العلاقات التجارية الأسرية في كوريا الجنوبية عصية على الكسر

الرئيس الجديد تعهد التصدي للعائلات المسيطرة على الاقتصاد

مون جاي - إن في بداية حملته التي تعهد فيها التصدي للعائلات المسيطرة على الاقتصاد (رويترز)
مون جاي - إن في بداية حملته التي تعهد فيها التصدي للعائلات المسيطرة على الاقتصاد (رويترز)
TT

العلاقات التجارية الأسرية في كوريا الجنوبية عصية على الكسر

مون جاي - إن في بداية حملته التي تعهد فيها التصدي للعائلات المسيطرة على الاقتصاد (رويترز)
مون جاي - إن في بداية حملته التي تعهد فيها التصدي للعائلات المسيطرة على الاقتصاد (رويترز)

فلننس ميكيافيلّي، ومسلسل «صراع العروش». عندما يتعلق الأمر بالتمسك بالسلطة، فإن أثرى أثرياء عائلات المال والأعمال في كوريا الجنوبية تدرك تماما أصول اللعبة وكيفية إدارتها.
هناك مناورة الجمعيات الخيرية، ومن خلالها يقوم أفراد العائلات بتأمين حصصهم من إمبراطوريات المال والأعمال في مؤسسات خيرية غير هادفة للربح، مما يسمح لهم بمواصلة السيطرة دون الحاجة إلى دفع الضرائب الباهظة.
وهناك أيضا مناورة تأسيس الشركات الجديدة، وفيها يؤسسون الشركات الجديدة التي تبرم الصفقات التجارية المربحة والودية مع أطراف آخرين تحت سيطرتهم، وهناك أيضا الهندسة القديمة للمؤسسات الكبرى، وفيها يقومون بدمج مختلف أفرع إمبراطورياتهم سويا بهدف تعزيز سلطاتهم عليها، حتى مع شكاوى المساهمين الآخرين من ذلك. ومع أكبر إمبراطورية تجارية في كوريا الجنوبية، شركة سامسونغ، التي طالتها أكبر فضيحة سياسية على المستوى الوطني، تعهد جيل جديد من قادة الأعمال في كوريا الجنوبية التخلص من قواعد اللعب القديمة. ولقد صرح كبار المرشحين في الانتخابات الرئاسية قبل انعقادها بأنهم سوف يشددون القبضة على إمبراطوريات المال والأعمال في كوريا الجنوبية والخاضعة لسيطرة العائلات الثرية، والمعروفة على المستوى المحلي باسم «شيبول»، والتي تهيمن على اقتصاد البلاد، وتمكنت من جمع قوة سياسية ضخمة جراء ذلك.
يقول كيم ووتشان، أستاذ التمويل في كلية إدارة الأعمال بجامعة كوريا في العاصمة سيول، مشيرا إلى ردود الفعل الشديدة ضد الثروات الموروثة: «إن هيمنة عائلات شيبول التي نعرفها جيدا يمكن أن تنتهي على أيدي الجيل الجديد من القادة السياسيين. وفرصة جيدة كهذه هي من الفرص غير المسبوقة في البلاد». ولكن هذا يسهل قوله عن فعله تماما، كما يقول المسؤولون والخبراء في كوريا الجنوبية. وفي حين أن الرأي العام يوجه اللوم لعائلات شيبول لتلك السلسلة المتصلة من الفضائح السياسية والتجارية وللتسبب في إبطاء النمو الاقتصادي في البلاد والذي كان يسير بوتيرة ممتازة، إلا أن هذه العائلات لا تزال تحظى بقدر كبير من السلطات السياسية. ولقد أثبتت بعض العائلات المسيطرة قدرات ممتازة على التكيف وإيجاد سبل للحفاظ على السيطرة، وحتى وهم يواجهون مزيدا من التحديات من الضرائب على الميراث، والمستثمرين الخارجيين الساخطين، إلى جانب المشكلات الأسرية الداخلية.
يقول ريو سانغ يونغ، أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة يونساي في سيول: «إن القادة والأسواق لا يمكن تغييرهم بين عشية وضحاها. ولكل ثقافة إرثها القوي الراسخ، وقدر من القصور الذاتي كذلك. وكل شيء يستغرق وقته بالتأكيد».
ولقد تعهد الرئيس الجديد، مون جاي - إن، قبل نجاحه في الانتخابات بالتصدي للعائلات الثرية وإيقاف استخدام المؤسسات غير الهادفة للربح، وخطط الأسهم المعقدة، وغير ذلك من الأساليب الهادفة لمواصلة بسط السيطرة على الشركات. وأحد أبرز مستشاريه هو كيم سانغ جو، الخبير الاقتصادي المعروف بآرائه الصارمة حول عائلات شيبول.
