ماكرون... والتفويض التاريخي

إثر انتصاريه في انتخابات فرنسا الرئاسية والبرلمانية

ماكرون... والتفويض التاريخي
TT

ماكرون... والتفويض التاريخي

ماكرون... والتفويض التاريخي

في 27 من الشهر الحالي يجتمع مجلس النواب الفرنسي الجديد للمرة الأولى منذ انتهاء الانتخابات التشريعية (18 يونيو/ حزيران) التي حملت إلى الندوة البرلمانية جيلاً جديداً من النواب والنائبات على صورة رئيس الجمهورية الشاب إيمانويل ماكرون (39 سنة) ومثاله. 75 في المائة من نواب الندوة البرلمانية الجديدة يتخطون عتبة قاعة «الجمعية الوطنية» للمرة الأولى. إنهم يمثلون فرنسا وليس طبقة سياسية منغلقة على نفسها. وجوه جديدة غالبيتهم من المجتمع المدني الذين لم يسبق أن عملوا في حقل السياسة سابقاً ولم يسبق لهم أن شاركوا في انتخابات محلية، ولا مستوى الإقليم أو المناطق.
هكذا أرادهم ماكرون الذي دأب على القول منذ أن أعلن تأسيس حركته السياسية «إلى الأمام»، التي تحولت لاحقاً إلى حزب سياسي «الجمهورية إلى الأمام»، أنه يريد ضخ دماء جديدة إلى المشهد السياسي الفرنسي، ويريد كذلك تخطي الانقسامات التقليدية بين اليمين واليسار.
في شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي. وحينذاك لم يكن أحد مستعداً للمراهنة يورو واحد على حظوظ إيمانويل ماكرون، وزير الاقتصاد الشاب، في أن يكون يوماً الرئيس الثامن للجمهورية الخامسة التي أسسها الجنرال شارل ديغول عام 1958 وفصل مؤسساتها على مقاسه.
وفي شهر أغسطس (آب) استقال ماكرون من الحكومة ليعلن بعدها سريعاً عن ترشحه لخوض المنافسة الرئاسية.
كان مرشحاً من نوع جديد: ذلك أنه لا يستند إلى حزب تاريخي ولا ماكينة انتخابية وراءه توفّر له التنظيم والتأطير والتمويل. ورغم ذلك، في 11 مايو (أيار)، فاز ماكرون بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية متغلباً على مارين لوبان، زعيمة حزب «الجبهة الوطنية» ومرشحة اليمين المتطرف، التي تأهلت كما والدها جان ماري لوبان في العام 1992 للجولة الثانية. غير أن «السقف الزجاجي» ما زال يحول دون أن يخطف اليمين المتطرف الرئاسة رغم التقدم الكبير الذي حققته آيديولوجيته في المجتمع الفرنسي.
في الجولة الحاسمة من الانتخابات الرئاسية حصلت مارين لوبان على 34 في المائة من الأصوات وعلى عشرة ملايين صوت. وفي الطريق إلى قصر الإليزيه الرئاسي، تخلّص ماكرون من رئيس الحكومة السابق فرنسوا فيّون مرشح اليمني المعتدل وحزب «الجمهوريون»، ومن بونوا هامون مرشح الحزب الاشتراكي، ناهيك عن مرشح اليسار المتشدد جان لوك ميلونشون.
الأول خرج من المنافسة منذ الدورة الأولى وهو أمر لم يعرفه اليمين الفرنسي في تاريخه الحديث. والثاني فشل في الوصول إلى عتبة الـ10 في المائة من الأصوات مع أن الاشتراكيين كانوا يحكمون فرنسا منذ خمس سنوات وكانوا يمسكون بكل مفاصل السلطة فيها باستثناء مجلس الشيوخ. أما الثالث، ورغم حملته الانتخابية الناجحة وبراعته الخطابية وقدرته على مخاطبة جيل الشباب، فإن حلمه في التأهل للجولة الثانية تبخّر يوم الامتحان.

