معرض «لوغران باليه» يردي قصة «ميس ديور»

15 فنانة من كل أنحاء العالم يفصلن جينات العطر و يترجمنها في اعمال فنية

«ميس ديور» العطر الأصلي الذي طرحه كريسيتان ديور في عام 1947
«ميس ديور» العطر الأصلي الذي طرحه كريسيتان ديور في عام 1947
TT

معرض «لوغران باليه» يردي قصة «ميس ديور»

«ميس ديور» العطر الأصلي الذي طرحه كريسيتان ديور في عام 1947
«ميس ديور» العطر الأصلي الذي طرحه كريسيتان ديور في عام 1947

ظاهرة دخول العطور الأيقونية للمعارض، بدأت منذ بضع سنوات، وأكدت منذ البداية أنها لا تتغنى بالضرورة بخلاصات العطر ومكوناته بقدر ما تكون عن شخصيته، وما يرافقها من إيحاءات سيكولوجية أو اجتماعية أو فنية. وهذا تحديدا ما تستشعره بمجرد أن تطأ أقدامك «لوغران باليه» هذه الأيام. فأول من أمس، يوم الثلاثاء الماضي، افتتح في «لوغران باليه» بباريس، معرض يحمل عنوان «روح ديور، ميس ديور» (Esprit Dior، Miss Dior). المعرض، كما يدل العنوان، مخصص لعطر الدار الأيقوني «ميس ديور»، وهو أول عطر تطلقه في الأربعينات من القرن الماضي، ولا يزال يتجدد في كل موسم محققا نفس النجاح والتأثير، لكنه معزز بأعمال فنية معاصرة وقطع أرشيفية مهمة، كما تستشعر فيه تأثير المؤسس كريستيان ديور، من خلال عشقه الورود والفن والهندسة كما من خلال تصاميمه التي قلبت موازين الموضة وحققت ثورة في منتصف القرن الماضي. وسرعان ما تتأكد أن العطر لا يستمد أسطورته من خلاصاته التي كانت جديدة وثورية في ذلك الحين فحسب، بل من كونه واكب أول تشكيلة أطلقها السيد ديور على الإطلاق ولا يزال يحقق المبيعات إلى اليوم.
تروي القصة أن المصمم كريستيان ديور، وقبل أن يكشف عن أول تشكيلة أزياء له في 12 من شهر فبراير (شباط) عام 1947، عطر قاعة العرض في 30 أفينو مونتين، بعطر جديد أطلق عليه اسم «ميس ديور». كان لا بد للمصمم أن تكتمل متعة الحاضرات بأن يدغدغ كل حواسهن، معتبرا أنه من دون رائحة عطرة لا يكتمل العرض. في ذلك اليوم، حقق المصمم الراحل ثورته، التي أطلقت عليها كارميل سنو، محررة مجلة «هاربرز بازار»، «ذي نيو لوك» وهي التسمية التي لا تزال تعرف بها لحد الآن. «لوك» أعاد للمرأة أنوثة افتقدتها طوال فترة الحرب العالمية الثانية، إذ بعد سنوات من التقشف والأقمشة الخشنة، استعمل ديور أقمشة مترفة وبأمتار سخية في تنورات مستديرة فخمة بألوان تفتح النفس مستقاة من الورود والطبيعة، وجاكيتات حدد فيها الخصر بشكل كبير ليبرز نحوله ومن ثم جماليات الجسم ككل. في ذلك اليوم، أحبت المرأة كريستيان ديور ليحفر اسمه بين الكبار. في ذلك اليوم أيضا، ولدت أسطورة «ميس ديور».
معرضه، الذي سيمتد إلى يوم 25 من الشهر الحالي في «لوغران باليه»، تهدف منه الدار تأكيد أنه عطر لكل عصر، وأنه لا يزال يتغنى بالأنوثة التي احترمها السيد ديور وتغنى بها طوال حياته إلى جانب عشقه الفن. عشق ولدت منه صداقات كثيرة مع فنانين من عصره وتعاونات وتأثيرات تجلت في بعض الإبداعات المعروضة، مثل فستان «كونشيرتو» الأحمر الذي صممه في العام الذي وافته فيه المنية فجأة، أي في عام 1957، والتايور المكون من جاكيت «البار» الذي ظهر في أول تشكيلة له في عام 1947، ولا يغيب من أي تشكيلة إلى حد الآن، إضافة إلى فساتين لمصمم الدار الحالي، راف سيمونز، الذي كانت مهمته الأساسية حقن الدار بجرعة شبابية عصرية مع الحفاظ على إرث المؤسس وروحه.
