القوات الأفغانية تطلب دعماً لمحاربة تمرد في شرق البلاد

مؤتمر دولي حول السلام والأمن والمصالحة في كابل الأسبوع المقبل

جنود أفغان خلال حفل تخرج في الأكاديمية العسكرية في هراة أول من أمس (إ.ب.أ)
جنود أفغان خلال حفل تخرج في الأكاديمية العسكرية في هراة أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

القوات الأفغانية تطلب دعماً لمحاربة تمرد في شرق البلاد

جنود أفغان خلال حفل تخرج في الأكاديمية العسكرية في هراة أول من أمس (إ.ب.أ)
جنود أفغان خلال حفل تخرج في الأكاديمية العسكرية في هراة أول من أمس (إ.ب.أ)

طلبت القوات الأفغانية على الأرض دعمها بمزيد من الجنود والمعدات لمحاربة المتمردين مع بحث الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي قرارا بزيادة عدد القوات الأجنبية في أفغانستان. ويقود الجنرال محمد نسيم سانجين لواء في عملية تطهير لإخراج المقاتلين المتمردين من حي جبرهار، وهو منطقة خصبة، في ننكرهار، يوجد بها مزارع خشخاش جاهزة للحصاد
وسانجين، الذي التحق بالجيش منذ كان مراهقا بانضمامه لصفوف المقاتلين ضد القوات السوفياتية في الثمانينيات، يقول إنه بحاجة إلى مزيد من القوات والمعدات لهزيمة طالبان وغيرها من الجماعات المسلحة ولتأمين الأراضي التي تستردها قواته». لكن الشيء الذي لا يريده هو عودة القوات الأجنبية للمهام القتالية في أفغانستان. ويمكن سماع دوي إطلاق نيران متقطع من القتال الذي يبعد ببضعة كيلومترات لكنه يقول إن العملية انتهت بشكل جيد حيث إن وسط الحي تم تطهيره بسقوط خسائر بشرية قليلة.
ومع بحث مسؤولين أميركيين لخطط يتوقع الموافقة عليها لإرسال ما يصل لخمسة آلاف مدرب عسكري لأفغانستان، تتصاعد المخاوف من أن الزيادة المتواضعة نسبيا في عدد القوات قد تكون بداية لخوض الولايات المتحدة حربا من جديد.
وعلى الرغم من التأكيدات المتفائلة من المسؤولين الأفغان بشأن التقدم الذي تحقق في القيادة ومكافحة الفساد المستشري، فإن قوات الأمن تكافح لاحتواء اتساع نفوذ حركة طالبان ولا تسيطر الحكومة حاليا إلا على نحو 60 في المائة من الأراضي. والأرقام الرسمية غير واضحة لكن ما لا يقل عن 807 من الجنود ورجال الشرطة قُتلوا في الأسابيع الستة الأولى من العام الجاري بينما سقط 6785 في الأشهر العشرة الأولى من عام 2016، وفي تصريحات خاصة، يقول الكثير من المسؤولين إن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير.
إلى ذلك، اتهم الرئيس الأفغاني السابق حميد كرزاي الولايات المتحدة بدعم تنظيم داعش الإرهابي في بلاده، معتبراً أن وجود عناصر التنظيم في أفغانستان يأتي في إطار «مشروع أميركي» لتحقيق أهداف معينة. وقال كرزاي، في تصريح لوكالة الأناضول، إن «عناصر داعش الذين يمارسون أنشطة إرهابية في أفغانستان تم جلبهم جميعاً من الخارج لأجل بعض الأهداف (لم يحددها)، ويتلقون دعماً من الولايات المتحدة». واعتبر أن الولايات المتحدة «لا تريد انتهاء الأنشطة الإرهابية» في أفغانستان، مضيفاً: «الوجود الأميركي في أفغانستان ساهم في تعزيز داعش».
كرزاي لفت إلى أن الهدف الرئيسي لـ«داعش» في بلاده يتمثل في «زعزعة الاستقرار بالبلدان المجاورة من خلال استخدام الأراضي الأفغانية». وأضاف: «داعش يظلم ويقتل السكان في المناطق التي ينشط بها، ويسعى لتدمير التقاليد الأفغانية». وأشار إلى أن روسيا وإيران قلقتان من الوجود الأميركي في أفغانستان. وحول حركة طالبان، أشار كرزاي إلى وجود اتصالات روسية أميركية مع الحركة، على غرار بريطانيا وبعض البلدان الأخرى (لم يذكرها). وشدد الرئيس الأفغاني السابق على أن طالبان عززّت من قوتها في عموم أفغانستان في الآونة الأخيرة، وأن بعض القوى الأجنبية (لم يذكرها) لعبت دوراً في تعزيز تلك القوة.
واعتبر أن القصف الأميركي بـ«أم القنابل» في مقاطعة نانكرهار مطلع نيسان أبريل (نيسان) الماضي، يعد ازدراء للشعب والتراب الأفغاني، وسعي لتحويل البلاد لحقل تجارب.
في غضون ذلك، صرح دبلوماسي أفغاني بارز في العاصمة إسلام آباد أول من أمس، بأن أفغانستان ستعقد مؤتمرا دوليا حول السلام والأمن والمصالحة في كايل الأسبوع المقبل، وذلك في الوقت الذي كثف فيه مسلحو طالبان من هجماتهم التي أسفرت عن مقتل العشرات من رجال الشرطة على مدى الأيام القليلة الماضية.
وقال زرادشت شمس نائب رئيس بعثة السفارة الأفغانية في إسلام آباد إن ما يزيد على 20 دولة تمت دعوتها إلى المؤتمر المقرر في كابل في 6 يونيو (حزيران).
وقال شمس في تصريحاته لوكالة الأنباء الصينية «شينخوا»: «سيعقد اجتماع عملية كابل بناء على توجيهات الرئيس أشرف غني لحشد العمليات أو الاجتماعات بشأن أفغانستان تحت مظلة واحدة». وأضاف شمس أن التعاون في مكافحة الإرهاب سيكون أيضا من بين القضايا الهامة التي سيناقشها الدبلوماسيون والمسؤولون البارزون من هذه الدول.
وقال مسؤول باكستاني إن باكستان ستشارك في المؤتمر بما يتفق مع «سياسة تستهدف متابعة كافة الاجتماعات الأفغانية» للمساهمة في تحقيق السلام والمصالحة في البلاد الممزقة بالحرب. وتم توجيه دعوات الحضور إلى كافة الدول المجاورة لأفغانستان تقريبا وكذا إلى الولايات المتحدة والهند والمملكة العربية السعودية واليابان وبريطانيا وروسيا والإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا وألمانيا وفرنسا والصين من أجل المشاركة واستكشاف السبل لمساعدة كابل في تعزيز السلام والأمن، بحسب شمس. وأوضح شمس أن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي سيحضران الاجتماع الذي يعد مبادرة تبتكرها وتقودها أفغانستان. وأضاف شمس أن الرئيس غني أطلق فكرة بدء «عملية كابل» لطرح الوضع في أفغانستان أمام الدول الأخرى.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»