5 عائلات هندية بينها أطفال تهرب إلى «داعش»

19 بالغاً و3 أطفال استقروا في إقليم ننجرهار الأفغاني الواقع على الحدود مع باكستان

في انتظار وصول الحافلات بالميدان الرئيسي بولاية كيرالا (واشنطن بوست)
في انتظار وصول الحافلات بالميدان الرئيسي بولاية كيرالا (واشنطن بوست)
TT

5 عائلات هندية بينها أطفال تهرب إلى «داعش»

في انتظار وصول الحافلات بالميدان الرئيسي بولاية كيرالا (واشنطن بوست)
في انتظار وصول الحافلات بالميدان الرئيسي بولاية كيرالا (واشنطن بوست)

الواضح أن الأشخاص الذين يتطلعون إلى التحول إلى متطرفين بدأوا في هدوء في الرحيل عن هنا، في مايو (أيار)، وذلك في مجموعات لا يتجاوز عدد أفرادها 3، تجنباً لإثارة الشكوك.
وبحلول الوقت الذي أدرك فيه أقاربهم اختفاءهم، كانت 5 أسر - بعضها يضم أطفالاً صغاراً - قد رحلت عن منازلها المريحة، ووظائف أبنائها كأطباء وأصحاب أعمال، لخوض غمار رحلة محفوفة بالمخاطر إلى المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» في أفغانستان.
حالياً، تعتقد السلطات أن 19 بالغاً و3 أطفال استقروا في إقليم ننجرهار الأفغاني، الواقع على الحدود مع باكستان. وقد أثار رحيلهم القلق بخصوص نطاق نفوذ «داعش» داخل الهند، والتطرف المتنامي داخل كيرالا، وهي ولاية جنوبية لها روابط عميقة بدول شرق أوسطية، من خلال العمالة المهاجرة.
وقد لقي اثنان من أبناء كيرالا مصرعهما في خضم هجمات بطائرات دون طيار في ننجرهار، منها هجوم وقع في 11 أبريل (نيسان) الحالي، حسبما ذكر عدد من الأقارب. ووقع هجوم آخر في 13 أبريل، عندما أسقطت القوات الأميركية قنبلة بالغة الضخامة، تعرف بـ«أم القنابل» على مجمع كهوف من المعتقد أن قيادات مسلحة تختبئ به.
وجاء 13 هندياً من بين ضحايا الهجوم، الذين بلغ عددهم 94 شخصاً، حسبما أفادت السلطات الأفغانية. إلا أنه لم يتم تحديد ما إذا كان أي من الضحايا من كيرالا على وجه التحديد. ولا يزال الأمل يحدو أقارب الفارين إلى «داعش»، خصوصاً أن أحد الفارين بعث برسالة صوتية لوالده هذا الأسبوع يطمئنه أنهم جميعاً نجوا من الهجوم.
ومع ذلك، أذعنت الغالبية أمام فكرة أنهم لن يروا أقاربهم الفارين مرة أخرى قط. من بين هؤلاء، عبد الرحمن حمزة، 66 عاماً، الأب المكلوم لطبيب وموظف بأحد المدارس، اللذين اصطحبا زوجتيهما في شهور الحمل، وحفيد له لا يتجاوز عمره العامين، إلى الإقليم الأفغاني النائي. وقال الأب: «ليقتلوا في القصف، لن آبه لذلك! إن ما يفعلونه يتنافى مع الإسلام؛ إن الإسلام الحقيقي لا يروج للإرهاب».
بوجه عام، فإن ما يقدر بـ100 هندي رحلوا عن الهند للانضمام إلى «داعش» في سوريا والعراق وغيرهما، مما يشكل نسبة بالغة الضآلة من إجمالي المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى التنظيم الإرهابي خلال العامين الماضيين، تبعاً لما أفاد به أجاي ساهني، المدير التنفيذي لـ«معهد إدارة الصراعات» في نيودلهي.
من ناحية أخرى، فإن «داعش» يعد مصدراً لتهديد أقل تجاه الهند عن تنظيمات إرهابية أخرى، تتخذ من باكستان المجاورة مقراً لها، مثل «عسكر طيبة»، التي تتحمل مسؤولية حصار مدينة مومباي عام 2008، حسبما أضاف ساهني.
