رواية «أريامهر نامه» تقتحم عالم إيران بكل تعقيداته

تبدأ أحداثها مع انطلاق «الربيع العربي»

الشاه محمد رضا بهلوي الذي تتبع الرواية سيرته وزوجته فرح ديبا - غلاف الرواية
الشاه محمد رضا بهلوي الذي تتبع الرواية سيرته وزوجته فرح ديبا - غلاف الرواية
TT

رواية «أريامهر نامه» تقتحم عالم إيران بكل تعقيداته

الشاه محمد رضا بهلوي الذي تتبع الرواية سيرته وزوجته فرح ديبا - غلاف الرواية
الشاه محمد رضا بهلوي الذي تتبع الرواية سيرته وزوجته فرح ديبا - غلاف الرواية

يُذكر روي بيتر كلارك، في كتابه «أدوات الكتابة: 50 استراتيجية ضرورية لكل كاتب»، أن «أفضل الكُتّاب لا يكتبون فقط بأيديهم ورؤوسهم وقلوبهم، وإنما بأقدامهم»، بمعنى أن الكتّاب الجيدين لا يجلسون في مكاتبهم ويتخيلون عالم شخصياتهم ومخططها العام لرواياتهم، بل يتركون مكاتبهم ليبحثوا عن مادة رواياتهم في الواقع وعلى الأرض وبين الناس. ورواية «أريامهر نامه» (دار الفارابي، 2017) واحدة من هذه الروايات التي لم تكتب باليد والرأس والقلب فقط، بل كتبها عقيل الموسوي، البحريني القادم من عالم طب الأسنان، بأقدامه وهو يجوب إيران طولاً بعرض، وهو ينقّب، طوال خمس سنوات، في تاريخها ويستكشف جغرافيتها، من أجل أن يكوّن مادة هذه الرواية لبنة لبنة.
كل من سيقرأ رواية «أريامهر نامه» سيجدها رواية آسرة، وثرية، وتقتحم عالما غير مألوف في الروايات العربية، عالم إيران بكل تعقيده التاريخي والجغرافي والسياسي والديني والقومي.
تبدأ الرواية مع أحداث «الربيع العربي»، وتحديداً في يناير (كانون الثاني) 2011، حيث يطالعنا شاب عربي يعيش في جزيرة متخيّلة يسميها جزيرة الأولون، وتتشابك حياته مع تداعيات هذا الربيع، إلا أنه يفصح لنا، منذ الفقرة الأولى من الرواية وهو يتابع خبر انتحار علي رضا بهلوي (الابن الأصغر لشاه إيران الأخير، الذي انتحر في 4 يناير 2011)، أنه بصدد كتابة سيرة الشاه محمد رضا بهلوي (الشاهنشاه الذي منح الرواية اسمها حين لقّب نفسه بـ«أريامهر» أي نور الآريين)، فلا يجد من طريقة للشروع في الكتابة إلا عبر التراسل بالإيميل مع عميدة الأسرة البهلوية: فرح ديبا بهلوي (الشهبانو).
لن يتضّح لنا، لأول وهلة، الغرض الذي من أجله حوّل هذا الشاب العربي اهتمامه من «الربيع العربي» إلى إيران، وسيرة الشاه محمد رضا بهلوي، ومن ورائه تاريخ الأسرة البهلوية والدولة البهلوية، ثم تطوّف بنا الرواية تطوافاً واسعاً في التاريخ الفارسي ودوله. ويبدو الشاب العربي كما لو كان مدفوعاً دفعاً بمهمة قومية سامية لإعادة تكوين هذا التاريخ حيث نراه يذهب بعيداً في الحفر عميقاً في طبقات تاريخ إيران المتطاول منذ الأخمينيين والساسانيين إلى المغول إلى الصفويين إلى القاجاريين إلى الدولة البهلوية. إنها مهمة قومية يقوم بها الإيرانيون، ولكن لماذا يكرّس شاب عربي يمتلك كل تطلعات الشباب العربي التي أعلنت عن نفسها في ميادين البلدان العربية التي مرّ بها «الربيع العربي»؟
لا يحدثنا الراوي، صراحة، عن السر وراء هذا الانتقال، إلا أن المراسلات المتبادلة بينه وبين فرح ديبا تكشف عن ضرب من ضروب «بلاغة المقموعين» التي تتوسّل بالتمثيل والإيماء والتورية وقول شيء ويُقصد منه شيء آخر. هل يريد الشاب العربي أن يكتب سيرة الدولة العربية وانتكاساتها، إلا أنه يذهب، بضرب من «بلاغة المقموعين»، إلى كتابة سيرة الشاه والدولة الإيرانية؟ هل يريد هذا الشاب العربي أن يقنعنا بأن التشابه بين التاريخين، العربي والفارسي، كبير إلى درجة أنه يمكن أن تغني كتابة سيرة الواحد منهما عن الأخرى؟ هل يريد أن يقنعنا بأن «ربيعنا العربي» لم يكن سوى ضرب من العود الأبدي الذي رأيناه في سيرة «الربيع الإيراني» قصير العمر إبان صعود نجم محمد مصدق مع مطلع خمسينات القرن العشرين، ثم الخريف الذي انتهى إليه مع الانقلاب على تجربة مصدّق وتحطم آمال الإيرانيين؟ هل يريد أن يقول إننا أمام إقليم يتشابك تاريخه وتتشابه أوضاعه من حيث الحضور الطاغي لرجال الدين، والفشل المزمن للدولة المدنية، والثروات النفطية والغازية الضخمة التي جعلت هذا الإقليم مطمع الدول الكبرى؟
لن نجد جواباً مباشراً في الرواية، وعلينا أن نكتشف الجواب في تضاعيف الرواية، وبين طبقات الأزمنة التي تشكّل حبكتها، حيث تتداخل في الرواية ثلاثة أزمنة سردية؛ زمن أول خاطف ينبعث من صميم أحداث «الربيع العربي»، حيث يتابع شاب عربي عاشق للتاريخ قصة الشاهنشاه الإيراني المهووس بتاريخ بلاده، ويسلط العربي اهتمامه على حركات إيران الوطنية المقاومة لخطط الغرب للهيمنة على السياسة والنفط، وكذلك حركاتها الإسلامية المقاومة لدولة الشاه العلمانية، ويُسقط كل ذلك على ما يجري في ثورات «الربيع العربي»، ويجري كل ذلك عبر التراسل مع فرح بهلوي آخر إمبراطورة إيرانية.
في الزمن الثاني، يتصدر شاه إيران وحياته مشهد الأحداث بدءاً من زيجاته المتكررة بحثاً عن ولي العهد ووارث العرش، ووصولاً إلى هوسه بالمجد الإيراني القديم وإصراره الغريب على استعادة أمجاد الآريين قبل الإسلام، الأخمينيين والساسانيين، وهو الهوس الذي بلغ أوجهه في تتويج نفسه ملكاً أسطورياً بلقب «أريامهر». وهذا هو محور الزمن الثالث في الرواية.
تتضافر هذه الأزمنة الثلاثة في صنع حبكة الرواية عبر انتقالات السرد السلسة بين أحداث «الربيع العربي» وحكاية شاه إيران وتاريخ النور الآري. كما أن الرواية تحفر عميقاً، وعلى طريقة دان براون، في رموز الدولة البهلوية المستعرضة في الدرع البهلوي، وعلمها، ونشيدها الإمبراطوري، التي تستوحي جميعها إرث إيران ما قبل الإسلام، الذي يحمل في طيّاته فخراً بالديانة الزرادشتية القديمة، الأمر الذي يخلق حساسية مع المؤسسة الدينية المحافظة. وتأخذ الرواية بعداً جديداً بالتقاء الشاب العربي بفرح ديبا بهلوي في باريس، حيث تنفتح ملفات حساسة، بعضها قديم مثل الحركة الشعوبية، والتشيع الإيراني، والآخر حديث مثل الانقلاب على مصدق، والماسونية الإيرانية، وصفقات شركات النفط المشبوهة.