ولكن الحزب الديمقراطي الذي يتزعمه السيد مون لا يحتفظ إلا بـ119 مقعدا فقط من أصل 300 مقعد في المجلس التشريعي في كوريا الجنوبية. ولسوف يواجه الحزب الديمقراطي أوقاتا عصيبة للحصول على الدعم من الأحزاب المنافسة في تمرير مشروعات قوانين إصلاح عائلات شيبول عبر المجلس التشريعي المنقسم على نفسه، حيث لا يزال لوبي المال والأعمال يحظى بنفوذ وسيطرة كبيرة. وتمرير مشروع القانون سوف يستغرق كثيرا من الشهور من المناقشات والمشاحنات. كما تعهد السيد مون بأن يجعل المدعين العوام أكثر استقلالية، وأن يجعل الأمور أصعب على رئيس البلاد من حيث إساءة استخدام صلاحيات وسلطات المنصب الرفيع، ويحد من قدرات عائلات شيبول في التواطؤ مع السلطات والإفلات من العدالة. غير أن هذه الإصلاحات من المرجح أن تستلزم تنقيحا عاما لدستور البلاد، الأمر الذي قد يلقى صعوبة بالغة في ظل السياسات المتقلبة في البلاد.
ولقد بلغت حالة عدم الثقة المتصاعدة حيال عائلات شيبول ذروتها خلال العام الحالي، بعد إلقاء القبض على لي جاي - يونغ، الرئيس الفعلي لشركة سامسونغ، في تهم تتعلق بالرشوة وغيرها من التهم ذات الصلة بالفضيحة التي أطاحت برئيسة كوريا الجنوبية من منصبها، وأدت إلى انعقاد الانتخابات المبكرة الثلاثاء الماضي. والسيد لي، والمعروف أيضا باسم جاي واي لي، هو من أبناء الجيل الثالث في العائلات التي تسيطر على إمبراطورية المال والأعمال التي تصنع أشهر الهواتف المحمولة، وتشيد أعلى ناطحات السحاب في العالم – عبر الشركة التابعة التي شيدت برج خليفة الشهير في دبي – وتشرف على إدارة المستشفيات، والفنادق، والحدائق، وحتى توفير خدمات البطاقات الائتمانية.
ولكن الإحباط جراء تصرفات عائلات شيبول ظل يتصاعد عبر كثير من السنوات. ويوجه النقاد اللوم إلى التكتلات التجارية الكبيرة، لعدد من العلل الاجتماعية، بما في ذلك الفساد، وعدم المساواة، وإقصاء الشركات الناشئة الصغيرة الأكثر ابتكارا. ويجري تداول أسهم عائلات شيبول بأسعار زهيدة مما ينبغي أن يكون عليه الأمر - ما يعرف باسم الخصومات الكورية - وذلك بسبب أن المستثمرين الأجانب يخشون من أن العائلات المؤسسة سوف تعمل على خداعهم.
كانت هناك تشو هيون - آه، كريمة رئيسة مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية الكورية، والتي استقالت من منصبها التنفيذي في الشركة في عام 2014 في أعقاب فضيحة «الجوز» الشهيرة، والتي أجبرت فيها كريمة رئيس الشركة الطائرة على العودة إلى بوابة المغادرة فقط لأنها غير سعيدة بالطريقة التي قدمت بها المضيفة الجوية طبق «الجوز» لها.
كما كان هناك تشي تشول - وون، أحد أعضاء العائلة التي تدير مجموعة «إس كيه» الكورية، والذي أدين بضرب أحد المتظاهرين بمضرب البيسبول. ثم كان هناك تشونغ إيل - سيون، وريث شركة هيونداي الكورية والذي يدير منشأة صناعة الصلب التابعة، والذي تم تغريمه مبلغا من المال من قبل المحكمة لإساءة استخدام مجموعة من السائقين.
وعلى المدى الطويل، شهد كثير من عائلات شيبول الثرية تراخي قبضتهم المحكمة على إمبراطورياتهم التجارية. وفي كثير من الأحيان، لم يكن يمكن توجيه اللوم إلا للعائلات نفسها في ذلك. ولقد أسفر النزاع على الخلافة بين الأشقاء إلى انقسام شركة هيونداي في أوائل العقد الأول من القرن الحالي. ودخلت أسرة لوتي، وهي من العائلات الثرية الكبيرة، في حرب شرسة بين الأشقاء في عام 2015. (ويبدو أن الفائز في هذه الحرب، شين كونغ - بين، قد حاز على الكأس المسمومة في نهاية المطاف: فلقد وجهت إليه الاتهامات بعرض الرشوة على رئيسة كوريا الجنوبية المخلوعة بارك غيون - هاي).
كما أن هذه العائلات تواجه تحديات أخرى، وخصوصا ما يتعلق بالضرائب. ولعل من الغريب في البلاد التي تهيمن فيها العائلات الثرية على كثير من الأمور أن تكون الضرائب على الميراث مرتفعة كثيرا بالنسبة لفئة الأثرياء، إذ تصل إلى 50 في المائة أو أكثر. وهنا يظهر الدور الفعلي لكتاب قواعد المحافظة على السلطات والصلاحيات.
فأحد الحلول يتمثل في نقل حصص شركات العائلات الثرية إلى حسابات الجمعيات الخيرية الخاضعة لهيمنة تلك العائلات. حيث تملك أربعة مؤسسات خاضعة لسيطرة عائلة لي الثرية البلايين من الدولارات من الأسهم في بعض الشركات البارزة التابعة لشركة سامسونغ الرئيسية، بما في ذلك شركة صناعة الهواتف الذكية.
