حكاية «داعش»: نهاية «دولة الخرافة»

بلغ التنظيم في عام 2014 قمة قوته... ونهايته في الباديتين العراقية والسورية

حكاية «داعش»: نهاية «دولة الخرافة»
TT

حكاية «داعش»: نهاية «دولة الخرافة»

حكاية «داعش»: نهاية «دولة الخرافة»

أتى تدمير تنظيم «داعش» للجامع النوري الكبير في مدينة الموصل، قاعدة شمال العراق، قبل وصول القوات العراقية إليه، ليعلن رسمياً نهاية «دولة» التنظيم التي كان أعلن عنها من على منبر الجامع نفسه في التوقيت ذاته تقريباً من عام 2014. إذ استطاع النفاذ من التعقيدات الدولية المحيطة بالمنطقة لينطلق في مغامرة «الدولة» التي سماها خصومه «دولة الخرافة» السائرة «عكس السير»، وذلك قبل أن يفرض المنطق نفسه، ويعود إلى مرحلة التنظيم، تمهيداً للاختباء تحت الأرض في منطق «حرب العصابات»... و«الذئاب المنفردة».
تشير كل المعطيات إلى أن تنظيم داعش المتطرف دخل في أطواره الأخيرة، كقوة ذات تأثير. إذ إن تمويله الهائل يكاد ينضب جراء التضييق الدولي والإقليمي عليه، وكذلك قدرته على استقطاب المقاتلين واستثمار الموارد الطبيعية، جراء الحملات العسكرية التي يشنها عليه أكثر من طرف دولي وإقليمي ومحلي. وبالتالي، بات مصطلح «دولة الخرافة» أقرب إلى الواقع الذي عاشه التنظيم خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
ويرى الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، عبد الرحمن الحاج أن قدرة «داعش» على استقطاب الأجانب ضعفت إلى حد كبير، مشيراً إلى أن قدراته العسكرية تراجعت وموارده المالية أيضاً، كما قتل عدد من قادته العسكريين الذين لعبوا دوراً في تمدده. ويوضح الحاج لـ«الشرق الأوسط» أن أبرز الخيارات التي يلجأ إليها التنظيم اليوم تتمثل في «الانكفاء نحو المناطق الحيوية بالنسبة للتنظيم، ومحاولة تأخير الانكسار الكامل، ولهذا لن يدافع بشراسة عن مناطق ليست مهمة له كمدينة الرقة، فيما قد يستميت في بعض المناطق الأخرى، كالعراق الذي يعتبره حاضنة»، لأن قيادييه السياسيين من العراق. أما الخيار اللاحق فهو الذهاب نحو البادية، كما حصل سابقاً في العراق، حيث تكون ملاحقة قيادييه أكثر صعوبة في المناطق الصحراوية، كما فعل في العراق في وقت سابق.