عند دخول قاعة «كورب» بـ«لوغران باليه»، أول ما يقابلك صورة السيد كريستيان ديور كأنه يرحب بك، بعدها تبدأ رحلتك لاستكشاف عالم «ديور» بالأبيض والرمادي، ألوانه المفضلة. بعد ذلك، تطالعك صورة ناتالي بورتمان بفستان من التول الخفيف مع عطر «ميس ديور» الذي جرى استنساخه في صورته الأصلية كما ظهرت في 30 أفينو مونتين، المقر الرئيس للدار. ركن آخر خصص للتأثيرات الفنية التي تأثر بها السيد ديور، علما بأنه كان يمتلك قاعتي عرض فنيتين في باريس قبل أن يصبح مصمما. هنا، يمكن رؤية لوحات لفنانين تعامل معهم في حياته وكانوا مقربين منه؛ أمثال: برنار بوفيه، جون ميرو، سلفادور دالي، مان راي وجياكوميتي. هنا أيضا، يمكن رؤية صور فوتوغرافية تسجل لعلاقة المصمم بالحركات الفنية المعاصرة في وقته، وكيف كانت نظرته سابقة لأوانها وجريئة من حيث تذوقه الفن. على طول الحائط الذي يمتد على 600 متر مربع، تستشعر روحه واضحة في كل صورة فوتوغرافية أو مخطوطة أو لوحة أو قنينة، بدءا من سخائه الإبداعي، إلى منزله بغرانفيل بواجهته الوردية وحديقته الغناء، من دون أن ننسى منطقة غراس جنوب فرنسا، التي ولد فيه عطره «ميس ديور». مؤثرات كثيرة تحولت إلى رموز تلعب عليها الدار في كل موسم لتتحفنا بالجديد، سواء تعلق الأمر بالأزياء أو الإكسسوارات والمجوهرات.
فقد اعترف ديور في إحدى المقابلات بأن حديقة بيت العائلة في غرانفيل كانت طوق أمان له في طفولته. فقد كان يعشق مساعدة والدته في زراعة الورود، ويتأمل شاعرية الطبيعة وهي تنمو وتتفتح حسب الفصول أمام عينيه، وهو ما ترجمه فيما بعد من خلال فساتين حالمة تتفتح كأنها ورود من قماش، بأكتافها الناعمة، وخصورها المحددة وتنوراتها المستديرة.
ومع ذلك، تبقى علاقته بالفن والفنانين جانبا مهما من حياته لا يمكن إغفاله، وهو ما يركز عليه المعرض. فمما يذكر أنه في صباه كان يحلم بأن يصبح مهندسا، لكن رغبته ووجهت بالرفض من قبل العائلة. والده كان يريده أن يدرس الاقتصاد ووالدته كانت تحلم بأن يصبح دبلوماسيا، ففي الثلاثينات من القرن الماضي، كان العمل في الهندسة بالنسبة لأسرة بورجوازية غير مقبول. لهذا، دفن حلمه هذا، لكنه عندما بلغ الـ23 من عمره افتتح قاعتين فنيتين ليشبع حسه الفني وحبه الفن المعاصر. وبالفعل، كان له الفضل في مساعدة بعض الفنانين الشباب بعرض أعمالهم بمن فيهم دالي وكلي وغيرهما. وعندما أسس دار «ديور» للأزياء، بقى تعلقه بكل أنواع الفنون حاضرا في أشكال الفساتين وتصاميمها الهندسية، كما في الألوان المستوحاة من لوحات بيكاسو أو ماتيس وغيرهما، مما رسخ اسمه كواحد من أهم مصممي القرن العشرين.
