهم، سواءً في انتقاد ترمب أو الإشادة بمنافسيه، في محاولة لتفادي إغضاب قاعدته الشعبية. وبدلاً من ذلك، على سبيل المثال، قالت السيناتور سينثيا لوميس من ولاية وايومينغ، إن رسالة تيم سكوت التطلعية «مرتفعة» في الانتخابات التمهيدية، وأن رون دي سانتيس، حاكم فلوريدا - الذي لم يحصل بعد - على تأييد أي عضو في مجلس الشيوخ «طرح قضايا يريد الناس معالجتها في هذه الدورة الانتخابية».

رون دي سانتيس (رويترز)

الاتهامات رفعت

شعبية ترمب

من جهة ثانية، مع شبه الإجماع، على أن ترمب في طريقه للفوز بالانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، بدا أن كل الاتهامات التي يتعرّض لها، ترفع من نسبة تأييده بين ناخبي الحزب الجمهوري لا العكس. وفي استطلاع أخير، ارتفع هذا التأييد إلى أكثر من 60 في المائة. في حين أن من بين 12 مرشحاً جمهورياً يتنافسون معه، يحظى دي سانتيس فقط بنسبة قبول تصل تقارب الـ20 في المائة، في حين حظي مايك بنس، نائب ترمب السابق، بنسبة 4 في المائة، والباقون حصلوا على نسبة 1 في المائة.

العديد من المراقبين يرون أن مشكلة المرشحين المنافسين لترمب، ليست فقط، أنهم «رهائن» بيد قاعدة ترمب الشعبية الضخمة، بل هم مكبّلون بضرورة الدفاع عن «جمهوري» يتعرض لهجوم الديمقراطيين.

أيضاً، المشكلة قد تكون أبعد من ذلك. فغالباً ما واجه الجمهوريون هذا النوع من التحديات، مع قضايا خطيرة تعرّض لها رؤساء جمهوريون سابقون، حاولوا - بحسب بعض المراقبين - الانقضاض على سيادة القانون وتخطي المؤسسات والقيم الديمقراطية. وهنا نذكر فضيحة «ووترغيت» مع ريتشارد نيكسون، إلى فضيحة «إيران كونترا» مع رونالد ريغان، إلى تلفيق جورج بوش «الابن» الحجج لاجتياح العراق، ووصولاً إلى ترمب والقضايا المرفوعة ضده... من الوثائق السرية إلى قلب نتائج الانتخابات!

غير أن امتناع قادة الحزب عن التعليق مباشرة ضد ترمب، واصطفاف عدد كبير منهم - بمن فيهم جميع المرشحين المنافسين له - وراء خطاب إدانة قرار الاتهام، ومهاجمة القضاء، والنظام السياسي برمّته، في تناغم مع خطاب ترمب الذي رفعه منذ ترشحه للرئاسة عام 2015، أظهر أن الحزب قد حسم قراره في اختيار مرشحه للانتخابات العامة.

هكذا صمت ميتش ماكونيل، ووقف كيفن ماكارثي (رئيس مجلس النواب) وستيف سكاليز (الرقم 2 في المجلس) ورون دي سانتيس ومايك بنس وراء ترمب، متهمين الإدارة بأنها «تسلح إنفاذ القانون»، وتهدد «المجتمع الحر»، والتعهد «بتنظيف» وزارة العدل، في حال فاز أحدهم.

كيفن ماكارثي (أ.ب)

فقط جمهوري واحد بارز في الكونغرس أدان ترمب بالفعل، هو السيناتور ميت رومني. إذ قال في بيان: «في جميع المراحل، أبدت وزارة العدل والمستشار الخاص العناية الواجبة، ومنحت السيد ترمب الوقت والفرصة لتجنب الاتهامات التي لم تكن متاحة بشكل عام للآخرين». وأضاف «لقد وجّه ترمب هذه التهم لنفسه، ليس فقط بأخذ وثائق سرّية، بل أيضاً برفض إعادتها عندما أتيحت له فرص عديدة لفعل ذلك». وكان لافتاً موقف وليم بار، وزير العدل السابق إبان رئاسة ترمب، الذي وصف الاتهامات، بأنها «جدية جداً وخطيرة» على رئيس سابق يطمح للعودة إلى البيت الأبيض. واعتبر أنها «تشكل تهديداً حقيقياً لفرص الجمهوريين في الفوز بالانتخابات العامة»، محذراً من أن شريحة واسعة من المستقلين قد تميل للتصويت إلى أي شخص آخر غير ترمب.