إعادة تموضع شاملة
التنظيم بدأ فعلياً في إعادة تموضع شاملة، ففي سوريا، أخلى مناطق واسعة في جنوب شرقي سوريا والقلمون الشرقي، موجهاً قواته باتجاه البادية السورية، حيث تخوض قوات المعارضة معارك ضده، بموازاة استكمال انسحاباته من قرى ريف محافظة حلب الشرقي، حيث يخوض النظام هجمات ضده. وهو ما يشير إلى أن التنظيم ينفذ «إعادة تموضع» في سوريا، بالنظر إلى أن بعض المناطق التي انسحب منها، لم تشهد عمليات عسكرية عليه، وتطرح أسئلة عن مرحلة «ما بعد الرقة».
ويحول التنظيم المتطرف قواته باتجاه البادية السورية التي تمتد من جنوب الرقة شمالاً، باتجاه ريف محافظة حماة الشرقي وريف محافظة حمص الشرقي وشرق محافظة ريف دمشق وريف محافظة دير الزور المتصل بالحدود العراقية، وأيضاً المنطقة الصحراوية العراقية. ويقوم النظام السوري بملاحقته في تلك المنطقة الخالية، إذ انسحب التنظيم من أكثر من 7 آلاف كيلومتر مربع إثر المعارك مع النظام وحلفائه.
و«إعادة التموضع» في العلم العسكري، تعني أن الوضع الميداني والعملياتي لم يعد لصالح القوة العسكرية، فتجبر على إعادة تموضع لخوض معركة دفاعية، وانتشار جديد. ويؤكد خبراء أن استعادة الرقة السورية وتلعفر والموصل في العراق «لا تعني عسكرياً انتهاء التنظيم عسكرياً، بالنظر إلى أنه سيكون قد هُزم، لكنه سيعود إلى تطبيق الاستراتيجية المفضلة له وهي (سمكة الصحراء)، أي أنه سيذوب في بادية الشام وصحراء الأنبار ويستغل الطبيعة القاسية للمنطقة تحضيراً لشن حرب عصابات على كل من يعاديه».
وحقاً، انحسر نفوذ «داعش» في سوريا إلى أقل من ربع المساحة الجغرافية للبلاد، إثر الهجمات المتواصلة ضده التي أبعدته عن معظم المدن والمراكز الحيوية إلى البادية السورية، بينما يتواصل تراجعه إثر المعارك المتواصلة ضده في معقله في الرقة، وفي البادية، تحت غطاء جوي دولي. ويقول مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، إن مواقع سيطرة «داعش» في سوريا تراجعت إلى نسبة تتراوح بين 22 و25 في المائة من مساحتها، وتتركز في معظمها في مناطق خالية في البادية. ويشير إلى أن التنظيم «خسر كثيراً من مناطق نفوذه إثر إغلاق الحدود التركية بعد حادثة شارلي إيبدو في فرنسا، وافتقاده إلى المقاتلين الأجانب الذين شكلوا رأس الحربة في عديد التنظيم العسكري، فضلاً عن الإنشاءات الحيوية التي كانت توفر له المال، إضافة إلى الضربات الجوية الأميركية والروسية التي استنزفته، وأفقدته السيطرة على شريط حدودي حيوي في تل أبيض وغيرها من المواقع الجغرافية الحيوية».

تضعضع في صفوفه
وإثر الضربات، يعاني التنظيم من «تضعضع» في صفوفه، وفقدان السيطرة على قواته الموجودة في الميدان العسكري، إثر انقطاع تواصلهم مع القيادة. وحسب كلام مصدر سوري معارض في شرق سوريا لـ«الشرق الأوسط»، فإن «داعش»، ومنذ اغتيال قيادييه الكبار، «فقد السيطرة بين القيادة المركزية والقادة الميدانيين، وخسر كثيراً من نقاط القوة العسكرية والإعلامية، وهو ما أدى إلى فقدانه ميزة أساسية امتاز بها في البداية وأسهمت في توسيع سيطرته».
ووفق المصدر نفسه، فإن التنظيم «تمدد في خواصر رخوة حين كانت القوات المتحاربة في سوريا تتقاتل، وبدأ ينحسر بفعل الهدنات والاتفاقات التي حيدت المعارك الجانبية ودفعت الأطراف لتركيز جهودها على التنظيم»، لافتاً إلى أن الدعم الدولي من التحالف لميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، والدعم الروسي للنظام السوري «أسهما في إضعافه بشكل كبير في الميدان».
ويذكر أن التنظيم استطاع عام 2014 تشكيل 8 ولايات توزعت على 9 محافظات سورية هي دمشق وحمص وحلب والرقة ودير الزور وحماة والحسكة وريف دمشق والسويداء، بالإضافة لوجود جيش مبايع له في حوض اليرموك بريف محافظة درعا الغربي، ووصلت مساحة سيطرته لنحو 90 ألف كيلومتر مربع من الأراضي السورية بنسبة نحو 50 في المائة من مساحة البلاد. إلا أنه عاد في العام الثالث ليخسر مساحات واسعة من المناطق التي كانت خاضعة لسيطرته تبلغ عشرات آلاف الكيلومترات، حيث خسر آخر منافذه مع العالم الخارجي، بعد دخول تركيا في عملية «درع الفرات»، وعشرات القرى والبلدات والمدن من ريفي حلب الشرقي والشمالي الشرقي لحلب، ولم يتبقّ له سوى قرى متناثرة في ريف حلب الجنوبي الشرقي، بالقرب من طريق حلب - خناصر - أثريا.
كذلك خسر المساحة الممتدة من معبر تل كوجر على الحدود السورية - العراقية في مثلث الحدود السورية - العراقية - التركية، وصولاً إلى ريف الشدادي الجنوبي وإلى الغرب من منطقة مركدة، وصولاً إلى ضفاف الفرات الشرقية، فضلاً عن مساحات واسعة من ريف الرقة الجنوبي الغربي وكامل الريف الغربي للرقة ومساحات واسعة من البادية السورية بما فيها منطقة اللجاه بريف درعا الشمالي الشرقي، مروراً بتدمر والقريتين والبادية السورية، وصولاً إلى جنوب محطة «التي تو» بريف دير الزور الجنوبي الشرقي، إضافة لخسارته كامل وجوده في محافظة حلب باستثناء وجوده في ريف حلب الجنوبي الشرقي.