ومع ذلك، تبقى هناك مؤشرات مثيرة للقلق، منها أن 10 أشخاص على الأقل مشتبه في كونهم نشطاء لحساب «داعش» جرى إلقاء القبض عليهم خلال حملة أمنية واسعة شملت 6 ولايات، الخميس. وفي أعقاب تبادل لإطلاق النار بين الشرطة ومسلح مشتبه به، أسفر عن مقتل الأخير في مارس (آذار)، حثت قناة على «تيلغرام»، موالية لـ«داعش»، المسلمين الآخرين على شن هجمات داخل الهند، تبعاً لتقرير نشره موقع مراقبة حكومي (سايت إنتليجنس غروب). وحرضت أشرطة «داعش» مشاهديها على: «اقتلوهم، اطعنوهم، اصدموهم بسيارة، استخدموا الأسلحة النارية أو أي أسلحة تملكونها. اجعلوهم ضعفاء، وأريقوا دماءهم مثل الماء».
تجدر الإشارة إلى أن ولاية كيرالا - الملاذ السياحي الذي لطالما اشتهر بالبحيرات المالحة والشواطئ المتلألئة - شكلت منذ أمد بعيد واحدة من أكثر ولايات الهند تنوعاً وارتفاعاً في مستويات التعليم. ومع ذلك، شهدت العقود الأخيرة ترسخ وجود نمط أكثر تطرفاً، حسبما أوضحت السلطات، جاء نتاجًا لعودة العمالة المهاجرة في الشرق الأوسط.
يذكر أن ما يقدر بـ2.2 مليون من أبناء كيرالا يعملون في دول خليجية، وقد أرسلوا إلى الوطن حوالات بقيمة 10 مليارات دولار عام 2016، تبعاً لما أعلنه مركز الدراسات الإنمائية في ثيروفانانثابورام، عاصمة كيرالا.
وترتب على هذه الصلات القائمة لعقود تغييرات كبرى وأخرى صغيرة. على سبيل المثال، تضم الولاية 3 مطارات دولية تنقل العمال من دبي والسعودية وغيرهما بصورة يومية. ولدى عودتهم إلى الوطن، يغدق العمال المال على بناء مساكن فاخرة، في الوقت الذي تتحول فيه المزيد من المسلمات لارتداء البرقع الكامل.
داخل بادانا، بدأ أبناء حمزة في ارتياد مدرسة لتحفيظ القرآن، تولى إدارتها عبد الرشيد عبد الله، 30 عاماً، مهندس ترك وظيفته في القطاع الخاص كي يتفرغ لتحفيظ القرآن. وكان عبد الله قد انتهج تياراً صارماً من الإسلام يدعى السلفية في أعقاب وفاة نجله الأكبر، تبعاً لما ذكره ألوك ميتال، المفتش العام بالوكالة الوطنية الهندية للتحقيقات.
وخلال الشهور التي سبقت اختفائهم، زاد مستوى الالتزام الديني لدى الشقيقين إياس عبد الرحمن، 34 عاماً (طبيب)، وشقيقه الأصغر شياس عبد الرحمن، 26 عاماً، على نحو ملحوظ حسبما ذكر أقاربهما. وتوقف الشقيقان عن ارتياد دور السينما، وحذفوا الصور العائلية من هواتفهما الجوالة.
وقد رحلت أولاً أسرة شياس، الذي أخبر والديه أنهم سينتقلون إلى مدينة مجاورة سعياً وراء المزيد من الدراسات الدينية. وبعد أسابيع قليلة، رحلت أسرة إياس أيضاً بدعوى نيله وظيفة في مستشفى في جزر لكشديب. وفي نهاية الأمر، نجحت السلطات في جمع معلومات تؤكد رحيل 5 أسر للانضمام إلى «داعش»، وأن أفرادها حصلوا على أسلحة، وتلقوا تدريباً دينياً لدى وصولهم أفغانستان، حسبما ذكر ميتال. من ناحيته، علق كيه. مادهو، ضابط شرطة بالولاية على معرفة وطيدة بالأسرة، بقوله: «هذا نمط من الإيمان الأعمى. كل هؤلاء الأشخاص كانوا شديدي الثراء. لم يكونوا بحاجة إلى المال. ومع ذلك، تخلوا عن جميع المتع الحسية مقابل العيش بأسلوب ينتمي إلى القرون الوسطى يشبه حياة الرعاة».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ {الشرق الأوسط}



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.