وهناك خيار آخر يتمثل في ضمان ثراء ورثة العائلة الكبيرة قبل وفاة الآباء. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تأسيس الشركات الصغيرة تحت سيطرة الوريث، ثم توسيع أعمال تلك الشركات بواسطة الاتصالات المالية والتجارية للعائلة.
ويقول النقاد إن هذا ما حدث بالفعل في شركة هيونداي لصناعة السيارات، حين استثمر تشونغ يوي - صن، نجل رئيس مجلس إدارة الشركة، في شركة صغيرة للأعمال اللوجستية في عام 2001. وتلك الشركة الصغيرة صارت تسمى الآن «هيونداي غلوفيس»، وسرعان ما أبرمت تعاقدات مربحة مع الشركات الأخرى التابعة لشركة هيونداي الرئيسية. وعلى مدى بضعة سنوات أصبحت أصول شركة «هيونداي غلوفيس» تساوي بلايين الدولارات. ولقد رفضت المتحدثة باسم شركة هيونداي التعليق على هذه الترتيبات.
والسيد لي من شركة سامسونغ، والذي يشغل من الناحية الفنية منصب نائب رئيس مجلس الإدارة، لكنه يقود الشركة الكبيرة بالنيابة عن والده المريض، كان قد استفاد كثيرا من المناورات التجارية التي وضعت بالأساس للمحافظة على هيمنة العائلة. وبدءا من عام 1996 عندما كان السيد لي يبلغ من العمر 28 عاما، بدأت شركات سامسونغ في إصدار سندات بأسعار منخفضة، تلك التي تمكن في وقت لاحق من تحويلها إلى أسهم، مما سمح له بجمع حصص ملكية عالية القيمة لقاء جزء صغير من تكلفة السوق. ولقد أدين السيد لي كون - هيي، والد السيد لي، بتهمة انتهاك الثقة فيما يتعلق بالصفقات. وعلى الرغم من ذلك تم إعفاؤه من ذلك في وقت لاحق، وتم السماح لنجله الأصغر سنا بالاحتفاظ بالأسهم.
ومن المناورات الأخرى الواقعة في قلب الاتهامات الموجهة إليه. تسبب دمج اثنتين من الشركات التابعة لسامسونغ في عام 2015 في جعل السيد لي المساهم المهيمن على جزء حيوي وحاسم من إمبراطورية سامسونغ العملاقة. ولقد وجهت الاتهامات إلى السيد لي في وقت مبكر من العام الحالي بتقديم الرشوة إلى الرئيسة السابقة بارك وغيرها لإجبار مساهم آخر كبير، وهو نظام التقاعد الحكومي، على الموافقة على الصفقة. ولقد أنكر السيد لي تلك الاتهامات وقال إنه كان ضحية الابتزاز. أما المساهمون الخارجيون، والذين يمكن أن يكونوا ورقة من ورقات الضغط، ليس لديهم صوت أو نفوذ كبير. وعلى الرغم من خضوع كثير من أسهم العائلات الكورية الكبرى للتداول العام، فإن حجم العائلات ونجاحها قد استقطب المستثمرين من الخارج الذين يطالبون بمزيد من النفوذ وحسن الإدارة. وفي حالة شركة سامسونغ، اعترض صندوق التحوط الأميركي «إليوت وشركاه» على الصفقة التي أسفرت عن اتهامات الرشوة بحق السيد لي. غير أن صندوق التحوط أخفق في منع إبرام الصفقة.
يقول البروفسور ريو سانغ يونغ من جامعة يونساي: «ينبغي على كوريا الجنوبية تعزيز دور المستثمر المؤسسي. حيث تكمن المشكلة في حوكمة الشركات»، مضيفا أن خدمات التقاعد في كوريا تفتقر إلى ثقافة الاستقلالية.
وفي المجلس التشريعي، أشرفت الأحزاب السياسية على تمرير كثير من مشروعات القوانين الرامية إلى جعل حوكمة شركات العائلات الثرية أكثر شفافية، وتجعل من الصعب على رؤساء مجالس الإدارات المساعدة في إثراء أبنائهم من خلال المعاملات التجارية والمالية المشبوهة. وإحدى الأفكار التي طرحها السيد مون تدور حول إدراج ما يسمى بالتصويت التراكمي حتى يسهل على المرشحين المدعومين من مساهمي الأقلية في الشركة أن يحصلوا على مقعد في مجلس إدارة الشركات.
ولكن أي حملة تهدف إلى إصلاح العائلات الثرية سوف تعرض الاقتصاد الكلي في البلاد للتباطؤ، وقد يخشى السياسيون من أن فرض مزيد من القيود على تلك العائلات قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالنشاط التجاري في البلاد.
يقول كيم ووتشان، أستاذ التمويل في كلية إدارة الأعمال بجامعة كوريا: «هناك أشخاص يعترفون بالمشكلة، ولكن هناك كثيرين ممن لا يقرون بوجودها. وهناك كثير من الناس يعتقدون بأنه لا بد أن يتعلق الأمر بتدخل كبير من كبراء العائلات الثرية».

