خيارات واشنطن للتعامل مع روسيا والأزمة السورية

تحذير من توتر العلاقات بين واشنطن وموسكو... وأربعة احتمالات أمام بوتين

خيارات واشنطن للتعامل مع روسيا والأزمة السورية
TT

خيارات واشنطن للتعامل مع روسيا والأزمة السورية

خيارات واشنطن للتعامل مع روسيا والأزمة السورية

تبادلت كل من واشنطن وموسكو الاتهامات وإلقاء اللوم والمسؤولية حول الهجوم الكيماوي السوري على مدينة خان شيخون والضربات الأميركية على مطار الشعيرات، ولاحت ملامح توتر لم تشهدها العلاقات منذ الحرب الباردة مع اتهامات واشنطن لموسكو بعلم المسؤولين الروس بتخطيط نظام الأسد شن هجوم كيماوي على المدينة.
ويخشى المحللون من أن إقدام روسيا على وقف الاتصالات مع الولايات المتحدة بشأن السلامة الجوية التي تتضمن بروتوكولات لسلامة الطيارين واستخدام ترددات معينة للاتصالات لتجنب أي اشتباك جوي، يرفع الاحتمالات بوقع حادث كبير، ويحمل الأسئلة حول مدى تحمل الرئيس بوتين لفكرة نزاع مفتوح مع الولايات المتحدة، خاصة مع تزايد اتهامات واشنطن بعلم موسكو المسبق بالهجوم الكيماوي.
وقال مسؤول كبير بالبيت الأبيض في مؤتمر عبر الهاتف مع الصحافيين ظهر الثلاثاء: «لقد رأينا التصريحات الروسية المدافعة عن النظام السوري منذ عام 2013 وشن حملة واضحة لمحاولة التشويش على طبيعة الهجمات والمهاجمين في كل حدث». وأضاف مهاجما الروس: «التستر والتضليل هو الذي حدث منذ يوم الهجوم».
ويقول ليونيد بيرشيدسكي المحلل المتخصص في الشؤون الروسية، إن روسيا والولايات المتحدة أمام خطر كبير من اشتباك عسكري مباشر أكثر من أي وقت مضي منذ نهاية الحرب الباردة، وقيادة البلدين مدفوعة باعتبارات سياسية محلية والفائز الوحيد في ذلك هو تنظيم داعش. ويضيف أنه إذا لم تشارك الولايات المتحدة بشكل أكبر في سوريا لأجل تغيير النظام، فإن أولئك الذين اتهموا ترمب بكونه دمية في يد بوتين سيعيدون الهجوم عليه مرة أخرى.
من جانبه، يقول بيتر دوران نائب الرئيس التنفيذي لمركز تحليل السياسات الأوروبية (CEPA) بواشنطن، إن الضربة الأميركية في سوريا لم تكن مجرد عرض للقوة الأميركية، بل أدت إلى قلب مغامرة بوتين العسكرية في سوريا رأسا على عقب، واختلفت معها الحسابات والخيارات لدى روسيا من حسابات الفوز إلى حسابات احتمالات الخسارة، مشيرا إلى أن الخط الأحمر الذي رسمه أوباما ولم ينفذ تهديداته أدى إلى خلق فراغ للسلطة شغله بوتين في سوريا، وباستخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين سواء بمساعدة روسيا أو باستخدام إمكاناتها، فإن الأسد عاد مرة أخرى إلى الخط الأحمر الأميركي، لكن الرئيس ترمب قام بتنفيذ ضربته هذه المرة في قاعدة الشعيرات الجوية مظهرا استعداده لتولي زمام الأمور في سوريا، وأن روسيا لن تتمتع بخيارات سهلة في منطقة الشرق الأوسط.
ويشير الباحث الأميركي أن روسيا لديها أربعة خيارات، الأول هو تجاهل المشكلة لكن هذا الخيار يأتي على حساب ضعف مصداقية روسيا في عين سوريا وإيران والصين وغيرها من القوى الشرق أوسطية، إضافة إلى أن التجاهل سيتسبب في إحراج بوتين في الداخل ويؤثر على مكانته السياسية المحلية؛ ولذا فإن الرئيس بوتين لن يقدم على خيار تجاهل المشكلة.
ويضيف دوران: «الخيار الثاني هو التصعيد مع الولايات المتحدة لكنه يحرك روسيا إلى صراع قريب مع الولايات المتحدة وتحاول العقيدة العسكرية الروسية تجنب هذه النتيجة باهظة التكلفة. والواقع أن فرص الحرب غير المرغوب فيها هي أعظم مستويات التصعيد وهو المكان الذي يجد فيه بوتين نفسه، حاليا لكن الاقتصاد الروسي غير مستعد للحرب ومن المرجح أن تكون نتيجة التصعيد مع الولايات المتحدة سيئة لبوتين».