انقسام ديمقراطي يبحث عن بديل

في المقابل، بينما يكاد يجمع الديمقراطيون على أن ترمب يستحق لائحة الاتهام، فإنهم كانوا أكثر انقساماً، حيال ما إذا كان هذا الأمر جيداً للبلاد ولحزبهم، وعلى تأثيرها على الانتخابات. وفي حين التزم الرئيس جو بايدن وكبار مسؤولي إدارته وقيادات الحزب الكبرى، الصمت إلى حد كبير، بشأن لائحة اتهام ترمب، كان الديموقراطيون العاديون أكثر حرصاً على الكلام بمزيج من الابتهاج والتخوف العميق، من أن تؤدي الملاحقة الفيدرالية لرئيس سابق ومرشح حالي للبيت الأبيض، إلى «إفساد» السياسة الأميركية.

ومع صدور الاتهامات في بداية الحملة الرئاسية لعام 2024، التي يتوقع فيها العديد من الديمقراطيين، إعادة المباراة بين بايدن وترمب، يشعر بعض الديمقراطيين بالسعادة لمحاسبة ترمب «أخيراً» على أفعاله المخالفة للمعايير. غير أن آخرين يخشون أن يختار ترمب التحدي مرة أخرى، وأن يستجيب أنصاره بالعنف - في حالة إدانته ومحاكمته - كما حصل عام 2021، وهو أمر يمكن أن يتكرّر عام 2024، في حال خسر الانتخابات مرة أخرى.

ولكن على الرغم من ذلك، يقول البعض إن «الضرر الطويل الأمد الذي قد يلحق بالأمة وبنظام العدالة من اللافعل يفوق بكثير الأخطار السياسية والأمنية». ووفق ديفيد والترز، حاكم ولاية أوكلاهوما الديمقراطي السابق، «لدينا قوة شريرة في وسطنا يجب مواجهتها».

حافز للتساؤلات

في مطلق الأحوال، كانت لائحة الاتهام حافزاً للديمقراطيين، من جميع ميولهم، لطرح الأسئلة، عما إذا كانت ستؤدي إلى انفصال مؤيديه عنه، أم ستجعله مرشح الجمهوريين... وماذا سيحدث إذا أدين وكان لا يزال مرشحاً؟

كثيرون من الديمقراطيين يعتقدون أن الضرر اللاحق بفرص ترمب في الحصول على فترة رئاسية أخرى سيطغى على ترشيحه. إذ قال جاي جاكوبس، رئيس الحزب الديمقراطي لولاية نيويورك: «كثيرون من الأميركيين الوطنيين يتسمون بالفطرة السليمة والوطنية بحيث لن يمر هذا بأي طريقة أخرى». ولكن ديمقراطيين يشعرون بالقلق مما سيحدث إذا بُرّئت ساحة ترمب، وقد يوجه ضربة قوية للثقة المنخفضة أصلاً، بالحكومة والمحاكم ونظام العدالة ككل.

من جانب آخر، يخشى ديمقراطيون آخرون من أن تعزّز إدانة ترمب فُرص أحد منافسيه الجمهوريين، فتضر بفرص إعادة انتخاب بايدن، لا سيما وسط عجز الحزب الديمقراطي عن اتخاذ قرار جريء يطالب الرئيس «الثمانيني»، بالتنحي من الحملة لمصلحة مرشح ديمقراطي آخر أصغر سناً، ليس بالضرورة أن يكون نائبة الرئيس كامالا هاريس، بحسب العديد من الاقتراحات والتمنيات المتداولة في الأروقة الخلفية.

المحكمة العليا الأميركية تخلط الأوراق... مؤقتاً!

 

القاضي جون روبرتس (أ.ب)

