السلمي يحلل «العنف اللفظي وبلاغة التحريض في خطاب داعش»

السلمي يحلل «العنف اللفظي وبلاغة التحريض في خطاب داعش»
TT
20

السلمي يحلل «العنف اللفظي وبلاغة التحريض في خطاب داعش»

السلمي يحلل «العنف اللفظي وبلاغة التحريض في خطاب داعش»

صدر عن مركز «المسبار» للدراسات والبحوث في دبي، دراسة حملت عنوان «العنف اللفظي وبلاغة التحريض في خطاب (داعش)»، من إعداد الدكتور عبد اللطيف السلمي، الأستاذ في علم اللغة بجامعة جدة.
الكتاب ناقش ثلاث قضايا جوهرية، وهي: تحديد العنف اللفظي، وبيان مظاهره اللغوية والخطابية ومقاصده التداولية، وإجراء تصنيف أو نمذجة لأشكاله، والكشف عن الآليات الدلالية والتداولية والسيميائية «للعنف اللفظي» انطلاقاً من خطابات تنظيم داعش.
الفصل الأول من الكتاب حمل عنوان «العنف اللفظي: بحث في الدلالة والخطاب»، الذي فيه لاحظ الباحث أن العنف اللفظي ليس موضوعاً واضحاً ودقيق المعالم، بل هو مفهوم يُطابقه تعريف دلالي متغير، تختلف دلالته حسب مجالات استعمالاته. فمعناه يتغير بسرعة مع مرور الوقت ارتباطاً مع أحداث الحياة السياسية، إذ يتحول بموجبها العنف، خصوصاً عند التنظيمات المتطرفة إلى تطرف ثم إلى إرهاب.
ولإعادة بناء مفهوم العنف اللفظي استعان المؤلف بنموذج نظري في اللسانيات التداولية، يأخذ بعين الاعتبار دلالة الممكنات الحجاجية التي ترتكز على دمج الدلالة في التداوليات، وفك شفرات المعنى المعجمي كما تضمره خطابات تنظيم داعش.
في الفصل الثاني الذي حمل عنوان: «العنف اللفظي الاقتضاء التداولي والخطابي»، ناقش الكاتب ما إذا كان تنظيم داعش استطاع في خطاباته السيطرة على اللغة التي يتكلّمها فاعلاً بها ما يريد وفق شروطه الخاصة ومشكّلاً إياها وفق تصوراته المسبقة، أم أن اللغة تلعب دوراً أساسيّاً في عملية التعبير، بحيث تفرض شروطها وتتحول متكلِّماً نيابة عن التنظيم. وقد أظهرت خطابات «داعش» كيف أن اللغة يمكن أن تستخدم لتنجز وعداً أو وعيداً أو تصريحاً أو تهديداً أو توبيخاً أو ترهيباً أو ترغيباً، وقد ذهب تنظيم داعش بعيداً في استعماله لهذه اللغة لخدمة مقاصده، مستغلاّ وظيفتها الإقناعية.
أما في الفصل الثالث من الكتاب: «العنف اللفظي: الآليات السيميائية والتأويلية»، فرصد الباحث الخطاب الداعشي على الشبكة العنكبوتية، والذي وجد التنظيم فيها هويته الإلكترونية، كما أكد على أن الدعاية الرسمية للتنظيم والمنشورة على شبكة الإنترنت هي دعاية أكثر تعقيداً من تلك التي نملك عنها تصوراً، والتي تروج لها وسائل الإعلام الرئيسية. كما ركز في هذا المبحث على التقنيات الجاذبة التي تستعملها الدعاية «الجهادية» الداعشية لتجنيد المتعاطفين الجدد.
استراتيجية «داعش» الجاذبة استفادت من الأزمات التي يعانيها الأفراد، على مستوى الهوية الاجتماعية والسياسية والدينية والاقتصادية، إذ إن الأمر يتعلق بأزمة هوية تطال وتميز المجتمعات المعاصرة، لتأتي «داعش» وتقدم نفسها كبديل للدولة الوطنية وللأسرة. ولذلك كان الشباب الأكثر عرضة للتطرف العنيف، هم أولئك الذين يعانون من صعوبة الاندماج في مجتمعاتهم، وفي العثور على مكان لهم فيها. لذا يطمحون من خلال انضمامهم للتنظيمات المتطرفة إلى عيش شكل جديد من أشكال الذاتية والحرية. ذلك ما تقدمه «داعش» عبر خطاباتها، من تركيز على الهوية والتحريض على الكراهية والرفض من المجتمع، والعنف ضد الدول «الملحدة والمرتدة والكافرة»، ومن يساند هذه الدول من شرطة وجيش وعلماء. كما تسعى لتكريس القداسة والشرعية وتمجيد الخليفة وجنوده، وترسخ ذلك عبر ترديد أوصاف من قبل: جنود الخلافة / أسود الخلافة / فرسان «الجهاد»، وغيرها مما تعج به مجلاتهم وأشرطة الفيديو الدعائية.