* خدمة نيويورك تايمز



تعثّر «أوراكل» يهزّ أسهم الذكاء الاصطناعي... والسوق ترفض الاستسلام

شعار شركة «أوراكل» في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)
شعار شركة «أوراكل» في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)
TT

تعثّر «أوراكل» يهزّ أسهم الذكاء الاصطناعي... والسوق ترفض الاستسلام

شعار شركة «أوراكل» في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)
شعار شركة «أوراكل» في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)

تلقّى الزخم القوي الذي يدعم أسهم الذكاء الاصطناعي ضربة مؤلمة، بعد تقرير مخيِّب من «أوراكل»، أعاد إلى الواجهة المخاوف من التقييمات المبالغ فيها واحتمال تشكّل فقاعة في القطاع.

ومع ذلك، يؤكد مستثمرون أن عوامل التفاؤل لا تزال قائمة، في حين يتجنَّب كثيرون الإعلان عن وصول السوق إلى ذروتها.

وقد تدفق المستثمرون على أسهم الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، خلال العام مع تسارع تبنّي التكنولوجيا، وما تحمله من وعود برفع كفاءة الشركات الأميركية. لكن بعضهم يرى أن تلك الأسهم باتت متضخمة القيمة. وعبّر مستثمرون بارزون، بينهم مايكل بَري، عن تشاؤمهم، مقارنين طفرة الذكاء الاصطناعي حالياً بطفرة الإنترنت في التسعينات.

ورغم ذلك، ظل نشاط البيع على المكشوف محدوداً ومتركزاً على الشركات الصغرى، مع عدم إقبال يُذكر على الرهانات السلبية بشأن كبار اللاعبين في القطاع.

وجاءت المخاوف الأخيرة بعد تحذير «أوراكل»؛ فقد تراجع سهم الشركة بنسبة وصلت إلى 16.5 في المائة يوم الخميس، بعد إعلانها - وهي التي تحمل ديوناً كبيرة لتمويل مشاريعها الطموحة في الذكاء الاصطناعي - أن إنفاقها الرأسمالي للسنة المالية 2026 سيزيد بـ15 مليار دولار مقارنة بتوقعات سبتمبر (أيلول) الماضي.

وزادت «برودكوم» الضغط، مساء اليوم ذاته، بعدما حذرت من انخفاض هوامش الربحية نتيجة ارتفاع مساهمة إيرادات الذكاء الاصطناعي، مما دفع سهمها للتراجع في تداولات ما بعد الإغلاق.

هذا الهبوط أثّر على أسهم التكنولوجيا الأخرى، مع تصاعد القلق من تضخم الإنفاق على الذكاء الاصطناعي وتأخر ظهور العوائد. ومع ذلك، بقيت السوق الأوسع متماسكة، ونجح مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» يوم الخميس في الارتفاع والإغلاق عند مستوى قياسي جديد.

