من التاريخ: غراميات إمبراطور

من التاريخ: غراميات إمبراطور
TT

من التاريخ: غراميات إمبراطور

من التاريخ: غراميات إمبراطور

بعيداً عن غمار الحروب الصليبية والرؤى الفلسفية للتاريخ، فلقد وجدت نفسي منذ أيام قليلة أجلس في حفل عشاء وعلى يميني سياسية بولندية وأمامي صديق فرنسي، فلم أستطع السيطرة على لساني الذي انطلق لسؤالهما عن أهم ما يجمع بينهما تاريخياً، فكان الرد التلقائي هو «الاتحاد الأوروبي»، ثم بادر الفرنسي ليقول لي: «إن المنافسة على عمودية باريس كانت لامرأة من أصل بولندي»، فأوضحت لهما حقيقة هامة للغاية وهي أن الذرية الوحيدة لنابليون بونابرت جاءت من خلال علاقة ممتدة مع إحدى الشخصيات بولندية الجنسية، وأنه إذا ما أرادت فرنسا أن تشم رائحة إمبراطورها العظيم نابليون بونابرت فعليها أن تفتش في السلالات البولندية، فوجدتهما يبتسمان ابتسامة تخفي خلفها بعض الفضول مع بعض الخجل لأن مصرياً مثلي يحدثهما في مثل هذه الأمور الهامة في تاريخ بلديهما.
إن ما حدث مرتبط بشكل كبير بالطريقة التي لا يزال نابليون بونابرت يمر بها إلى ذاكرتنا البشرية والتي تهتم بعبقريته العسكرية والتاريخية والسياسية، فضلاً عن كونه يمثل للبعض الشخصية الرومانسية والتي يتم ربطها مباشرة بثوريته أو بعلاقته بزوجته الأولى جوزيفين، ولكن حقيقة الأمر أن قصة الحب الأساسية التي سيطرت عليه بعد نضوجه النسبي كانت مع شابة بولندية، فلقد كانت علاقته بزوجته جوزيفين التي كانت تكبره سناً على المحك بسبب عدم قدرتها على الإنجاب ولأسباب تتعلق بعلاقاتها ونزواتها مع رجال مختلفين على رأسهم هيبوليتي شارلز، الذي رافقها خلال فترة وجود نابليون في الحملة على مصر والشام، وقد بدأ الجميع يستشعر المسافة التي صارت تكبر يوماً بعد يوم بين نابليون وزوجته، إلى أن جاء انتصار الرجل الساحق في معركتي «أوسترلتز» ضد النمسا في 1805 ثم في «يينا» ضد بروسيا، وهو ما فتح له الطريق إلى وسط أوروبا، خصوصا بولندا التي كانت تعاني بشدة من سيطرة روسيا وبروسيا والنمسا على مقدرات الأمور بها وتقسيمها تباعاً، وبالتالي عندما دخل نابليون بولندا استقبله الشعب البولندي بالورد والقبلات والسعادة الغامرة على اعتباره المخلص الذي من المتوقع أن يُعيد لبولندا استقلالها وحريتها، ولكن القدر كان له رأي آخر، فخلال هذه الاستقبالات لم يفُت نابليون أن يركز على جمال امرأة بولندية شابة زرقاء العينين، شقراء الشعر، بيضاء البشرة، متوسطة الطول، ويبدو على وجهها براءة الأنوثة والشباب، فلقد كانت بكل المقاييس آية في الجمال كما وصفها كل من رآها أو تعامل معها.
لقد كانت هذه الشابة هي ماريا واليوسكا، إحدى فتيات الطبقة الأرستقراطية البولندية والتي كانت أسرتها تعاني من ضائقة مادية، فتم تزويجها لأحد أبناء الطبقة ذاتها من ميسوري الحال، وهو الكونت أثناثيوس واليوسكي والذي نسبت إليه، وكان يكبرها بقرابة سبعة عقود، ومع ذلك فقد أنجبت له طفلاً، ولكن علاقتها به كانت فاترة للغاية، وعلى الرغم من أنها لم تكن لديها النية أو حتى الرغبة في الدخول في علاقات مع رجال آخرين، وهو ما لم يكن مستغرباً على هذه الطبقة الاجتماعية، إلا أنها وجدت نفسها بجوار أحد أقربائها يستقبلون نابليون بونابرت في مدينة بلوني، فاستطاعت الشابة أن تخرق الصفوف لتصل إلى عربته وتلقي عليه السلام، شأنها في ذلك شأن كل شباب بولندا الحالم بالاستقلال في لقائهم بالمُخلّص السياسي المُنتظر، وقد لفت جمالها انتباه نابليون على الفور، فما كان منه إلا أن أعطاها باقة ورد كانت معه وقال لها بكل وضوح وهو يرمقها بنظرة متعمقة: «سوف نلتقي في وارسو وسوف تشكرينني كثيراً».
