هل يحد التقارب المصري - التركي من تأثير «الإخوان» في الانتخابات الرئاسية؟

أنقرة شددت مجدداً من إجراءاتها لوقف التحريض ضد القاهرة

 لقاء الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب إردوغان على هامش قمة العشرين الشهر الماضي (الرئاسة التركية)
لقاء الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب إردوغان على هامش قمة العشرين الشهر الماضي (الرئاسة التركية)
TT

هل يحد التقارب المصري - التركي من تأثير «الإخوان» في الانتخابات الرئاسية؟

 لقاء الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب إردوغان على هامش قمة العشرين الشهر الماضي (الرئاسة التركية)
لقاء الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب إردوغان على هامش قمة العشرين الشهر الماضي (الرئاسة التركية)

طرح توقيف السلطات التركية لناشطين محسوبين على تنظيم «الإخوان»، بسبب «استمرارهم في التحريض ضد السلطات المصرية»، تساؤلات حول موقف أنقرة من «الإخوان»، لا سيما في ظل التقارب الدبلوماسي والاقتصادي مع القاهرة، وفي وقت عرفت فيه مصر انطلاق إجراءات الانتخابات الرئاسية.

ووصف باحثون التعامل التركي مع ملف «الإخوان» بأنه «يعطي إشارات متضاربة»، تراوحت بين «استثنائهم من بعض ضوابط الإقامة»، و«اتخاذ إجراءات صارمة ضد من لم يلتزموا باحترام وقف التحريض ضد السلطات بمصر». مشيرين إلى أن «تأثير إخوان تركيا تراجع بشكل واضح خلال الآونة الأخيرة».

وقبل يومين ألقت السلطات التركية القبض على الناشطة المصرية من أصل سوري، غادة نجيب، زوجة الممثل هشام عبد الله، أحد العناصر الداعمة لـ«الإخوان»، (مقيم في تركيا منذ عام 2013)، وذلك لـ«عدم التزامها بتعليمات التوقف عن الهجوم، والتحريض ضد مصر عبر منصات التواصل الاجتماعي». وقال عبد الله عبر صفحته على «فيسبوك» إن «الاستخبارات التركية اعتقلت زوجته (غادة نجيب) من المنزل لأسباب وصفها بـ(السياسية)».

زوجة الممثل هشام عبد الله (حساب هشام على «فيسبوك»)

وكثفت غادة خلال الأيام الأخيرة من تحريضها ضد السلطات المصرية، خاصة مع انطلاق سباق الانتخابات الرئاسية، وروجت للمرشح المحتمل أحمد الطنطاوي.

الباحث السياسي والمتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة، أحمد بان، وصف الإجراءات التركية بحق «الإخوان» بأنها «متذبذبة»، مشيراً إلى أن هناك مسارين يتحكمان في هذه العلاقة، أحدهما «يتسم بالتعاطف، وتقديم تسهيلات للعناصر المقيمة على الأراضي التركية»، أما الثاني فيتمثل في محاول تطبيق القانون على جميع المقيمين على الأراضي التركية، سواء فيما يتعلق باشتراطات الإقامة، أو بمسألة التحريض ضد السلطات المصرية، موضحاً أن الربط بين الإجراءات التركية، وانطلاق الانتخابات الرئاسية في مصر «يتسم بالمبالغة»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «تنظيم الإخوان لم يعد لديه ذلك التأثير السياسي الكبير».

هشام عبد الله (حسابه على «فيسبوك»)

وكانت مصر وتركيا قد أعلنتا في يوليو (تموز) الماضي ترفيع العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى السفراء. وتسلم السفير المصري في أنقرة، عمرو الحمامي، مهام عمله رسمياً، عقب لقاء مع الرئيس التركي الأسبوع الماضي. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، نظيره التركي للمرة الثانية على هامش قمة العشرين بالعاصمة الهندية نيودلهي. كما التقى وزراء من الجانبين عدة مرات لبحث تعزيز التعاون المشترك بين البلدين، والارتقاء بمعدلات التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، إذ «تعد مصر حالياً أكبر شريك تجاري لتركيا في أفريقيا، فيما تُعد تركيا من أهم مستوردي الغاز المصري»، حسب مراقبين.