وضعه في العراق
أما في العراق، فلم يعد «داعش» يسيطر سوى على 6.8 في المائة من مساحة العراق بعدما كان استولى على 40 في المائة من البلاد عام 2014. ووفق العميد يحيى رسول المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة في مؤتمر صحافي في بغداد، فإن «المساحة المسيطر عليها (من التنظيم) لغاية 31 مارس (آذار) 2017 تبلغ 6.8 بالعشرة من مساحة العراق بعدما كانت تبلغ 108.405 ألف كلم مربع، أي 40 في المائة من مساحة العراق بعد تمدده في العاشر من يونيو (حزيران) 2014». ويرى الحاج أن انكسار التنظيم في العراق وسوريا «سيؤثر عليه بالتأكيد، لكن أي انتصار قد يحققه في المناطق الأخرى قد يفتح له باب التجنيد مجدداً»، مشيراً إلى أن العمليات التي يقوم بها في الغرب تهدف إلى التأثير على المضطهدين اجتماعياً واستقطابهم إلى دائرته. ولا يسقط احتمال انتقال التنظيم إلى دول أخرى مثل إيران ومصر وليبيا، لافتاً إلى أن العملية الأخيرة التي نفذها في طهران «توضح وجود مسار في هذا الاتجاه يهدف إلى تجنيد السنة الإيرانيين المضطهدين من النظام الإيراني، وعملية طهران تشي بأنه بدأ التواصل مع هؤلاء».
ويرى الباحث في شؤون الجماعات المتشددة حسن أبو هنية أن «داعش» سيتجه لتطبيق الاستراتيجية التي طبقها تنظيم القاعدة في العراق في عام 2008. ويقول: «هناك نموذج سابق في العراق 2008، حيث نفذ تنظيم القاعدة خيارين؛ أولهما هو العودة إلى حرب العصابات وإعادة التموضع في الصحراء والقرى البعيدة، بينما يتمثل الخيار الثاني في إعادة التموضع في المدن المكتظة من خلال الوجود الأمني على شكل خلايا نائمة، وهو ما سهل اقتحام الموصل في عام 2014 لدى إعلان دولته المزعومة في العراق والشام».
ويشير أبو هنية إلى أن عودة «القاعدة» في ذلك الوقت إلى الصحراء «قلصت العمليات الانتحارية، لكن لم تلغها، رغم انخفاضها للنصف، ذلك أن القدرة التشغيلية للتنظيم حافظت على مستوى عملياتي لها، حيث تواصلت الاغتيالات والتفجيرات العمليات الانتحارية والانتقامية». ويضيف: «انطلاقاً من تلك التجربة، فإن خيارات (داعش) اليوم واضحة، مثل خيارات (القاعدة)، وقد أعلن عنها في وقت سابق المتحدث باسم (داعش) أبو محمد العدناني في آخر خطاب له قبل مقتله، حين أشار إلى أن التنظيم جاء من الصحراء، وسيعود إليها». ويؤكد أبو هنية أن «داعش» عراقي في الأساس «مر في تجربة بناء قامت على يد أبو مصعب الزرقاوي، وكانت تلك تجربة استثنائية، لكن اليوم باتت له نواة صلبة في قلب المنشأ في العراق»، مشدداً على أن «البنية الصلبة له هي البنية العراقية، بينما استخدم قضية الخلافة بهدف التحشيد واستقطاب 35 ألف مقاتل أجنبي إليه».

