الوافدون اللبنانيون ينعشون أسواق السيدة زينب

الغالبية للخروج من سوريا باتجاه العراق حيث الحاضنة المذهبية

«سوق بهمن» الشهيرة تشهد ازدحام متسوقين وصور أمين العام «حزب الله» حسن نصر الله (الشرق الأوسط)
«سوق بهمن» الشهيرة تشهد ازدحام متسوقين وصور أمين العام «حزب الله» حسن نصر الله (الشرق الأوسط)
TT

الوافدون اللبنانيون ينعشون أسواق السيدة زينب

«سوق بهمن» الشهيرة تشهد ازدحام متسوقين وصور أمين العام «حزب الله» حسن نصر الله (الشرق الأوسط)
«سوق بهمن» الشهيرة تشهد ازدحام متسوقين وصور أمين العام «حزب الله» حسن نصر الله (الشرق الأوسط)

انتعشت أسواق منطقة السيدة زينب، المعقل الرئيسي للميليشيات الإيرانية و«حزب الله» في جنوب دمشق، مع توجه أغلبية الوافدين اللبنانيين إليها، بينما يتطلع معظمهم للخروج من «الجزيرة الصغيرة» باتجاه العراق، على أساس أن «الوضع هناك أفضل، والبيئة المجتمعية أوسع».

بمجرد الدخول إلى حي السيدة زينب من مدخله الشمالي، يُلاحَظ الازدحام في الطريق الرئيسية المؤدية إلى المقام الذي يؤمه الشيعة من إيران ولبنان والعراق وباكستان.

كما تلاحظ أن أعداداً كبيرة من الوافدين اللبنانيين اتباع «حزب الله» الفارين من جحيم الحرب التي تشنّها إسرائيل على مناطق مختلفة من بلادهم، مستهدفة معاقل الحزب. وجودهم يدلل عليه الزي الذي ترتديه نساؤهم، والمكون من عباءة سوداء وغطاء رأس من اللون ذاته.

على الرصيف المقابل للمدخل الغربي إلى مقام السيدة زينب، تجلس 5 وافدات لبنانيات يحتسين القهوة ويتناولن قطعاً من «البيتيفور».

طبيعة وحساسية المكان، لا تسمحان للصحافي بالتحدث معهنّ، فالحذر مطلوب في منطقة تعدّ معقلاً للحرس الثوري وميليشياته و«حزب الله»، والاقتراب من الوافدات قد يثير الريبة ليس لديهنّ فقط، بل لدى العاملين في الكافيتريا وعناصر من الحزب موجودين في أروقتها.

مخرج أحد الأجنحة في مقام السيدة زينب ويظهر الزوار بينهم نازحون من لبنان (الشرق الأوسط)

الاستفسار عن موقع أحد الفنادق، كان مدخلاً للحديث، ومن ثم الاسترسال في الحديث من باب الاطمئنان على الوضع في لبنان وأحوال النازحين.

توضِّح سيدة كانت حلقات الدخان تتصاعد من سيجارتها، أنها ورفيقاتها وصلن قبل يومين، قائلة: «في البداية نزحنا من الضاحية إلى مناطق بيروت الآمنة، ولكن القصف صار يستهدف معظم المناطق، فجئنا إلى هنا».

سيدة أخرى تلفت إلى صلة القرابة بينهنّ؛ لذلك كان نزوحهنّ جماعياً، وكذلك إقامتهنّ معاً في فندق واحد، بأجر قدره 15 دولاراً في اليوم عن كل شخص.

نازحات لبنانيات أمام أحد محال العصير المقابلة لمقام السيدة زينب (الشرق الأوسط)

مشهد السيدات والفتيات اللبنانيات على الطاولة يحتسين المشروبات ويُدَخِّنَّ السجائر الفاخرة، بات من الصعب على كثير من السوريين الاستمتاع به، ويُنظر إلى مَن يملك تلك الرفاهية بعين الحسد، في ظل الارتفاع الخيالي للأسعار والفقر المدقع الذي تعاني منه غالبية الأسر في مناطق نفوذ الحكومة.

في «سوق بهمن» التجارية الواقعة شرق المقام، التي تعدّ من أكبر وأهم أسواق المنطقة، يزداد ازدحام المارة والمتسوقين. بعض هؤلاء «زوار» عراقيون يقصدون المقام، وآخرون من أهالي المنطقة، بينما الأعداد الكبيرة من النازحين اللبنانيين الذين تدل عليهم لكنة أحاديثهم.

أحد مداخل الأسواق شرق مقام السيدة زينب (الشرق الأوسط)

يصف صاحب محل لبيع الألبسة الجاهزة، حركة الإقبال على الشراء، بـ«الجيدة»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «في مثل هذه الفترة من كل عام نعاني عادة من قلة البيع؛ بسبب موسم المؤونة والمدارس، ولكنَّ إخواننا اللبنانيين حرَّكوا السوق».

