الأوروبيون يرفضون إعطاء السلطات السورية «شيكاً على بياض» رغم تجميد بعض العقوبات

مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي: سنعيد فرضها «إذا اتخذت خطوات خاطئة»

مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس متحدثة للصحافة الاثنين في بروكسل بمناسبة اجتماع المجلس الأوروبي (أ.ب)
مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس متحدثة للصحافة الاثنين في بروكسل بمناسبة اجتماع المجلس الأوروبي (أ.ب)
TT

الأوروبيون يرفضون إعطاء السلطات السورية «شيكاً على بياض» رغم تجميد بعض العقوبات

مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس متحدثة للصحافة الاثنين في بروكسل بمناسبة اجتماع المجلس الأوروبي (أ.ب)
مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس متحدثة للصحافة الاثنين في بروكسل بمناسبة اجتماع المجلس الأوروبي (أ.ب)

يجد الاتحاد الأوروبي نفسه اليوم، إزاء الملف السوري الجديد، بعد شهرين من سقوط نظام الرئيس الأسبق بشار الأسد أمام خيارَيْن لا ثالث لهما: إما أن يكون لاعباً فاعلاً ويبادر ويتحرك، وإما أن يبقى على الهامش ويترك اللاعبين الآخرين يقررون ما يريدونه لسوريا.

ووفق مصدر سياسي فرنسي، فإن «استقرار سوريا مفيد للسوريين والاستقرار الإقليمي، ولكن أيضاً لأوروبا» التي ترى فائدته في تجنّب هجرات جديدة باتجاهها؛ مما سيكون له تأثير في أوضاعها السياسية الداخلية وتشجيع نسبة من السوريين للعودة إلى بلادهم، فضلاً عن أن ورشة إعادة الإعمار، عندما تنطلق، يمكن أن توفّر فرصاً استثمارية للشركات الأوروبية. والطريق إلى ذلك كله يمر عبر رفع العقوبات أو على الأقل تعليقها وربطها بـ«خريطة طريق» يتعيّن على السلطات السورية الجديدة أن تتقيّد بها.

ولأن فرنسا تريد أن تكون سباقة في هذا المجال، فقد كانت أول من أرسل بعثة دبلوماسية أوروبية إلى دمشق، ثم زارها وزير خارجيتها بصحبة نظيرته الألمانية. كذلك، فإنها على درب تنظيم مؤتمر دولي لمساعدتها تستضيفه باريس في 13 فبراير (شباط) المقبل. وعكست تصريحات جان نويل بارو، وزير خارجيتها، يوم الاثنين، هذه الرغبة، بإعلانه بشكل قاطع، أن الاتحاد الأوروبي سيعمد إلى تعليق عقوباته على سوريا في ثلاثة قطاعات «الطاقة والنقل والمؤسسات المالية». وبنظره، فإن العقوبات «تعوق اليوم الاستقرار الاقتصادي في البلاد وبداية عملية إعادة الإعمار».

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في حديثه للصحافة الاثنين في مقر الاتحاد الأوروبي ببروكسل للمشاركة في اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين (أ.ف.ب)

بيد أن بارو سارع لطرح شروط النادي الأوروبي «التي يتوافق حولها غالبية الأوروبيين»، بقوله إن «تعليق العقوبات يجب أن يكون مشروطاً بتحقيق انتقال سياسي يشمل جميع السوريين، بالإضافة إلى اتخاذ تدابير حازمة لضمان الأمن، ومواصلة مكافحة أي شكل من أشكال عودة الإرهاب من قِبل تنظيم (داعش)، وضمان الأمن، وكذلك الكشف عن تدمير مخزون الأسلحة الكيماوية للنظام السوري السابق». وكان بإمكان بارو أن يُضيف حقوق المرأة ووضع الأكراد والتنوع المجتمعي ومشاركة كل الأطياف في بناء سوريا الجديدة.