مطلوب غالبية برلمانية
لم يكن الفوز بالرئاسة كافياً للرئيس الجديد، بل كان بحاجة إلى أكثرية نيابية يعتمد عليها لوضع برنامجه الانتخابي موضع التنفيذ. والحال أن المراهنين الذين كانوا يعتبرون أن إيمانويل ماكرون غير قادر على ضمان هذه الغالبية كثر. وكانت حجتهم الأبرز أن الانتخابات النيابية غير الرئاسية. فالأولى هي قصة علاقة بين المرشح والشعب بينما الثانية تعتمد على علاقة النائب أو المرشح بدائرته وبالخدمات التي يقدمها. كذلك ذهب البعض إلى اعتبار أن حركة «إلى الأمام» التي أصبحت حزبا قبل أيام قليلة من جولة الانتخابات النيابية الأولى ستعجز عن توفير عدد كافٍ من المرشحين في الدوائر النيابية الـ577، وأنها ستكون مضطرة لترشيح «مجهولين» سيتنافسون مع نواب لهم تجذّرهم العميق في مناطقهم.
أما الرأي الآخر فكان يدافع عن تحلي الفرنسيين بـ«المنطق». إذ إن مَن انتخب ماكرون وأوصله إلى أعلى منصب في الدولة من «المنطقي» أن يوفر له الأدوات التشريعية التي يحتاجها ليحكم فرنسا.
وشيئاً فشيئاً، تغير المزاج الانتخابي، خصوصاً، بعد الجولة الأولى التي وضعت «الجمهورية إلى الأمام» في المقدمة. وبعدما كان اليمين المعتدل بصوت رئيس حملته الانتخابية عضو مجلس الشيوخ فرنسوا باروان يدّعي أن «الجمهوريون» قادرون على الفوز بالأكثرية، وفي هذه الحالة فإنه يطالب بأن يكون هو شخصياً رئيس الحكومة القادمة، حصلت انعطافة حادة في الخطاب السياسي، بعدما أخذت استطلاعات الرأي تبيّن أن حزب ماكرون - متحالفاً مع حزب «الحركة الديمقراطية» (يمين الوسط) - يمكن أن يحصل على ما يزيد على 430 مقعداً في البرلمان الجديد، أو حتى على أربعة أخماس المقاعد. وعندها، أخذ المعارضون يحذرون من فوز «الحزب الواحد» ومخاطر ذلك على الحياة السياسية والديمقراطية وتهميش البرلمان وسحق الأحزاب الأخرى وتحويل فرنسا إلى جمهورية على مثال الجمهوريات الاشتراكية السابقة.

صدمة الانتصار
صدمة جديدة حلت على كل الساعين لوقف زحف ماكرون على الجمعية الوطنية. وجاءت نتائج الجولة الثانية لتؤكد مخاوفهم، ليس لأن ماكرون حصل على ما كانت تتوقعه معاهد استطلاع الرأي، بل لأن حزبه حصل بمفرده على أكثرية مريحة في البرلمان إذ إنه حصد 308 مقاعد بينما الأكثرية المطلقة هي 289 مقعداً. ومن ثم، إذا ما أضيفت إليه أصوات حليفه حزب «الحركة الديمقراطية» ومقاعده الـ42، فإن ذلك يؤمّن لماكرون قاعدة عريضة من 350 نائباً ستكون قادرة على تمرير كل مشاريع القوانين التي يرتئيها القصر والحكومة.
وفي المقابل، فإن حزب «الجمهوريون» وحلفاءهم حصلوا على 130 مقعدا (مقابل 201 مقعد في البرلمان السابق) وفاز الاشتراكيون وحلفاؤهم بـ40 دائرة فقط بينما كانت لهم الأكثرية في البرلمان السابق. أما مارين لوبان مع أصواتها العشرة ملايين، فقد نجحت هي شخصياً في الوصول إلى الندوة البرلمانية وفي إيصال سبعة آخرين وهي نتيجة تعد بالغة السوء رغم أن عدد نواب «الجبهة الوطنية» ارتفع من اثنين إلى ثمانية. والمآخذ على لوبان أنها أدارت بشكل سيئ حملتها الرئاسية، وأنها نيابياً لم تصل إلى العدد 15 الذي يتيح بها ولحزبها تشكيل مجموعة نيابية مستقلة في البرلمان. وبعكس ذلك، فإن حركة «فرنسا المتمردة» بزعامة ميلونشون اجتازت هذا الاختبار... لكنها أخفقت في إقناع النواب الشيوعيين وبقية اليسار، لأسباب تتعلق بتضخم «الأنا»، في الانضمام إليها لتكوين قوة مؤثرة تحت قبة البرلمان.