أسلحة مزخرفة من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي

خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي
خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي
TT
20

أسلحة مزخرفة من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي

خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي
خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي

يحتلّ موقع ساروق الحديد مكانة عالية في سلسلة المواقع الأثرية التي كشفت عنها عمليات التنقيب المتلاحقة في الإمارات المتحدة، ويتميّز بترابه الأثري الذي يشهد له الكم الهائل من اللقى التي خرجت منه في العقدين الأخيرين. تشكّل هذه اللقى مجموعات عدة مستقلة، منها مجموعة كبيرة من الأسلحة المعدنية تحوي خنجرين فريدين من نوعهما، لكل منهما مقبض منحوت على شكل فهد رابض يمدّ قائمتيه الأماميتين في الأفق.

تتبع منطقة ساروق الحديد إمارة دبي، وتجاور قرية الفقع بين مدينة دبي ومدينة العين التابعة لإمارة أبوظبي. شرعت دائرة التراث العمراني والآثار التابعة لبلدية دبي في استكشاف هذا الموقع في عام 2002، بالتعاون مع عدد من البعثات الأجنبية، وأدت حملات التنقيب المتواصلة خلال السنوات التالية إلى العثور على مجموعات متنوعة من اللقى تعود إلى فترات زمنية تمتد من العصر البرونزي إلى العصر الحديدي، منها مجموعة من الأختام، ومجموعة من الأواني الطينية، ومجموعة من الأدوات المعدنية.

تنقسم مجموعة الأدوات المعدنية إلى مجموعات عدة، أكبرها مجموعة من الأسلحة تعود إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، تشابه في صناعتها وفي صياغتها أسلحة معاصرة لها خرجت من مواقع أثرية أخرى في الإمارات وفي المناطق المجاورة لها. يأخذ القسم الأكبر من هذه الأسلحة شكل خنجر من الحجم المتوسط، يتكوّن من مقبض بسيط ونصل مروّس. يبدو المقبض مجرّداً من الزينة في أغلب الأحيان، غير أن بعض النماذج تخرج عن هذا السياق، وتتميّز بنقش زخرفي متقن يشهد لأسلوب فني ساد في هذه الناحية من الجزيرة العربية كما يبدو.

يتجلّى هذا النقش الناتئ في خنجر من البرونز يتكون من مقبض يبلغ طوله 13 سنتيمتراً، ونصل طوله 16 سنتيمتراً. يتكوّن هذا النقش من مساحات زخرفية مختلفة، تشكّل معاً تأليفاً تجريدياً يجمع بين تقاسيم متناغمة. يعلو هذا التأليف شريط أفقي يحدّ قاعدة نصل الخنجر، تزيّنه سلسلة من الحبيبات المتلاصقة. يستقرّ هذا الشريط فوق مساحة مكعّبة تأخذ شكل تاج تزيّنه زخرفة حلزونية مكوّنة من مفردتين تشكيليتين معاكستين. في النصف الأسفل من هذا المقبض، تحضر مساحة مستطيلة تزينها سنابل منتصبة محوّرة هندسياً، تستقرّ في إطار يحدّه شريطان مزخرفان بشبكة من الخطوط الأفقية. ترتفع هذه الكتلة المتراصة فوق قاعدة أسطوانية، وتشكلّ هذه القاعدة الطرف الأسفل لهذا المقبض البديع.