كايا كالاس في حديث جانبي مع وزيرة الخارجية الألمانية أنجلينا بيربوك على هامش اجتماع وزراء الخارجية في العاصمة البلجيكية (د.ب.أ)

وما قاله الوزير الفرنسي جاءت عليه أيضاً مسؤولة السياسة الخارجية، كايا كالاس، ووزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، وآخرون. وقالت كالاس، الاثنين، إنه «إذا كانت خطوات (السلطات الجديدة) تسير في الاتجاه الصحيح، فنحن أيضاً مستعدون لاتخاذ خطوات (إضافية) من جانبنا». ومن الخطوات الموعودة إعادة فتح السفارة الأوروبية في دمشق. وخلاصة بارو أن «أمن الأوروبيين والفرنسيين يرتبط أيضاً بما يحدث في سوريا».

التحاق بالركب الأميركي

وما كان للأوروبيين أن يقدموا على خطوة تعليق بعض العقوبات لو لم تأتِ الإشارة من الولايات المتحدة التي أصدرت وزارة خزانتها، في السابع من الشهر الحالي، ترخيصاً مدته ستة أشهر يجيز تخفيف بعض العقوبات على سوريا؛ «بحيث لا تعوق الأنشطة التي تلبي الحاجات الإنسانية الأساسية، ومنها توفير الخدمات العامة وإيصال المساعدات». ووفق ماهر خليل الحسن، وزير التجارة السوري، فإن «العقوبات تعوق مثلاً، إبرام صفقات تتناول استيراد الوقود أو حتى القمح أو البضائع الرئيسية بسبب العقوبات الأميركية الصارمة».

الشرع ووزير الخارجية السوري يلتقيان وفداً نسائياً من الجالية السورية في أميركا (سانا)

وتكمن مشكلة الأوروبيين في عدم رغبتهم بإعطاء السلطات الجديدة «شيكاً على بياض». ولذا، فإن «التعليق» يتيح لهم التراجع إذا ما رأوا أن الأفعال لا تتوافق مع الوعود. وتأتي الأحداث الأمنية المتنقلة لتدفعهم إلى الحذر. ويلخص المصدر المشار إليه الوضع الراهن، بأن سياسة الأوروبيين تقول إنه «يتوجب على السوريين أن يستحقوا تعليق أو رفع العقوبات نهائياً، لاحقاً، وهذه مسؤوليتهم، ونحن نراقب ما سيقومون به ونتصرف على أساسه».

تصفح مطبوعات في إحدى المكتبات بدمشق بعضها كان ممنوعاً فترة نظام الأسد (أ.ف.ب)

وحسب وزير الخارجية الإيطالي فإن دعم سوريا سيكون «مضموناً؛ إذ كانت السلطات تريد توحيد البلاد من خلال منح الحقوق نفسها إلى جميع المواطنين. الرسالة التي نطلقها هي أننا نريد أن نفتح الباب، لكن مع إبقاء أعيننا مفتوحة». وأوضحت كالاس أنه في حال بدء رفع العقوبات «فسيتعيّن على السلطات أن تطلق عملية إعادة بناء البلاد».

الدعوة إلى «إجراءات حاسمة»

ويأتي الحراك الأوروبي في حين دعا مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، بعد زيارة لسوريا، المجتمع الدولي، إلى المسارعة باتخاذ ما سمّاها «إجراءات سريعة وحاسمة»؛ لمساعدة السوريين وتسهيل النازحين واللاجئين في العودة إلى بلادهم. وجاء في بيان يركّز على ملف اللاجئين صدر عنه الاثنين، ما يلي: «نحتاج إلى نهج شامل لجعل العودة مستدامة وآمنة وكريمة، ولمنع مزيد من النزوح في الأمد البعيد. وهذا يعني الاستثمار في الوظائف، واستعادة الرعاية الصحية، وإعادة بناء المدارس، وإعادة تأسيس الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه النظيفة. بالإضافة إلى ذلك، فإن رفع العقوبات سيعمل محفزاً حيوياً للتعافي، ويمهد الطريق أمام عودة مزيد من السوريين إلى ديارهم».