وكما هي الحال منذ سنوات طويلة، تُعلَّق في أرجاء السوق وبكثافة يافطات وصور تدعو إلى إحياء المناسبات الدينية الشيعية، مع انتشار واسع لمكاتب تنظيم رحلات «الزوار» الشيعة التي تُعلِّق يافطات ترويجية، كذلك تغلب على الفنادق والمحال التجارية باختصاصاتها كافة، التسميات الإيرانية والمذهبية.

جديد «سوق بهمن» في هذه الفترة، هو تعليق صور الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، الذي قُتل في 27 سبتمبر (أيلول) الماضي بغارة إسرائيلية.

الفاطمية... إحدى مناطق السيدة زينب الغربية ويظهر فيها مبنى «المضافة» (الشرق الأوسط)

الحال نفسها في «سوق منطقة الفاطمية» شرق المقام، وتنتشر فيها بكثافة محال الوجبات الجاهزة والحلويات والسوبر ماركت، مماثلة لما هي عليه في «سوق بهمن»، حيث تشهد المحال حركة إقبال على الشراء.

دوار بلدة حجيرة المؤدي إلى حي السيدة زينب (الشرق الأوسط)

يؤكد صاحب محل لبيع ساندويتشات الشاورما، قائلاً: «إن الإقبال على الشراء أفضل مما هو عليه في كثير من أسواق دمشق؛ مثل (نهر عيشة)، و(الداحاديل)، و(عاصم)، و(الزاهرة والأمين)، وحتى (باب سريجية)».

ويقول الرجل لـ«الشرق الأوسط»: «منذ مجيء اللبنانيين، تحسّنت الحركة، فغالبية محلات الساندويتشات والفروج واللحوم والحلويات والبزوريات، تعمل حتى منتصف الليل».

بدوره، يوضِّح صاحب سوبر ماركت ضخم لبيع المواد الغذائية، قائلاً: «هناك مطابخ ضخمة أقامتها الجهات العراقية الموجودة هنا، وتوزع يومياً على النازحين اللبنانيين آلاف الوجبات الجيدة التي تتضمَّن قطعاً من اللحم أو الفروج».

مقام السيدة زينب وقد رُفعت عليه رايات سوداء حداداً على مقتل الأمين العام لـ«حزب الله» (الشرق الأوسط)

بالمقابل، وداخل أجنحة «مقام السيدة زينب» - الذي ترتفع في أعلى قبابه أعلام سوداء حداداً على مقتل نصر الله، وتنتشر صوره بكثافة في الداخل - اتخذت عشرات العائلات اللبنانية مقراً للإقامة؛ بسبب ضعف إمكاناتها المادية.

معدمون مادياً

يؤكد لنا شاب يقيم مع أهله في المقام، أن هناك عائلات كثيرة مثل أسرته «عايفة حالها، وقد وجدت في المقام مكاناً تنستر فيه»، موضحاً أن المقيمين في الفنادق على نفقة الجهات العراقية والإيرانية، هم مَن قدموا إلى المنطقة بداية التصعيد الإسرائيلي، «أما حالياً فمَن يأتي عليه أن يتدبر أمر إقامته بنفسه».

داخل مقام السيدة زينب حيث تقيم عائلات لبنانية نازحة (الشرق الأوسط)

تقدر مصادر من النازحين اللبنانيين خلال الحديث معهم، عددهم في منطقة السيدة زينب بنحو 26 ألفاً، في حين تلفت مصادر محلية من المنطقة لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن أغلبيتهم «يقيمون في فنادق، إضافة إلى دعم كبير تقدمه لهم جهات عراقية وإيرانية موجودة في المنطقة»، لافتين إلى أن تلك الجهات، كما يقول نازحون، تتكفل بدفع أجور إقامتهم في الفنادق.

ورغم ذلك فإن كثيراً من الوافدين اللبنانيين يسعون إلى النزوح إلى حي السيدة زينب جنوب شرقي العاصمة السورية؛ من أجل الانتقال إلى العراق في أقرب وقت ممكن، للاستقرار هناك.

يقول شاب وافد خلال دردشة معنا في «سوق بهمن»: «أعداد كبيرة تنوي الذهاب للعراق؛ لأن الحرب طويلة على ما يبدو وقد تصل إلى هنا أيضاً». ويضيف الشاب، قائلاً: «الوضع في العراق بالنسبة لنا أفضل، فهناك تَكفُّل من المرجعيات والحشد (الشعبي) بكل شيء من سفر وإقامة وعمل ومدارس وغير ذلك».

حساسية

مصادر متابعة في دمشق، أرجعت اندفاع الوافدين اللبنانيين من اتباع «حزب الله» على السفر إلى العراق، لأسباب عدة، أبرزها أن «الحاضنة المذهبية هناك أكبر بكثير من هنا».

وتضيف المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الوافدين اللبنانيين إلى المنطقة، «يشعرون بأنهم يعيشون في جزيرة صغيرة مغلقة، في ظل وجود حساسية لدى كثير من السوريين أوجدتها استباحة الحزب كثيراً من قراهم وممتلكاتهم خلال الحرب في سوريا».