لا حروب مدنية
وعن الاستراتيجية التي سيتبعها التنظيم، يتوقع أبو هنية أن التنظيم «سيتخلى عن حروبه المدنية، لأنها باتت مكلفة عليها، وسيستعيض عنها بحرب العصابات والحروب الهجينة. لكنه في هذا الوقت سينتظر خللاً آخر، كما حصل إبان حكومة المالكي، وسينتظر تفكك التحالفات السياسية لإعادة استنهاض نفسه»، لافتاً إلى أن «المنطقة حبلى بالخلل، وأسباب استنهاض التشدد ذلك أن مرحلة ما بعد (داعش) ستكون أسوأ من مرحلة ما قبله على صعيد البنية التحليلية المسببة لقيامه، ومنها التهميش».
ويضيف أبو هنية: «الأمور معقدة. يشكل (داعش) الآن نوعاً من الفضيلة بالنسبة للأقطاب السياسية التي اتفقت على محاربته، فهو يحصر الصراعات والعداءات به. وإذا اختفى، ستنفجر كلها دفعة واحدة»، لافتاً إلى أن هناك أسباباً كثيرة «من بينها وجود الحشد الشعبي بعد مرحلة القضاء على (داعش)، في وقت لا توجد فيه حلول حقيقية في سوريا، وهناك تنازع، مما يعني أن الظروف الموضوعية لاستنهاض نفسه في سوريا والعراق لا تزال حاضرة وتزداد سوءاً». ويتابع الخبير الأردني: «أميركا خلقت مناخاً معقداً بعد غزو العراق في 2003، أسهم إلى حد كبير في نشوء التطرف، وباتت الجهادية العالمية جزءاً من بنية العراق بعد الغزو، حيث يستثمر المتطرفون بخطاب المظلومية السنية لجلب المقاتلين». ومع ذلك، يؤكد أبو هنية أن «التنظيم عراقي، وستبقى قيادته عراقية في إعادة تموضعه الجديد، حتى لو لم يبقَ أبو البغدادي زعيماً له». ويرى عبد الرحمن الحاج أن التنظيمات المتشددة الأخرى تنظيمات «نخبوية»، فيما أن التنظيم حاول أن ينقل نفسه من منطق النخبة إلى الشعبوية، لأنه لم يكن يشترط إيماناً معقداً، بل مجرد الولاء.

«داعش»... صعود وهبوط
أسس أول أشكال التنظيم المتطرف في عام 2004، عندما أنشأ الأردني «أبو مصعب الزرقاوي» تنظيم «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين»، وقاد حملة دموية ضد الحكومة العراقية والقوات الأميركية، نفذت سلسلة من التفجيرات الانتحارية بواسطة شاحنات محملة بالمتفجرات أدت لمقتل الآلاف.
وفي يونيو 2006، قتل الزرقاوي في غارة جوية أميركية قرب بعقوبة عاصمة محافظة ديالى شمال بغداد، وحل مكانه في قيادة التنظيم «أبو أيوب المصري» الذي أعلن تأسيس «الدولة الإسلامية في العراق» في محاولة لاسترضاء سنّة العراق الذين بدأوا في ملاحقة عناصر «القاعدة» في العراق من خلال «الصحوات» التي ساعد الأميركيون في تشكيلها. لكن «المصري» قتل في أبريل (نيسان) 2010 عندما فجر حزاماً ناسفاً كان يرتديه بعد وقوعه في كمين نصبته القوات الأميركية والعراقية، وتولى قيادة التنظيم من بعده العراقي «أبو بكر البغدادي».
ودخل التنظيم بقوة على ملف الأزمة السورية، مستغلاً حالة الفوضى القائمة في المنطقة، فأعلن في 9 مايو (أيار) 2013 عن اندماج «الدولة الإسلامية في العراق» وفرع القاعدة في سوريا «جبهة النصرة» لتشكيل «داعش» (الدولة الإسلامية في العراق والشام).
كان عام 2014 فترة ذهبية للتنظيم، فقد احتل في 4 يناير (كانون الثاني) مدينة الفلوجة التي تقع على بعد 43 ميلاً إلى الغرب من العاصمة العراقية بغداد بعد عدة أيام من القتال. وفي المقابل استولى التنظيم في 14 يناير على مدينة الرقة السورية بعد معارك مع جماعات سورية معارضة أخرى وتحولت المدينة إلى مقر قيادة التنظيم.
ومع اتضاح خطورة المشروع، طردت المعارضة السورية في 20 يناير التنظيم من مدينة حلب وريف حلب الغربي. وبعدها انفصلت «النصرة» عن التنظيم. وأعلن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في 3 فبراير (شباط) فك الارتباط بـ«داعش» وأن لا صلة للقاعدة بهذه الجماعة ولم تستشر القاعدة في تأسيسها.
وفي 10 يونيو، احتل التنظيم مدينة الموصل بعد فرار آلاف الجنود العراقيين منها. وفي اليوم التالي احتل التنظيم مدينة تكريت، مسقط رأس الرئيس العراقي السابق صدام حسين وفر نحو 50 ألف مدني من المدينة.
منتشياً بانتصاراته هذه، خرج البغدادي من مخبئه، وأعلن تسجيلاً مصوراً للناطق باسم التنظيم «أبو محمد العدناني» في 29 يونيو إقامة «الخلافة الإسلامية» وتنصيب البغدادي «خليفة للمسلمين» وحذف كلمتي العراق والشام من اسمها وإلغاء الحدود بين العراق وسوريا. وفي 4 يوليو (تموز)، ظهر البغدادي علناً لأول مرة ملقياً خطبة في الجامع النوري في الموصل للإعلان الرسمي.
بعدها بدا الحراك لوقف زحف التنظيم الذي «كسر الحدود» بين العراق وسوريا، فأعطى الرئيس الأميركي باراك أوباما في 7 أغسطس (آب) الإذن بشن غارات جوية لوقف زحف التنظيم إلى مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، ولكسر الحصار الذي فرضه مسلحو التنظيم على جبل سنجار الذي فر إليه آلاف الإيزيديين هرباً من عمليات القتل الجماعي. وتكرر الأمر نفسه في 19 سبتمبر (أيلول) لوقف زحف التنظيم نحو بلدة عين العرب (كوباني) السورية الشمالية التي حاصرها لمدة 4 أشهر وكانت فيهما بداية نهايته العسكرية.