* كاتب بحريني



3 قطع برونزية من موقع مليحة في الشارقة

3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
TT

3 قطع برونزية من موقع مليحة في الشارقة

3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة

أسفرت عمليات التنقيب المتواصلة في موقع مليحة الأثري التابع لإمارة الشارقة عن العثور على مجموعات كبيرة من اللقى المتعدّدة الأشكال والأساليب، منها مجموعة مميّزة من القطع البرونزية، تحوي 3 كسور تحمل نقوشاً تصويرية، ويعود كلّ منها إلى إناء دائري زُيّن برسوم حُدّدت خطوطها بتقنية تجمع بين الحفر الغائر والحفر الناتئ، وفقاً لتقليد جامع انتشر في نواحٍ عدة من شبه جزيرة عُمان، خلال الفترة الممتدة من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث للميلاد.

أصغر هذه الكسور حجماً قطعة طولها 4.5 سنتيمتر وعرضها 10 سنتيمترات، وتمثّل رجلاً يركب حصاناً وآخر يركب جملاً. يظهر الرجلان في وضعية جانبية ثابتة، ويرفع كلّ منهما رمحاً يسدّده في اتجاه خصم ضاع أثره ولم يبقَ منه سوى درعه. وصلت صورة راكب الحصان بشكل كامل، وضاع من صورة راكب الجمل الجزء الخلفي منها. الأسلوب متقن، ويشهد لمتانة في تحديد عناصر الصورة بأسلوب يغلب عليه الطابع الواقعي. يتقدّم الحصان رافعاً قوائمه الأمامية نحو الأعلى، ويتقدّم الجمل من خلفه في حركة موازية. ملامح المقاتلين واحدة، وتتمثّل برجلين يرفع كل منهما ذراعه اليمنى، شاهراً رمحاً يسدّده في اتجاه العدو المواجه لهما.