إنجاز تاريخي
هكذا، ما بين أبريل 2016 وحتى يونيو 2017، حقق إيمانويل ماكرون ما لم يحققه أي سياسي سابق، ربما منذ الإمبراطور نابليون الأول في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن الذي يليه... أي رئيس منتخب بنسبة عالية وأكثرية برلمانية مطواعة.
غير أن النقطة السوداء في هذا المشهد السعيد، كانت - بلا شك - ارتفاع نسبة مقاطعة الانتخابات التشريعية، حيث وصلت النسبة إلى نحو 58 في المائة وهي الأعلى منذ العام 1945. وثمة أسباب لذلك اتفق عليها المحللون: أولها «التخمة» الانتخابية التي عانى منها الفرنسيون في الأشهر الثمانية الأخير، إذ أجريت جولتان لانتخابات اليمين التمهيدية للرئاسيات (نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) وكذلك جولتان للحزب لليسار الاشتراكي (يناير/ كانون الثاني 2017). ثم جاءت الانتخابات الرئاسية من جولتين (نهاية أبريل وبداية مايو) أعقبتها يومي 11 و18 يونيو الانتخابات التشريعية.
والشعور الذي طغى على الناخبين الفرنسيين هو «الملل» من تكرار الذهاب إلى مراكز الاقتراع. ولعل ما رفع من نسبة الامتناع عن المشاركة في الانتخابات - وهي طوعية في فرنسا بعكس ما هو حاصل مثلاً في اليونان أو في بلجيكا - أن الناخبين اعتبروا، بعد الجولة الأولى، أن الأمور «محسومة سلفاً» بعد الذي رأوه من استطلاعات الرأي.
لكن ثمة سبباً آخر لعله الأعمق، ومفاده أن «المعروض» السياسي لم يعد يتلاءم مع رغباتهم وتطلعاتهم السياسية. ولكن ضعف المشاركة لا يعني أبداً التشكيك بشرعية النتائج وقانونيتها رغم سعي بعض اليمين واليسار الاشتراكي والمتشدد - أي الذين سيكونون في المعارضة - إلى تفسير المقاطعة على أنها «تحذير» للرئيس الجديد وتهدف لإفهامه أنه «لا يملك شيكاً على بياض» أو تفويضاً مطلقاً ليسير بما يريده من السياسات.

حصة «الجنس اللطيف»
في اليوم التالي للجولة الانتخابية الثانية، بدأ النواب الجدد في التوافد على مقر البرلمان الواقع على ضفة نهر السين اليسرى مقابل ساحة الكونكورد ومسلّتها المصرية. وبدا على الكثيرين اندهاشهم لا بل تعجبهم من وجودهم في هذا المكان، إذ لم يتحققوا بعد من معنى كونهم نواب الأمة ومشرعيها. وحقاً، تدل الإحصائيات على أن 75 في المائة من النواب الحاليين هم من الجدد، وأن عدد النائبات ارتفع من 155 نائبة وفق انتخابات عام 2012 إلى 223 نائبة في الدورة الحالية.
ولعل ما يفسّر هذا الارتفاع الكبير أن 47 في المائة من مرشحي الحزب الرئاسي من النساء، ما يعطي المجلس الجديد بعضاً من ملامح الجنس اللطيف. ويذكر أن ماكرون كان قد التزم في حملته الانتخابية على العمل على تجديد الطبقة السياسية وتأنيثها، وقد نجح في ذلك إلى حد يفوق التوقعات. ولعل أبرز إنجاز له في التساوي بين الجنسين أن حكومته الجديدة التي تضم 30 نائباً منقسمة بالتساوي بين الرجال والنساء لا بل إن حصة النساء ليست الحقائب الثانوية، إذ عهد بوزارات الدفاع والعدل والصحة والعمل... ووزارات أساسية أخرى إلى نساء. وكان حلم ماكرون أن يعين امرأة رئيسة للحكومة لكن الحاجة للمحافظة على التوازنات السياسية الداخلية حالت دون ذلك. كذلك في الحكومة الثانية التي يرأسها النائب اليميني السابق إدوار فيليب تضم عناصر شابة كثيرة، خصوصاً كثيراً من الخبراء، الأمر الذي يقرّبها من اعتبارها «حكومة تكنوقراط» باستثناء بعض الوزراء السياسيين مثل وزير الخارجية جان إيف لو دريان ووزير الداخلية جيرار كولومب.