غادة نجيب وزوجها هشام عبد الله (من حسابها على «فيسبوك»)

وفي وقت سابق، التقى الرئيس التركي مع وفد من «اتحاد علماء المسلمين»، ضم شخصيات محسوبة على «الإخوان»، وخلال اللقاء قرر إردوغان منح «معاملة تمييزية» لمن سماهم بـ«المهاجرين»؛ في إشارة لعناصر «الإخوان»، وتحديداً من مصر وسوريا.

وكانت السلطات التركية قد شنت سابقاً حملة مداهمات واسعة النطاق طالت عناصر من «الإخوان» المقيمين في تركيا، وقامت باحتجاز من لا يحمل أي هوية أو إقامة أو جنسية، كما طلبت من اثنين من عناصر التنظيم مغادرة أراضيها، ورفضت منح الجنسية لنحو 12 عنصراً إخوانياً غيرهم.

في هذا السياق، يرى الباحث المتخصص في الشؤون التركية، كرم سعيد، أن «ورقة الإخوان لم تعد ذات قيمة تذكر في ملف العلاقات المصرية - التركية»، إلا أنه أشار إلى أن بعض المؤسسات السياسية والأمنية في تركيا لا تريد أن تؤدي ممارسات بعض عناصر التنظيم المقيمة على الأراضي التركية إلى «توتير العلاقة مع القاهرة»، خاصة في ظل ما يصفه بـ«المسار المُتقدم»، الذي اتخذته العلاقات الثنائية خلال العامين الماضيين.

وأوضح سعيد لـ«الشرق الأوسط» أن «تأثير إخوان تركيا تراجع بشكل واضح خلال الآونة الأخيرة»، لافتاً إلى خروج العديد من العناصر والمنابر الإعلامية الإخوانية من تركيا، واتجاههم لدول أخرى، وهي التي «تقوم حالياً بالدور الأكبر في الهجوم على الانتخابات الرئاسية في مصر»، فضلاً عن إدراك العديد من عناصر «جبهة إسطنبول» (من الجبهات المتصارعة على قيادة التنظيم) للمحددات الجديدة في مواقف السلطات التركية من قضية السماح بالتحريض ضد مصر، في ظل التقارب مع القاهرة، حيث ألقي القبض على عدد من «غير الملتزمين» بالضوابط المعلنة في هذا الشأن أكثر من مرة.

يذكر أن السلطات التركية قررت في فبراير (شباط) الماضي ترحيل الإعلامي المقرب من «الإخوان» حسام الغمري، إلى إحدى الدول الأوروبية المجاورة، بعدما قيدت إقامته لمدة تزيد على شهرين بسبب تحريضه ضد مصر. وعاد الغمري الشهر الماضي إلى القاهرة بعد رفع اسمه من «قوائم الإرهاب».


مقالات ذات صلة

جمود يضرب مفاوضات اختيار الرئاسات العراقية

المشرق العربي جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)

جمود يضرب مفاوضات اختيار الرئاسات العراقية

من المفترض أن يقدم تحالف «الإطار التنسيقي» في العراق مرشحه النهائي لرئاسة الحكومة خلال أسبوعين «حداً أقصى».

حمزة مصطفى (بغداد)
شمال افريقيا ناخبة قبل الإدلاء بصوتها في محافظة دمياط بشمال مصر (تنسيقية شباب الأحزاب)

مصر: «هيئة الانتخابات» تنشد إقبالاً أكبر وسط مؤشرات على «تراجع» المشاركة

جددت الهيئة الوطنية للانتخابات بمصر دعوتها المواطنين للإقبال على صناديق الاقتراع، وسط مؤشرات سابقة تشير إلى «تراجع» المشاركة في جولات سابقة شهدتها الانتخابات.