يحضر هذا النقش بشكل مشابه في خنجر آخر يبلغ طول نصله الحديدي 13.7 سنتيمتر، وطول مقبضه البرونزي 9 سنتيمترات. ويظهر هذا التشابه من خلال السنابل المنتصبة في كتلة مستطيلة تشكّل عموداً يعلوه تاج يزينه تأليف حلزوني مماثل. يستقر هذا العمود فوق قاعدة أسطوانية مجرّدة، ويشكّل معها تكوين مقبض هذا الخنجر الذي تأكسد نصله الحديدي العريض.

يبرز في هذا الميدان خنجران فريدان من نوعهما يحمل كل منهما مقبضاً نُحت على شكل حيوان من فصيلة السنّوريّات، يمثّل كما يبدو فهداً رابضاً. يتشابه هذان الخنجران البرونزيان من حيث الحجم تقريباً، غير أنهما يختلفان في التكوين، ويظهر هذا التباين عند دراسة مقبض كل منهما؛ إذ يحمل أحدهما صورة فهد مجسّم، ويحمل الآخر صورة مزدوجة لهذا الفهد. يظهر الفهد المفرد في خنجر يبلغ طول نصله المقوّس بشكل طفيف 19.5 سنتيمتر، وطول مقبضه 14 سنتيمتراً. يتكوّن هذا المقبض من مجسّم على شكل فهد ينتصب عمودياً فوق قاعدة تأخذ شكل تاج تزينه زخرفة حلزونية، تماثل في تأليفها النسق المعتمد. يشكّل رأس هذا الفهد قمة المقبض، وملامحه واضحة، وتتمثّل بعينين دائريتين، وأنف شامخ، وشدقين مفتوحين. يرتفع هذا الرأس فوق عنق طويل مقوّس، يحدّه عقد من الحبيبات الناتئة، يفصل بينه وبين البدن. يتكوّن هذا البدن من صدر طويل مستطيل، تعلوه قائمتان أماميتان تمتدّان في الأفق، مع قدمين مقوّستين بشكل طفيف. الفخذان عريضتان، والذيل منسدل، وهو على شكل ذيل الأسد، ويتميز بخصلة عريضة تعلو طرفه، تنعقد هنا بشكل حلزوني.

يتكون الخنجر الآخر من نصل يبلغ طوله 16 سنتيمتراً، ومقبض على شكل قوس منفرج طوله 12.5 سنتيمتر. تتكرّر صورة الفهد، مع اختلاف في التفاصيل؛ إذ يغيب الطوق الذي يحيط بالعنق، وتستقيم القائمتان الأماميتان عمودياً، وتحضر في وسط العين نقطة غائرة تمثّل البؤبؤ. ينتصب هذا الفهد فوق فهد آخر يظهر بشكل معاكس له، ويشكّل رأس هذا الفهد المعاكس الطرف الأسفل للمقبض، وقاعدة للنصل المنبثق من بين فكّيه.

يمثّل هذان الخنجران حالة فنية استثنائية في ميدان مجموعات الأسلحة المتعددة التي خرجت من مواقع الإمارات الأثرية، ومواقع سلطنة عُمان التي شكّلت امتداداً لها، ويبرزان بطابعهما التصويري الذي يأخذ هنا شكل منحوتتين مجسّمتين. تعكس هاتان المنحوتتان أثر بلاد السند وبلاد الرافدين، غير أنّهما تتميّزان بطابع محلّي خاص، ويظهر هذا الطابع في قطع أخرى تنتمي كذلك إلى ما يُعرف تقليدياً بالفنون الصغرى.