ولم يخفِ نابليون إعجابه الشديد بماريا والويسكا وبدأ يضع خطته للانقضاض على الفتاة، فوجه جنراله القدير دوروك ليبحث عنها بشغف، ومن خلال علاقاته مع الطبقة الأرستقراطية تم توجيه الدعوة إليها للمشاركة في أحد الاحتفالات المسائية، ولكنها اعتذرت، وهو ما استفز نابليون كثيراً، فتم توجيه أحد الأرستقراطيين للذهاب إليها ليقول لها إنها تمثل أمل بولندا لأن الإمبراطور مولع بها وإنها يمكن أن تقوم بعمل قومي لبلادها بأن تصبح عشيقته. والمستغرب له أن هذا الأمر لم يزعج زوجها كثيراً، حيث كان يرى أن بولندا أهم من زوجته، فلقد ضغط المقربون عليها لقبول هذه العلاقة، وفي إحدى المناسبات التقي بها نابليون مرة أخرى فلم يتأخر كثيراً وبدأ يتقرب إليها بشغف وبأدب تارة وبعنف وصلف تارة أخرى، مُرغباً من خلال التأكيد على أنه سيقوم بإعادة دولة بولندا للخريطة، ومهدداً بأنه سيسحق دولتها تارة أخرى. والملاحظ أن هذا الرجل القوى كان يعرف طريقه لقلب النساء بصفة عامة، فلقد كتب لها بطاقات ممتدة يعرض عليها حبه، ومن ذلك قوله في إحداها: «يا حمامتي الجميلة... مع مرور الوقت سوف تحبين النسر العظيم (أي نابليون)، وفي زمن قليل ستفرضين سيطرتك عليه..».، وتورد ماريا في مذكراتها أنه وقف أمامها في إحدى المرات وقال لها: «أريدك أن تعرفي أنني سأغزوك... دعيني أكرر لك... سوف تحبينني..».، ولم يمضِ وقت طويل حتى أصبحت الشابة مفتونة بشخصه وحبه الشديد ودفء شخصيته، وسرعان ما دانت الشابة الجميلة واستسلمت للإمبراطور نابليون في علاقة بدأت سرية ولكنها أصبحت حديث كل العواصم الأوروبية بعد وقت قريب، وقد تحولت العلاقة بينهما من علاقة اضطرارية إلى علاقة حب عميق أسفر عن الذرية الوحيدة لنابليون ممثلة في ابنه ألكسندر واليوسكي، الذي نسب إلى زوج أمه وليس عشيقها الإمبراطور، ولكن كل فرنسا كانت تعرف أنه ابن نابليون بونابرت، فكانت تعامله على هذا الأساس لأنها غادرت بولندا وأصبحت تعيش معه في باريس بشكل علني، وذلك على الرغم من زواج نابليون بماريا لويز ابنة الإمبراطور النمساوي، ولكن حقيقة الأمر أنها كانت زيجة مُدبرة هدفها سياسي ونهايتها تعيسة، وإحقاقاً للحق فإن أسرة الهابسبورغ التي تنتمي إليها زوجة نابليون كانت معروفة بقبحها ومحدودية جمال بناتها، فلم تكن زوجة نابليون لتقارن بماريا واليوسكا التي كانت حديث كل المجتمعات لجمالها ورقتها وبراءتها، ولكن كونها متزوجة كان أيضا يثير الكثير من الثرثرة في المجتمعات الأوروبية.
رغم كل هذه الظروف المحيطة بهذه العلاقة العميقة لنابليون بونابرت مع محبوبته ماريا، فإنها كانت أكثر النساء ولاءً للرجل، فقد استمرت العلاقة بينهما حتى إنه يقال إنها زارته في منفاه الأول في جزيرة إلبا، وظلت حافظة العهد معه حتى تم نفيه نهائياً لجزيرة سانت هيلينا في المحيط الأطلنطي، وهنا فقدت الأمل في العودة إليه، وقد تزوجت بعد ذلك من أحد جنرالاته وهو فيليب دارنانو وأنجبت منه طفلاً آخر، ولكنها لم تغفل التأكيد في مذكراتها على أن نابليون كان الرجل الحقيقي في حياتها.
أما ابنها ألكسندر من نابليون فقد دخل اللعبة السياسية في فرنسا بعدما منح الجنسية، وكان الجميع يدركون تماماً أنه ابن قائدهم العظيم نابليون، ويبدو أن هذا الشاب كان يملك من مقومات عظمة أبيه الكثير، حيث أبلى بلاءً حسناً كضابط ثم كسياسي، ومثل والده فإن زواجه لم يكن مستقراً، وسلالته من زواجه لم يكتب لها الاستمرارية، ولكن العكس كان صحيحاً من خلال علاقته مع إحدى الممثلات التي أنجبت له ابناً كُتب من خلاله لسلالة نابليون البقاء.
وهكذا انتهت قصة من أعمق قصص الحب في تاريخ السلطة السياسية، خصوصا لأن شخصية نابليون تظل محيرة إلى حد كبير، فيبدو أن الرجل كانت له موهبة خاصة في المعارك سواء العسكرية أو النسائية على حد سواء، وإذا ما كانت الأولى من نتاج عبقريته الخالصة، فإن الثانية بلا شك استفادت من الهالة السياسية التي نتجت عن انتصاراته العسكرية، فلقد كانت الكثير من النساء يرتمين تحت أقدام هذا الرجل الذي دانت له أوروبا، فلم يكن من المستغرب أن ترفع النساء رايات الحب والاستسلام بهذه السرعة، ولكن يبدو أن نابليون قد فتح قلبه وروحه لماريا أكثر من أية امرأة أخرى، ويبدو أن العلاقة انتهت بحب متعمق مع هذه المرأة التي تحملت كل علاقاته الجانبية أو زواجه وتقلبات مزاجه وظروفه السياسية، ومن ذا الذي يستطيع أن ينكر أن نابليون استسلم عاطفياً لماريا قبل أن يستسلم عسكرياً في معركة واترلو؟... فكثيراً ما يُقهر العظماء من القلب وليس في ساحات المعارك!



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».