علاء حموده (القاهرة)
أوروبا الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي يصل لتوقيع نسخ من كتابه «مذكرات سجين» (Le journal d'un prisonnier)، الذي يروي فيه فترة احتجازه التي دامت ثلاثة أسابيع في مكتبة «لا مارتين» بباريس في فرنسا 10 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

ساركوزي قد يمثل أمام القضاء مجدداً بشبهة التلاعب بالشهود

قد يُحال الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي إلى محاكمة جديدة، رغم إدانته في قضية تمويل حملته الرئاسية من ليبيا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أميركا اللاتينية الرئيس المنتخب في تشيلي خوسيه أنطونيو كاست والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو (أ.ف.ب)

انتقادات حادة متبادلة بين الرئيس المنتخب في تشيلي ومادورو

وجّه الرئيس المنتخب في تشيلي خوسيه أنطونيو كاست الثلاثاء انتقادات حادة إلى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، واصفاً إياه بأنه «ديكتاتور اتجار بالمخدرات».

«الشرق الأوسط» (سانتياغو (تشيلي))
شمال افريقيا جانب من جلسات «الحوار المهيكل» الذي ترعاه البعثة الأممية في طرابلس الاثنين (البعثة الأممية)

ليبيا: تضارب وشكوك تلاحق «الحوار الأممي المهيكل»

يرى محللون سياسيون وأحزاب ليبية في آلية اختيار الأعضاء «سرية وتخبطاً وتكراراً لوجوه سابقة، واتهامات بإعادة إنتاج الأزمة بدلاً من حلها».

خالد محمود (القاهرة)

تحديث مصري لنماذج التنبؤ ورصد المياه المقبلة من منابع النيل

وزير الري المصري هاني سويلم يتابع إجراءات تحديث مراكز التنبؤ والرصد في اجتماع الأربعاء (وزارة الموارد المائية والري المصرية)
وزير الري المصري هاني سويلم يتابع إجراءات تحديث مراكز التنبؤ والرصد في اجتماع الأربعاء (وزارة الموارد المائية والري المصرية)
TT

تحديث مصري لنماذج التنبؤ ورصد المياه المقبلة من منابع النيل

وزير الري المصري هاني سويلم يتابع إجراءات تحديث مراكز التنبؤ والرصد في اجتماع الأربعاء (وزارة الموارد المائية والري المصرية)
وزير الري المصري هاني سويلم يتابع إجراءات تحديث مراكز التنبؤ والرصد في اجتماع الأربعاء (وزارة الموارد المائية والري المصرية)

تواصل الحكومة المصرية إجراءات متابعة تدفقات مياه نهر النيل بعد أن تعرضت أراضٍ زراعية للغرق خلال الأشهر الماضية؛ بسبب ما وصفته بـ«الإدارة غير المنضبطة لسد النهضة الإثيوبي»؛ وقررت وزارة الري والموارد المائية تحديث نماذج التنبؤ والرصد بدول منابع النيل.

وبين مصر وإثيوبيا توترات متصاعدة بسبب «سد النهضة» الذي دشنته أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل دون التنسيق مع دولتَي المصب، مصر والسودان.

وناقش اجتماع عقده وزير الموارد المائية والري، هاني سويلم، الأربعاء، إجراءات «تحديث نماذج التنبؤ والرصد بدول منابع النيل لتقدير كميات المياه الواصلة لبحيرة السد العالي» بجنوب البلاد.

ولجأت مصر، الشهر الماضي، إلى فتح «مفيض توشكى» لتصريف كميات المياه الزائدة خلف «السد العالي» عقب شكواها من إدارة «غير منضبطة» للسد الإثيوبي، و«تصريفات عشوائية» لمياه النيل الأزرق، الذي يعد المنبع الرئيسي لنهر النيل في السودان ومصر.