أعلام سوريا و«حزب الله» في القصير قرب الحدود اللبنانية يونيو 2013 (أ.ف.ب)

وتوضِّح المصادر أنه «خلال موجة النزوح اللبناني في أثناء حرب يوليو (تموز) عام 2006، أقامت أعداد كبيرة منهم في أحياء دمشق، أما حالياً فإن قلة قليلة منهم تقيم في أحياء عاصمة الأمويين؛ بسبب تلك الحساسية».

ودفع التصعيد الإسرائيلي الكثيف والدموي على لبنان منذ 23 سبتمبر الماضي، أكثر من 460 ألف شخص إلى العبور من لبنان إلى سوريا، وفق السلطات اللبنانية، معظمهم سوريون، بينما تذكر الأرقام السورية، أن عدد اللبنانيين الوافدين إلى البلاد فاق 120 ألفاً.


مقالات ذات صلة

«الديمقراطي» الكردستاني: لا «فيتو» على مشاركة أي طرف في حكومة الإقليم

المشرق العربي رجل كردي يرتدي الملابس التقليدية يُصوِّت بمركز اقتراع خلال الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان بأربيل الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)

«الديمقراطي» الكردستاني: لا «فيتو» على مشاركة أي طرف في حكومة الإقليم

يشدد الحزب الديمقراطي الكردستاني الفائز الأكبر في انتخابات برلمان إقليم كردستان (39 من أصل 100 مقعد) على أهمية حماية كيان الإقليم

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي مقاتلة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي تغادر لتنفيذ ضربات على إيران (رويترز)

غموض يحيط استخدام إسرائيل الأجواء العراقية لضرب إيران

لا يزال الغموض يكتنف ما إذا كانت إسرائيل قد استخدمت الأجواء العراقية لقصف إيران، في وقت أعلنت فصائل مسلحة عراقية توجيهها ضربات فجر الأحد إلى الجولان وإيلات.

حمزة مصطفى (بغداد)
شؤون إقليمية رتل لقوات من الجيش العراقي (رويترز)

مسؤول عسكري: الهجوم الإسرائيلي على إيران لم يشمل العراق

نفى مسؤول عسكري رفيع تعرُّض مواقع عراقية للقصف من الطيران الإسرائيلي في أثناء قيامه، فجر السبت، بمهاجمة إيران.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي أوقفت الخطوط الجوية العراقية جميع رحلاتها بشكلٍ مؤقت لأسباب احترازية (الخطوط العراقية)

استئناف حركة الطيران في العراق وإيران بعد توقفها لساعات

أعلن وزير النقل العراقي، رزاق السعداوي، إيقاف حركة الطيران بشكل تام في جميع المطارات العراقية بشكل مؤقت.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين (أ.ب)

فؤاد حسين: سماء العراق ليست فضاء للحرب

عبَّر وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، عن قلق حكومة بلاده من استخدام سماء البلاد فضاءً للحرب التي تلوح بين إيران وإسرائيل.

ميشال أبونجم (باريس)

تعويل لبناني على «خسائر إسرائيل» لوقف الحرب

عناصر في الجيش اللبناني في حارة صيدا على مقربة من المبنى الذي تم استهدافه الأحد بغارة إسرائيلية (رويترز)
عناصر في الجيش اللبناني في حارة صيدا على مقربة من المبنى الذي تم استهدافه الأحد بغارة إسرائيلية (رويترز)
TT

تعويل لبناني على «خسائر إسرائيل» لوقف الحرب

عناصر في الجيش اللبناني في حارة صيدا على مقربة من المبنى الذي تم استهدافه الأحد بغارة إسرائيلية (رويترز)
عناصر في الجيش اللبناني في حارة صيدا على مقربة من المبنى الذي تم استهدافه الأحد بغارة إسرائيلية (رويترز)

يسود انطباع في لبنان مفاده أنه لا يوجد طريق لوقف الحرب الإسرائيلية البرية ضد «حزب الله»، في ظل غياب الحراك السياسي الجدي، إلا بارتفاع الخسائر في صفوف المهاجمين من الجيش الإسرائيلي.

وبانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات الدبلوماسية التي يربطها كثيرون بنتائج الميدان، تحتدم المعارك على الأرض؛ حيث يتم تسجيل مواجهات يومية بين الطرفين.

وأفاد الإعلام العبري، أمس (الأحد)، بمقتل نحو 27 جندياً وضابطاً في معارك جنوب لبنان وغزة خلال الأسبوع الأخير، إضافة إلى إصابة 88 عسكرياً في معارك لبنان خلال 18 ساعة.

وتساءل رئيس «مركز الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري - أنيجما» رياض قهوجي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «هل الخسائر التي يتكبدها الجيش الإسرائيلي اليوم متوقعة أو مقبولة بعدما بات يخسر بشكل يومي بين 4 و5 جنود، إضافة إلى الجرحى، أم لا تزال ضمن الهامش المقبول لهم؟». ويضيف قائلاً: «هذا الأمر سيتحدد في المستقبل القريب، بحيث إذا استمرّت المعركة أسابيع، فهذا يعني أنها متوقعة بالنسبة إليهم، وإذا توقفت خلال أيام يعني ذلك أنها تفوق توقعاتهم وسيعيدون حساباتهم».