إسرائيل تسعى لإجهاض هدنة الجنوب السوري... لأنها لا تراعي مصالحها

طالبت بضغوط فرنسية على لبنان للجم «حزب الله» ومنع استقبال قادة «حماس»

درعا كما بدت بعد هدنة الجنوب في الحادي عشر من الشهر الحالي (رويترز)
درعا كما بدت بعد هدنة الجنوب في الحادي عشر من الشهر الحالي (رويترز)
TT

إسرائيل تسعى لإجهاض هدنة الجنوب السوري... لأنها لا تراعي مصالحها

درعا كما بدت بعد هدنة الجنوب في الحادي عشر من الشهر الحالي (رويترز)
درعا كما بدت بعد هدنة الجنوب في الحادي عشر من الشهر الحالي (رويترز)

كشف مصدر سياسي يرافق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في زيارته إلى بودابست، أمس، أن إسرائيل تسعى لتجنيد ضغط دولي لإجهاض الاتفاق الروسي الأميركي بخصوص سوريا، لأنه لم يراع مصالحها، وأن إسرائيل ستعمل على منع انتصار إيران وحلفائها في المنطقة. الأمر الذي استدعى ردا روسيا أمس على لسان وزير الخارجية سيرجي لافروف، قال فيه إن روسيا وأميركا ستحرصان على وضع مصالح إسرائيل في الاعتبار عند إقامة مناطق عدم التصعيد في سوريا. من ناحية أخرى، قال المصدر، إنه خلال الزيارة التي قام بها نتنياهو لفرنسا، طلب من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن تمارس بلاده نفوذها على لبنان وتطالب الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء سعد الحريري، لجم «حزب الله» والحد من نفوذه في الدولة ومنع استقبال قيادات حماس المبعدة من قطر.
وفاجأ نتنياهو في موقفه المعلن لأول مرة حيال هدنة الجنوب السورية، وفيه أن إسرائيل تعارض تماما اتفاق وقف إطلاق النار جنوب سوريا، لأنه يرسخ التواجد الإيراني هناك. وأضاف أنه أوضح خلال اجتماعه مع ماكرون أن إسرائيل تعارض بشكل جارف الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين روسيا والولايات المتحدة. في السياق، قال مسؤول إسرائيلي رفيع، طلب التحفظ على اسمه، إن إسرائيل تعرف عن نوايا توسعية كبيرة لإيران في سوريا. وحسب قوله فإن إيران معنية ليس فقط بإرسال مستشارين إلى سوريا وإنما إرسال قوات عسكرية كبيرة، بما في ذلك إقامة قاعدة جوية للطائرات الإيرانية، وقاعدة بحرية لسفن الأسطول الإيراني. وأضاف: «هذا يغير صورة الأوضاع في المنطقة عما كانت عليه حتى الآن».
وتكشف تصريحات نتنياهو حول إحدى أكبر الخطوات التي حققتها روسيا والولايات المتحدة في سوريا، عن خلاف شديد بين إسرائيل والقوتين العظميين في الموضوع السوري، والذي تم الحفاظ عليه حتى الآن في القنوات الدبلوماسية الهادئة ولم يتم التعبير عنه علنا. وكانت روسيا والولايات المتحدة قد أعلنتا قبل نحو أسبوعين عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جنوب سوريا، يشمل إنشاء مناطق عازلة بين سوريا والأردن وبين سوريا وإسرائيل. وفي الشهر الأخير أجرت إسرائيل محادثات مع مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية حول الاتفاق. وفي هذا الإطار وصل إلى إسرائيل المبعوث الأميركي لمكافحة تنظيم داعش بريت ماكغورك والمبعوث الأميركي للشأن السوري مايكل راتني. وعرضت إسرائيل سلسلة من التحفظات بشأن الاتفاق، وطالبت بأن تستخدم المناطق العازلة كوسيلة لإبعاد إيران و«حزب الله» والميليشيات الشيعية عن الحدود مع إسرائيل والأردن، وعدم السماح بترسيخ الوجود الإيراني في سوريا. كما تحفظت إسرائيل على تولي قوات روسية مراقبة وقف إطلاق النيران في المناطق العازلة.
وتحدث نتنياهو الليلة قبل الماضية مع وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، وناقش معه هذا الأمر. وقال مسؤولون كبار من إسرائيل، إنه عندما وصل نص اتفاق وقف إطلاق النار، تبين بأنه خلافا لتوقعاتها، لم يأخذ الروس والأميركيون مواقفها في الاعتبار تقريبا. وقال أحد هؤلاء المسؤولين، إن «الاتفاق كما هو حاليا سيئ جدا ولا يأخذ في الاعتبار أي مصلحة أمنية لإسرائيل، ويخلق واقعا مقلقا في الجنوب السوري. ولم يشمل أي كلمة صريحة عن إيران، و(حزب الله) أو الميليشيات الشيعية في سوريا».
واستدعت هذه الانتقادات تصريحات مقابلة من الطرف الروسي، لطمأنة الجانب الإسرائيلي، إذ نقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزير الخارجية سيرجي لافروف، قوله، أمس، إن «روسيا وأميركا ستحرصان على وضع مصالح إسرائيل في الاعتبار عند إقامة مناطق عدم تصعيد في سوريا».
واعتبرت (رويترز)، أن اعتراض نتنياهو العلني أمر مستغرب على رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي كان يسعى لتجنب المواجهة سواء مع موسكو أو واشنطن بشأن سوريا.
وبالإضافة إلى طرح القلق الإسرائيلي في الشأن السوري، أمام ماكرون، فقد طرح نتنياهو أيضا، قلق إسرائيل إزاء الوضع في لبنان. وطلب من ماكرون تفعيل تأثيره على الحكومة اللبنانية، في كل ما يتعلق بنشاط «حزب الله» في الدولة، خاصة في جنوب لبنان. كما طلب من ماكرون نقل رسالة إلى الحكومة حول نية عدد من قادة حماس الانتقال للنشاط في لبنان. وقال نتنياهو للصحافيين بعد اللقاء، إن «فرنسا تدير علاقات خاصة مع الحكومة اللبنانية، ويمكن لماكرون إجراء حوار معها بشأن (حزب الله)». وتابع: «نقلت خلال اللقاء رسائل واضحة وحادة بشأن استمرار تعزيز قوة (حزب الله) في لبنان مع أسلحة متطورة يريدون إنتاج قسم منها على أرض لبنان، واستيراد قسم آخر من سوريا. قلت له إنه يتم هنا زرع بذور صراع قاس جدا بين إسرائيل ولبنان، وإن على الحكومة اللبنانية عدم القيام بنشاطات تدفع هذا الصراع قدما».
ونقل لمصدر عن نتنياهو قوله لماكرون، في لقائهما الأحد، إن «حزب الله» يسيطر اليوم على نصف الأراضي اللبنانية، ويفعل فيها ما يشاء، من تحويل الأحياء السكنية إلى مخازن أسلحة وصواريخ، إلى إقامة مصانع أسلحة، وحتى بناء الأنفاق تحت الأرض. وكل هدفه محاربة إسرائيل لصالح إيران. وإيران تسيطر على سوريا وتحاول تحويلها إلى ساحة حرب أخرى مع إسرائيل. وحماس في الجنوب تستعد هي الأخرى لمحاربة إسرائيل ومستعدة لتسخير رجالها لمصلحة كل من يحاول محاربة إسرائيل.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.