متابعة مصرية يومية لتدفق مياه نهر النيل (وزارة الري المصرية)

وقال أستاذ الموارد المائية بالمركز القومي للبحوث، أحمد فوزي دياب، إن نماذج التنبؤ بالأمطار وتدفقات المياه إلى نهر النيل تشكل جزءاً رئيسياً من السياسة المائية للدولة، ويزداد الاهتمام بها «نظراً لعدم إبلاغ إثيوبيا دولتَي المصب بتصريفات المياه من سد النهضة، ما يجعل التحديث المستمر في تقنياتها أمراً مطلوباً».

وأوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن نماذج التنبؤ «تقوم على معادلات رياضية من خلال حساب كميات الأمطار المتوقعة والمياه الواردة من دولة المنبع (إثيوبيا) إلى السودان، ومنها إلى مصر، وقياس إيراد النيل حسب الطبيعة الجغرافية واستخدامات الدول وحركة الفيضان للتعرف على كميات المياه القصوى والدنيا التي يمكن أن تصل إلى مصر».

وعددّت الحكومة المصرية إجراءات مواجهة فيضانات النيل بعد أن تعرّضت أراضٍ زراعية ومنازل للغرق في عدد من المناطق بدلتا النيل في شمال البلاد، مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وقالت إنها أولت اهتماماً بعمليات تطهير الترع وإزالة التعديات على أراضي «طرح النهر» إلى جانب إقدامها على فتح «مفيض توشكى» لاستيعاب كميات المياه حال زيادة منسوب مياه النيل.

ووجهت الحكومة المصرية الشهر الماضي اتهامات لإثيوبيا بالقيام بـ«تصرفات متتابعة في سد النهضة في غياب للضوابط الفنية والعلمية في تشغيله، مع استمرار النهج العشوائي في إدارته، بما يعرض نهر النيل لتقلبات غير مأمونة التأثير»، وأكدت أن «الإدارة الأحادية للسد تُمثل تهديداً لحقوق ومصالح دولتَي المصب، وتؤثر على تشغيل السدود الواقعة خلف سد النهضة».

لكن دياب أكد أن أي مخاطر سلبية من سد النهضة يمكن التعامل معها عبر منظومة إدارة المياه في مصر، وأن السد العالي إلى جانب مفيض توشكى لديهما القدرة على استيعاب تدفق كميات كبيرة من المياه على المدى القريب أو البعيد.

وركز اجتماع وزير الري، الأربعاء، على تعزيز التعاون بين مصر ودول حوض النيل، وذلك من خلال «تنفيذ مشروعات لخدمة المواطنين بهذه الدول مثل إنشاء آبار جوفية تعمل بالطاقة الشمسية لأغراض الشرب، وخزانات أرضية، ومراسٍ نهرية، ومشروعات لمكافحة الحشائش، وإنشاء مراكز للتنبؤ بالفيضان، ومركز لنوعية المياه، وتنفيذ دراسات فنية للإدارة المتكاملة للموارد المائية بدول حوض النيل».

ويؤكد أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، أن مصر تمتلك مراكز لمتابعة حالة الأمطار والتنبؤ بها عن طريق الأقمار الاصطناعية وتتبع السحب وسرعتها وكثافتها وزمن وصولها إلى مناطق منابع النيل باستخدام نماذج رياضية لتحديد الكميات الواردة، وأن التحديث المستمر فيها ضروري في ظل وجود متغيرات تمثلت في تدفقات المياه من سد النهضة، ووجود إدارة مائية منفردة عليه من جانب إثيوبيا.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن مصر تحسب إيراد النيل وفقاً لتقديرات سنوية للتعرف على منسوب المياه في المعدلات الطبيعية، «لكن ما حدث بعد تشغيل سد النهضة أن وصول المياه يُمكن أن يختلف من شهر إلى آخر بسبب غلق بوابات السد وفتحها بتوقيتات غير معروفة وغير منتظمة».

وتضع مصر سياسة مائية تبدأ مع العام المائي في مطلع أغسطس (آب) الذي ينتهي في يوليو (تموز)، وفقاً لشراقي الذي أكد أنه «لا مخاوف من تراجع إيراد النيل، ولكن يمكن أن تتدفق كميات كبيرة من المياه في شهر وتنخفض في آخر بسبب فتح توربينات سد النهضة أو غلقها».