من هذا العشق للفن، وأيضا احترامه للمرأة، جرى تجنيد 15 فنانة من كل الجنسيات لهذا المعرض، وطلب من كل واحدة منهن أن تترجم عطر «ميس ديور» بأسلوبها الخاص. لم تكن هناك أي خطوط حمراء، المهم استعماله كمادة محورية، بكل ما يتمتع به من تفاصيل، سواء كانت مكوناته أو شكل قنينته أو عنق الزجاجة المربوطة بوردة، أو الممثلة ناتالي بورتمان، الوجه الممثل للعطر حاليا. وكانت النتيجة متنوعة وغنية تؤكد أن العطر ليس مجرد رائحة مكونة من خلاصات الأزهار والأخشاب والتوابل، بل لها جوانب أخرى كثيرة يراها كل واحد منا بمنظوره الخاص.
الفنانة الصينية، ليانغ يونواي، مثلا، أبدعت لوحة تمثل حديقة من الورود استقتها من فستان «ميس ديور» الذي أبدعه المصمم في عام 1949 وطرزه بآلاف البتلات الصغيرة. والفنانة الإيطالية كارلا ماتي، استلهمت من الوردة، كما رسمها الفنان ريينه غريو أول مرة، لتقدم حوضا من الأزهار باللون الأبيض مستعملة مواد حديثة وتقنيات ثلاثية الأبعاد.
أما الفنانة الأميركية، بولي أبفلبوم، فاستعملت الموتيفات ذات الخطوط المتقاطعة التي زينت قنينة العطر لخلق سجادة ضخمة، بينما ترجمت البرتغالية جوانا فاسكوسيليس، الفيونكة المعقودة حول عنق القنينة من خلال خلق فيونكة مماثلة ضخمة، استخدمت فيها نحو مائة قنينة من عطر «جا دور» تقول: «جادور ميس ديور»؛ أي: «اعشق ميس ديور». والطريف، أنه إلى جانب هذا العمل، يعرض فستان «كونشيرتو» الأحمر الشهير بصدره الملفوف أيضا بما يشبه الفيونكة من الأمام. بدورها، اختارت النحاتة البرازيلية ماريا نيبوموتشينو قنينة العطر لتكون نقطة الانطلاق لتبتكر نسخة مماثلة لكن من السيراميك بألوان زاهية وأطراف تترامى لتشمل مزيجا من الخرز والكروشيه والبلاستيك.
من جهتها، اختارت المصورة والمخرجة الإيرانية، شيرين نيشات، تصوير الممثلة ناتالي بورتمان بالأبيض والأسود على شاطئ مهجور، لتجسيد القوة البطولية بداخل الإنسان والتي تتغلب دائما على قوى الشر والظلام. أما المصورة الفوتوغرافية البريطانية، هانا ستاركي، فرغم أنها اختارت التركيز على الفيونكة أو الوردة التي صممها الفنان رينيه غريو، فإنها أيضا ركزت على كاثرين ديور، الأخت الأصغر للمصمم، التي كانت تتميز بشخصية قوية، والتحقت بالمقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية وتعرضت للتعذيب من خلال صورة معبرة. بالنسبة للمصورة والمخرجة اللبنانية المصرية، لارا بلدي، فاستلهمت عملها من مقولة لكريستيان ديور جاء فيها: «ميس ديور ولدت. ولدت في منطقة البروفانس محاطة باليراعات، في تلك الليلة غطت أغنية الياسمين الأخضر على لحن الليل والأرض». ترجمتها جاءت عبارة عن فيلم مثير يتابع فيه المشاهد يراعات ملونة تتراقص في ليلة مقمرة إلى جانب صور شخصيات شاعرية صغيرة جدا تظهر بين الفينة والأخرى لتشارك في الرقص.
أعمال أخرى لا تقل ابتكارا وإبداعا يصعب حصرها، كلها معروضة لفترة قصيرة، كل واحدة منها تفوح بنكهة خاصة، لكن القاسم المشترك بينها دائما هو ذلك الخيط الذي يربطها بروح المؤسس، وتلك القوة الفنية التي كان يتمتع بها وورثها لكل من خلفه في الدار من مصممين.



تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
TT

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)

في الوقت الذي كان فيه لبنان يحتفل بزيارة البابا روبرت بريفوست (ليو الـ14) التاريخية، كانت اللبنانية تانيا فارس تكتب التاريخ في مجال الموضة بوصفها أول لبنانية تفوز بجائزة التقدير الخاص (Special Recognition Award) عرفاناً لها بـ15 عاماً من مبادرة BFC Fashion Trust، وتقديراً لدورها في تأسيس هذه المبادرة.

تانيا فارس عبَّرت عن فخرها بكونها أول لبنانية تحصل على الجائزة (غيتي)

بكلمات تُعبّر عن فخرها بهويتها قالت تانيا وهي تتسلم الجائزة، إن لا شيء يضاهي سعادتها سوى فخرها بأصولها اللبنانية وكونها أول لبنانية تحصل عليها.

جدير بالذكر أن حفل جوائز الموضة البريطانية السنوي من أهم فعاليات عالم الموضة، حيث تُقدَّم فيه جوائز لأهم المصممين العالميين والشباب إلى جانب صناع الموضة والمؤثرين من رؤساء تنفيذيين ومصممين ومبدعين في مجالات فنية مختلفة أخرى. كما يحضره أفراد من الحكومة دعماً لصناعة تدر على البلد الملايين وتوظف الآلاف.

عمدة لندن صادق خان يتوسط المصممة روكساندا والنجمة كيت بلانشيت لدى وصولهم الحفل (رويترز - أ.ف.ب)

هذا العام، وفي أول ليلة من ديسمبر (كانون الأول)، وبين زخّات مطر خفيفة تلامس شوارع لندن، ازدانت قاعة رويال ألبرت هول بالبريق: أضواء مشعة ونجوم في فساتين مثيرة، وكأنها بهذا الكم من الأناقة الراقية، تطوي عاماً حافلاً بالإبداع والفن والتغييرات الجريئة.

منذ اللحظة الأولى وحتى قبل بدء الحفل، بدت الأجواء خارج القاعة واعدة. مشاهير من عالمي الفن والموضة تحدّوا الطقس اللندني وتألقوا على السجادة الحمراء. من شارون ستون وكيت بلانشيت وصادق خان، عمدة لندن، وهلمّ جراً من الأسماء الكبيرة، والتي كان عدد لا يستهان منها يأمل في أن يسمع اسمه من بين الفائزين.

أندرسون... ثلاثية ذهبية

من هؤلاء كان الآيرلندي جوناثان أندرسون، المدير الإبداعي الحالي في دار «ديور» والذي فاز بجائزة مصمم العام، محققاً بهذا إنجازاً قياسياً. فهذه المرة الثالثة التي يفوز بها باللقب على التوالي، وإن كان هذا العام يحمل قيمة إضافية بالنسبة له؛ لأنه فاز بالجائزة عن علامته الخاصة «جي دبليو أندرسون» وعن دار «ديور» التي التحق بها مؤخراً وقدم لها أول مجموعة من إبداعه منذ أشهر قليلة.

جوناثان أندرسون بعد تسلمه جائزة مصمم العام للمرة الثالثة على التوالي (غيتي)

وقف أندرسون وسط تصفيق حار، وقال بروح مرحة: «سأكون سريعاً... أعلم أن الجميع يرغب في الاحتفال». ثم عبّر عن شكره لدلفين أرنو، الرئيسة التنفيذية للدار وإلى فريقه قائلاً: «أؤمن بأن التعاون طريق النجاح». إنجاز أندرسون لا يقتصر على تحقيقه الرقم القياسي هنا، بل يمثل لحظة تحول مهمة لدار «ديور» التي من المتوقع أن يضخها بروح جديدة تجمع بين الحداثة والحرفية وبين الماضي والمستقبل.

جوائز تُكرّم الإبداع البريطاني

وفي سياق الجوائز التي تحتفي بالفعل الإبداعي البريطاني، فازت سارة بيرتون بجائزة مصمّمة الأزياء النسائية البريطانية للعام عن عملها في دار «جيفنشي»، التي التحقت بها مؤخراً، مؤكدة استمرار تأثيرها الراسخ في عالم الأزياء النسائية.

وعلى الجانب الآخر، توّجت غريس ويلز بونر بجائزة مصمّم الأزياء الرجالية البريطانية للعام عن علامتها Wales Bonner، بعد عام شهد حضوراً قوياً لها على منصات العرض وفي النقاشات الثقافية المرتبطة بالهوية والموضة، لا سيما بعد دخولها دار «هيرميس» خليفة لفيرونيك نيشانيان التي تولت القسم الرجالي لنحو 37 عاماً.

أما جائزة Vanguard، التي تُمنح للمواهب الواعدة، فكانت من نصيب المصمّمة ديلارا فندك أوغلو، التي واصلت خلال العام الماضي فرض نفسها بوصفها واحدةً من أكثر الأصوات الشابة إثارة للاهتمام في عالم الأزياء التجريبية.

