أصيبت «حركة أحرار الشام» بخسارة مدوية من الجولة الأخيرة من الاقتتال مع «هيئة تحرير الشام» التي تتزعمها «جبهة النصرة» بعد تمكن الأخيرة من السيطرة على 30 بلدة وقرية خلال المعارك التي شهدتها محافظة إدلب الأسبوع الماضي، والأهم إجبار «الحركة» على تسليم معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا إلى إدارة مدنية ستكون بالنهاية محسوبة على «النصرة».
وقال مصدر معارض في الشمال السوري لـ«الشرق الأوسط» إن «هيئة تحرير الشام» باتت وبعد الجولة الأخيرة من القتال مع «أحرار الشام» تسيطر على أكثر من 70 في المائة من محافظة إدلب، وهو ما أكده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» ورجح المصدر أن يكون الاتفاق الذي تم توقيعه مساء الجمعة ووضع حدا للمعارك «ليس إلا تفاهما على استراحة للمقاتلين على أن تنطلق المواجهات مجددا في وقت قريب». وأضاف المصدر: «لكن الجولة الجديدة المرتقبة لا يبدو أنّها ستشبه سواها، باعتبار أن هناك طرحاً تركياً جدياً بدعم أحرار الشام في معركتهم من خلال سيناريو قد يشبه إلى حد بعيد عملية درع الفرات». وهذا ما رجّحه أيضا الباحث في الملف السوري أحمد أبا زيد، مشيرا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن عملية «درع إدلب» مطروحة جديا بالنسبة لأنقرة وإن كانت لم تحسم أمرها بعد، معتبرا أن «هيئة تحرير الشام فرضت نفسها كقوة مسيطرة على إدلب بعد الجولة الأخيرة من القتال بعدما باتت حركة (أحرار الشام) متواجدة حصرا في سهل الغاب وجبل الزاوية في ظل المحاولات المستمرة من (النصرة) لإنهاء وجودها في القطاع الشمالي». وأضاف: «الحركة خرجت من المعركة الجمعة كفصيل مكسور ومهزوم وقيادته غير قادرة على ضبط الوضع». واعتبر أبا زيد إلى أن تسليم معبر باب الهوى لأي إدارة مدنية كانت أو عسكرية سيعني تلقائيا تحكم «النصرة» فيه.
وساطة تركية
وكشف مصدر عسكري معارض في الشمال السوري أن الاتفاق بخصوص المعبر تم بوساطة تركية، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى تفاهم على تقاسم المداخيل بين النصرة والأحرار. وأضاف: «الوضع الأمني حاليا في إدلب متوتر وإن كانت المعارك قد توقفت، إلا أن عناصر هيئة تحرير الشام ما زالوا يعتدون على مقرات الأحرار وفصائل أخرى حتى بعد توقيع الاتفاق».
وأسفرت المعارك التي اندلعت مساء الثلاثاء الماضي بين «هيئة تحرير الشام» و«حركة أحرار الشام» عن 92 قتيلا بينهم 15 مدنيا وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. ومساء الجمعة، أعلن الطرفان عن توقيع اتفاق بينهما يقضي بوقف إطلاق النار، وينص الاتفاق أيضا على «إطلاق سراح المحتجزين من الطرفين، وخروج الفصائل من معبر باب الهوى وتسليمه لإدارة مدنية».
وأعلن «المرصد» أن «الهدوء يسود كامل محافظة إدلب منذ مساء يوم أول من أمس الجمعة بعد الاتفاق الذي تم توقيعه بين الحركة والهيئة في أعقاب اقتتال دامٍ شهدته المحافظة، هو الأعنف والأوسع بين الطرفين». ورصد «المرصد» أمس «سيطرة هيئة تحرير الشام على نحو 30 بلدة وقرية، فيما جرى إخلاء كل من سراقب ومعرة النعمان من الفصائل، مع تبعية سيطرتها للهيئة».
