زيارة الحريري لواشنطن: دعم استقرار لبنان وشراكة في إعمار سوريا

العقوبات على «حزب الله» قائمة... والمهم تجنيب المصارف تداعياتها

TT

زيارة الحريري لواشنطن: دعم استقرار لبنان وشراكة في إعمار سوريا

لم تقتصر زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري إلى واشنطن على الإطار الرسمي وجدول الأعمال، بقدر ما رسمت خريطة طريق لتعاطي الإدارة الأميركية الجديدة مع لبنان في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن الزيارة انطوت على بعدين مهمّين؛ تمثل البعد الأول في الاستقبال اللافت للحريري في البيت الأبيض من قبل الرئيس دونالد ترمب وكبار المسؤولين في الإدارة والكونغرس والبنك الدولي، والثاني في الاهتمام الأميركي البارز بلبنان ومؤسساته الشرعية، خصوصاً دعم الجيش والأجهزة الأمنية، ومساعدتهم على المضي في تحمّل مسؤولياتهم في مكافحة الإرهاب، وحماية الاستقرار الداخلي.
وإذا كانت النتائج السياسية لزيارة الحريري قد اتضحت إلى حد كبير، عبر دعم المؤسسات الرسمية ومساعدة الحكومة في تحمّل أعباء اللاجئين السوريين، فإن ثمة جوانب لم تظهر نتائجها بعد، تتمثل في مدى تأثير زيارة الحريري في تخفيف وطأة العقوبات المالية الجديدة التي تطال «حزب الله» وشخصيات مقربة منه ومتمولين وشركات تابعة له، إلا أن المعلومات المسّربة عن أجواء اللقاءات تفيد بأن هناك تفهماً أميركياً لضرورة تجنيب الدولة والمصارف اللبنانية التأثيرات السلبية لهذه العقوبات.
كان الحريري، العائد من واشنطن، قد زار، أمس، رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا، وبحث معه نتائج زيارته إلى واشنطن.
ويبقى لبنان، بتنوعه الديني والثقافي، محطّ اهتمام صنّاع القرار في العالم، وفق تعبير مستشار الحريري للشؤون الاقتصادية، الدكتور نديم المنلا، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك تعاطفاً أميركياً مع الدولة اللبنانية ومؤسساتها، بالاستناد إلى عوامل عدة، أبرزها أن المجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، معجبين بتجربة لبنان في استيعاب هذا العدد من النازحين السوريين، لذلك أكدوا أن هذا البلد يستحق العناية والمساعدة»، لافتاً إلى أن المسؤولين الأميركيين «عبروا عن إعجابهم بنموذج لبنان، لكونه البلد الوحيد الذي تتحاور فيه الأطراف المتخاصمة مع بعضها بعضاً، حيث يتعاطى السنّي مع الشيعي والمسلم مع المسيحي، وهم (الأميركيون) بحاجة إلى هذا النموذج في المنطقة مستقبلاً».
ولم يخفِ نديم المنلا، الذي كان في عداد الوفد الرسمي الذي رافق الحريري إلى واشنطن، أن الجانب الأميركي «عبّر عن ارتياحه للدور الذي يقوم به الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية في محاربة الإرهاب وحفظ الأمن والاستقرار، وهو ما يستوجب الاستمرار في دعم المؤسسات العسكرية والأمنية»، مؤكداً أن الأميركيين «يعولون على الاستقرار الأمني لمواكبة الاستقرار السياسي».
أما في القراءة السياسية للزيارة، فأوضح وزير شؤون النازحين معين المرعبي أن «جولة الرئيس الحريري الأميركية كانت مفيدة، ورسّخت العلاقات الجدية والودية والمصلحية بين لبنان والولايات المتحدة».
ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «من المفيد أن يكون هناك تفهم أميركي لدقة الوضع اللبناني، خصوصاً أن لبنان يعيش حالة غير طبيعية بسبب وجود ميليشيات مسلّحة (حزب الله) تتحكّم بالبلد خارج القوانين اللبنانية والدولية، وتخوض حروباً وأعمالاً إرهابية في بلدان متعددة»، معتبراً أن «زيارة الحريري مهمّة لشرح حساسية الوضع اللبناني، كي لا يتحمّل لبنان، الدولة والشعب والمؤسسات، تبعات أعمال (حزب الله)».
وتترقب الأوساط السياسية والاقتصادية في لبنان ما سيحمله قانون العقوبات الأميركي الجديد على «حزب الله»، ورصد انعكاساته على الاقتصاد اللبناني الذي كان في صلب محادثات الحريري مع الشخصيات المؤثرة في الإدارة الأميركية. وأوضح مستشار الحريري للشؤون الاقتصادية أن الجانب اللبناني «لا يستطيع أن يمنع الأميركيين من فرض عقوبات، لكنه شدد على ألا تشمل هذه العقوبات مؤسسات لبنانية، وأن يكون القانون واضحاً، لأن الغموض فيه يؤثر سلباً على القطاع المصرفي»، كاشفاً أن «أعضاء في الكونغرس طلبوا من الوفد اللبناني إبداء ملاحظاته على مشروع العقوبات للنظر بها، ودراستها، وهذا ما حصل بالفعل». ومن النتائج الإيجابية لزيارة رئيس حكومة لبنان إلى واشنطن أن الولايات المتحدة «اتخذت قراراً باستثناء لبنان من قرار تخفيض مساعداتها الخارجية»، على حدّ تعبير نديم المنلا الذي قال إن الأميركيين أعلنوا عن «دعمهم للرؤية الاقتصادية التي طرحها لبنان في مؤتمر بروكسل، وشددوا على أن استقرار لبنان له أهمية كبرى في المرحلة المقبلة». وكشف أن الحريري طرح خلال لقاءاته في واشنطن «شراكة مستقبلية بين لبنان والولايات المتحدة، في مرحلة إعادة إعمار سوريا». وأفاد مستشار الحريري بأن الخزانة الأميركية «أقرت مساعدات للبنان، بزيادة 140 مليون دولار عن القيمة المرصودة كل سنة، لتشمل هذه الزيادة النازحين والمجتمعات المضيفة لهم، من بلديات وبنى تحتية، من مياه وكهرباء وصرف صحي، وتسهيل وطأة الاشتباك الاجتماعي في بعض مناطق النزوح»، مشيراً إلى أن الوفد اللبناني «طرح خطة للنهوض بالوضع الاقتصادي على 8 سنوات، بكلفة مليار ونصف المليار دولار عن كل سنة، فرحب الجانب الأميركي بهذه الخطة، ووعد بتقديم المساعدة والدعم، والتواصل مع حلفائهم في أوروبا ودول الخليج العربي، لإنجاحها».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.