وجاء أيضاً في بيانه أنه «يتعيّن علينا اغتنام هذه الفرصة الحاسمة لمساعدة البلاد على الخروج من سنوات من الأزمة وسفك الدماء. يتخذ الكثير من الأسر خطوة شجاعة بالعودة إلى ديارها، راغبة في مستقبل أفضل، لكنها تواجه صعوبات هائلة: منازل مدمرة ومتضررة، وبنية تحتية محطمة، وفقر واسع النطاق».

ما شخّصه غراندي ودعا إليه، جاء مثله في تقرير صدر قبل يومين، عن منظمتين أمميتين «الأسكوا» و«الأونكتاد» تحت عنوان: «سوريا عند مفترق طرق: نحو مرحلة انتقالية مستقرة». وقالت الأمينة العامة التنفيذية لـ«الإسكوا»، رولا دشتي، إن «كل جانب من جوانب الحياة في سوريا قد تآكل. ويؤكد تقريرنا الحاجة الملحة إلى إعادة بناء البلاد، ليس على مستوى البنية التحتية فحسب، بل أيضاً من خلال تعزيز الثقة والحوكمة والتماسك الاجتماعي». وجاء في التقرير أنه «إضافة إلى الانهيار الاقتصادي، تبقى الأوضاع الإنسانية في سوريا كارثية. إذ يحتاج نحو 16.7 مليون شخص -ما يزيد على ثلثي سكان البلاد- إلى أحد أشكال المساعدة الإنسانية. وهناك سبعة ملايين نازح داخلياً، فيما تستمر معدلات سوء التغذية المزمن في الارتفاع.

لا يملك معظم العوائل المحتاجة إلى المساعدات الغذائية خصوصاً سكان المخيمات دخلاً كافياً لتأمين الخبز لأفرادها (الشرق الأوسط)

وقالت دشتي: «هذه واحدة من أطول الأزمات الإنسانية في العالم، والنتائج تشير بوضوح إلى إمكانية تفاقمها إذا لم تُتخذ خطوات عاجلة. وتعافي سوريا لا يقتصر على إعادة إعمار المدن، بل يتطلب الاستثمار في الإنسان، واستعادة الثقة بالمؤسسات، وتهيئة الظروف التي تُمكّن العائلات من استعادة حياتها الطبيعية».

قطعاً، يصعب على السوريين تحقيق جميع هذه الأهداف إذا بقيت العقوبات الصارمة مفروضة عليهم. إلا أن تجميد بعضها أو حتى رفعها، لن يكون سوى الخطوة الأولى في مسار الألف ميل، نظراً إلى الكم الهائل من التحديات التي يواجهها السوريون اليوم.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي: يجب الحفاظ على سلامة أراضي مملكة الدنمارك

أوروبا أعلام الاتحاد الأوروبي خارج المقر الرئيسي في بروكسل (رويترز)

الاتحاد الأوروبي: يجب الحفاظ على سلامة أراضي مملكة الدنمارك

​قال أنور العنوني، المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، الاثنين، إنه ‌يجب ‌الحفاظ ‌على سلامة ⁠أراضي ​مملكة ‌الدنمارك وسيادتها بما في ذلك غرينلاند.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
حصاد الأسبوع الرئيس الأوكراني فولودمير زيلينسكي محاطاً بقادة أوروبيين ومفاوضين أميركيين في برلين يوم 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)

واشنطن تُخاطر بالتحوّل من حليف للاتحاد الأوروبي إلى خصم

شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في عهد دونالد ترمب، بولايته الثانية، تحوّلاً نوعياً وعميقاً، انتقلت فيه القارة الأوروبية من موقع الشريك الاستراتيجي التقليدي إلى هدف سياسي معلن في الخطاب الأميركي الجديد. لم يعد البيت الأبيض يقدّم الاتحاد الأوروبي بوصفه ركيزة للنظام الغربي، بل كعبءٍ حضاري وأمني واقتصادي يحتاج إلى «تصحيح» جذري في البنية والسياسات والقيادة. هذا التغيّر في الرؤية لم يبقَ حبيس اللغة الدبلوماسية، بل خرج في الأسابيع الأخيرة إلى العلن عبر تصريحات نارية من واشنطن وتسريبات لأخبار ووثائق أثارت قلق بروكسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
أوروبا رئيسة المفوضية مع رئيس المجلس الأوروبي ورئيسة وزراء الدنمارك (إ.ب.أ)

الاتحاد الأوروبي يقرض أوكرانيا 90 مليار يورو

بعد شهور من النقاش والجدل، توصَّل قادة الاتحاد الأوروبي في قمتهم ببروكسل، إلى حلّ وسط في الساعات الأولى أمس، بشأن تمويل أوكرانيا على مدار العامين المقبلين، من.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا جنود ألمان في برلين (أرشيفية - رويترز)

الجيش الألماني يفتح تحقيقاً في تشغيل مقطع محظور من نص النشيد الوطني

أطلق الجيش الألماني تحقيقاً بعد قيام منسق أغانٍ (دي جيه) بعزف المقطع الأول من النشيد الوطني لألمانيا والمعروف بـ«أغنية ألمانيا» خلال حفلة عيد الميلاد في ثكنة.

«الشرق الأوسط» (برلين )
الاقتصاد أعلام الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا ترفرف خارج مبنى البرلمان الأوروبي في بروكسل (رويترز)

أوروبا تطلق حزمة إنقاذ لـ«كييف» بـ105 مليارات دولار عبر أسواق المال

وافق قادة الاتحاد الأوروبي، يوم الجمعة، على تقديم قرض ضخم بقيمة 90 مليار يورو (105 مليارات دولار) لأوكرانيا دون فوائد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

شقيق الضباط اللبناني يروي تفاصيل استدراجه واختفائه

عناصر من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» في دورية مشتركة قرب الناقورة في جنوب لبنان (أرشيفية - رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» في دورية مشتركة قرب الناقورة في جنوب لبنان (أرشيفية - رويترز)
TT

شقيق الضباط اللبناني يروي تفاصيل استدراجه واختفائه

عناصر من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» في دورية مشتركة قرب الناقورة في جنوب لبنان (أرشيفية - رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» في دورية مشتركة قرب الناقورة في جنوب لبنان (أرشيفية - رويترز)

لم تتبدد الصدمة عن وجوه أفراد عائلة النقيب المتقاعد من «الأمن العام» اللبناني أحمد شكر، المخطوف منذ أيام، وذلك بعد ترجيحات أمنية وقضائية لبنانية بأن المخابرات الإسرائيلية اختطفته على خلفية صلات مشبوهة باختفاء الطيار الإسرائيلي رون آراد في جنوب لبنان عام 1986.

ويقول شقيقه عبد السلام شكر، إن قصة أحمد بدأت بعدما تواصل معه المغترب اللبناني في كينشاسا (ع. م.)، طالباً منه استئجار شقته في منطقة الشويفات (جنوب بيروت)، وبالفعل اتفقا قبل أشهر، ودفع 500 دولار إيجار الشقة. تكررت زيارات المغترب إلى لبنان، والتقى في إحداها بشكر في منزله، ولاحقاً، اتصل بالنقيب المتقاعد أحمد شكر ليبلغه بأن هناك متمولاً كبيراً في أفريقيا يُدعى سليم كساب (تبين لاحقاً أنه اسم وهمي) يبحث عن قطعة أرض لشرائها في زحلة، طالباً مساعدتهما.

يضيف عبد السلام: «نزل المغترب وعاين قطعة الأرض، وبعد أسبوعين على مغادرته، اتصل ليبلغ بأن المتمول كساب وافق على شراء الأرض، وهو سيزور لبنان، وعليه أن يلاقيه فيها في الساعة 4 والنصف من بعد ظهر يوم اختفاء أحمد»، مشيراً إلى أن المغترب «أصرّ على أن يكون هذا الموعد؛ لأنه يناسب الشاري، رغم تأكيد أحمد أن هذا الوقت تكون العتمة قد حلّت في المنطقة، ولن تظهر طبيعة الأرض». وقال إن المغترب «اعتذر عن عدم الحضور، متذرعاً بأن قدمه قد كُسِرت، وأن المتمول سيزور المكان وحده، برفقة أحمد».