وقال تشاك كارلسون، الرئيس التنفيذي لشركة «هورايزون سيرفيسيز إنفستمنت» في إنديانا: «أرى أن المسألة تخصّ (أوراكل) تحديداً، وليست مشكلة عامة في قطاع الذكاء الاصطناعي. (أوراكل) تحاول التحول إلى مزود ضخم للخدمات السحابية، لكنها لا تمتلك التدفقات النقدية أو القوة المالية التي تتمتع بها شركات مثل (ألفابت) و(مايكروسوفت) و(أمازون)... لا أعتقد أن هذا سيقوّض القطاع بأكمله».

تزايد التدقيق

وأشار محللون إلى أن المستثمرين أصبحوا أكثر انتقائية في تقييم الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، ولم يعودوا يكافئون الإنفاق الكبير على هذا المجال بشكل تلقائي.

وقال مارك هاكيت، كبير استراتيجيي السوق في «نيشن وايد»: «شهدنا علاقة إيجابية لسنوات بين الإنفاق الرأسمالي المكثف وارتفاع أسعار الأسهم... لكن هذا تغيّر بشكل واضح خلال الأشهر القليلة الماضية».

وتعرض سهم «ميتا» في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) لهبوط بنسبة 11 في المائة بعد إعلانها أن نفقاتها الرأسمالية للعام المقبل ستشهد زيادة «ملحوظة» نتيجة استثمارات الذكاء الاصطناعي وتوسيع مراكز البيانات.

وكان الإنفاق الرأسمالي - وهو محرّك رئيسي لرهانات الذكاء الاصطناعي - قد عزّز أداء الأسهم منذ إطلاق «تشات جي بي تي» في نوفمبر 2022.

وقال روبرت غيل، مدير المحافظ في شركة «فيربانك» لإدارة الاستثمار: «كل هذا الإنفاق الضخم على الذكاء الاصطناعي يستغرق وقتاً أطول من المتوقَّع ليترجم إلى إيرادات سحابية».

البيع على المكشوف: حذر واضح

حتى المشككون في طفرة الذكاء الاصطناعي يترددون في الرهان ضدها. فقد قال بَري في منشور: «أعتقد أن سوق الأسهم تعيش مرحلة قد تتحول إلى قمة اندفاعية هائلة».

وقد زاد بَري مؤخراً انتقاداته لعمالقة التكنولوجيا مثل «إنفيديا» و«بالانتير»، مشيراً إلى تضخّم طفرة البنية التحتية السحابية. ويملك مركزاً للبيع على المكشوف في «بالانتير».

وقال مديرا صندوقين أميركيين كبيرين، طلبا عدم الكشف عن هويتهما، إن المخاوف من فقاعة في الذكاء الاصطناعي مبالغ فيها، مشيرين إلى أن شركات التكنولوجيا العملاقة تكافح لمجاراة الطلب المتزايد على مراكز البيانات.

وقال بيتر هيلربيرغ، الشريك المؤسس لشركة «أورتكس تكنولوجيز»: «من خلال تتبعنا لـ61 سهماً مرتبطاً بالذكاء الاصطناعي، لا نرى أي مؤشر على أن المستثمرين يشنون رهانات قوية على انفجار الفقاعة».

وتُظهر بيانات «أورتكس» ارتفاعاً في البيع على المكشوف لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة، في حين تبقى أكبر المستفيدين من الذكاء الاصطناعي خفيفة الانكشاف نسبياً لهذه الرهانات.

وأضاف «هيلربيرغ»: «شهدنا ارتفاعات محددة في مراكز البيع على المكشوف حول نتائج الأرباح والمخاطر الإخبارية، في بعض الأسماء المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مثل (أوراكل)، وقد بدت بعض هذه الرهانات أكثر وجاهة بعد الهبوط الحاد للأسهم. لكن الصورة العامة تُظهر شكوكاً انتقائية تجاه شركات بعينها، لا محاولة شاملة أو منسّقة للإعلان عن نهاية فقاعة الذكاء الاصطناعي».

تحوّل في قيادة السوق

الميزة البارزة للمستثمرين هي أن السوق الأكثر توسعاً لا تزال قوية رغم تعثر عدد من الأسماء الكبرى في الذكاء الاصطناعي. وبفضل سلسلة طويلة من الأداء المتفوق، بات قطاع التكنولوجيا يشكّل 35 في المائة من الوزن الإجمالي لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500» حتى إغلاق الأربعاء.