برونييلو كوتشينيلي

شارون ستون وبرونيلو كوتشينلي قبل دخولهما قاعة الحفل (أ.ف.ب)

ومن بين الجوائز المهمة أيضاً في الأمسية، كانت جائزة الإنجاز المُتميز التي ذهبت هذا العام إلى المصمّم الإيطالي برونيلو كوتشينيلي، المعروف ببناء إمبراطورية عالمية للرفاهية الهادئة من مقره في قرية سولوميو الحالمة بوسط إيطاليا. وكان توم فورد هو الفائز بهذه الجائزة في العام الماضي؛ الأمر الذي يؤكد استمرار الاعتراف بالأسماء التي تركت بصمتها على الصناعة بأبعادها الإنسانية والحرفية.

الجانب الإنساني يسرق الأضواء

رغم أن أسماء الفائزين ببعض الجوائز كانت معلنة قبل الحدث، فإن اللحظات التي عاشها الضيوف داخل القاعة لم تفقد تأثيرها.

كانت أنوك ياي، الفائزة بجائزة عارضة العام، من أبرز هذه اللحظات. العارضة السودانية - الأميركية التي تصدرت أغلفة المجلات العالمية مثل «فوغ» فرنسا، وظهرت في حملات سان لوران وفيرساتشي، وقدّمت عطراً من تييري موغلر، اعتلت المسرح وهي تتلقى الجائزة من الفائزة السابقة أليكس كونساني. وقالت ياي بخفة ظل: «قيل لي إن مسيرتي لن تتجاوز ستة أشهر... ويبدو أنها كانت ستة أشهر طويلة، أليس كذلك؟»، ثم تحوّلت عباراتها رسالة تمس القلوب: «إلى كل الفتيات السود الصغيرات اللواتي يشاهدنني الآن... لونكن ليس لعنة. أنتنّ أقوى مما تتخيلن». كلمات جعلت القاعة تصمت في لحظة إجلال، قبل أن تنفجر بالتصفيق.

إبداع يربط الموضة بالثقافة

جائزة المبتكر الثقافي كانت من نصيب ليتل سيمز، الفنانة التي تجمع بين الموسيقى والتمثيل، والتي أهدت جائزتها «لنسختها الصغيرة» التي لم تكن لتتخيل هذا اليوم، لكنها «رأته حتى النهاية».

كما شهد الحفل منح جائزتي تقديراً خاصاً في هذا المجال لكل من دلفين أرنو وBFC Fashion Trust متمثلة في تانيا فارس بمناسبة مرور 15 عاماً على تأسيسه.

وحصلت لولو كينيدي ورافاييل مور على تكريم 25 عاماً من Fashion East، بينما ذهبت جائزة «لحظة باندورا الأسلوبية» للعام إلى سام وولف.

أما جائزة «إيزابيلا بلو للإبداع»، فقد مُنحت لكلٍّ من راي كاواكوبو، وأدريان جوفي، وديكون باودن عن Dover Street Market.

تخللت الحفل أنشطة فنية وترفيهية عدة عربوناً على لقاء الموضة والفنون (رويترز)

وهكذا اختُتمت أمسية جمعت بين الأزياء وعروض حية من الموسيقى والباليه، إضافة إلى القصص الإنسانية، وفي الوقت ذاته كرّست مكانة جوائز الموضة بين أكثر الأحداث تأثيراً في روزنامة الموضة العالمية. ليلة كتبت فيها لندن فصلاً جديداً، وكان بطلاها الأساسيان لبنانيةً وآيرلندياً.


أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
TT

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

بين افتتاح المتحف المصري الكبير وفضول عالمي متزايد بسوق الموضة وصعود مصممين من أبناء البلد يطمحون لترك بصمتهم على العالم، يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية. سلاحها، العودة إلى الجذور وإلى حكايات ملهمة إلى جانب توظيف خامات طبيعية محلية.

يبدو واضحاً أن معظم المصممين والمبدعين متمسكون بالجذور رغم تطلعهم للعالمية (خاص)

تحت عنوان «التطور» انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري في احتفال يعكس خطوات واثقة بدأت تحققها صناعة الأزياء منذ إطلاق الحدث لأول مرة في عام 2023. في هذه الدورة برزت رغبة محمومة من قبل المصممين المشاركين في توظيف خامات طبيعية كالقماش والقطن. وطبعاً إحياء حرف يدوية تقليدية في مسار يُعبِد الطريق نحو مستقبل مستدام وهوية تصميم مصرية معاصرة.