والخيار الثالث كما يقول الباحث الأميركي هو التشويش وإيجاد خيار ما بين التجاهل والتصعيد، وقد يتخذ هذا الخيار أشكالا كثيرة من خلال تشتيت الانتباه الدولي بعيدا عن سوريا إلى التركيز في أماكن أخرى، مثل تكثيف الصراع في شرق أوكرانيا أو حشد دفاعات الناتو في مناطق بحر البلطيق أو البحر الأسود، إلا أن هذه الخطة للإلهاء والتشتيت لن تحل مشكلة مصداقية بوتين في سوريا ولن تزيل تماما خطر نشوب صراع أوسع بين روسيا والغرب. والخيار الرابع هو تخفيف حدة التوتر مع الولايات المتحدة والاستجابة لفرص حل الصراع وهو ما يسعى وزير الخارجية الأميركية لفرضه والضغط على الجانب الروسي لقبوله.
وقبل اجتماعه بنظيره الروسي، شدد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون على أن بلاده لا ترى مستقبلا لبشار الأسد في سوريا وقال: «في الأسبوع الماضي قتل نظام بشار الأسد كثيرا من شعبه باستخدام الأسلحة الكيماوية، وكانت ضرباتنا الصاروخية ردا على استخدامه المتكرر للأسلحة المحظورة أمرا ضروريا، فيه مصلحة للأمن القومي الأميركي، حيث إننا لا نريد أن يقع مخزون الأسلحة الكيماوية في أيدي (داعش) أو الجماعات الإرهابية الأخرى التي تريد أن تهاجم الولايات المتحدة وحلفاءها، كما لا يمكننا أن نقبل بتطبيع استخدام الأسلحة الكيمياوية من جانب أطراف أو بلدان أخرى في سوريا أو في أي مكان آخر. ومع تحول الأحداث ستواصل بلادنا تقييم خياراتها وفرصها الاستراتيجية لتخفيف حدة العنف في جميع أنحاء سوريا».
وأوضح وزير الخارجية الأميركي أن تفعيل مفاوضات آستانة لوقف دائم لإطلاق النار سيعجل من فرص نجاح مؤتمر جنيف وأضاف أن «كثيرا من الدول تتطلع إلى عملية جنيف لحل الصراع السوري بطريقة تنتج الاستقرار وتمنح الشعب السوري فرصة لتحديد مستقبل بلاده السياسي، وأملنا هو ألا يكون بشار الأسد جزءا من ذلك المستقبل، وإذا أصبحت مفاوضات آستانة لوقف إطلاق النار فعالة فإن ذلك سيتيح لمؤتمر جنيف فرصة أكبر لتوصل لحل سياسي، ولكن لم تحرز مفاوضات آستانة كثيرا من التقدم حتى الآن».
وأضاف تيلرسون: «فيما يتعلق بمستقبل بشار الأسد فمن المهم أن نقوم بعملية سياسية تؤدي إلى النتيجة النهائية لكيفية حكم سوريا، وأعتقد أنه من الواضح لنا جميعا أن عهد أسرة الأسد يقترب من نهايته».
وانتقد الوزير تيلرسون عدم التزام روسيا بالاتفاقات الأممية المتعلقة بالأسلحة الكيماوية، وقال إنه من الواضح أن روسيا فشلت في التمسك بالاتفاقات التي أبرمت بموجب كثير من قرارات مجلس الأمن الدولي، وقد نصت تلك الاتفاقيات على أن روسيا هي الضامن لخلو سوريا من الأسلحة الكيماوية، لافتا إلى أن المخزونات والاستخدام المستمر أوضح فشل روسيا في تحمل مسؤوليتها عن الوفاء بهذا الالتزام الذي تم في عام 2013 «ومن غير الواضح ما إذا كانت روسيا لم تأخذ هذا الالتزام على محمل الجد، أم أنها لم تكن كفؤة، ولكن المؤكد أن كثيرا من المواطنين السوريين ماتوا بسبب الأسلحة الكيماوية، والولايات المتحدة لن تدع ذلك يحدث مجددا».
واعتبر الوزير الأميركي نظام الأسد شريكا غير موثوق به لروسيا وقال: «أتمنى أن تكون روسيا قد عرفت أنها تقف بجانب شريك غير موثوق فيه، حيث جعل الأسد الروس يظهرون بشكل غير جيد باستخدامه الأسلحة الكيماوية، وأعتقد أنه من المفيد أيضا التفكير في أن روسيا انحازت إلى بشار الأسد و(حزب الله) وإيران، وهنا نتساءل حول ما إذا كانت روسيا تفضل أن يكون لديها تحالف طويل الأجل وتنسيق مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى ودول الشرق الأوسط الذين يريدون حلا للأزمة السورية؟ وعلى أي حال نحن نريد تخفيف معاناة الشعب السوري وبإمكان روسيا أن تكون جزءا وتلعب دورا مهما وبالتالي ستتمكن من الحفاظ على تحالفها معنا».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».