ويخشى المستثمرون أن يؤدي تراجع الزخم في أسهم الذكاء الاصطناعي - التي ساعدت المؤشر على الارتفاع 17 في المائة منذ بداية العام - إلى الضغط على السوق الأكثر توسعاً. لكن يوم الخميس، صمد المؤشر أمام عمليات البيع في أسهم الذكاء الاصطناعي، ما بدّد بعض المخاوف.

وقال هاكيت: «السؤال الأساسي هو ما إذا كان بالإمكان رؤية انتقال في قيادة السوق دون اضطراب كبير في المؤشر العام. وحتى الآن، الأمور تسير على ما يرام».


بولسون من «الفيدرالي»: السياسة النقدية لا تزال قادرة على إعادة التضخم إلى الهدف

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
TT

بولسون من «الفيدرالي»: السياسة النقدية لا تزال قادرة على إعادة التضخم إلى الهدف

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

أكدت آنا بولسون، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا، يوم الجمعة، أن تركيزها الأساسي ينصب على وضع سوق العمل، مشيرةً في الوقت نفسه إلى أن السياسة النقدية الحالية لا تزال قادرة على إعادة التضخم إلى هدف «الاحتياطي الفيدرالي» البالغ 2 في المائة.

وقالت بولسون، خلال كلمة ألقتها أمام اجتماع نظَّمته غرفة تجارة ولاية ديلاوير في ويلمنغتون: «بوجه عام، يقلقني ضعف سوق العمل أكثر من المخاطر المحتملة لارتفاع التضخم». وأضافت: «ويُعزى ذلك جزئياً إلى أنني أرى فرصةً جيدةً لانحسار التضخم خلال العام المقبل مع تراجع تأثير الرسوم الجمركية، التي كانت المحرك الرئيسي لارتفاع الأسعار فوق المستوى المستهدف هذا العام»، وفق «رويترز».

ورغم أنها لم تُدْلِ بأي تصريحات مستقبلية بشأن مسار أسعار الفائدة، فإنها شدَّدت على أن «سعر الفائدة الحالي على الأموال الفيدرالية، عند نطاق 3.5 في المائة إلى 3.75 في المائة، لا يزال يُعدّ تقييدياً إلى حد ما». وأوضحت أن هذا المستوى من الفائدة، إلى جانب التأثير التراكمي للسياسات الأكثر تشديداً في السابق، «سيساعد على خفض التضخم إلى 2 في المائة».

ووصفت بولسون سوق العمل بأنها «مرنة، لكنها لا انهار»، مشيرةً إلى أن خفض أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس خلال الاجتماعات الـ3 الأخيرة يُعدّ «إجراءً وقائياً لمواجهة أي تدهور إضافي في أوضاع سوق العمل».

وكانت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، الجهة المسؤولة عن تحديد أسعار الفائدة، قد خفّضت، يوم الأربعاء، النطاق المستهدف بمقدار ربع نقطة مئوية إلى 3.5 في المائة - 3.75 في المائة، في محاولة لتحقيق التوازن بين مخاطر ضعف سوق العمل ومستويات التضخم التي لا تزال مرتفعة. ولم يقدم «الاحتياطي الفيدرالي» - الذي تأثر بإغلاق الحكومة وغياب بيانات اقتصادية أساسية - أي توجيهات واضحة حول احتمالات خفض الفائدة في يناير (كانون الثاني).

وأشارت بولسون إلى أن البنك سيكون في وضع أفضل لمناقشة سياسة الفائدة مطلع العام المقبل، حين تنضم إلى لجنة السوق المفتوحة بصفتها عضواً مصوّتاً.

وقالت: «بحلول موعد اجتماع نهاية يناير، ستكون لدينا معلومات أوفر بكثير، آمل أن تساعد على توضيح توقعات التضخم والتوظيف، إضافةً إلى تقييم المخاطر المصاحبة».


ديون مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي تقفز إلى 125 مليار دولار

صورة جوية لمركز بيانات «أمازون ويب سيرفيسز» في آشبورن - فيرجينيا - أكتوبر 2025 (رويترز)
صورة جوية لمركز بيانات «أمازون ويب سيرفيسز» في آشبورن - فيرجينيا - أكتوبر 2025 (رويترز)
TT

ديون مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي تقفز إلى 125 مليار دولار

صورة جوية لمركز بيانات «أمازون ويب سيرفيسز» في آشبورن - فيرجينيا - أكتوبر 2025 (رويترز)
صورة جوية لمركز بيانات «أمازون ويب سيرفيسز» في آشبورن - فيرجينيا - أكتوبر 2025 (رويترز)

مع انتشار «حمّى الذكاء الاصطناعي» التي دفعت الأسهم العالمية إلى مستويات قياسية، يتم تمويل مراكز البيانات اللازمة لتشغيل هذه التكنولوجيا بشكل متزايد عن طريق الديون، مما زاد المخاوف بشأن المخاطر.