فتحت الفعاليات أبوابها للجمهور داخل مبنى كونسوليا وبيت بدير في قلب وسط البلد، بعدما أعادت إحياءهما شركة Coterie الشريك الرئيسي لهذا العام.

من علامة «باز القاهرة» تصاميم مستوحاة من التراث بلغة معاصرة (خاص)

كان هناك حرص على أن تُجرى كل فعاليات الحدث في مكان محدد، حتى لا يضطر الحضور إلى التنقل بين الأماكن في زحمة سير القاهرة، وما يمكن أن يترتب عليه من تأخير وضغوط. ثم إن المكان يتوفر فيه كل شيء، بدءاً من فناء أخضر فيه مقهى إلى طوابق مختلفة يحتضن كل واحد منها فعاليات معينة. الطابق الخامس مثلاً خُصص لأعمال أبرز المصممين المصريين عبر معارض ومنصات تفاعلية وورش عمل، فيما خصصت الطوابق العليا، كمسرح لعروض الأزياء وصالونات للماكياج وتصفيف شعر العارضات.

هناك رغبة في العودة إلى الجذور واستعمال خامات طبيعية مستدامة (خاص)

لكن ما ميز أسبوع هذه الدورة أيضاً، تعدد برامج الحوارات، التي شارك فيها أكثر من 30 شخصية محلية ودولية مؤثرة، من ضمنهم الأرشيدوقة كاميلا فون هابسبورغ-لوتيرينغن والمصممة أمينة غالي من عزة فهمي، و كاميلا فراكاسو ديافيريا من White Milano

والباحثة التراثية شهيرة محرز وشرين رفاعي مؤسسة أسبوع الموضة الأردني.

وشاركت ثمانٍ من أبرز مؤسسات تعليم الموضة في مصر إما بعروض أو معارض تبرز أفكاراً مبتكرة لطلاب يدعمهم برنامج GTEX التابع للمركز الدولي للتجارة ومؤسسة دروسوس بعد عملية انتقاء دقيقة لكل واحد منهم.

كانت القاعات تنبض بالنقاشات حول الاستدامة، الملكية الفكرية، تعليم الحرف والتمويل. وفي ورش العمل، قدّم المصمم الأردني ليث معلوف عروضاً تطبيقية على الأقمشة، بينما شرح مشرفون من مبادرة MSNJ كيف أصبح الصبار خيطاً ناعماً يمكن إدخاله في أزياء صديقة للبيئة.

تقول سوزان ثابت، أحد مؤسسي الأسبوع، إن مصر تزخر بالموارد والمواهب، وتاريخ غني في مجال الموضة لا يعرفه كثيرون ويستحق التعريف به وتسليط الضوء عليه بعد أن طاله غبار الزمن.

المصمم بريهان أبو زيد من علامة «باز» (خاص)

من هذه الفكرة أو الرغبة تبدأ قصة أسبوع الموضة في مصر تحت عنوان «التطور».

كانت التصاميم تشبه دفاتر يوميات مفتوحة ترجم فيها الطلاب رؤية لعالم يريدون أن يكونوا جزءاً منه عن استحقاق.

لكن وراء الألوان والقصات والأضواء وتسريحات الشعر الأنيقة، يقف اقتصاد ضخم. فصناعة النسيج مثلاً من أهم ركائز الاقتصاد المصري، وكذلك القطن المصري الذي يعد علامة فارقة في المنتجات العالمية من ناحية جودته وفخامته. تقول سوزان: «هذا تحديداً ما يرتكز عليه أسبوع الموضة ليعيد صياغة هذه الصناعة، ليس فقط عبر تصدير الخامات، بل عبر خلق علامات مصرية قادرة على المنافسة عالمياً وتحمل مفهوم (صنع في مصر)».


لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
TT

لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)

وأخيراً أصبح في المنطقة العربية مصنع عطور يُجرى فيه تقطير اللبان محلياً، بعدما كان السفر إلى مدينة غراس الفرنسية الخيار الوحيد. أهمية هذه الخطوة لا تقتصر على بناء صناعة متكاملة من الشجرة إلى العطر فحسب؛ بل تمتد أيضاً إلى خفض البصمة الكربونية، وإفادة المجتمعات المحلية، والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. واليوم بات بإمكان صُنَّاع العطور التوجه إلى صلالة، وتحديداً وادي دوكة، لمعاينة هذه النقلة في مجالهم عن قُرب، بعد أن كان المشهد محصوراً في صورة شاعرية لطقوس جمع اللبان وترحاله.

تسمع حكايات وتقرأ في كتب التاريخ الكثير عن منطقة ظفار وعلاقتها بالبخور واللبان. تترسخ في مخيلتك صورة شاعرية عن قوافل تجارية وثقافات متنوعة تمر منها إلى أوروبا وإلى آسيا، محملة بالبضائع النادرة، ولكن ما من وصف يضاهي الواقع.

يتم التعامل مع عملية استخراج اللبان بحذر حتى لا تتأثر الأشجار وتعطي الكثير (أمواج)

كانت الرحلة التي نظمتها دار «أمواج» للعطور بمناسبة افتتاح مصنعها الجديد «عين دوكة» لاستخلاص زيت اللبان، فرصة لاكتشاف هذا العالم عن قرب. أقل ما يمكن قوله عن الرحلة إنها بدأت بفضول وانتهت بانغماس في تاريخ قد يكون ضارباً في القدم، إلا أنه لم يفقد في أي مرحلة بوصلته نحو المستقبل.

ففي وادي دوكة، المدرَج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، تترامى أكبر محمية في العالم لأشجار «بوسويليا ساكرا»، مصدر راتينغ اللبان (إفراز عضوي) الذي شكَّل عبر آلاف السنين ركيزة لثقافات وتجارة وطقوس روحانية لا تُحصى. والآن تريد ظفار تسويقه للعالم بوصفه واحداً من أهم المكونات وأجملها في صناعة العطور، باستخراجه وتقطيره في عقر داره.

بخور المناسبات المهمة

هنا، خلف جبالها وبمحاذاة المنحدرات المنخفضة، وفي بطون الأودية والسهول، تنمو هذه الأشجار المتقشفة التي لا يثير شكلها النظر، إلا أنها بصبرها على مواجهة الرياح والرمال، لا تزال شامخة. جذوعها الخشنة لا تبخل براتينغ مميَّز جعل الإغريق يصفون المنطقة كلها بالبلاد السعيدة «أرابيا فيلكيس».

أنوف مشهورة مثل دومينيك روبيون وباسكال غورين وبيير غيروس وغيرهم انبهروا بطقوس استخراج اللبان (أمواج)

لم تكن الرحلة عادية وتقليدية من ناحية استضافتها وسائل الإعلام وحدها كما جرت العادة. نصف الحضور أو أكثر، كانوا «أنوفاً» عالمية من كبار العطارين، مثل: دومينيك روبيون، وباسكال غورين، وبيير غيروس، وغيرهم. أضفوا على التجربة بُعداً احترافياً. فهذه الأنوف تعوَّدت على أجود أنواع العود والياسمين والنباتات النادرة، ومن الصعب مفاجأتهم بالجديد، ومع ذلك كانوا منبهرين بالمكان وما تبوح لهم به هذه الأشجار من أسرار.

لم تفارق الابتسامة العطار بيير غيروس، فأخذني الحماس لأسأله أن يقارن لي بين هذا المكان وبين مدينة غراس الفرنسية وحقولها التي تعدُّ عاصمة العطور في العالم، فيرد مازحاً: «هناك وُلدت العطور من رحم روائح كريهة كانت تنبعث من دباغة الجلود، أما هنا فالعطر يولد من الأرض نفسها، من هوائها وشجرها ودفئها الصحراوي». هذا الإعجاب لا تلمسه لدى العطارين هنا فحسب؛ بل تلمسه في كل مكان ممزوجاً بفخر، كما تشي حكايات سكان المنطقة عن ارتباطها بالعطر.

بداية الحلم

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

كان السلطان الراحل قابوس بن سعيد صاحب فكرة تأسيس دار عطور فاخرة تُعرِّف العالم بالثقافة العمانية و«ذهبها الأبيض». كان ذلك في عام 1983 عندما أطلق مشروعاً كان طموحاً لدرجة الحلم: بناء صناعة محلية متكاملة لا تعتمد على الخارج، تبدأ في استخراج زيت اللبان وتنتهي بابتكار عطور تُعرف عالمياً بـ«هدية الملوك» تُصنع من الألف إلى الياء في أرض اللبان.

