سياسيون لبنانيون يعترضون على صفقة «حزب الله» و«النصرة»

انتقاد واسع لتغييب الدولة و«الانتقاص من سيادتها»

TT

سياسيون لبنانيون يعترضون على صفقة «حزب الله» و«النصرة»

أثارت صفقة تبادل الأسرى بين «حزب الله» و«جبهة النصرة»، اعتراضا سياسيا في لبنان، خصوصا أنها شملت الإفراج عن عناصر يتهمهم القضاء اللبناني بالتورط في أعمال إرهابية، مقابل الإفراج عن عناصر من الحزب أسرتهم «النصرة»، وهو ما اعتبره سياسيون «انتقاص من سيادة الدولة اللبنانية»، هو ما وضع الدولة في موقف المتفرّج، وأثبت أن قرار الحرب والسلم رهن إرادة «حزب الله» دون سواه.
وسارع رئيس حزب «الكتائب» اللبنانية، النائب سامي الجميل، إلى توجيه سؤال عبر رئاسة مجلس النواب إلى رئيس الحكومة ووزراء العدل والدفاع والداخلية في موضوع الاتفاق مع «جبهة النصرة»، وسأل «من أخذ القرار وسمح بترك المجرمين المقاتلين في جرود عرسال، وسهّل عودتهم إلى بلادهم دون محاكمة وعقاب؟ من أخذ القرار بتخطّي القضاء اللبناني وإطلاق سراح مجرمين متهمين بالإرهاب وبالانتماء إلى تنظيم إرهابي من السجون اللبنانية؟».
وتابع الجميل «من أخذ القرار بتدخّل السلطات السياسية والأمنية بالقضاء اللبناني، ومنع محاكمة الإرهابيين الموقوفين وتحقيق العدالة؟، ما موقف وزير العدل مما حصل؟ هل هذه هي الاستراتيجية التي ستتّبعها الحكومة بالتعامل مع كل الإرهابيين الذين يتعرضون لأمن لبنان؟، كيف ستردع الحكومة اللبنانية مجموعات إرهابية وإجرامية أخرى، أو كل من تسوّل له نفسه القيام بانتهاك السيادة اللبنانية»؟. وطالب الجميل رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والداخلية والعدل بـ«إجابة خطية على سؤاله، وإلا سيتم تحويله إلى استجواب».
حملة الانتقادات التي طالت الحكومة والطبقة السياسية، سواء في التصريحات الإعلامية، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لم توفر القضاء ودوره في هذه العملية، لكن مصدراً قضائياً أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «قرار الإفراج عن عدد قليل من الموقوفين (التابعين لـ«جبهة النصرة»)، لا تشوبه شائبة، وجاء بالاستناد إلى أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية». ولفت إلى أن قرار تركهم «جاء معللاً، باعتبار أن المخلى سبيلهم، قضوا في السجن مدة طويلة توازي المدة التي يتوقّع تجريمهم بها». وشدد المصدر القضائي على أن «المحكمة العسكرية ماضية بمحاكمة هؤلاء المخلى سبيلهم، وإذا لم يحضروا جلسات المحاكمة التي ستبدأ في وقت قريب، ستجري محاكمتهم بالصورة الغيابية باعتبارهم فارين من العدالة، وستصدر أحكام غيابية بحقهم وستشدد عقوبتهم».
ويبدو أن موجة الاعتراض على هذه الصفقة آخذة في الاتساع، حيث أيّد عضو كتلة «المستقبل» النيابية النائب أمين وهبي الأسئلة التي وجهها رئيس حزب «الكتائب» إلى الحكومة والوزراء المختصين. ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «صفقة التبادل بين الحزب و«جبهة النصرة»، فيها انتقاص من سيادة الدولة اللبنانية». وقال: «أصلاً نحن ضدّ وجود سلاح (حزب الله)، وإذا كانت هناك معارك ضرورية مع الإرهابيين فالجيش اللبناني هو من يتولاها»، مؤكداً أن «قرار الحرب والسلم هو بيد الحزب وليس بيد الدولة، بدليل أن (حزب الله) يخوض معاركه في سوريا والعراق واليمن، ولديه مجموعات إرهابية في الكويت ودول الخليج، تنفذ سياسيات إيران».
وكان «حزب الله» اعترض مرات عدة على صفقة التبادل التي أبرمت بين الدولة و«جبهة النصرة» في العام الماضي، وأدت إلى الإفراج عن جنود من الجيش اللبناني كانوا أسرى لدى «جبهة النصرة»، ورفض إطلاق سراح عدد من الموقوفين بحجة تورطهم بـ«أعمال إرهابية وتفجيرات»، في حين أصر الآن على تسريع الصفقة من أجل تحرير مقاتليه الأسرى لدى «النصرة».
أما عضو كتلة «الكتائب» النائب فادي الهبر، فاعتبر أن «ما يجري يثبت بأن القرار السياسي في لبنان هو بيد (حزب الله)». وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة التي يفرضها الحزب في البيانات الوزارية، تستثمر على الحدود، سواء في إعلان الحرب مع إسرائيل أو مع الجماعات المسلحة، أو بخوض الحروب في الخارج».
ومع استفحال هذه الحالة، التي تضرب ما تبقى من كيان الدولة ومؤسساتها الدستورية، أكد النائب الهبر، أن «لا أمل في حياة سياسية في لبنان، قبل وضوح الرؤية الإقليمية والدولية، حيث تدور حرب عالمية على أرض سوريا»، مشيراً إلى أن «الدولة اللبنانية كلها تأتمر بأمر (أمين عام «حزب الله») السيد حسن نصر الله». وقال: «الحكومة كلها باتت رهن إرادة (حزب الله) الآمر الناهي في كل شيء»، مستغرباً «الاستسهال في استباحة الدولة والقضاء والسجون، وبالتالي استباحة السيادة اللبنانية بهذه الطريقة المذلّة».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.