في تلك الساعة من اللقاء، اختفى شكر. يقول عبد السلام: «لا نعلم عنه أي شيء سوى من التسريبات الأمنية والقضائية»، مضيفاً: «ما علمناه أن الخاطفين كانوا استأجروا منزلاً في زحلة، وأزالوا كل بصماتهم منه بعد اختطاف أحمد»، وأن «كاميرات المراقبة رصدت تحرك السيارة باتجاه بلدية الصويرة في البقاع الغربي حيث اختفت الأدلة بعدها»، علماً بأن الصويرة كانت تُستخدم كخط تهريب من جنوب دمشق الغربي، باتجاه لبنان.

ولاء للدولة

ويضيف عبد السلام: «أخي قضى أربعين عاماً في السلك العسكري، لم يكن ولاؤه إلا للدولة والمؤسسات، ولم يرتبط طوال حياته بأي من الأحزاب... نحن عائلة لا تتعاطى السياسة».

وشكر، تعرّض قبل أسبوع لعملية استدراج محكمة انطلقت من مسقط رأسه في بلدة النبي شيت (البقاع الشمالي بشرق لبنان)، قبل أن يُفقد أثره في نقطة قريبة جداً من مدينة زحلة.

الضابط المتقاعد من «الأمن العام اللبناني» أحمد شكر الذي خُطف من شرق لبنان (أرشيف العائلة - الشرق الأوسط)

في دارة مختار بلدة النبي شيت عباس شكر، يتوافد أبناء البلدة والأصدقاء الذين أعربوا عن احتجاجهم واستنكارهم لعملية الخطف والاختفاء.

تقول العائلة إن أحمد شكر تقاعد قبل 9 سنوات، بعد أربعين عاماً من الخدمة في الأمن العام، وتنقل خلالها بأكثر من موقع، بينها نقطة المصنع الحدودية مع سوريا، ونقطة القاع الحدودية مع سوريا أيضاً في شمال شرقي لبنان.

ويقول شقيقه عبد السلام لـ«الشرق الأوسط»: «شقيقي دخل الخدمة العسكرية في 1979، ما يعني أنه كان (ابن دولة) حين اختفى آراد في عام 1986... ومن المعروف أن ابن الدولة، لا يتعاطى الأحزاب».

ويردّ على محاولات ربط العائلة بنسب إلى فؤاد شكر، القيادي في «حزب الله» الذي اغتالته إسرائيل في يوليو (تموز) 2024 في الضاحية الجنوبية، بالقول: «لم يكن أحد من أبناء البلدة يعرف فؤاد شكر أصلاً... منذ مطلع الثمانينات خرج من البلدة ولم يعد إليها، وكان بعيداً عن أقربائه»، مشدداً على أن شقيقه، ومنذ تقاعده من الخدمة العسكرية، «لم يخرج خارج البقاع. التزم بيته، ويلعب الورق مع أصدقائه ليلاً».

عبد السلام شكر شقيق المخطوف أحمد شكر يتحدث لـ«الشرق الأوسط» من بلدة النبي شيت (الشرق الأوسط)

ويخيم الذهول على العائلة وزائري المنزل. هو مشهد متواصل منذ اختفائه في الأسبوع الماضي، ولم يتسارع الملف بمنحى رسمي، إلا حين اتصل نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، بالرئيس اللبناني جوزيف عون، وبوزير الداخلية أحمد الحجار، حسبما يقول عبد السلام، مضيفاً أن عون «تعهّد بطلب من الأجهزة الأمنية والقضائية التوسع في التحقيقات وكشف الملابسات». وقال إن المسؤولين في «حركة أمل» كانوا على اتصال دائم مع رئيس البرلمان نبيه بري، لمتابعة الملف.

لغز الاختفاء

وقال عبد السلام: «نطالب القضاء والأجهزة الأمنية بتأكيد أو نفي التسريب حول صلة مزعومة باختفاء رون آراد، هذا التسريب الذي حصل لا يعنينا، ما يعنينا هو ما تقوله الأجهزة الأمنية والأمن العام الذي ينتمي له شكر، وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي التي تتولى التحقيق».