مرحلة القصف الجوي
في 22 سبتمبر 2015 بدأت الولايات المتحدة ودول عربية في مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات والأردن والبحرين بحملة قصف جوي على أهداف التنظيم في سوريا، كانت أولى نتائجها فك الحصار عن مدينة عين العرب وتراجع التنظيم فيها. لكن التنظيم لم يعترف بتراجعه، فباشر حملة ذبح واسعة النطاق للرهائن الغربيين والعرب.
ويذكر أنه في 17 مايو 2015 سقطت مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار العراقية في يد التنظيم رغم تدخل الطيران الأميركي ومشاركته في المعارك إلى جانب القوات العراقية. وفي 21 مايو سقطت مدينة تدمر السورية الأثرية بيد التنظيم بعد معارك مع النظام السوري، وهكذا بات التنظيم يسيطر على نصف مساحة سوريا بما في ذلك كل الحدود بين سوريا والعراق بعد الاستيلاء على معبر التنف بين البلدين. وفي اليوم التالي، 22 مايو سجل أول هجوم انتحاري للتنظيم في السعودية أدى إلى سقوط أكثر من 20 شخصاً خلال صلاة الجمعة.
في المقابل، يوم 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 استعاد مسلحو البيشمركة الأكراد مدينة سنجار بشمال العراق من قبضة التنظيم بمساعدة طيران التحالف، وشهدت العاصمة الفرنسية باريس هجمات دامية أسفرت عن مقتل 129 شخصاً وتبناها التنظيم. ويوم 28 ديسمبر (كانون الأول) استعادت القوات العراقية مدينة الرمادي من قبضة التنظيم ورفعت العلم العراقي فوقها.
كعادته مع كل ضربة يتعرض لها، بدأ التنظيم بالمشاغبة، فدمر في 20 يناير 2016 دير مار إيليا، أقدم دير بالعراق، ويوم 22 مارس نفذ سلسلة هجمات في العاصمة البلجيكية بروكسل أسفرت عن مقتل 30 شخصاً.
وتواصل مسلسل الهزائم الداعشية، ففي 26 يونيو، أعلن الجيش العراقي استعادة مدينة الفلوجة وتحريرها بالكامل. ثم في 8 أغسطس طردت ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» التي يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري التنظيم من مدينة منبج بعد معارك استمرت 73 يوماً. ويوم 25 أغسطس دخلت تركيا على خط وراثة مناطق نفوذ التنظيم، فأطلقت عملية عسكرية باسم «درع الفرات» ودخلت مدينة جرابلس الحدودية وطردت التنظيم منها بسرعة.
وفي 30 أغسطس من العام نفسه، تلقى التنظيم ضربة موجعة، إذ قتل الناطق باسم التنظيم «أبو محمد العدناني» في غارة جوية أميركية قرب مدينة الباب السورية، وبعدها بأسبوعين قتل «خليفته» وائل عادل سليمان الملقب بـ«أبو محمد فرقان»، مسؤول الدعاية في التنظيم وإنتاج الأفلام الدعائية بغارة أخرى.
كان عام 2017 الأسوأ على التنظيم، حيث بانت نقاط ضعفه، وعزل عن الحدود التركية. وفي 23 فبراير منه أعلنت تركيا السيطرة على مدينة الباب وطرد التنظيم منها بعد معارك دامية قتل فيها عشرات الجنود الأتراك. وفي 14 أبريل، قتل «مفتي» التنظيم في غارة جوية بالموصل. ويوم 21 يونيو، فجر «داعش» الجامع النوري في الموصل ومئذنته «الحدباء» الشهيرة، إيذاناً بدخول القوات العراقية آخر معاقله فيها.



حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
TT

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات سريعة وفعالة لوقف القتال في أوكرانيا، ووضع خريطة طريق لمعالجة الملفات الخلافية المتراكمة مع الكرملين. وقبل أيام قليلة من تسلم صلاحياته رسمياً، برزت اندفاعة جديدة من الرئيس الجمهوري نحو روسيا، عندما أعلن استعداده لتنظيم لقاء عاجل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرسم ملامح العلاقة المستقبلية ويضع خطط إنهاء الحرب وتخفيف التوتر على مسار التنفيذ. لكن اللافت أن هذه التصريحات لم تُقابَل بشكل حماسي في روسيا. بل فضَّل الكرملين التزام لهجة هادئة تؤكد الانفتاح على الحوار، مع التذكير في الوقت ذاته، بعنصرين ضروريين لنجاح أي محاولة لكسر الجليد بين البلدين، أولهما اتضاح الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الملفات الخلافية المتراكمة، والآخر التذكير بشروط الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتوازي مع ذلك، بدت تعليقات الأوساط المقربة من الكرملين متشائمة للغاية، حيال فرص إحراز تقدم جدّي على أي مسار... لا في الحرب الأوكرانية ولا العلاقات مع «ناتو»، ولا ملفّات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.

لا ينظر أحد في روسيا بجدية إلى إمكانية تحقيق قفزات سريعة تؤدّي إلى تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضع إطاراً واقعياً للحوار حول الملفات الخلافية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب صرّح مرّات عدة بأن موقف روسيا يمكن فهمه، وأن سبب الصراع كان إلى حد كبير السياسة المناهضة لروسيا التي تنتهجها «الدولة العميقة» الأميركية، فإن الأوساط الروسية تنظر بريبة إلى قدرة ترمب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، في تجاوز الكثير من «المطبّات» التي تعترض طريق إعادة تشغيل العلاقات بين موسكو وواشنطن.

رسائل روسية واضحة

في هذا الصدد، كان لافتاً أن موسكو تعمّدت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر إطلالتين إعلاميتين لشخصيتين تعدّان من أبرز المقربين لبوتين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الرئاسي وعضو مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وفي الحالتين كان التوقيت وشكل التعامل مع «اندفاعة ترمب» يحظيان بأهمية خاصة.

جوهر كلام المسؤولين ركّز على قناعة بأن العالم قد يكون أمام «فرصة حقيقية للسلام» في عهد ترمب، بيد أن الانفتاح الروسي على الحوار مرتبط باستناد هذا الحوار إلى أسس «مبادرات ملموسة وخطوات ذات معنى بشأن الاتصالات على أعلى مستوى»، والأهم من ذلك، أن تتوافر لدى ادارة ترمب «اقتراحات محددة» بشأن أوكرانيا، وفق تعبير لافروف.

والاقتراحات المحددة المطلوبة روسياً، ينبغي أن تنعكس - كما قال الوزير – بـ«جدية في الاستعداد لحل المشاكل المتراكمة عبر الحوار لا عبر الضغوط والتهديدات» التي لم ينجح سلف ترمب في معالجتها.