وقال تقرير صادر عن «يو بي إس» الشهر الماضي، إن صفقات تمويل مراكز بيانات ومشاريع الذكاء الاصطناعي قفزت إلى 125 مليار دولار حتى الآن هذا العام، مقارنة بـ15 مليار دولار في الفترة نفسها من 2024، مع توقع أن يكون المعروض الإضافي من هذا القطاع محورياً لأسواق الائتمان في 2026، وفق «رويترز».

وقال أنتون دومبروفيسكي، متخصص محفظة الدخل الثابت في «تي رو برايس»: «يبدو أن الائتمان العام والخاص أصبح مصدر تمويل رئيسياً لاستثمارات الذكاء الاصطناعي، ونموه السريع أثار بعض المخاوف». وأضاف: «على الرغم من أن زيادة المعروض حتى الآن قوبلت بطلب صحي نسبياً، فإن هذه المنطقة تستحق المتابعة، خصوصاً مع الأخذ في الاعتبار تقديرات الاحتياجات التمويلية الكبيرة».

وحذّر بنك إنجلترا الأسبوع الماضي، من أن الدور المتزايد للديون في طفرة بنية تحتية للذكاء الاصطناعي، قد يزيد من المخاطر المحتملة على الاستقرار المالي إذا حدث تصحيح في التقييمات.

وقال كريستوفر كرامر، مدير محفظة ومتعامل أول في فريق الائتمان الاستثماري لدى «نيوبيرغر»، لـ«رويترز»، إن السوق شهدت تحولاً هيكلياً مع تمويل كبرى شركات التكنولوجيا لطموحات البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. وأضاف: «لم تكن هذه الشركات محور تركيزنا في السوق من ناحية إصدار الديون، وهذا يتغير بشكل كبير... كلما حدث ذلك، يخلق كثيراً من الفرص». وأضاف: «نحن متحمسون من ناحية أن السوق تتغير، وستخلق ديناميكية مختلفة، ما يتيح فرصة لتحمل المخاطر وخلق قيمة لمستثمرينا».

وفيما يلي 5 نقاط رئيسية توضح كيف أصبح التمويل بالديون جزءاً متزايداً من سباق الذكاء الاصطناعي للمساحة:

1. «أوراكل»: ارتفاع عقود المبادلة ضد التخلف عن السداد يعكس قلق المستثمرين

انخفضت أسهم «أوراكل» بنسبة 13 في المائة يوم الخميس، مما أدى إلى بيع واسع في قطاع التكنولوجيا، بعد أن زادت الإنفاقات الضخمة والتوقعات ضعيفة الشكوك حول سرعة تحقيق العوائد من الرهانات الكبيرة على الذكاء الاصطناعي.

وقال مسؤولون تنفيذيون في شركات التكنولوجيا، التي كانت تعتمد طويلاً على التدفقات النقدية القوية لتمويل المبادرات الجديدة، إن هذه النفقات ضرورية لتكنولوجيا ستغير طبيعة العمل وتجعل الأعمال أكثر كفاءة، مشيرين إلى أن الخطر الأكبر يكمن في عدم الاستثمار الكافي وليس في الإفراط في الإنفاق.

وفي ذروتها في سبتمبر (أيلول)، كادت أسهم «أوراكل» تتضاعف منذ بداية العام بدعم من صفقة بقيمة 300 مليار دولار مع شركة «أوبن إيه آي»، لكنها انخفضت منذ ذلك الحين بنسبة 44 في المائة.

وفي سبتمبر، أشارت وكالة التصنيف الائتماني الأميركية «موديز» إلى عدة مخاطر محتملة في عقود «أوراكل» الجديدة، لكنها لم تتخذ أي إجراء بشأن التصنيف.

وقد أصبحت مستويات ديون «أوراكل» محور تركيز المستثمرين، في ظل زيادة إصدار الديون المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فيما ارتفعت عقود المبادلة ضد التخلف عن السداد (CDS)، وهي شكل من أشكال التأمين ضد التخلف عن السداد، إلى أعلى مستوياتها خلال 5 سنوات على الأقل.

وباعت شركة «سابا» لإدارة رأس المال، التي يديرها بواز وينشتاين، مشتقات ائتمانية خلال الأشهر الأخيرة للمقرضين الباحثين عن حماية من شركات مثل «أوراكل» و«مايكروسوفت»، وفقاً لتقرير «رويترز» الشهر الماضي.