وأكد عبد السلام شكر أن «لغز الاختفاء موجود لدى (ع. م) ابن بلدة قانا الجنوبية الذي يقيم في كينشاسا ويتهرب من اتصالاتنا، وعلى الدولة اللبنانية أن تطلب عبر الإنتربول توقيفه وإحضاره إلى لبنان للتحقيق معه»، لافتاً إلى أن أرقام هواتفه «لم يعد يرد عليها»، وأن جميع المعلومات المتوفرة عنه، بما فيها مقاطع فيديو له، باتت بحوزة الأجهزة الأمنية.

ويعرب شكر عن اعتقاده بأن المغترب (ع. م.) «هو من رتب القصة مع الموساد، وأوصلهم إلى هذه المرحلة، ونفذوا العملية بطريقة دقيقة واحترافية»، لافتاً إلى أن ما فهمته العائلة من الأجهزة الأمنية اللبنانية، أن الخاطفين لم يتركوا أي بصمات، لا في شقة ضهور زحلة، ولا في الشويفات، ولم يتم العثور على أي دليل، كما أن سيارة الخاطفين ما زالت مجهولة».


عون: عودة سكان جنوب لبنان إلى ديارهم أولوية

الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل الموفد الخاص لرئيس الوزراء العراقي إحسان العوادي (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل الموفد الخاص لرئيس الوزراء العراقي إحسان العوادي (الرئاسة اللبنانية)
TT

عون: عودة سكان جنوب لبنان إلى ديارهم أولوية

الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل الموفد الخاص لرئيس الوزراء العراقي إحسان العوادي (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل الموفد الخاص لرئيس الوزراء العراقي إحسان العوادي (الرئاسة اللبنانية)

شهد المشهد الرسمي اللبناني عشية الأعياد حركة سياسية ودبلوماسية لافتة، تمحورت حول ملف عودة الجنوبيين إلى قراهم وبلداتهم، واستمرار الدعم العربي لإعادة الإعمار، إلى جانب متابعة الملفات التشريعية والاقتصادية.

وفي هذا الإطار، أكّد الرئيس اللبناني جوزيف عون أن عودة الجنوبيين تمثل أولوية وطنية، فيما ثمّن رئيس مجلس النواب نبيه برّي وقوف العراق إلى جانب لبنان واستعداده للمساهمة في إعادة إعمار ما خلّفته الاعتداءات الإسرائيلية.

وأكّد عون أن «عودة الجنوبيين إلى بلداتهم وقراهم هي الأولوية بالنسبة إلى لبنان، للمحافظة على كرامتهم ووضع حد لمعاناتهم المستمرة حتى اليوم».

ورأى عون، خلال استقباله الموفد الخاص لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والوفد المرافق، أن المبادرة التي أعلنها رئيس الوزراء العراقي خلال القمة العربية التي انعقدت في بغداد في مايو (أيار) الماضي، بتخصيص مبلغ 20 مليون دولار لإعادة الإعمار في لبنان، «شكّلت منطلقاً لمساعدات عربية ودولية لإعمار ما هدمته الاعتداءات الإسرائيلية المتتالية على لبنان».

وشدّد على متانة العلاقات اللبنانية - العراقية، معتبراً أن «قواسم مشتركة عدة تجمع بين الشعبين اللبناني والعراقي»، شاكراً ما قدّمه العراق من دعم للبنان وللشعب اللبناني منذ سنوات، ولا يزال.

وكان الموفد الشخصي لرئيس الوزراء العراقي، السيد حسان العوادي، قد نقل إلى الرئيس عون تحيات رئيس الوزراء العراقي، مؤكداً «استمرار الدعم العراقي للبنان وتأمين ما يحتاج إليه من مساعدات».

وقال إن زيارة الوفد «تهدف إلى إطلاع المسؤولين اللبنانيين على أن الحكومة العراقية ماضية في تنفيذ التزاماتها تجاه لبنان، ولا سيما تلك التي أعلن عنها في قمة بغداد، ًوأنه تقرر فتح مكتب في السفارة العراقية في بيروت لمتابعة تنفيذ هذه المساعدة، وتنظيم العلاقة مع الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وتحديد الأولويات».