وفي إشارة ذات مغزى، قال لافروف إنه «من المفيد أن نرى ما هي الأساليب التي سيستخدمها ترمب لجعل أميركا أعظم». وهذه عبارة أكملها باتروشيف بقوله: «هل سيكون ترمب قادراً على ترجمة نواياه بالكامل؟ وكما أظهرت ولايته الأولى، فإن (الدولة العميقة) السيئة السمعة في الولايات المتحدة... قوية للغاية».

أوكرانيا «رأس الأولويات»

الموقف الذي أعرب عنه المسؤولان الروسيان ينطلق من «الاستعداد للمناقشة والاتفاق على أي شيء باستثناء شيء واحد - أوكرانيا. (...) لقد عبّرنا عن موقفنا مراراً وتكراراً، وهو موقف لا يمكن تغييره». وفي هذا الإطار، لوّح لافروف بأنه إذا توصّلت روسيا إلى استنتاج مفاده أن واشنطن ستواصل دعم «النظام النازي المعادي في كييف» فإنها (أي موسكو) ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة. في حين قال باتروشيف إن أوكرانيا «قد تختفي عن الخريطة خلال هذا العام» إذا استمرت السياسات الغربية السابقة.

الرسالة الروسية الثانية لترمب كان فحواها أن أي تسوية أو ضمانات لأوكرانيا، يجب أن تكون مرتبطة باتفاقيات أوسع نطاقاً. وهنا قال لافروف إن «روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكنها يجب أن تكون جزءاً من اتفاقيات أكبر». بينما أوضح باتروشيف أنه بالإضافة إلى التوصل إلى ترتيبات أمنية في القارة الأوروبية «يجب وقف التمييز ضد السكان الروس في عدد من البلدان، وبالطبع، في دول البلطيق ومولدوفا».

أما النقطة الثالثة التي تحدّد شروط الحوار، فتنطلق من ضرورة البدء بمنح روسيا ضمانات كاملة عبر ملفي: وقف مسار ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وتأكيد حيادها لعشرات السنوات، وتقليص القدرات العسكرية لهذا البلد ومنع تسليحه مجدداً.

هكذا، ترى موسكو المدخل الصحيح للحوار، الذي يجب أن يتأسس - كما قال الرئيس الروسي سابقاً - على قاعدة الإقرار بالتغييرات الميدانية التي وقعت خلال سنتين، بما يضمن الاعتراف الغربي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

تشكل هذه القاعدة التي تنطلق منها موسكو سبباً وجيهاً للتوقعات المتشائمة حول فرص إحراز تقدم، تضاف إلى الشكوك المحيطة بقدرة ترمب الفعلية على تجاوز كل العقبات والضغوط الداخلية والانطلاق نحو تقديم تنازلات مهمّة للروس.

يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية،

لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية

التداعيات على أوكرانيا

كيف يتأثر الوضع في أوكرانيا؟

في هذا الإطار، وضع أحد أبرز خبراء السياسة في «المجلس الروسي للسياسة والأمن»، وهو مؤسسة مرموقة ومقربة من الكرملين، التصور التالي لشكل العلاقة مع ترمب في ملفات رئيسة:

بدايةً، في أوكرانيا ستفشل محاولة ترمب للتوصل إلى وقف إطلاق النار على طول خط التماس. وذلك لأن المخططات الأميركية لـ«وقف الحرب» تتجاهل تماماً المصالح الأمنية الروسية، كما تتجاهل الأسباب التي أدت أولاً إلى الأزمة ثم إلى الصراع العسكري واسع النطاق في أوكرانيا.

في المقابل، لن تقبل واشنطن الشروط الروسية لبدء المفاوضات ومعايير السلام التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي؛ لأنها تعني في الواقع استسلام كييف وهزيمة استراتيجية للغرب. وخلافاً لتوقعات التهدئة، فإن ترمب «المهان»، رداً على رفض خطته، سيعلن دعمه لأوكرانيا ويجمع حزمة أخرى من العقوبات على موسكو. لكنه في الوقت نفسه، سيمتنع عن التصعيد الجدي للصراع؛ كي لا يستفز روسيا ويدفعها إلى ضرب أراضي دول «ناتو»، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة هناك. ومع هذا، ورغم غطاء الخطاب القاسي المعادي لروسيا، فإن المساعدات الأميركية لنظام كييف ستنخفض، وسيتعيّن على الأوروبيين تغطية العجز الناتج من ذلك. ومن حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ لذلك، وبالتالي لن يكون هناك خفض كبير في الدعم المادي لأوكرانيا من الغرب في العام الجديد على الأقل.