ولفت يوم أمس ما أوردته صفحة «قاعدة حميميم» غير الرسمية على موقع «فيسبوك» نقلا عن المتحدث باسمها أليكسندر إيفانوف عن «تحويل مدينة إدلب إلى (موصل ثانية) في حال تمكنت هيئة (تحرير الشام) من السيطرة على كامل إدلب». وأضافت أنّ استهداف الهيئة في إدلب «سيتسبب بحدوث دمار واسع في المنطقة، وسيكون للقوات الروسية دورٌ مباشرٌ في المعركة كما كان في مدينة تدمر ومناطق ريف حمص الشرقي».
وتتزامن هذه التصريحات مع تحذيرات أطلقها القائد العام لحركة «أحرار الشام»، علي العمر، يوم الجمعة قبل الإعلان عن توقيع الاتفاق مع «جبهة النصرة»، اعتبر فيها أن «اعتداء هيئة تحرير الشام على الأحرار يهدف لإنهاء الثورة السورية وتحويل مناطق أهل السنة إلى رقة وموصل جديدة». وظهر العمر في شريط فيديو بثه المكتب الإعلامي للحركة على أحد محاور الاشتباك مع هيئة تحرير الشام في ريف إدلب، متحدثا عن «معلومات تؤكد تجهيز (تحرير الشام) للهجوم على الحركة منذ أكثر من شهر، حيث أقامت معسكرات خاصة لعناصرها من أجل ذلك»، مطالباً الشعب السوري بـ«الدفاع عن الثورة».
وقف الدعم عن «الأحرار»
واعتبر الباحث المتخصص بشؤون الجماعات المتشددة عبد الرحمن الحاج أن الاتفاق الذي وقعه الفصيلان الجمعة «هو نتاج حسم معركة هيمنة النصرة على إدلب»، لافتا إلى أن «هيئة تحرير الشام استولت على قرى كثيرة وحصرت وجود الأحرار في مناطق محدودة». ورأى الحاج في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا يوجد تفسير مقنع لهذا الانهيار السريع وغير المتوقع لأحرار الشام سوى أنها تركت من دون دعم إقليمي». وأضاف: «الآن لم يعد بوسع الأحرار القيام بأي معركة ضد النصرة. لم يعد لديهم لا الإمكانيات ولا الحافز ما لم يكن هنالك تغطية نارية وتحالف مع الفصائل الأخرى وهذا لا يمكن التكهن به الآن». وأشار الحاج إلى أن «ما تريده النصرة هو السيطرة على المعبر، وقد سيطرت بالفعل ثم تراجعت ليس لأنها لقيت مقاومة بل لأن سيطرتها المطلقة عليه ستؤدي إلى إغلاقه من الطرف التركي، والمعبر شريان اقتصادي ومورد مالي مهم للغاية، لهذا ستحرص على بقائه على أن تكون طرفا مستفيدا منه».
وكان الاقتتال بين الفصيلين المعارضين انطلق إثر الاتفاق الذي تم التوصل إليه في مايو (أيار) في آستانة وينص على إيجاد «مناطق تخفيف التصعيد» في سوريا لإنهاء النزاع بين النظام والمعارضة. ويشمل الاتفاق الذي أبرمته روسيا وإيران، حلفاء النظام السوري، وتركيا، التي تدعم الفصائل المقاتلة، محافظة إدلب. وعارضت «هيئة تحرير الشام» الاتفاق كونه يدعو كذلك إلى مواصلة الحرب ضد الجماعات الجهادية مثل جبهة فتح الشام وتنظيم داعش.
واعتبر نوار أوليفر المحلل العسكري في مركز عمران في إسطنبول في تصريح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أنه «عندما تضمنت مناطق تخفيف التصعيد محافظة إدلب، شعرت هيئة تحرير الشام بأن الحرب قد شنت ضدها». وقال سام هيلر المتخصص بالشأن السوري في مؤسسة «ذي سنتوري» «نحن أمام فصيلين مقاتلين يتناحران من أجل السيطرة على محافظة إدلب». وأضاف: «مهما كانت الخلافات العقائدية بينهما، فقد تفاقمت بسبب المحادثات في آستانة وبسبب الشائعات، لا بل بسبب الواقع بوجود اتفاق أوسع موجه ضد تحرير الشام».