«مناطق الظل»
في قصة العهد القصيرة (أقل من شهرين) كثير من النجاحات، ولكن أيضاً بعض «مناطق الظل». ولعل أكثرها إزعاجاً للعهد تلك التي دارت حول فضائح فساد ارتبطت بها أسماء بعض النواب والوزراء. ووجه الإزعاج فيها أنها تسيء لما يريد ماكرون أن يحفره في نفوس مواطنيه، وهو أن عهده جديد بطاقم سياسي جديد وبممارسات جديدة.
والحال أن فضيحة أصابت ريشار فران، أحد أقرب المقرّبين إليه وهو أمين عام حزب «الجمهورية إلى الأمام» ووزير التخطيط المدني. وقصته أن اسمه ارتبط بصفقات عقارية عندما كان مديراً لمجموعة من شركات التأمين غرب فرنسا قبل تحوّله إلى نائب. ثم ظهرت فضيحة أخرى أصابت وزراء حليفه حزب «الحركة الديمقراطية» التي يرأسها فرنسوا بايرو. وكان ماكرون قد عين بايرو وزيراً للعدل، وكانت أولى مهامّه تقديم مشروع قانون لإرساء الشفافية والمناقبية في العمل السياسي. كذلك أصابت الفضيحة وزيرة الدفاع سيلفي غولارد وهي امرأة مشهود لها بالكفاءة المهنية، ووزيرة الشؤون الأوروبية مارييل دو سارنيز وهي أقرب المساعدين لبايرو.
كاد اندلاع هذه الفضائح التي تشبه ما أصاب مرشح اليمين فرنسوا فيّون وأعاقه في حملته الرئاسية، وأخيراً أطاح به وبحزبه، أن يدخل العهد الجديد في دوامة. وبالتالي، كان على ماكرون أن يتصرف سريعاً، وأن يختار بين حلين أحلاهما مرّ: إما أن يُبقي على هؤلاء الوزراء في مناصبهم، ومن ثم يخسر كل ما جناه من سمعة ومن رغبة في التحديث والتجديد. أو أن يتخلّى عنهم وعندها سينظر إليه على أنه «قليل الوفاء» في السياسة، لأن الوزير فران كان أول نائب اشتراكي ترك حزبه لينضم إليه ويساعده في تنظيم حركته السياسية. كذلك أسهم فران في جانب كبير من العمل الذي أوصل ماكرون إلى رئاسة الجمهورية. أما فيما يخصّ بايرو، فإنه ليس رجل سياسة عادياً. فهو من جهة، تخلى عن الترشح للرئاسة واصطف وراء ماكرون في لحظة كانت حملة الأخير تعاني من كثير من الصعوبات. ومن جهة أخرى، حماه سياسياً بجناحيه لأن خطة ماكرون في تخطّي اليمين واليسار والمراهنة على تيار وسطي هي في الأساس صلب تموضعه السياسي.
في أي حال، يُقال عن ماكرون إنه من دعاة الفعالية وسرعة الحسم وليس من طينة الرئيس السابق فرنسوا هولاند، الذي كان يناور ويجادل، ثم يمتنع عن اتخاذ القرار الحاسم. ولذا، فإن الرئيس الشاب استفاد من فرصة ما يأمر به الدستور، وهي استقالة الحكومة عقب الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة ليخرج من مأزقه: فمن جهة، دفع بصديقه ريشار فران للخروج «طوعاً» من الحكومة، وقدّم له رئاسة المجموعة البرلمانية التي تحتاج لـ«مرشد» لها بسبب انعدام الخبرة لأكثريتها الساحقة. وظهر ذلك على أنه «ترقية» له. كذلك حصل بالنسبة لمارييل دو سارنيز التي ستصبح رئيسة مجموعة النواب «الديمقراطيين» في الجمعية الوطنية. أما بايرو، وبعد تردد، فقد حسم أمره وقرر ترك مقعده الوزاري من أجل «حماية العهد» معيداً التأكيد على براءته وبراءة حزبه من أي اتهامات باستخدام أموال الاتحاد الأوروبي لدفع رواتب موظفين يعملون لصالح الحزب، وهي بالمناسبة، التهمة الموجهة أيضاً لمارين لوبان وحزبها. وكانت وزيرة الدفاع السابقة سيلفي غولارد السبّاقة في إعلان تخليها عن منصبها من أجل «استعادة حريتها» و«الدفاع عن شرفها».