بعد أربعة عقود تقريباً، يكتمل هذا المشروع، بوضع حجر الأساس لمصنع «عين دوكة». مصنع لاستخلاص زيت اللبان من الراتينغ، وبه يتم إحياء حِرفة شكَّلت عبر العصور جوهر صناعة العطور في عُمان.

وادي دوكة... حكاية مستمرة

ثقافة اللبان ضاربة في التاريخ... ولكن البوصلة موجهة نحو المستقبل والعالم (أمواج)

في هذا الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو» منذ عام 2000، تمتد أكبر محمية لأشجار «بوسويليا ساكرا» في العالم. أشجار منحت عُمان مكانتها بين الحضارات القديمة، ووفرت لإمبراطوريات عظيمة البخور للتطهير والاحتفال. فاللبان لم يكن مجرد بضاعة فواحة؛ بل لغة روحية وثقافية ودبلوماسية وحلقة وصل بين الشرق والغرب. لم يتردد الإغريق مثلاً -شأنهم شأن الرومان وغيرهم من الثقافات القديمة- في دفع أثمان باهظة لقاء الحصول على اللبان العماني تحديداً. فهو يحتوي على نسبة تتجاوز 70 في المائة من المركب العضوي العطري «ألفا بينين»، مما يجعله مختلفاً بفارق عن زيوت اللبان المستخرجة من المواقع الأخرى.

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

هذا التاريخ وُضع في الحسبان عند تصميم المكان؛ حيث يتجلَّى المعمار امتداداً للأرض التي تحتضنه؛ تتماهى ألوانه وتفاصيله مع طبيعة الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، فيبدو من بعيد كصخرة ناعمة. ومع الاقتراب، تظهر هندسته الدائرية المستوحاة من التواصل بين الإنسان والطبيعة، تحتضن في قلبها حديقة لشجر اللبان، رمزاً للاستدامة واستمرارية الحياة.

يُدار المكان بأسلوبٍ حديثٍ ومستدام؛ إذ تم تحديد مواقع أكثر من خمسة آلاف شجرة لبان، باستخدام تقنية التتبُّع الجغرافي، ليصبح وادي دوكة أول غابة ذكية في منطقة الخليج. هذه الأشجار تُحصد وفقاً للمعايير الدولية لممارسات الحصاد الأخلاقي والمسؤول، وهو ما أكده اعتماد مؤسسة «فيروايلد» الدولية في أغسطس (آب) الماضي.

رينو سالمون المدير الإبداعي في «أمواج» يشرح تاريخ اللبان وأهميته وطرق استخراجه (أمواج)

يُعلِّق رينو سالمون، المدير الإبداعي في «أمواج»: «كانت رؤيتنا لعين دوكة واضحة منذ البداية. أردناه مكاناً يعكس جمال البساطة وعمق العلاقة بين الأرض والعطر. فالتصميم يبدو وكأنه ينمو من طبيعة المكان ويتناغم معها. ولذا؛ راعينا توفير مساحات مفتوحة لتضفي شعوراً خاصاً وتترك طابعاً يعبر عن شخصية الدار وطبيعة الأرض، وتتيح للحرفة العُمانية أن تكون جزءاً أساسياً من التجربة؛ حيث يرى الزائر كيف يتحوَّل اللبان من مادته الطبيعية إلى عطر بنغمات دافئة ومميَّزة».

ما بدأ بحصاد محلي تحول إلى صناعة عالمية (أمواج)

ما بدأت عطوراً خاصة جداً لتكون هدايا تليق بالملوك، أصبحت اليوم صناعة متكاملة الجوانب. فالدار توسعت، وكلما زاد نجاحها زادت طموحاتها. وللمرة الأولى في تاريخها، تجاوزت مبيعاتها 100 مليون دولار في الربع الأول من عام 2025. وعلى مستوى الإبداعات، حافظ عطر «جايدانس» (Guidance) على مكانته بصفته الأكثر مبيعاً، أما مجموعة «إسينسيس» فقد انضمت عطورها الثلاثة إلى قائمة أفضل 15 عطراً مبيعاً لدى «أمواج» خلال الفترة نفسها.