انتهت فجر الثلاثاء مهلة انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار مع حزب الله، وذلك بعيد ساعات من تأكيد الجيش الإسرائيلي عزمه إبقاء قواته في خمس نقاط استراتيجية عند الحدود.
وقبيل انتهاء المهلة، أكّد مسؤول أمني لبناني لوكالة الصحافة الفرنسية أنّ القوات الإسرائيلية بدأت ليل الإثنين بالانسحاب من قرى حدودية مع تقدّم الجيش اللبناني للانتشار فيها. وقال المسؤول طالبا عدم كشف هويته إن «القوات الإسرائيلية بدأت بالانسحاب من قرى حدودية بما في ذلك ميس الجبل وبليدا مع تقدّم الجيش اللبناني».
وبدأت المواجهة بين إسرائيل وحزب الله في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بقصف شنّه حزب الله على مواقع إسرائيلية دعما لحليفته حركة حماس الفلسطينية في غزة قبل أن تشتدّ مع مرور الوقت وتصبح مواجهة مفتوحة خلّفت دمارا واسعا في مناطق عدّة في جنوب لبنان وشرقه وفي ضاحية بيروت الجنوبية. وقدّرت السلطات كلفة إعادة الإعمار بأكثر من عشرة مليار دولار.
ورغم الدمار الهائل وغياب مقوّمات الحياة من بنى تحتية وخدمات أساسية، يتلهّف النازحون للعودة إلى بلداتهم الحدودية، لمعاينة ممتلكاتهم وانتشال جثث مقاتلين من أبنائهم، بعدما منعت القوات الإسرائيلية عودتهم طيلة الأشهر الماضية. ولا يزال نحو مئة ألف لبناني من إجمالي أكثر من مليون فرّوا من منازلهم، في عداد النازحين، وفق الأمم المتحدة.
وبين هؤلاء فاطمة شقير، ربّة المنزل التي فرّت من مسقط رأسها في بلدة ميس الجبل الحدودية قبل عام ونصف العام. وتقول شقير «اشتقت للجلوس أمام باب منزلي، وأن احتسي صباحا فنجان القهوة قرب ورودي». وتضيف «اشتقت لكل شيء في ميس الجبل، لجيراني. تفرّقنا ولم أعد أعرف أين ذهبوا». وعلى غرار كثر، تعتزم شقير التوجه مع عائلتها الى البلدة في ساعات الصباح الأولى. وتوضح «سنتوجه الى البلدة، نشعر بالفرح، على الرغم من أنّ منازلنا دُمّرت وخسرنا شبابا».
ودعت بلديات عدّة، بينها بلدية ميس الجبل، الأهالي الى التريّث في العودة لبلداتهم بانتظار انتشار الجيش اللبناني في أحيائها وعمل الأجهزة المختصّة على فتح الطرقات، لتوفير دخول «آمن». وميس الجبل واحدة من القرى والبلدات في القطاع الشرقي في جنوب لبنان، حيث أبقت إسرائيل قواتها منذ بدء توغلها نهاية سبتمبر (أيلول)، بينما انسحبت تباعا مع بدء تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار من غالبية قرى القطاعين الغربي والأوسط.
ويسري منذ 27 نوفمبر (تشرين الثاني) وقف لإطلاق النار أُبرم بوساطة أميركية ورعاية فرنسية. وكان يُفترض أن تنسحب بموجبه القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في غضون ستين يوما، قبل أن يتمّ تمديده حتى 18 فبراير (شباط). وقبيل ساعات من انتهاء المهلة، أعلن الجيش الإسرائيلي الاثنين أنّه سيبقي «قوات محدودة منتشرة مؤقتا في خمس نقاط استراتيجية على طول الحدود مع لبنان»، مبرّرا ذلك بمواصلة «الدفاع عن سكّاننا والتأكد من عدم وجود تهديد فوري» من حزب الله.
وجاء الإعلان الإسرائيلي رغم تأكيد لبنان رفضه المطلق لبقاء القوات الإسرائيلية، ودعوته رعاة الاتفاق إلى التدخل للضغط على الدولة العبرية. ونصّ اتفاق وقف إطلاق النار على وقف تبادل القصف عبر الحدود اللبنانية بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، بعد حرب امتدت نحو عام وتخلّلها توغّل برّي إسرائيلي في مناطق لبنانية حدودية.
ولم يُنشر النصّ الحرفي الرسمي للاتفاق، لكنّ التصريحات الصادرة عن السياسيين اللبنانيين والموفدين الأميركيين والفرنسيين تحدثت عن خطوطه العريضة، لناحية تعزيز انتشار الجيش اللبناني في جنوب لبنان وإشرافه على انسحاب حزب الله من منطقة جنوب نهر الليطاني وتفكيك بناه العسكرية. وينصّ الاتفاق كذلك على انسحاب إسرائيل من كامل المناطق التي احتلّتها في جنوب لبنان.
ويضع القرار الإسرائيلي السلطات اللبنانية في مأزق بمواجهة حزب الله الذي كان حمّلها الأحد مسؤولية العمل على تحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية مع انتهاء المهلة. وجاء قرار إسرائيل بعد إعلان رئيس حكومتها بنيامين نتانياهو الأحد أنه «يجب نزع سلاح حزب الله»، مضيفا «تفضّل إسرائيل أن يقوم الجيش اللبناني بهذه المهمة». وفي خضمّ الجدل حول سلاح حزب الله، أكدت الحكومة اللبنانية في بيانها الوزاري التزامها بـ«تحرير جميع الأراضي اللبنانية، وواجب احتكار الدولة لحمل السلاح، وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصرا».
ومنذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، تشنّ إسرائيل ضربات جوية وتنفّذ عمليات نسف تطال منازل في قرى حدودية، أوقعت اكثر من ستين قتيلا، نحو 24 شخصا منهم في 26 يناير (كانون الثاني)، الموعد الأول الذي كان مقررا لتطبيق وقف النار، أثناء محاولتهم العودة إلى بلداتهم الحدودية.
ومنذ بدء تبادل إطلاق النار عبر الحدود بين حزب الله وإسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أحصت السلطات مقتل أكثر من أربعة آلاف شخص. وفي إسرائيل، قُتل 78 شخصا، بينهم جنود، وفقا لحصيلة وكالة الصحافة الفرنسية استنادا إلى أرقام رسمية. كما لقي 56 جنديا آخرين مصرعهم في جنوب لبنان خلال الهجوم البرّي.
وأعرب خبراء في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي في بيان عن استيائهم من استمرار «قتل المدنيين والتدمير المنهجي للمنازل والأراضي الزراعية والبنية التحتية الحيوية الأخرى في جنوب لبنان خلال فترة اتفاق وقف إطلاق النار». ونبّهت منظمة هيومن رايتس ووتش الإثنين إلى أنّ «تعمّد إسرائيل هدم منازل المدنيين والبنية التحتية المدنية واستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة يجعل من المستحيل على العديد من السكان العودة إلى قراهم ومنازلهم». وأضافت «حتى لو كانت منازلهم لا تزال موجودة، كيف سيعودون مع انعدام المياه والكهرباء والاتصالات والبنية التحتية الصحية؟».