أسلاك داخل مركز بيانات «مايكروسوفت» قيد الإنشاء في ويسكونسن - الولايات المتحدة - سبتمبر 2025 (رويترز)

2. ارتفاع الاقتراض بدرجة الاستثمار المرتبط بالذكاء الاصطناعي

شهدت سوق الديون ذات الدرجة الاستثمارية تدفقاً هائلاً لإصدارات التكنولوجيا في الأشهر الأخيرة. وتضمنت الصفقات الضخمة في سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) 18 مليار دولار من «أوراكل»، و30 مليار دولار من «ميتا». كما أعلنت شركة «ألفابت»، مالكة «غوغل»، عن اقتراض جديد.

وتقدر «جي بي مورغان» أن الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تمثل 14 في المائة من مؤشر الديون ذات الدرجة الاستثمارية، متجاوزة البنوك الأميركية بوصفها قطاعاً مهيمناً.

لكن صفقات شركات التكنولوجيا الكبرى لا تزال تمثل جزءاً بسيطاً من نحو 1.6 تريليون دولار المتوقع إصدارها من الديون ذات الدرجة الاستثمارية في الولايات المتحدة عام 2025.

3. مزيد من السندات مرتفعة العائد المرتبطة بالذكاء الاصطناعي

شهدت سوق الديون مرتفعة العائد، التي تضم الشركات ذات التصنيف الائتماني الأقل مع عوائد أعلى للمستثمرين، إصداراً متزايداً مرتبطاً بالذكاء الاصطناعي.

وبشكل عام، بلغ إصدار سندات التكنولوجيا المتعثرة مستوى قياسياً، وفقاً لبيانات «ديلوجيك».

وقال آل كاترمول، مدير محفظة الدخل الثابت وكبير المحللين في «ميرابو» لإدارة الأصول، إنه حتى 25 نوفمبر (تشرين الثاني)، لم يستثمر فريقه في أي من السندات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي؛ سواء كانت ذات درجة استثمارية أو عالية العائد التي ظهرت مؤخراً في السوق. وأضاف: «حتى نرى تسليم مراكز البيانات في الوقت المحدد ووفق الميزانية، وتوفير قوة الحوسبة المطلوبة - ولا يزال هناك طلب عليها - فهي غير مختبرة. وبما أنها غير مختبرة، أعتقد أنك تحتاج إلى تعويض مثل الأسهم... وليس الديون».

4. الدور المتزايد للائتمان الخاص في تمويل الذكاء الاصطناعي

يلعب الائتمان الخاص - الممنوح من شركات استثمارية وليس البنوك - دوراً متزايداً في تمويل مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.

وتقدر «يو بي إس» أن قروض الذكاء الاصطناعي من الائتمان الخاص قد تضاعفت تقريباً خلال الاثني عشر شهراً حتى أوائل 2025.

وتقدر «مورغان ستانلي» أن أسواق الائتمان الخاص قد توفر أكثر من نصف الـ1.5 تريليون دولار المطلوبة لبناء مراكز البيانات حتى 2028.

5. تجديد المنتجات المهيكلة

ستسهم المنتجات المهيكلة؛ مثل الأوراق المالية المدعومة بالأصول (ABS)، أيضاً في نمو صناعة الذكاء الاصطناعي، وفقاً لـ«مورغان ستانلي».

وتقوم هذه المنتجات بدمج الأصول غير السائلة مثل القروض، وديون بطاقات الائتمان، أو - في سياق الذكاء الاصطناعي - الإيجار المستحق لمالك مركز البيانات من مستأجر كبير في التكنولوجيا، في ورقة مالية قابلة للتداول.

وبينما تمثل البنية التحتية الرقمية 5 في المائة فقط، أي 82 مليار دولار، من إجمالي سوق الأوراق المالية المدعومة بالأصول الأميركية البالغة نحو 1.6 تريليون دولار، تشير بيانات «بنك أوف أميركا» إلى أنها توسعت أكثر من 9 أضعاف في أقل من 5 سنوات. وتقدر أن مراكز البيانات دعمت 63 في المائة من هذه السوق، ومن المتوقع أن تضيف من 50 إلى 60 مليار دولار من المعروض في 2026.

ويُنظر إلى الأوراق المالية المدعومة بالأصول بحذر منذ أزمة 2008، عندما تبين أن مليارات الدولارات من هذه المنتجات كانت مدعومة بقروض متعثرة وأصول معقدة وغير سائلة للغاية.