وقال وزير الموارد المائية المصري في تصريحات إعلامية، الاثنين الماضي: «النمط الإثيوبي في إدارة الأنهار الدولية يعتمد على افتعال الأزمات»، محذراً من «سوء إدارة سد النهضة في الجفاف والفيضان، وهو ما يترك تبعات خطيرة على دولتَي مصب نهر النيل».


آلاف التونسيين يتظاهرون ضد التلوث البيئي في قابس

أهالي قابس ناشدوا الرئيس قيس سعيد تفكيك مجمع للصناعات الكيميائية بسبب التلوث (أ.ف.ب)
أهالي قابس ناشدوا الرئيس قيس سعيد تفكيك مجمع للصناعات الكيميائية بسبب التلوث (أ.ف.ب)
TT

آلاف التونسيين يتظاهرون ضد التلوث البيئي في قابس

أهالي قابس ناشدوا الرئيس قيس سعيد تفكيك مجمع للصناعات الكيميائية بسبب التلوث (أ.ف.ب)
أهالي قابس ناشدوا الرئيس قيس سعيد تفكيك مجمع للصناعات الكيميائية بسبب التلوث (أ.ف.ب)

خرج الآلاف من أهالي مدينة قابس، جنوبي تونس، الأربعاء، في مسيرة جديدة، مطالبين الرئيس قيس سعيد، والسلطات المحلية بتفكيك مجمع للصناعات الكيميائية بسبب التلوث البيئي، حسبما ذكر تقرير لوكالة الصحافة الألمانية.

وهذا أحدث تحرك احتجاجي في المدينة، الواقعة على جنوب الساحل التونسي، بعد مسيرات سابقة، وإضراب عام في 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، للضغط على السلطة.

وخلال المظاهرة ردَّد المحتجون بشكل خاص «الشعب يريد تفكيك الوحدات»، ورفعوا شعار «أنقذوا قابس».

وعلى مدار الأشهر الأخيرة شهدت قابس حالات اختناق جماعية متكررة بين أطفال في مدرسة «شط السلام»، القريبة من المجمع الكيميائي، مما أثار غضب الأهالي.

وتصنَّف قابس من بين الواحات البحرية النادرة في البحر الأبيض المتوسط، لكنَّ التلوث الممتد لعقود، ومنذ تأسيس المجمع الكيميائي عام 1972، أضر كثيراً بالبيئة والهواء والشواطئ والثروة السمكية، ووضع المنطقة أمام مستقبل قاتم.

وتسعى الحكومة على الأرجح إلى استكمال مشاريع سابقة للحد من التلوث المنبعث من المجمع الكيميائي، لتفادي التكلفة الاقتصادية والمالية للتفكيك، وهو ما يرفضه الأهالي والمجتمع المدني في قابس.

ومنذ إنشاء المجمع الكيميائي عام 1972، تحول «خليج قابس» إلى واحد من أكثر المواقع تلوثاً في البحر الأبيض المتوسط، حيث يمكن ملاحظة سواد المواد السامة وهي تطفو على سطح مياه الخليج.

ويحوِّل المجمع الكيميائي الفوسفات القادم من مناجم ولاية قفصة إلى حمض فوسفوري ومواد كيميائية، مثل «الأمونيتر» و«فوسفات الأمونيوم»، ثم يصب نفاياته الصناعية في البحر دون معالجة، بمعدل يصل إلى 14 ألف طن من مادة «الفوسفوجيبس» يومياً، وهي كميات كفيلة بتحويل البحر إلى مقبرة للثروة السمكية، التي كانت تتباهى بها الولاية قبل عقود، حسب خبراء.

ويُنتج المجمع أيضاً سماد DAP 18-46 المعروف بسمّية تصنيعه، وهو نفس السماد، الذي أوقفت فرنسا تصنيعه وظلت تستورده من تونس، غير آبهة بمطالبات داخلية بوقف استيراده بسبب تكلفته البيئية والصحية.