* يرى عدد كبير من المراقبين الأميركيين، وبالأخص من الحزب الديمقراطي، أنه يمكن الدفع بشخصية ديمقراطية، تعمل على استثمار «الإيجابيات» التي ترتبت عن قرارات المحكمة العليا، في قضيتَي الإجهاض العام الماضي، وتقسيم الدوائر الانتخابية الأسبوع الماضي. فقد تحوّل حظر الإجهاض، إلى رافعة للديمقراطيين، حتى في بعض الولايات الأكثر ولاءً للجمهوريين. وانعكس هذا في انتخابات 2022 النصفية، حين فشل الجمهوريون في السيطرة على مجلس الشيوخ، وحققوا سيطرة باهتة على مجلس النواب. أيضاً يمكن طرح قضية أخرى ذات مصداقية، تتصل بقرار المحكمة العليا الذي أُعلِن عنه الأسبوع الماضي، وقضى بلا دستورية التقسيم الإداري الذي صوّت عليه مجلس نواب ولاية آلاباما الجمهورية للحد من تصويت الناخبين السود. إذ يمكن أن يكون القرار حاسماً لانتصار الديمقراطيين، ليس فقط في هذه الولاية الجنوبية، بل في ولايات أخرى وربما الانتخابات الرئاسية أيضاً. البعض رجّح أن ينتج من هذا القرار، إبدال ما يصل إلى خمس مقاطعات ذات غالبية من البيض الجمهوريين، بمقاطعات ديمقراطية ذات غالبية من الأقلية، بعدما طلب من ولاية آلاباما على وجه التحديد، إنشاء دائرة ثانية في مجلس النواب، من أجل توفير فرصة لمرشح أسود للفوز. ويُعد القرار تأكيداً غير متوقع للمادة 2 من قانون حقوق التصويت لعام 1965. هذا التطور أدى فوراً إلى تغيير الحسابات الجارية حول السباقات الرئيسة في مجلس النواب على امتداد الولايات الأميركية. فتقسيم الدوائر الانتخابية في غالبية الولايات الجمهورية، مصمم منذ عقود لضمان نجاح المرشحين الجمهوريين «البيض»، بحسب «انتقادات تاريخية». ويرى خبراء أن أصداء قرار المحكمة العليا يمكن أن تتردد عبر ولايات الجنوب العميق والوسط؛ ما يؤدي إلى إنشاء مقاعد جديدة ذات غالبية أصوات سوداء وديمقراطية قوية في ولايات متعددة». ويرى كثرة من الديمقراطيين، أنه مع إمكانية إضافة المزيد من المقاطعات في ولايات أخرى، اعتماداً على المزيد من الدعاوى القضائية، في ولايات أخرى مثل لويزيانا ونورث كارولينا وجورجيا وتكساس وفلوريدا، قد يتمكن الديمقراطيون ليس فقط من الحصول على المقاعد الخمسة الضرورية لاستعادة السيطرة على مجلس النواب، عام 2024، بل والتأثير بشكل حاسم على ميزان القوى السياسي في واشنطن. ومع احتمال صدور قانون جديد لحقوق التصويت في آلاباما ولويزيانا وجورجيا قبل عام 2024، كحد أدنى، وجدت المحاكم الأدنى بالفعل أن الخرائط الحالية في تلك الولايات من المحتمل أن تنتهك قانون 1965، وكذلك في تكساس وفلوريدا، بحيث يمكن إنشاء منطقة أو أكثر من المناطق ذات الغالبية اللاتينية. عموماً، وفي حين أن معظم الباحثين القانونيين يتفقون على أن قرار المحكمة العليا، يشكل نصراً لحركة الحقوق المدنية التقليدية وللديمقراطيين الذين يسعون لاستعادة السيطرة على مجلس النواب، فإنهم يجادلون أيضاً، بأن الانتصار كان متواضعاً نسبياً من الناحية القانونية، وقد يكون مؤقتاً. إذ انضم اثنان من الأعضاء المحافظين الذين يسيطرون على المحكمة، هما رئيسها جون روبرتس والقاضي بريت كافانو، إلى القضاة الليبراليين الثلاثة، ليعطوا الغالبية للقرار. واختار روبرتس وكافانو، تجنب الضغط على القضية، ضد إعادة تقسيم الدوائر على أساس العرق، جزئياً بسبب «الجدل الذي أطلقته المحكمة في حكمها المثير لحظر الإجهاض، إلى جانب الصدمات الأخرى التي أحدثتها قراراتها في القضايا التاريخية المتعلقة بالبنادق وتغير المناخ. ولذا؛ سعيَا بشكل متزايد إلى إبعاد نفسيهما عن اليمين المتشدد، وفق مراقبين، لكنهما لم يغيّرا رأييهما بشأن استخدام العرق من قِبل الجهات الحكومية، بما في ذلك الكونغرس. وبدلاً من ذلك، وضعا جانباً السؤال الدستوري للمستقبل. هذا، وكانت قد تصاعدت الدعوات للحزب الديمقراطي إلى استغلال هذا التطور، الذي عُد أول حدث مهم منذ عقود للدفع بمرشح رئاسي آخر، وتحويل المعركة، من معركة شخصية مع ترمب... إلى معركة على مستقبل النظام السياسي والديمقراطية الأميركية.



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».