إلى جانب ذلك، قد تحاول واشنطن، وفقاً للخبير البارز، بدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين، تعزيز الموقف السياسي الداخلي لنظام كييف من خلال المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، وبالتالي استبدال فولوديمير زيلينسكي وفريقه المكروهين بشكل متزايد بمجموعة أخرى بقيادة رئيس الأركان السابق فاليري زالوجني. لكن التأثير السياسي المحلي لمثل هذا الاستبدال سيكون قصير الأجل.

العلاقة مع أوروبا

أيضاً، يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية، لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية. وهذا يعني أنه لن يحقق وعوده حيال علاقة الولايات المتحدة مع «ناتو»، وبدلاً من ذلك، سيرفع السعر الذي يتوجب على الأوروبيين دفعه للانضمام إلى التكتل.

ووفقاً لبعض الخبراء، سيكون لزاماً على الأوروبيين، الذين كانوا يخشون عودة ترمب، أن يقسموا يمين الولاء له. وبالتالي، «لن تكون هناك معارضة ضد ترمب بأي شكل من الأشكال؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى أميركا زعيمةً: ليس فقط حاميةً عسكريةً، بل وأيضاً زعيمةً سياسيةً ــ لا تقل عن حاجتها إلى روسيا باعتبارها «تهديداً مباشراً على الأبواب».

بهذا المعنى، تتطابق آراء الخبراء في مسألة أن «العداء لروسيا سيظل العامل الحاسم في توحيد أوروبا في عام 2025».

ويضيف بعضهم القناعة بأنه خلافاً للفكرة الرائجة بأن الأوروبيين متردّدون في مواجهة روسيا، بشكل رئيس بسبب الضغوط الأميركية، فإن الحقيقة أن روسيا، باعتبارها عدواً، تشكل عاملاً قوياً في توحيد النخب الأوروبية ودولها. بمعنى أنه كان لا بد من «اختراع التهديد الروسي»، وتقديم الحرب في أوكرانيا باعتبارها المرحلة الأولى من «الاختطاف الروسي لأوروبا».

في السياق ذاته، ينظر إلى الانتخابات المقبلة في ألمانيا، بأنها ستحمل إلى السلطة ائتلافاً جديداً، سيعمل أيضاً على تشديد السياسة تجاه موسكو. ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا بناءً على دعوة من فرنسا، لأن أوروبا تنظر إلى خطر الصدام العسكري المباشر مع روسيا على أنه مفرط في المخاطرة.

وداخلياً، ينتظر أن تواصل أوروبا الاستعداد بنشاط للحرب مع روسيا - وفقاً لأنماط الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن على حدود جديدة، تحولت بشكل كبير نحو الشرق. كذلك، سيزداد الإنفاق العسكري للدول، ويتوسع الإنتاج العسكري، وتتحسن البنية التحتية العسكرية، وبخاصة، على الجانب الشرقي لـ«ناتو». وبناءً عليه؛ سيصبح المناخ الاجتماعي والسياسي أكثر صعوبة أيضاً.

وهكذا، بشكل عام، يقول خبراء روس إن عام 2025 عموماً سيكون مليئاً بالصراعات، الممتدة من عهد ولاية الرئيس جو بايدن حول روسيا وفي أوروبا، كما سيكون محفوفاً بالمنعطفات غير المتوقعة والخطيرة.

ومع القناعة بأن الاضطراب الاستراتيجي يتزايد باطراد، فإن نتيجة المعركة من أجل النظام العالمي الجديد ليست مُحددة مسبقاً بأي حال من الأحوال. إذ إن نقطة التوازن الافتراضية في النظام العالمي لا تزال بعيدة كل البعد عن الأفق. وفي هذا الصدد، يرون أن روسيا ستواجه في عهد الإدارة الجديدة تحدّيات جديدة في العديد من المجالات... ولا بد أن تكون مستعدة لها.