«قوات الدعم السريع» السودانية أخفت أدلة على فظائع في الفاشر

سودانيون خلال مظاهرة الأسبوع الماضي في مروة ضد «قوات الدعم السريع» (إ.ب.أ)
سودانيون خلال مظاهرة الأسبوع الماضي في مروة ضد «قوات الدعم السريع» (إ.ب.أ)
TT

«قوات الدعم السريع» السودانية أخفت أدلة على فظائع في الفاشر

سودانيون خلال مظاهرة الأسبوع الماضي في مروة ضد «قوات الدعم السريع» (إ.ب.أ)
سودانيون خلال مظاهرة الأسبوع الماضي في مروة ضد «قوات الدعم السريع» (إ.ب.أ)

قامت «قوات الدعم السريع» السودانية بتدمير وإخفاء أدلة على عمليات قتل جماعي، ارتكبتها بعد اجتياحها مدينة الفاشر في إقليم دارفور بغرب البلاد، وفق ما كشف تقرير جديد.

وقال «مختبر الأبحاث الإنسانية» بجامعة ييل، الذي يستخدم صوراً للأقمار الاصطناعية لرصد الفظائع منذ بدء الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، الثلاثاء، إن هذه الأخيرة «دمرت وأخفت أدلة على عمليات القتل الجماعي واسعة النطاق، التي ارتكبتها» في عاصمة ولاية شمال دارفور.

وأثارت سيطرة «قوات الدعم السريع» العنيفة على آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، غضباً دولياً بسبب تقارير تحدثت عن عمليات إعدام خارج إطار القضاء، واغتصاب ممنهج واحتجاز جماعي. وأكد «مختبر الأبحاث الإنسانية» أنه حدد في أعقاب سيطرة «الدعم السريع» على المدينة 150 أثراً يتطابق مع رفات بشرية. وتتطابق عشرات من هذه الآثار مع تقارير عن عمليات الإعدام، كما تتطابق عشرات أخرى مع تقارير تفيد بأن «قوات الدعم السريع» قتلت مدنيين أثناء فرارهم.

وأضاف المختبر، حسب تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أنه في غضون شهر اختفى ما يقرب من 60 من تلك الآثار، بينما ظهرت 8 مناطق حفر قرب مواقع القتل الجماعي، لا تتوافق مع ممارسات الدفن المدنية. وخلص التقرير إلى أن «عمليات قتل جماعي، وتخلص من الجثث على نطاق واسع ومنهجي قد حدثت»، مقدراً عدد القتلى في المدينة بعشرات الآلاف. وطالبت منظمات إغاثة والأمم المتحدة مراراً بالوصول الآمن إلى الفاشر، حيث لا تزال الاتصالات مقطوعة، ويُقدر عدد الناجين المحاصرين بعشرات الآلاف، وكثير منهم محتجزون لدى «قوات الدعم السريع».

وأمس الثلاثاء، أعربت منظمة الصحة العالمية عن قلقها إزاء تقارير تفيد باحتجاز أكثر من 70 من أفراد طواقم صحية، ونحو خمسة آلاف مدني بشكل قسري في نيالا بجنوب غربي السودان.

وأسفرت الحرب المتواصلة في السودان، منذ 15 أبريل (نيسان) 2023، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو، عن مقتل عشرات الآلاف. ودفعت الحرب نحو 12 مليوناً إلى النزوح داخل البلاد أو اللجوء إلى خارجها، وأدت إلى تدمير البنية التحتية، مما جعل السودان يعاني «أسوأ أزمة إنسانية» في العالم، حسب الأمم المتحدة.

وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، على «إكس»: «نشعر بالقلق إزاء التقارير الواردة من نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور السودانية، التي تفيد باحتجاز أكثر من 70 عاملاً في مجال الرعاية الصحية، بالإضافة إلى نحو خمسة آلاف مدني». مضيفاً أن المعتقلين «محتجزون في ظروف غير صحية، كما هناك تقارير عن تفشي الأمراض».