ماكرون يدفع برئيس أركان القوات الفرنسية إلى الاستقالة

أول أزمة كبرى على رأس هرم الدولة منذ وصول الرئيس الجديد

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الجنرال بيار دو فيليه قبل أسبوع خلال العرض العسكري في الشانزليزيه بمناسبة {يوم الباستيل} (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الجنرال بيار دو فيليه قبل أسبوع خلال العرض العسكري في الشانزليزيه بمناسبة {يوم الباستيل} (إ.ب.أ)
TT

ماكرون يدفع برئيس أركان القوات الفرنسية إلى الاستقالة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الجنرال بيار دو فيليه قبل أسبوع خلال العرض العسكري في الشانزليزيه بمناسبة {يوم الباستيل} (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الجنرال بيار دو فيليه قبل أسبوع خلال العرض العسكري في الشانزليزيه بمناسبة {يوم الباستيل} (إ.ب.أ)

يوم الجمعة الماضي، كان الجنرال بيار دو فيليه، رئيس أركان الجيش الفرنسي، وكما درجت العادة، واقفاً إلى جانب الرئيس إيمانويل ماكرون في عربة القيادة العسكرية نزولاً في جادة الشانزلزيه بمناسبة العرض العسكري الضخم الذي تستضيفه أشهر جادة في العالم لإحياء ذكرى الثورة الفرنسية. وفي ساحة الكونكورد حيث تجمع كبار مسؤولي الدولة من رؤساء ووزراء إضافة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لاحظوا «الجفاء» القائم بين الرجلين. فقليلاً من المرات، وَجَّه ماكرون الكلام لرئيس الأركان. وعند التحية النهائية، تبادل الرجلان القليل من الكلمات وبدا على العسكري الأول في الجيش الفرنسي الوجوم. وكثيرون راهنوا على ألا يبقى الجنرال دو فيليه الذي عينه الرئيس فرنسوا هولاند في أعلى منصب عسكري، في عام 2014، لفترة طويلة.
الجنرال المذكور قدم أمس استقالته إلى رئيس الجمهورية مستبقاً الموعد الرسمي الذي حدد له مبدئيّاً اليوم على الأجندة الرئاسية. ومباشرة عقب ذلك، تم تعيين خليفة له. وهكذا حل الجنرال فرنسوا لوكوانتر، الذي كان حتى أمس، مدير المكتب العسكري لرئيس الحكومة ومستشاره للشؤون العسكرية، محل الجنرال دو فيليه.
وقال دو فيلييه (60 عاماً) في بيان إنه حاول الحفاظ على قوة دفاع فرنسية قادرة على القيام بمهامها التي تتزايد صعوبتها في إطار القيود المالية المفروضة عليها، لكنه لم يعد قادراً على الاستمرار في ذلك. وأضاف: «وفي ضوء الظروف الحالية أرى أنه لم يعد بإمكاني ضمان قوة الدفاع القوية التي أعتقد أنها ضرورية من أجل حماية فرنسا والشعب الفرنسي، اليوم وغدا، وتحقيق أهداف بلدنا».
حقيقة الأمر أن مصير دو فيليه حسم يوم الخميس الماضي، أي عشية العيد الوطني. فقد درج التقليد على أن تقيم وزارة الدفاع حفلة في حديقة الوزارة يحضرها كبار القادة العسكريين. وفي هذه الكلمة وهي الأولى للرئيس الجديد الموجهة إلى القوات المسلحة منذ انتخابه، توجه ماكرون إلى العسكريين بقوله: «أنا قائدكم»، مضيفاً أنه يعتبر إخراج الجدل الخاص باقتطاع جزء من ميزانية وزارة الدفاع ووضعه على الساحات العامة «غير مشرف».
وذكر ماكرون أنه عازم على تنفيذ الالتزامات التي قطعها على نفسه إبان الحملة الانتخابية، ومنها خفض النفقات الحكومية. وقال ماكرون في مقابلة صدرت يوم الأحد الماضي في صحيفة «جي دي دي» الأسبوعية: «إذا حصل خلاف بين رئيس أركان القوات ورئيس الجمهورية، فإن رئيس الأركان يتغير». وهذا ما فهمه الجنرال دو فيليه الذي عجل في الاستقالة قبل أن يقال. وفهم الحاضرون أنه يتوجه بكلامه مباشرة إلى الجنرال دو فيليه الذي انتقد في اجتماع في البرلمان قبل ذلك بأيام خطط الحكومة، بشد أحزمة القوات المسلحة وحرمانها من مبلغ 850 مليون يورو، ومساواتها في ذلك ببقية الوزارات، إذ تريد تحقيق وفر من 4.5 مليار يورو من مصاريف عام 2017 الحكومية.
واستخدم دو فيلييه في جلسة مغلقة أمام لجنة برلمانية عبارات حادة للاعتراض على اقتطاع ميزانية الدفاع. وسارع ماكرون إلى استبدال دو فيلييه وعين الجنرال فرنسوا لوكوانتر (55 عاماً) خلفاً له.
ولاحقاً، قال كريستوف كاستانيه المتحدث باسم الحكومة الفرنسية إن لوكوانتر وهو عسكري محنك من مواليد 1962 سيتولى منصبه خلال 24 ساعة، وأشار إلى أن ماكرون أبلغ الحكومة خلال الاجتماع الأسبوعي أنه ما زال يهدف إلى زيادة ميزانية الدفاع لتصبح 2 في المائة من الناتج المحلي بحلول 2025 على الرغم من تخفيضها هذا العام.