الكسر الثاني مشابه في الحجم، ويزيّنه مشهد صيد يحلّ فيه أسد وسط رجلين يدخلان في مواجهة معه. يحضر الصيّادان وطريدتهما في وضعيّة جانبية، ويظهر إلى جوارهم حصان بقي منه رأسه. ملامح الأسد واضحة. العين دائرة لوزية محدّدة بنقش غائر، والأنف كتلة بيضاوية نافرة. فكّا الفم مفتوحان، ويكشفان عن أسنان حادة. تحدّ الرأس سلسلة من الخصل المتوازية تمثل اللبدة التي تكسو الرقبة. يتكون الصدر من كتلة واحدة مجرّدة. الظهر مقوّس بشكل طفيف، ويظهر في مؤخرته ذيل عريض، تعلو طرفه خصلة شعر كثيفة. الجزء الأسفل من البدن مفقود للأسف، وما بقي منه لا يسمح بتحديد وضعية القوائم الأربع.

في مواجهة هذا الليث، يظهر صياد يرفع بيده اليمنى ترساً مستديراً. في المقابل، يظهر الصياد الآخر وهو يغرز خنجره في مؤخرة الوحش. بقي من الصياد الأول رأسه وذراعه اليمنى، وحافظ الصياد الآخر على الجزء الأعلى من قامته، ويتّضح أنه عاري الصدر، ولباسه يقتصر على مئزر بسيط تعلوه شبكة من الخطوط الأفقية. ملامح وجهَي الصيادين واحدة، وتتبع تكويناً جامعاً في تحديد معالمها. من خلف حامل الخنجر، يطل رأس الحصان الذي حافظ على ملامحه بشكل جلي. الأذنان منتصبتان وطرفهما مروّس. الخد واسع ومستدير. الفم عريض، وشق الشدقين بارز. اللجام حاضر، وهو على شكل حزام يلتفّ حول الأنف. تعلو هذه الصورة كتابة بخط المسند العربي الجنوبي تتألف من ستة أحرف، وهي «م - ر - أ - ش - م - س»، أي «مرأ شمس»، ومعناها «امرؤ الشمس»، وتوحي بأنها اسم علم، وهو على الأرجح اسم صاحب الضريح الذي وُجد فيه هذا الكسر.

تتبع هذه الكسور الثلاثة أسلوباً واحداً، وتعكس تقليداً فنياً جامعاً كشفت أعمال التنقيب عن شواهد عدة له في نواحٍ عديدة من الإمارات العربية وسلطنة عُمان

الكسر الثالث يمثّل القسم الأوسط من الآنية، وهو بيضاوي وقطره نحو 14 سنتيمتراً. في القسم الأوسط، يحضر نجم ذو 8 رؤوس في تأليف تجريدي صرف. وهو يحل وسط دائرة تحوط بها دائرة أخرى تشكّل إطاراً تلتف من حوله سلسلة من الطيور. تحضر هذه الطيور في وضعية جانبية ثابتة، وتتماثل بشكل تام، وهي من فصيلة الدجاجيات، وتبدو أقرب إلى الحجل. تلتف هذه الطيور حول النجم، وتشكّل حلقة دائرية تتوسط حلقة أخرى أكبر حجماً، تلتف من حولها سلسلة من الجمال. ضاع القسم الأكبر من هذه السلسلة، وفي الجزء الذي سلم، تظهر مجموعة من ثلاثة جمال تتماثل كذلك بشكل تام، وهي من النوع «العربي» ذي السنام الواحد فوق الظهر، كما يشهد الجمل الأوسط الذي حافظ على تكوينه بشكل كامل.

تتبع هذه الكسور الثلاثة أسلوباً واحداً، وتعكس تقليداً فنياً جامعاً، كشفت أعمال التنقيب عن شواهد عدة له في نواحٍ عديدة من الإمارات العربية وسلطنة عُمان. خرجت هذه الشواهد من المقابر الأثرية، ويبدو أنها شكلت جزءاً من الأثاث الجنائزي الخاص بهذه المقابر في تلك الحقبة من تاريخ هذه البلاد. عُثر على هذه الكسور في موقع مليحة، وفي هذا الموقع كذلك، عثر فريق التنقيب البلجيكي في عام 2015 على شاهد يحمل اسم «عامد بن حجر». يعود هذا الشاهد إلى أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، ويحمل نقشاً ثنائي اللغة يجمع بين نص بخط المسند الجنوبي ونص بالخط الآرامي في محتوى واحد. يذكر هذا النص اسم «عمد بن جر»، ويصفه بـ«مفتش ملك عُمان»، ونجد في هذا الوصف إشارة إلى وجود مملكة حملت اسم «مملكة عُمان».

ضمّت هذه المملكة الأراضي التي تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحّدة، كما ضمّت الأراضي التي تعود إلى شمال سلطنة عُمان، وشكّلت استمرارية لإقليم عُرف في النصوص السومرية باسم بلاد ماجان. جمعت هذه المملكة بين تقاليد فنية متعدّدة، كما تشهد المجموعات الفنية المتنوّعة التي خرجت من موقع مليحة في إمارة الشارقة، ومنها الأواني البرونزية التي بقيت منها كسور تشهد لتقليد فني تصويري يتميّز بهوية محليّة خاصة.