بري

من جهته، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري وفداً عراقياً برئاسة الموفد الخاص لرئيس الوزراء العراقي إحسان العوادي، وتناول اللقاء تطورات الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية، حيث حمّل الرئيس بري الوفد العراقي «شكر وتقدير الشعب اللبناني للعراق حكومة وشعباً على وقوفهم ودعمهم للبنان في مختلف الظروف، ولا سيما استعداد العراق للمساهمة في إعادة إعمار ما خلّفه العدوان الإسرائيلي».


إسرائيل تدشن مرحلة جديدة من القصف بجنوب لبنان

عنصر من الجيش اللبناني يقف قرب سيارة مستهدفة في بلدة عقتنيت بقضاء الزهراني استهدفتها غارة إسرائيلية الثلاثاء (إ.ب.أ)
عنصر من الجيش اللبناني يقف قرب سيارة مستهدفة في بلدة عقتنيت بقضاء الزهراني استهدفتها غارة إسرائيلية الثلاثاء (إ.ب.أ)
TT

إسرائيل تدشن مرحلة جديدة من القصف بجنوب لبنان

عنصر من الجيش اللبناني يقف قرب سيارة مستهدفة في بلدة عقتنيت بقضاء الزهراني استهدفتها غارة إسرائيلية الثلاثاء (إ.ب.أ)
عنصر من الجيش اللبناني يقف قرب سيارة مستهدفة في بلدة عقتنيت بقضاء الزهراني استهدفتها غارة إسرائيلية الثلاثاء (إ.ب.أ)

دشّنت إسرائيل مرحلة جديدة من القصف في جنوب لبنان، تتركز في منطقة شمال الليطاني، قبل نحو أسبوع على إعلان الجيش اللبناني عن الانتهاء من المرحلة الأولى لتنفيذ «حصرية السلاح» في منطقة جنوب الليطاني، وسط تهديد إسرائيلي بمواصلة العمل لإلزام الحكومة اللبنانية بنزع سلاح «حزب الله».

وشن الطيران الحربي الإسرائيلي، الأربعاء، سلسلة غارات استهدفت وديان تقع بين قضائي الزهراني والنبطية في جنوب لبنان، كما استهدفت إحدى الغارات ساحل الزهراني في منطقة تبنا، حسبما أفادت مصادر محلية في الجنوب.

ووفق «الوكالة الوطنية للإعلام»، الرسمية اللبنانية، «نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي صباح الأربعاء عدواناً جوياً مستهدفاً وادي النميرية في منطقة النبطية بسلسلة غارات، ملقياً خلالها عدداً من صواريخ جو - أرض أحدث انفجارها دوياً تردد في أرجاء المنطقة».

وأشارت إلى أن «الطيران الحربي المعادي شن بعدها بدقائق غارة جوية مستهدفاً وادي حومين»، لافتة إلى أن «العدوان الجوي تزامن مع تحليق مكثف للطيران المسير في أجواء بلدات الدوير، الشرقية، النميرية، تول، النبطية، زبدين وجبشيت وعلى علو متوسط».

بدوره، أعلن الجيش الإسرائيلي مهاجمة مواقع إطلاق تابعة لـ«حزب الله» في جنوب لبنان. وقال إن الغارات استهدفت مواقع لـ«حزب الله»، وأنه «تم تدمير مبانٍ عسكرية وبنى تحتية إرهابية إضافية عمل منها عناصره في الفترة الأخيرة»، لافتاً إلى أن «وجود مواقع الإطلاق التي تم استهدافها يشكل خرقاً للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان».

شمال الليطاني

وتقع جميع المناطق التي تعرضت للغارات، شمال نهر الليطاني، وهي من المرات النادرة التي تكون الغارات محصورة في منطقة شمال النهر، بعدما تركزت الغارات في الأشهر الماضية في نطقة جنوب النهر أو على ضفافه والمناطق الممتدة له. وتركزت غارات الأربعاء على مجرى نهر الزهراني الواقع إلى العمق في جنوب لبنان، ويبعد عن الحدود مسافات تصل إلى 40 كيلومتراً.