الواقع أنه ليس هناك خلاف شخصي بين الرئيس ورئيس الأركان. وإذا كان الدستور الفرنسي كما أراده الجنرال ديغول، مؤسس الجمهورية الخامسة، يجعل من رئيس الجمهورية القائد الأعلى للجيش والمسؤول المؤهل للضغط على زر الصواريخ النووية، فإن ما حصل هو سابقة في التاريخ الحديث للجيوش الفرنسية وهو يشكل بلا منازع أزمة كبرى في تاريخ المؤسسة العسكرية المعروفة بالتزامها التام بأوامر السلطة المدنية.
فضلاً عن ذلك، فإن الأزمة أماطت اللثام عن طباع ماكرون الذي لا يبدو أنه يقبل المحاججة لا بل إن اليمين واليسار استغلا الفرصة لاتهامه بـ«التسلط» و«الفردية». وفي أي حال، فإن الرئيس الجديد، بعد تألقه في ميدان السياسة الخارجية والدبلوماسية رفيعة المستوى «دخل في صلب الموضوع»، أي في السعي لمواجهة المشكلات المالية والاقتصادية التي تواجهها فرنسا وأولها عجز الميزانية والحاجة لخفض الإنفاق.
وأخذت تُسمع داخل كل التشكيلات السياسية أصوات تنتقد توجهات ماكرون بل تنتقد أداءه وأداء حكومته التي يرأسها اليميني السابق أدوار فيليب.
حتى أمس، لم تظهر ردود فعل داخل صفوف «الصامت الأكبر». لكن الثابت أن الجنرال دو فيليه كان يتمتع باحترام وشعبية كبيرة في صفوف الضباط والجنود لأنه رفع دوماً راية الدفاع عن القوات المسلحة وعن ضرورة توفير كل المستلزمات المادية والتجهيزية لقيامهم بمهامهم في الداخل والخارج. ولا يشذ دو فيليه عن القاعدة غير المكتوبة في فرنسا، وهي انتماء عدد من كبار القادة إلى طبقة الأرستقراطية أو البورجوازية العليا. ذلك أنه يتحدر من عائلة قدمت للجيش الكثير من الضباط، وهو شخصياً تخرج في مدرسة سان سير الحربية المشهورة ضابطاً في سلاح المشاة وخدم ضابطاً في مسرح العمليات، أكان ذلك في كوسوفو أو أفغانستان أو داخل قيادة الأركان التي أصبح رئيساً لها في عام 2014. ومعروف عن الجنرال دو فيليه ولعه بكرة القدم الذي قال عنه وزير الدفاع السابق ووزير الخارجية الحالي جان إيف لو دريان إنه «جندي كبير يتمتع بعصامية كبرى». كذلك مدحه ماكرون ووصفه بـ«العسكري المتميز» بحسب ما نقل عنه أمس الناطق باسم الحكومة الوزير كريستوف كاستانير.
في رسالة الاستقالة، كتب دو فيليه: «أعتبر أنه في الظروف الحالية، لستُ قادراً على المحافَظة على استمرارية نموذج الجيش القادر على توفير الحماية لفرنسا والفرنسيين اليوم وغداً، وأن أساند طموحات وطننا. ولذا، فإنني تحملت مسؤولياتي وقدمتُ هذا اليوم استقالتي إلى رئيس الجمهورية الذي قَبِلَها». وتابع دو فيليه قائلاً: «لقد حرصت منذ أن توليت هذا المنصب على المحافظة على نموذج الجيش الذي يوفق بين مواجهة التهديدات التي تطأ بظلها على بلدنا وعلى أوروبا والمهمات المتزايدة الموكلة لقواتنا، والإمكانيات المادية الضرورية للقيام بها». وإذا ذَكَّر بسلوكه المثالي إزاء السلطة السياسية، أشار الجنرال المستقيل إلى أن «واجبه فرض عليه أن يعبر عن تحفظاته أكثر من مرة في محافل مغلقة، وذلك بكل شفافية وصدق».
وإذا كان «الصامت الأكبر» محروماً من الكلام، فإن ما يدافع عنه الجنرال دو فيليه معروف لدى الجميع. ذلك أن مهمات الجيش الفرنسي في الداخل والخارج توسعت؛ فبين الحرب على الإرهاب والعمليات التي يقوم بها في بلدان الساحل (عملية بركان)، وعملية «شمال» في العراق وسوريا (1200 رجل وقوات كوماندوز وأسراب من طائرات «ميراج» و«رافال») ومهمات الجيش في الداخل في إطار ما يسمى عملية سانتينيل (الحارس) التي تحتاج منذ خريف عام 2015 إلى نحو 7000 رجل، تجد القوات المسلحة نفسها في وضع حرج بشرياً ومادياً. ويقول العارفون بشؤون القوات المسلحة إن الكثير من عتادها وأسلحتها، رغم تميز العرض العسكري الأخير، غير صالح للاستعمال، كما أن العمليات الخارجية تستهلك جزءاً كبيراً من الميزانية، وهو ما أراد الجنرال دو فيليه أن يضع عليه الإصبع.
كذا خسرت قيادة الأركان جنرالاً متميزاً بسبب صدقه ورفضه إخضاع القوات المسلحة لمنطق حسابي واقتطاع مبالغ تحتاج لها لإتمام مهامها. كذلك خسر الرئيس ماكرون بعضاً من ألَق صورته بحيث برزت ملامح تسلطية وانفرادية في ممارسة مهامه وصلاحياته.



الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.