«تفجير» الحزبين الكبيرين
كُتِب الكثير عن رغبة ماكرون الأساسية في «تفجير» الحزب الاشتراكي وحزب «الجمهوريون». وحقيقة الأمر أنه نجح في ذلك إلى حد بعيد. فالاشتراكيون تقلّص حضورهم السياسي والحزبي والانتخابي، وانقساماتهم وصراعاتهم تحفل بها صفحات الجرائد بين تيارين: تيار أبدى رغبة في مساعدة ماكرون، وكثيرون التحقوا به بمن فيهم رئيس الوزراء السابق مانويل فالس، وآخرين يريدون التزام موقف المعارضة الجذرية وهم الجناح اليساري للحزب. لكن هؤلاء محشورون بين يمينهم وحركة «فرنسا المتمردة» التي يقودها جان لوك ميلونشون.
أما حزب «الجمهوريون» فهو في طور تصفية حساباته. ولعل أبلغ صورة تدل على عمق أزمتهم أن فريقاً من نوابهم انشق عن المجموعة الرسمية ليشكل مع نواب آخرين مجموعة منافسة تريد مساندة ماكرون، وأبدت استعدادها للتصويت مع الحكومة والعهد عندما يكون ذلك للصالح العام.
اليوم، يستطيع ماكرون القول إنه حقق الجزء الأول من خطته: الوصول إلى السلطة وتأمين الأكثرية وتشكيل حكومة مطواعة. لكن يبقى أمامه الكثير، ولعله الأساسي، وهو أن تنجح حكومته في تحقيق إنجازات اقتصادية واجتماعية هي المعيار الوحيد للنجاح والضمانة الأكيدة لاستمرار ماكرون في السلطة ليس فقط في هذه الولاية، وإنما لولاية ثانية سعى إليها جميع الرؤساء الذين تعاقبوا على السلطة في فرنسا. والأمر الآخر يتمثل في منهج العمل الذي يريد ماكرون أن يسير عليه، ولا سيما، فيما يتعلق بقانون العمل. وكان سبق له أن أعلن أنه يريد إصلاحه بمراسيم أي من غير المرور في الندوة البرلمانية. إلا أن هذا النهج تحيق به الكثير من المخاطر، والخطر الأساسي أن ينتقل الجدل من الندوة البرلمانية إلى الشارع. وسبق للرئيس هولاند أن جرب إصلاح القانون نفسه من غير الذهاب إلى الحد الذي يريد ماكرون الذهاب إليه، وكانت النتيجة أسابيع من الإضرابات والمظاهرات التي عمّت فرنسا... وفي ذلك ما يمكن اعتباره «تحذيرا» للرئيس الشاب من مغامرة غير محسوبة النتائج.



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».