عنصر من الجيش اللبناني يقف قرب سيارة مستهدفة في بلدة عقتنيت بقضاء الزهراني استهدفتها غارة إسرائيلية الثلاثاء (إ.ب.أ)

وجاءت هذه الغارات والتهديدات قبل نحو أسبوع على إعلان الجيش اللبناني عن الانتهاء من مرحلة تنفيذ «حصرية السلاح» في جنوب الليطاني، وهي المرحلة الأولى من خمس مراحل تتضمنها خطة الجيش اللبناني، ووافقت عليها الحكومة اللبنانية في 5 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس في تصريح، الأربعاء: «نواصل العمل لتنفيذ التزام حكومة لبنان بنزع سلاح (حزب الله) وإبعاده عن الحدود».

كما نقلت «القناة 13» الإسرائيلية عن مصادر قولها إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «سيطلب من الرئيس الأميركي دونالد ترمب (خلال لقائهما المتوقع بعد أيام) ضوءاً أخضر لشن عملية واسعة النطاق ضد (حزب الله)».

تقرير قائد الجيش

ومن المتوقع أن يقدم قائد الجيش العماد اللبناني رودولف هيكل، التقرير الرابع والنهائي لمرحلة تنفيذ السلاح جنوب الليطاني، في أولى جلسات الحكومية اللبنانية في العام الجديد، ويطلع مجلس الوزراء على الإنجازات التي تحققت لجهة مصادرة الأسلحة، وتفكيك الأنفاق والبنية التحتية العسكرية لـ«حزب الله» في المنطقة، ويقدم أرقاماً على هذا الصعيد.

وكان رئيس الحكومة نواف سلام أبلغ «الشرق الأوسط» في الأسبوع الماضي، أن المرحلة الثانية من تنفيذ «حصرية السلاح»، ستكون في المنطقة الواقعة بين شمال نهر الليطاني وجنوب نهر الأولي.

انتقادات «حزب الله»

وتتعرض خطة الحكومة، لانتقادات من قِبل «حزب الله» الذي أعلنت كتلته النيابية (الوفاء للمقاومة)، الأربعاء، أن لبنان «يستصرخ همم أبنائه ‏واهتمامات مسؤوليه ليسلكوا المسار الوطني الصحيح الذي يفضي ‏إلى وقف العدو لأعماله العدائيّة وانسحابه الكامل ‏وغير المشروط من بقية أرض وطننا المحتل، ‏وقطع الطريق أمام ألوان المطالب التي يستدرج عبرها السلطة لتقديم ‏التنازل تلو الآخر دون أي التزامٍ ‏منه لا بوقف إطلاق النار والاعتداء، ولا بالانسحاب وإنهاء احتلاله الغاشم».‏

وقالت، في بيان بعد اجتماعها الأسبوعي، إن «الأولويّة الوطنيّة اليوم هي إنهاء الاحتلال الصهيوني للمناطق والمساحات التي لم ينسحب ‏منها العدو ‏الصهيوني حتى الآن، رغم إعلان اتفاق وقف إطلاق النار منذ 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، أي منذ ما يزيد على عامٍ بأكمله».

أضافت: «ليعلم العدو وحُماته الدوليون أن حق اللبنانيين بمقاومة الاحتلال إذا ما استمرَّ لأرضهم هو ‏حقٌّ مشروع بكل المعايير ‏والاعتبارات والمواثيق الدوليّة ولا يحتاج إلى شرعنة من المتخاذلين ‏أو المتواطئين».‏

وقالت الكتلة: «على الحكومة، بدل أن تتبرع مسبقاً ‏للمسارعة إلى استئناف ما يرتاح له العدو من خطوات، أن تقوم ‏بإجراءٍ حازمٍ يدفعه لتنفيذ ما ‏عليه، دون مراوغةٍ أو ابتزاز».