هاني نسيرة
إنقسم الخوارج لأكثر من عشرين فرقة، أكل بعضها بعضاً، وأخرجت كل فرقة مغالية من يزايد عليها أكثر من غلوائها وصار تعبير «غلاة الغلاة» بشيرا بنهاية الغلاة، لكن آذان الغلو لا تسمعه أو تستمع لنذيره عليهم. كان الانقسام والتشظي والخلاف الحاد والواسع أوضح في خطابات جماعات التطرف، والتطرف العنيف من سواه، وكان سبابهم فيما بينهم أقدح وأفظع من انتقادات مغايريهم وآخريهم من التيارات المدنية أو النقدية دائما.
من نوستالجيا وحنين الزمن الجميل إلى الشكوى المستمرة والمتصاعدة من انحطاط أخلاق الناس عما سبق في الماضي القريب الذي عايشوه أو سمعوا عنه وانتشار مشاعر التكاره والتنابذ والتشفي والعنف العشوائي والمتوحش، ينطرح سؤال الأخلاق وقيم وآداب السلوك التي يفترض أن ترفدها الصحوات والمؤسسات والحركات الدينية بالخصوص، كما ترفدها وتزيد منها الصحوات الإبداعية، الأدبية والفنية. أهملت خطابات التشدد والتطرف المعاصرة في العالم الإسلامي باباً واسعاً من تراثه، وهو باب آداب السلوك والأخلاق، الذي ألَّف فيه المتكلمون والفلاسفة كما ألف فيه المؤدبون والمتصوفة وغيرهم، وأنتج فيه المسلمون مطورين ما ترجموه إيجابيّاً عن الشرق (ا
توظف جماعات التطرف والتعصب الكثير من القيم السائدة - صحيحة أو خاطئة - للبناء والتأسيس عليها في تجنيد المتطرفين، فتشتغل في أوساط الجاليات المسلمة أزمة ازدواجية الهوية واللغة ورؤية العالم، كما توظف انتشار ثقافة الكراهية والتمييز والنظرة الطائفية وازدراء الآخر والصراعات السياسية والدولية وخطاب الأزمة في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة لذات الغرض، من تأجيج توجهات التشدد والخلاص والخروج وما شابه. لا تؤثر هذه القيم السلبية في العوام فقط، بل قد تؤثر في الخطابات الأعلى فقهاً وعلماً وفكراً أحياناً، مرحِّبَةً وتابعة لما يطلبه الجمهور وما يصادف شعبيتها، فتتردد بكائيات الماضي وترفع لواءات النصر والصراع الأ
توظف جماعات التطرف والتعصب الكثير من القيم السائدة - صحيحة أو خاطئة - للبناء والتأسيس عليها في تجنيد المتطرفين، فتشتغل في أوساط الجاليات المسلمة أزمة ازدواجية الهوية واللغة ورؤية العالم، كما توظف انتشار ثقافة الكراهية والتمييز والنظرة الطائفية وازدراء الآخر والصراعات السياسية والدولية وخطاب الأزمة في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة لذات الغرض، من تأجيج توجهات التشدد والخلاص والخروج وما شابه. لا تؤثر هذه القيم السلبية في العوام فقط، بل قد تؤثر في الخطابات الأعلى فقهاً وعلماً وفكراً أحياناً، مرحِّبَةً وتابعة لما يطلبه الجمهور وما يصادف شعبيتها، فتتردد بكائيات الماضي وترفع لواءات النصر والصراع الأ
إن التجربة هي أكثر العوامل الفاعلة والمؤثرة في سقوط آيديولوجيا التطرف العنيف وجاذبيتها، فبها تسقط الوعود والتأويلات الخاطئة للدين في مرآة الواقع والمجتمع والأمة.
رغم الانتصار الكبير في الموصل، يصبح الحذر وبقاء هواجس الخطر من تنظيم الدولة «داعش» الأخطر في تاريخ الإرهاب العالمي منذ ظهوره، لعدد من الأسباب وخلاصة التجارب السابقة معه، نحددها فيما يلي: قدرة الإرهاب على التكيف: ترفد هواجس الخطر المستمرة من «داعش» من قدرته على التكيف والتمرين والمراوغة، رغم سقوط مهده في الموصل، واستعادة دولته فيها من جديد في 10 يونيو (حزيران) سنة 2013. تتجلى هذه القدرة على التكيف وتوظيف السياقات من تاريخ «داعش»، أو «القاعدة» في العراق سابقاً، مع مدينة الموصل والعراق، حيث استطاع التنظيم استعادة حياته ودولته فيها عام 2013 ثم خلافته من الشام بعد ذلك بعام، في يونيو سنة 2014، وقد ك
لا تكتفي الدعاية الأصولية بصناعة الهالة والأقنعة اللامعة لأمرائها وشيوخها وممارساتها فقط بل سوقت كل ما يدعم آيديولوجيتها، وهمشت وأقصت كل ما ينقدها أو ينتقدها، وأخذت بذهنية انتقائية عشوائية تنتقي من خطاب حتى من يعارضها ما يفيدها، فأسلمت في نقد الحداثة كثيراً من أدبيات مدرسة ما بعد الحداثة ومدرسة ما بعد الاستعمار وبعض آراء تشومسكي، وكثيراً من أدبيات اليسار في نقد الرأسمالية والعكس أيضاً، حيث تظل هي بلا برنامج واضح محسوم في الجانبين. لكن يظل انبثاق وإثمار الفكرية الأصولية من تربة الانغلاق والتعصب وانعزال الهوية المأزومة، والنظرة التآمرية والخطباء الشعبويين الباحثين عن دور وعن تأثير في أمة تتلقى س
تختنق، ربما حتى تحتضر، كل دعوة إصلاحية أو ديمقراطية في سبيل الحداثة والتحديث والتقدم الإنساني وسط دخان وسياقات الخطر الأصولي والإرهابي، وما يستتبعه من خطورة الوضع الأمني وصعود العمليات التطرف العنيف، بل قد تتراجع القيم الحداثية والإنسانية أمام هذا الخطر مؤقتا أو دائما.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة