سيطرتْ فصائل سورية مسلحة، أبرزها «هيئة تحرير الشام» وجماعات أخرى موالية لأنقرة، على غالبية أحياء مدينة حلب ثانية كبريات مدن البلاد، مع تراجع سريع ومفاجئ وانسحاب لقوات الجيش السوري.
وفي حين أعلنت الفصائل المسلحة، السبت، فرض حظر تجوال بالمدينة لمدة 24 ساعة، قال الجيش السوري، السبت، في بيان، إن «العشرات من جنوده قتلوا» في الهجوم ما اضطر قواته إلى إعادة الانتشار، مضيفاً أنه «يستعد لشن هجوم مضاد لاستعادة السيطرة على المدينة».
وروى شهود عيان يعيشون داخل المدينة لـ«الشرق الأوسط» كيف واجهوا تلك «المعركة المفاجئة» بعد نحو 4 سنوات من التهدئة النسبية.
يقول أحمد أبو بكر، وهو موظف حكومي يقيم في المدينة لـ«الشرق الأوسط»، إن الحياة كانت طبيعيةً في مسقط رأسه حتى يوم الأربعاء الماضي (27 نوفمبر): «فجأة سمعنا أصوات الاشتباكات في بعض المناطق، سرعان ما تقدمت الفصائل المهاجمة، بعد ساعات وصلوا للمدخل الغرب، وفي ثاني يوم سيطروا على بعض أحيائها وصولاً لمركز المدينة»، ولم يخف هذا الموظف مشاعره وحالة القلق التي يعيشها وجيرانه على مستقبل مدينته، التي تتالت على السيطرة عليها جهات عدة.
وأضاف أحمد: «لا أتخيل ترجع وتنقسم حلب مرة ثانية وتنقسم لشطر شرقي وغربي، حلب ما عاد تحتمل هذه الحروب»، في إشارة إلى انقسام المدينة بين قوات الجيش والفصائل المسلحة بين سنوات 2012 و2016.
وحسب أحمد وشهود آخرين، سيطرت الفصائل المسلحة بقيادة «هيئة تحرير الشام» على غالبية أحياء المدينة ومقرات حكومية وسجون، ونشر نشطاء محليون على صفحات منصات التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع فيديو تظهر إفراج المسلحين عن مئات الموقوفين في تلك السجون.
وتساءل رؤوف (44 عاماً)، الذي نزح أكثر من مرة من منزله وترك ممتلكاته كحال الكثيرين من أبناء حلب، جراء تقلبات المشهد الميداني خلال سنوات الحرب، أن المسلحين «كرروا أنه لا داعي للخوف ولن يتعرضوا لأي مدني، وأن أمور المدينة ستعود أفضل مما كانت، وكأن لديهم سلطة في اتخاذ القرار أو قدرة على الحماية».
واستطرد: «غالبية أهالي حلب وباقي السوريين على دراية كافية بطبيعة (هيئة تحرير الشام) العسكرية وتبعيتها؛ فهي نفسها (جبهة النصرة) التابعة لـ(القاعدة)، وبالتأكيد لن ينسى السوريون كيف أعدموا نساءً بالساحات واغتالوا نشطاء وصحافيين واستأجروا مرتزقة أجانب للعمل في سوريا».
بينما نقلت «ميساء»، البالغة من العمر 54 عاماً، وتعيش بالقرب من قصر المحافظة وسط مركز المدينة، اللحظات الأولى لدخول المسلحين إلى قصر المحافظ، وسمعوا أصوات اشتباكات وتكبيرات، لتقول في حديثها: «طلعنا للشارع شاهدنا سيارات عسكرية لـ(الجيش الحر) تمركزت بجانب القصر والقنصلية الروسية، ثم أذاعوا بمكبرات الصوت وطلبوا البقاء في المنازل وعدم الخروج»، حفاظاً على سلامتهم.
وأكدت السيدة السورية أن جميع الأسواق التجارية والمحال والصيدليات أغلقت منذ يوم الأربعاء بعد شن الهجوم، وتابعت لتقول: «ما بقي غير العناصر وسياراتهم العسكرية، حلب تحولت لثكنة عسكرية».
أما ريم (33 عاماً) وهي موظفة كانت تعمل في القطاع الخاص وتقيم في حي حلب الجديدة أعربت كيف تعيش حالة من الرعب والخوف الشديدين، وأخبرت: «أن من بقي هنا في حالة انهيار وصدمة، لا أتخيل كيف أصف المشهد ونحن فجأة وبهذه السهولة صرنا أمام مصير مجهول، هاجمنا خليطاً من الفصائل تقودها عناصر من (القاعدة) وفق توجيهات إقليمية». لتزيد بحسرة يعتصرها الألم: «نعم نحن نعيش حالة من الرعب بكل ما تعنيه الكلمةمستقبلنا بيد ثلة من المسلحين».